الموقع الإخباري نفسه الذي كشف المُؤامرة ضد الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا، كشف مُؤخرًا عن تفاصيل خطّة مُعدّة لتدمير الأمازون..
وتلقى موقع The intercept الصادر باللغتين الانكليزية والبرتغالية، وثائق وتسجيلات تفضح مؤامرة لإحياء حلم عسكري قديم يرمي إلى استغلال منطقة الأمازون واستقطاب المزيد من السكان إليها ودمجهم بالسكان الأصليين بحجة حماية الحدود الشمالية المكشوفة أمنيًا بسبب قلّة السكان..
وتتضمن الخطة المعروفة باسم مشروع "بارون ريو برانكو"، مشاريع تنموية واسعة النطاق، ما يؤدي في النهاية إلى زيادة مساهمة منطقة الأمازون في الاقتصاد البرازيلي. مع ذلك فإن مشروع "ريو برانكو" سيستغل الموارد؛ وسيعمل على بناء الجسور والسدود والطرق السريعة على نطاق واسع؛ وجذب المواطنين من غير السكان الأصليين لتوطين المنطقة الشمالية، المناطق النائية البرازيلية قليلة السكان. ومن شأن كل مشروع أن يؤدي حتمًا إلى إزالة الغابات الثانوية وتعطيل المجتمعات المحلية..
الخطة تحدّد ثلاثة مشاريع بناء واسعة النطاق في ولاية بارا: سد كهرومائي، وجسر يمتد فوق نهر الأمازون، وتمديدًا للطريق السريع على طول الحدود مع سورينام. الهدف العام هو دمج المنطقة الشمالية النائية من ولاية بارا مع المناطق الجنوبية الصناعية الأكثر في الولاية، ومن هناك، مع بقية الولايات البرازيلية. يبدو أنّ الرئيس البرازيلي الحالي اليميني جاير بولسونارو في ورطة كبيرة هذه المرّة..
الوثائق المسرّبة أثبتت أنّ بولسونارو كان وراء حرائق الأمازون الأخيرة، وأنه يعمل بموجب خطّة تهدف إلى استغلال المنطقة وملئها بسكان من الولايات كافّة (من السّكان غير الأصليين) بحجة تأمين الحدود الشمالية للبلاد التي تتعرّض للاختراق بسبب انخفاض عدد السّكان في هذه الولاية. وبحسب الوثائق فإن الخطة تمّ تنسيقها في اجتماعاتٍ سريّة، بإشراف كولونيلٍ متقاعد.
الناشط الفلسطيني المهتم بالشأن البرازيلي، جاد الله صفا، أوضح أن "الرئيس بولسونارو أبدى ومنذ حملته الانتخابية عدم اهتمام بالقيمة الوطنية للأمازون، وصدَّر للناخب البرازيلي في ذلك الحين -2018- أن الأمازون ليست أولوية في حال فوزه في الانتخابات، واتهم فيما بعد استلامه للحكم منظمات غير حكومية بأنَّها وراء حرائق الأمازون، وأن الهنود وهم السكّان الأصليين لهذه البلاد يقفون أيضًا وراء هذه الحرائق مما خلق أزمة داخلية في البرازيل".
وأضاف صفا خلال اتصالٍ هاتفي مع "بوابة الهدف"، أن حكومة بولسونارو "لم تتخذ أي إجراء لمنع هذه الحرائق التي تُعادل بمساحتها خمسة أضعاف حرائق العام الماضي، ما يُثبت تورّط هذه الحكومة في الحرائق"، مُشيرًا أنه "عندما حصلت مشكلة كبيرة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبولسونارو بشأن الحرائق والدعوة لاجتماع السبعة الكبار في فرنسا وتبادل الاتهامات فيما بينهما، اتخذت الحكومة البرازيلية خطوات تجاه إخماد هذه الحرائق بطريقة غير جدّية، في ظل أن المباحث والمخابرات والجيش البرازيلي شاركوا في حملة إخماد الحرائق بسبب الضجّة العالمية التي حصلت داخل البرازيل والمظاهرات الكبيرة التي اتهمت الحكومة البرازيلية بالضلوع في الحرائق وتشجّع على عدم إخمادها من جانبٍ آخر".
