نشر مركز دراسات الأمن القومي الصهيوني دراسة شاملة حول التهديدات الوجودية التي تواجه الكيان الصهيوني، عازيًا إياها إلى غياب "المرونة" في الكيان الصهيوني، واستمرت الدراسة عامي 2018-2019، والغرض منها حسب القائمين عليها، تقديم تحليل محدث للسيناريوهات التي قد تواجه "دولة إسرائيل" في المستقبل مع تهديدات وجودية وإثارة نقاش حكومي وعمومي حول هذه القضية.
حللت الدراسة خمسة سيناريوهات تهديد خطيرة يمكن أن تصبح وجودية بزعمها: تشكيل تحالف إقليمي عسكري ضد "إسرائيل"، وتوسيع الانتشار النووي في الشرق الأوسط، وانهيار أنظمة "الدفاع الإسرائيلية" بسبب الهجمات الصاروخية الضخمة والمتكاملة والدقيقة التي تقودها إيران وحلفائها، والعزلة الدولية ونزع الشرعية، وأخيرًا تفكك "المجتمع الإسرائيلي" وفقدان مكوناته الداخلية وهويته "اليهودية والديمقراطية"، حيث تم فحص كل سيناريو من حيث معلمات الخطورة والاحتمالية في ضوء الموقف الحالي والسيناريوهات المستقبلية المحتملة، وأشار فريق البحث إلى مسرعات التهديد واتجاهات الحفظ والتشجيع الإيجابية لكل سيناريو ، بالإضافة إلى توصيات بشأن التدابير الوقائية والخطوات لبناء قدرات مواجهة مستقبلية لسيناريوهات التهديد التي يجري التحقيق فيها.
في المقدمة، التي نراجعها هنا ناقش المركز التعريفات النظرية لمفهوم "التهديد الوجودي"، ومراجعة الخطاب البحثي الحالي حول الموضوع في السياق "الإسرائيلي" وتقديم منهجية البحث، على أن يتم مراجعة المباحث الأخرى المتعلقة بكل تهديد على حدة لاحقًا على "بوابة الهدف".
منذ نشأة الكيان الصهيوني قبل أكثر من سبعين عامًا طور قوة عسكرية واقتصادية وسياسية كبيرة، لايمكن التغاضي عنها، واكتسب اعتراف بعض جيرانه من الأنظمة العربية أو الأجنبية، ورغم ذلك، يدرك القائمون على السياسة والأمن في الكيان الصهيوني أن التحديات التي يواجهها، تتسم بطابع وجودي، وأبرزها بالتأكيد إصرار أعداء هذا الكيان على المناداة بتدميره بل الكفاح الفعلي لإلحاق الأذى به وهو أمر مفهوم بالحديث عن كيان استيطاني استعماري، ولكن هؤلاء يفضلون تجاهل طبيعته وتقديمه كضحية في منطقة غريبة، دون التساؤل أصلاً عن الكيفية التي تموضع فيها هذا الكيان في هذا المحيط الغريب.
قدمت الدراسة تعريفًا لمفهوم "التهديد الوجودي" في العالم وفي الكيان، ولغرض هذه الدراسة، تم تقديم التعريف التالي لمفهوم "التهديد الوجودي": تهديد له إمكانية واضحة للتسبب في ضرر حقيقي لقدرة الدولة على التعامل بنجاح مع الأخطار الخارجية والداخلية، إنه تهديد يهدد وجودها ذاته وسيادتها وهويتها المتفق عليها، ويتعلق هذا التهديد بثلاثة مستويات رئيسية: على المستوى المادي - إصابة بشرية لدولة إسرائيل يستحيل التعافي منها والعودة إلى عملها الطبيعي، على المستوى السيادي - الخسارة طويلة الأجل لسيطرة مؤسسات الدولة على السكان ومواردهم؛ على مستوى الهوية - فقدان الدولة: أن تكون كيانًا مستقلاً ويهوديًا وديمقراطيًا ذي سيادة قادرًا على الوفاء بمهمتها - كونه الدولة القومية للشعب اليهودي".
تم تكريس الفصل الأول لما وصفته الدراسة بأنه التهديد الأساسي المتمثل في إنشاء تحالف إقليمي معادٍ للكيان والقدرة على تقديم تهديد وجودي "لإسرائيل".
