بيوتٌ ومقارٌ ومعالمُ أثريةٌ وتاريخية في قطاع غزة، تمثلُ هويةَ شعبنا وقضيته، فهي تاريخٌ لا يباع ولا يشترى، ولا يقبل العبث أو الإهمال، مهما تعاقبت الأجيال أو تغيرت الأحوال.
اليوم، تغرق هذه الأماكن والآثار في واقعٍ بائسٍ، بفعل حالة الانقسام السياسي، وضعف الرقابة، واستهتار بعض المواطنين بقيمتها، فمنها ما تحوّل مكبًا للنفايات، ومنها ما تهاوت حجارتُه نتيجة عدم الترميم وإهمال الجهات المسؤولة عنها، وأماكن حوّلتها سنواتُ هجرةِ أصحابها إلى زقاقٍ تسكنه الكلاب والقطط، أو زوايا يتبوّل فيها المارة، وفق إفادات مواطنين يعيشون في محيط هذه الأماكن الأثرية.
المواطن نبيل برزق، من سكان البلدة القديمة وسط مدينة غزة، أكّد أنّ عددًا من الأماكن الأثرية والمقار الوطنية التاريخية صارت مكبَ قمامةٍ، يتدافع إليه مواطنون لإلقاء مخلفات منازلهم ومحالهم التجارية فيها، وبعضها تحول إلى مساكنَ لقطط وكلابٍ، بعد إهمالها وتركها دون ترميم.
برزق قال لمراسل الهدف، "عندما ننظر إلى مقرٍ وطنيّ تاريخيّ كمقرّ منظمة التحرير الفلسطينية، على سبيل المثال، والواقع خلف "سوق الزاوية"، يتحول إلى مكانٍ مهجورٍ بجُدران متهالكة، ومَربطًا لحيواناتِ وعربات البائعين في السوق، ينتابنا شعورٌ بالحسرة والأسف على الحال التي آل إليها هذا المكان".
وتطرّق برزق في حديثه إلى قضية هدم الأماكن الأثرية في غزة، قال "كل يوم نرى بأعيننا أماكن قديمة وذات قيمة تاريخية تتعرض لعمليات تجريف وهدم بهدف إنشاء محال ومجمّعات تجارية مكانَها، أقواسٌ أثرية وزخرفاتٌ تعود إلى العهد العثماني، شاهدناها تُهدَم بدون رقيبٍ أو حسيب!".
من المِنطقة ذاتها، التي تُعرَف كذلك باسم "سوق العِملة"، قال المواطنُ عبد الرحمن دلول، لمراسل الهدف، "تُوجد قصور أثرية تاريخية كانت عبارة عن معالم سياحية للزوار، المحليين والأجانب، تم هدمُها من قبل تجار، بعد شرائها من أصحابها الذين هاجروا من القطاع منذ سنوات".
وأضاف دلّول "الجميع يسمع عن أماكن أثرية معروفة في غزة، كحمام السمرة والمسجد العمري وقصر الباشا، إلّا أن هناك أماكن أخرى كثيرة غير معروفة، ولا تقل أهمية وقيمةً تاريخية عن سائر المعالم الأثرية الفلسطينية، لكن نتيجة إهمالها وعدم ترميمها تهاوت جدرانها، ونُهبَت محتوياتها".
أمام هذه التجاوزات كلّها، يبرز التساؤل حول الجهات الرسمية التي تتحمّل وِزرَ هذا الإهمال، وفي المقدمة منها وزارة السياحة والآثار في قطاع غزة، المسؤولة عن حماية ومتابعة أوضاع الأماكن التي تحمل قيمة تاريخية وأثرية خاصة، وترميمها والحفاظ عليها من التعدّيات بمختلف أشكالها.
رئيس دائرة الآثار بوزارة السياحة، جمال أبو ريدة، أقرّ بوجود العديد من التجاوزات والتعدّيات على الأماكن الأثرية في قطاع غزة، وأن هناك أشخاصًا أُلقيَ القبضُ عليهم ذمّة قضايا تتعلق بسرقة قطع وممتلكات من أماكن ومقار أثرية.
وقال أبو ريدة "تم إلقاء القبض على عددٍ من الأشخاص مؤخرًا، من قبل مباحث السياحة والآثار، يقومون ببيع وتهريب قطع أثرية، داخل وخارج قطاع غزة، بعد سرقتها من بيوت ومقار أثرية قديمة".
وأكّد أنّ التعدّيات على هذه الأماكن ذات القيمة التاريخية والتراثية تتجاوز السرقة، قائلًا "كشفنا تعدّياتٍ خطيرة، منها هدم بيوتٍ وقصورٍ ومعالمَ، ولدينا أسماء من قاموا بذلك".
وعن أسباب وقوع هذه التعدّيات، في وقتٍ يُفترض فيه أن تحظى الأماكن والمعالم الأثرية كافة، لرقابة دائمة ومُتابعة من طواقم وزارة السياحة والآثار، بما يضمن الحفاظ عليها وحمايتها، تذرّع المسؤول بأن المُتعدّين على هذه المواقع كانوا يستغلّون أوقات التصعيد الصهيوني وتغيّب الطواقم الحكومية، فضلًا عن انشغال الأجهزة الأمنية، ليقوموا بتعدّياتهم وأعمال التخريب والسرقة المُشار إليها.
وتابع أبو ريدة بأن الطواقم المختصة في الوزارة لاحقت هؤلاء المُتعدّين قانونيًا وأحالتهم إلى القضاء والنيابة.
وتعهّد رئيس دائرة الآثار بوزارة السياحة بتعزيز الجهود لصالح إعادة إعمار وترميم ما يحتاج لهذا من الأماكن الأثرية في قطاع غزة، واستكمال متابعة قضية التعدّيات وتجاوزات المواطنين على بعض المواقع.