لمن الولاء؟
شدّد صفا المُقيم في البرازيل على أن "الحكومة البرازيلية لديها توجّه لبيع الأمازون ورغبة في سيطرة خارجية عليها أو بيعها، رغم تصريحات بولسونارو التي وصف فيها تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بـ "الاستعمارية"، وفي الواقع أن فرنسا وحكومتها لديها أطماع قد تكون غير مباشرة في الأمازون، في ظل أن لديها بعض المستعمرات في أميركا اللاتينية، ما يُشجّع الحكومة الفرنسية للمُحافظة على أطماعها في الأمازون، لكن الرئيس بولسونارو وبحكم ولاءه الكامل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وللولايات المتحدة التي لها أطماع أيضًا في الأمازون، فيفضّل بولسونارو أمريكا عن فرنسا وكل أوروبا".
بولسونارو قالها أكثر من مرة في تصريحاتٍ له "I LOVE Donald Trump"، يُضيف صفا "لا أحد يقول أنه يحب الرئيس بشكلٍ مباشر، واعتدنا على مجموعة من الرؤساء يقولون أنهم يحبون الولايات المتحدة، لكن بولسونارو يقولها علنًا إنه يُحب ترامب شخصيًا، ما دفع البعض لوصفه بـ "الشاذ"، وذهب بعض آخر لوصفه بـ "ترامب البرازيل"، وهو يتبع 100% للسياسة الأمريكية وتوجهاتها على الصعيد الخارجي والداخلي".

لماذا الأمازون؟
وعن الأطماع الأمريكية في غابات الأمازون التي ينفذها بولسونارو، أكَّد صفا على أن "الأمازون محط أطماع للكثيرين على رأسهم الولايات المتحدة، والبرازيل في عهد الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لعبت دورًا هامًا على الصعيد العالمي، وعزّزت علاقاتها الدولية مع روسيا والصين والهند، وكان هناك نوع من أنواع الاستقلالية والابتعاد عن الإملاءات الأمريكية والأوروبية، لذلك ابتعدت البرازيل اليوم عن هذه الدول العظمى التي هي في صدام ومواجهة دائمة مع أمريكا وأوروبا وسياستهما الاستعمارية، والسياسة الأمريكية تريد رئيس تابع لها بشكلٍ مباشر كما بولسونارو للاستفادة منه وتحقيق أطماعها في السيطرة على أمريكا الجنوبية التي تعتبر الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، وعدم المساس بها من قبل أي دولةٍ أخرى، ما يُهدّد الأطماع والمصالح الإستراتيجية الأمريكية ليس فقط على صعيد أميركا الجنوبية بل على مستوى العالم".
وأوضح أن "الحكومة البرازيلية الحالية تعرض القطاع العام لديها للبيع، وخصخصة قرابة 20 مطارًا هذا العام وتم تحويلها للقطاع الخاص، وهناك العديد من المؤسسات والقطاعات العامة التي سيتم عرضها على القطاع الخاص خلال الأعوام القادمة كما أعلنت الحكومة، ومنها مصافي بترول (والبريد وغيرها من مؤسسات القطاع العام ومطارات)، ما يُعزّز أن الحكومة البرازيلية وخلال حكم بولسونارو تسعى لعرض الأمازون للبيع أو خصخصتها".
"الشعب البرازيلي نفسه لا يعرف مخزون الخيرات الحقيقي في هذه الغابات، ولكن نتيجة التكنولوجيا الحديثة في أوروبا وأميركا، فهم يعرفون ماذا تحتوي هذه الغابات من خيرات كبيرة للاستفادة منها، إضافة إلى أن الأمازون تقع فوق بحيرة ضخمة من المياه العذبة يُقال أنها تكفي العالم (500) عام، في ظل أننا نعلم جميعًا أن الحروب القادمة في العالم ستحصُل من أجل السيطرة على مصادر المياه، ما دفع القوى الكبرى في العالم للنظر نحو الأمازون لما فيها من مياه عذبة وخيرات تكفي لسنواتٍ عديدة"، كما أوضح صفا.