رغم أولوية هذا التهديد في الدراسة، إلا أن الباحثين توصلوا إلى أنه سيناريو مستبعد تمامًا في هذه الظروف، وفي المستقبل المنظور، بسبب الانقسام السياسي والعرقي والإيديولوجي، ونقص القوة العسكرية الكافية، وانخفاض الاهتمام الفلسطيني بالديناميات الإقليمية والدولية، ونهج "إسرائيل" تجاه بعض الدول العربية التي تتقاسم معها العلاقات مع الولايات المتحدة، ومع ذلك، على الرغم من الاحتمالية المنخفضة للسيناريو، يوصي البحث بأنه على الكيان الانتباه للمنعطفات الإستراتيجية المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى تهديد متجدد للتحالف الإقليمي في المستقبل، في الوقت نفسه، يجب على "إسرائيل" أن تتخذ سلسلة من الخطوات للحفاظ على المراسيم الأمنية التي تحميها من التهديد وتعزيزها.
ترى الدراسة أن على الكيان دعم الأنظمة المرشحة للتحالف والتقارب معه، بالإشارة إلى الدول العربية التي يسعى الكيان الصهيوني للتقارب معها وبالتالي، عليه العمل بقدرته على تعزيز أمنها واستقرارها والتصدي لأي تغيير فيها، يضاف إلى ذلك، يجب إرضاء الرأي العام "الإسرائيلي" والعربي عبر نشر عملية سلام مع الفلسطينيين، وتعاون متعدد التخصصات من شأنه أن يبرز قيمة "إسرائيل" للمنطقة، وتحسين أنظمة الحماية للمقدسات الإسلامية والمسيحية، وخاصة مجمع الأقصى، الذي يمكن أن يلحق أضرارًا واسعة النطاق بالعلاقات ويكون بمثابة حافز - إلى جانب العمليات الأخرى - لتشكيل تحالف إقليمي ضد "إسرائيل".
في الفصل الثاني، تمت مناقشة الآثار المترتبة على هجوم نووي متعدد الحدود في الشرق الأوسط، ورأى الباحثون أن هذا السيناريو يمكن أن يتحقق على المدى المتوسط والطويل، بالاتكاء على المزاعم الصهيونية بسعي إيران لامتلك سلاح نووي، وهذا السعي الإيراني، أنتج دينامية عكسية في سعي عربي وإقليمي لامتلاك القوة النووي، وترى الدراسة أن هذا الأمر يمزق صورة "إسرائيل" كقوة نووية وحيدة في الشرق الأوسط، وتزعم أن امتلاك "أنظمة غير مستقرة" لسلاح نووي، قد يجر إلى مواجهة بهذا السلاح، وبالتالي يجب على "إسرائيل" عرقلة هذا الاتجاه بالتعاون مع الدول العربية الموالية للغرب، لمنع أو تأخير السعي الإيراني، وتقترح الدراسة تطوير نظام نووي متعدد الأقطاب في الشرق الأوسط، ينطوي على تشجيع الولايات المتحدة على تقديم ضمانات للدول التي تخشى السلاح النووي الإيراني، بطريقة تقلل من حافزها لتطوير القدرة النووية العسكرية المستقلة، و تقديم الدعم الاستراتيجي للدول العربية البراغماتية التي تشعر بأنها مهددة من قبل إيران، و تعزيز الجهود غير الحركية لمنع القصف النووي الإقليمي العسكري بمساعدة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، من خلال تشجيع البرامج النووية المدنية الخاضعة للإشراف العميق والتي تمنع إنشاء البعد العسكري، إلى جانب العقوبات والمخابرات والتعرض السيبراني.
ويناقش الفصل الثالث ما يبدو أنه يشكل عامل التخويف الأكبر الآني في الكيان الصهيوني، وهو الردع الصاروخي أو في الواقع التفوق الصاروخي لدى "أعداء إسرائيل"، ويطرح سيناريو الرد "الإسرائيلي" على هجوم صاروخي واسع النطاق ودقيق يركز على الجبهة الداخلية، والذي يتضمن تدابير إضافية مثل مهاجمة المركبات الجوية غير المأهولة والهجوم السيبراني لشل أنظمة الدفاع والوظائف في البلاد.