وأكَّد صفا خلال الاتصال الهاتفي مع "الهدف"، أن "الصين وروسيا لديهما أيضًا أطماع خاصة في البرازيل، فهذه الدول تعلم تمامًا ما هي أهمية البرازيل بالنسبة للاقتصاد العالمي، وعلى وجه الخصوص الاقتصاد الصيني والروسي، ما يجعل كل عيون العالم على هذه الدولة التي تعد أكبر دولة في كل من أمريكا الجنوبية وأمريكا اللاتينية".
انقلاب من نوعٍ جديد
من جهته، قال المختص في الشأن البرازيلي رضا سويد، لـ "بوابة الهدف"، إن "وصول بولسونارو للسلطة جرى عبر عمليةٍ انقلابيةٍ من النوع الجديد التي تستعمل فيها ليس المؤسسة العسكرية فقط، وإنما المؤسسة القضائية والإعلامية، والمؤسسات الدستورية الأخرى، وهذا بالتنسيق من خلال غرفة عمليات تتحكّم بمسار اللعبة (الديمقراطية)، ويجري فيها تعيين أفراد وإلغاء دور أفراد آخرين عبر شيطنتهم".
وأضاف سويد "ما يُسمى انتخابات ديمقراطية، أوصلت هذا الرئيس إلى سدة الحكم عبر لعبة "ديمقراطية" محكّمة، وكانت الولايات المتحدة تسعى بكل الطرق إلى السيطرة على أميركا اللاتينية لأنها تعتبرها حديقتها الخلفية ولا يجوز لأحد التنافس معها في السيطرة على موارد هذه البلاد، وما يفعلوه في فنزويلا ليس ببعيد، وهذا كله يعود للصراع العالمي بين التمدد الاقتصادي الصيني وعودة روسيا للعب دور عالمي، في ظل انحسار التمدّد الغربي وأزمة التمدّد الرأسمالي العالمية وانحسارها، ومحاولة البحث عن بدائل في مناطق أخرى لكي تعوّض خساراتها".
وشدّد لـ "الهدف"، على أن "عودة الأمريكيين لاستلام أمريكا الجنوبية يأتي ضمن استراتيجية أمريكية، والبرازيل تعتبر مهمة جدًا لهم وهم ليسوا مستعدين لتقاسمها مع أحد، وفي هذا الاتجاه جاء الانقلاب من خلال تشكيل أوسع تحالف داخل المجتمع البرازيلي، وبتحالف دولي من الدول السبعة للنفط التي لها مصلحة في تقاسم الثروات، وفي عهد الرئيس لولا تم اكتشاف ثروات ضخمة جدًا على الساحل الشرقي للبرازيل من الغاز والنفط، وهذا كان ضمن تخطيط الحكومة البرازيلية لأنه سيوفّر مصدر يمكن استغلاله في النظام الصحي والتعليمي لأجيال عديدة".
وأشار سويد إلى أن "شركات النفط ساهمت في الانقلاب عبر تمويله، والدفع والرشوة للنوّاب الذين صوّتوا لصالح عزل الرئيس، وبعد اتمام الانقلاب والصفقة تقاسموا الحصص في هذه الآبار النفطية، وتم نزعها من الشركة الوطنية البرازيلية المحتكرة للإنتاج والتسويق التي هي بالأساس من اكتشفت هذه الآبار الضخمة، فقاموا بسلب هذه الآبار وتحويلها إلى هذه الشركات، فهذا الانقلاب الذي حصل من عدّة جهات داخلية وخارجية لتقاسم المصالح والغنائم داخل هذا البلد".
كما أكَّد سويد "بولسونارو أعلنها أكثر من مرة وهذا ليس سرًا، أنهم سوف يعودوا لاستغلال حوض الأمازون، وأنهم سوف يعتمدون على حليفهم الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا موقف من سلسلة مواقف سابقة"، مُوضحًا أن "مسألة قطع الأشجار واستغلال الأنهار، كلها متعلقة بالبيئة واستغلال الموارد الطبيعية، الخطر الفعلي على الأمازون هو من سياسة هذا الحكم الذي بدأ بتجاوز كل القوانين والقفز فوقها".
ويرى مراقبون أن بولسونارو وسياساته فسحت المجال أمام من يريد الاستفادة ككبار مالكي الأراضي الذين لا يتعدوا 3% من مجموع سكان البرازيل هم من يملكون النسبة الأكبر من أراضي البرازيل، وهم ينقسمون إلى شقين: كبار الملاكين الذين يعملون في تربية المواشي فيقومون بقطع مساحات واسعة من الغابات وتحويلها إلى مراعي، وهناك من يقوم بتقطيع مساحات شاسعة لزراعتها ببذور الصوجا – "الصويا".
وعودات من ورق
جدير بالذكر، أن الرئيس البرازيلى بولسونارو (63 عامًا)، كان قد قال خلال حملته الانتخابية، وبعد توليه منصبه، إنه سينقل سفارة البرازيل من "تل أبيب" إلى مدينة القدس المحتلة، وهذا ما لم يحصل على أرض الواقع.

يُبيّن سويد بشأن هذه النقطة لـ "بوابة الهدف"، أن "الوعد الذي أطلقه بولسونارو خلال حملته بنقل سفارته إلى القدس أثار ضجةً كبيرة، وقام مصدرو اللحوم إلى العالم العربي والدول الاسلامية بالضغط عليه بعدم نقل السفارة وهذا ما حصل فعلاً، واكتفى بفتح ممثلية تجارية له في القدس"، مُشيرًا إلى أن "بولسونارو قادر ولديه النية لخدمة السيّد الأمريكي أكثر مما هو مطلوب منه، ولكن حالة الصراع مع بولسونارو داخليًا هي ما تمنعه عن ذلك".
ومن ضمن المخاوف التي حذَّر منها المعارضون في البرازيل إذا ما تم نقل السفارة هو الضرر الذي قد يلحق بالصادرات البرازيلية إلى البلدان العربيّة.
وبالعودة إلى حرائق الأمازون، يؤكّد خبراء أن الحرائق التي ما زالت مستمرة ولكن بوتيرةٍ أقل عن السابق تشكّل تهديدًا مُباشرًا لكل ما هو حي داخل هذه الغابات، فلقد دمرت الحرائق الكارثية المشهد على نطاق غير مسبوق، بالاقتران مع قطع الأشجار غير القانوني والتوسع الزراعي ومشاريع الطاقة والبنية التحتية الجديدة، حيث يتم تدمير الموائل الطبيعية لعدد كبير من الكائنات بشكلٍ دائم.
وقبل أيام، اعتبر البابا فرنسيس أن "الحرائق التي اجتاحت غابات الأمازون هي نتيجة مصالح مُدمّرة قامت بإشعالها".
ومقارنة بأغسطس/ آب 2018، زادت حرائق الغابات بنسبة 84 بالمئة، ليتضاعف العدد مقارنة بعام 2013، ورغم زيادة الحرائق في منطقة الأمازون في أوقاتٍ سابقة، خفضت وزارة البيئة البرازيلية أموال حماية تلك الغابات المطيرة، المعروفة باسم "رئتي الأرض"، بمقدار 1.5 مليون دولار.
والأمازون هي موطن لثلث الأنواع النباتية والحيوانية في العالم، وتنتج 20 بالمئة من المياه العذبة المتدفقة.
كما تنتج 20 بالمئة من أكسجين الأرض، وتمتص أكثر من مليار طن من الكربون الموجود في الغلاف الجوي الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، سنويًا.