ويعتبر البحث إيران أيضًا هي العامل العدائي الرئيسي القادر على بدء مثل هذه الخطوة مع حلفائها والمنظمات التي تتبعها، ويرى البحث أنه من بين التهديدات العسكرية التي يمكن أن يتعرض لها الكيان، يظهر التهديد الصاروخي كتهديد فوري والأكثر واقعية والأكثر احتمالاً، ويزيد التهديد المرتبط بهذا السيناريو من خلال التقدم التكنولوجي لدى "أعداء إسرائيل" (خاصة في مجال الصواريخ الدقيقة) والتحدي الذي ينطوي عليه التعامل معها. علاوة على ذلك، تدعو الدراسة لمعالجة هذا التهديد إلى بناء رد "إسرائيلي" متعدد التخصصات: على المستوى العسكري - وضع وتنفيذ مفهوم دفاعي متكامل يتضمن استغلال مجموعة متنوعة من أنظمة التكنولوجيا التي توفر فرص اعتراض ضد جميع أنواع التهديدات وحساب المخاطر المحتملة للردود على عمل هجومي استباقي ضد العدو ؛ على المستوى السياسي - الأمني - الحفاظ على علاقة خاصة مع الولايات المتحدة تمنح "إسرائيل" القوة والردع في الجو، وفي الدفاع عن الجبهة الداخلية - بناء القدرة على التعامل مع الأحداث متعددة الضحايا.
ويتناول الفصل الرابع سيناريو يجد فيه الكيان نفسه معزولاً، بعد فرض العقوبات والمقاطعة الدولية عليه، ويرى البحث أنه على الرغم من النقد الدولي للسياسة الصهيونية تجاه القضية الفلسطينية، فإن هذا التهديد ليس مرجحًا على المدى القصير.، ولكنه يزداد في المستقبل نتيجة للسعي الصهيوني لضم الضفة الغربية، ورفض "إسرائيل" المستمر لمبادرات السلام الدولية، والتدابير التشريعية التي ستؤدي إلى تآكل "الهوية الديمقراطية للبلاد" وإبعادها عن حلفائها الغربيين، أيضًا ترى الدراسة أنه بالإضافة إلى ذلك، قد يتضرر موقف "إسرائيل" الدولي في حالة حدوث تغيير جذري في موقف الولايات المتحدة تجاهها في مواجهة التطورات والعمليات التي تظهر بالفعل في السياسة الأمريكية. بما أن تقويض العلاقات مع الولايات المتحدة هو العامل الرئيسي الذي قد يجلب عزلة الكيان على الساحة الدولية، فإن الدراسة ترى أن من واجب الحكومة تعميق "قيمة إسرائيل" بالنسبة للولايات المتحدة في مواجهة التحديات الإقليمية المشتركة، والحفاظ على الطابع الديمقراطي الليبرالي "لإسرائيل" من خلال تجنبها للتدابير القانونية والسياسية التي تنتهك المساواة في الحقوق بين السكان غير اليهود، وإعادة تنظيم العلاقة الصهيونية "إسرائيل" مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتنظيم العلاقات مع ممثلي الأقليات العرقية في الولايات المتحدة وضبطها، والامتناع عن دعم مرشح أو آخر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، و الاستجابة لمبادرات السياسة الأمريكية المعقولة لدفع عملية السلام مع الفلسطينيين، و الامتناع عن التحركات أحادية الجانب التي تنتهك الوضع الراهن بين "إسرائيل" والفلسطينيين والتي تشير إلى نية ضم أجزاء من الضفة الغربية، و تحسين العلاقة بين "إسرائيل" ويهود أميركا.
يبحث الفصل الخامس في التهديدات الداخلية المتعلقة بسيادة القانون والتشريعات التي قد تغير من "طبيعة الدولة" وتقوض "هويتها"، وبالتالي يجب على الحكومة الامتناع عن إيذاء مؤسسات حماية الديمقراطية، المساواة المدنية واحترام حقوق الأقليات والسعي لتعزيز التعليم من أجل القيم الديمقراطية؛ على المستوى السياسي، يجب على "إسرائيل" أن تعمل على إيجاد حل يوقف أو يحد من سيطرتها على الفلسطينيين ويتجنب السياسات التي تحبط إمكانية التوصل إلى اتفاق تسوية في المستقبل. فيما يتعلق بالهوية اليهودية للدولة، يجب على "إسرائيل" الحفاظ على أغلبية يهودية فعالة من خلال تجنب المزيد من السكان الفلسطينيين على نطاق واسع وتعزيز العلاقات مع يهود الشتات.
في الختام رأت الدراسة المتعددة أن الكيان رغم هذه التهديدات الخمسة الخطيرة، لايواجه حاليًا تهديدات خارجية وجودية فورية، ومع ذلك، يمكن لسلسلة من العمليات الداخلية والإقليمية والدولية أن تؤدي إلى تآكل وتقويض برامج الأمن "الإسرائيلية"، وتحقيق التوازن السلبي بين ميزان القوى في "إسرائيل" وأعدائها في الإقليم وزيادة احتمال وجود تهديدات وجودية محتملة في أوقات مختلفة في المستقبل.