Menu

العزلة الدولية والعقوبات: تهديد وجودي رابع للكيان الصهيوني

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

لم يكن للكيان الصهيوني أن ينمو ويتجذر في فلسطين والمنطقة بدون تعميق وترسيخ علاقات دولية استراتيجية تشكل مظلة حماية له، مستفيدًا من وظيفته كخندق متقدم للامبريالية الغربية بعد الحرب الثانية، ومستهلكًا بشكل فج وانتهازي عذابات اليهود في تلك الحرب، بانيًا عليها سياسة ابتزاز ليس لها نظير في العلاقات الدولية.

ويدرك الكيان منذ نشأته في واقع وبيئة معادية، مزروعًا فيها بقوة السلاح والإرهاب، أن علاقاته الخارجية تشكل ركيزة أساسية لأمنه ولكنه يدرك أيضًا أنه في العصر الحالي ونتيجة التغيرات السياسية العميقة في العالم أصبحت هذه العلاقات تشكل عائقًا وكابحًا له في أحيان كثيرة، لذلك قسم مظلته الدولية إلى عدة طبقات منها الاستراتيجي كعلاقته مع الولايات المتحدة ويهود أمريكا وأوربا ومنها الثانوي، منها ما يساهم في تعزيز مكانته الدولية ومنها ما يشرعن وجوده في المنطقة كعلاقاته مع الأنظمة العربية وسعيه لفك عزلته الإقليمية ليكمل دائرة تموضعه العالمي.

لذلك تدرك المؤسسة السياسية والعسكرية الأمنية الصهيونية أن العزلة الدولية تشكل مقتلاً للكيان، وتشكل بالفعل تهديدًا وجوديًا له، وهو ما بحثته ورقة التهديدات الوجودية التي صاغت خمسة من هذه التهديدات وضعت مسألة التهديد بالعزلة العالمية في المرتبة الرابعة ضمنها، وهنا مراجعة لورقة "العزلة الدولية ومحاصرة إسرائيل" التي كتبها أودي عيران ونشرت في مشروع التهديدات الصادر عن مركز أبحاث المن القومي الصهيوني في جامعة تل أبيب.

يشير تحليل السيناريوهات المختلفة المحتملة للعزلة الدولية التي تهدد الكيان الصهيوني إلى أنه على المدى القصير ولمدة تصل إلى خمس سنوات، وحتى بعد ذلك، لن تتعرض "إسرائيل" لتهديد سياسي أو اقتصادي أو أمني خطير مصدره الساحة الدولية، على الرغم من النقد الواسع للسياسة الصهيونية بشأن القضية الفلسطينية وعلى الرغم من الهجوم السياسي الفلسطيني على الجبهة الدولية - الدبلوماسية والمدنية - وهذه "خطر وجودي" وأيضًا فإن الفاعلين الإقليميين يتعرضون بأنفسهم لأخطار يمكن أن تكون وجودية أيضًا.

اقرأ ايضا: تهديد وجودي أول: تشكيل تحالف إقليمي ضد "إسرائيل": عقبات وعلامات تحذير

في الوقت نفسه، ترى الدراسة أن المستقبل يحمل اثنين من المخاطر في هذا السياق الأول يتعلق بالعلاقة الخاصة بين الكيان والولايات المتحدة والثاني يتعلق بيهود الولايات المتحدة والتغيرات التي تحدث عليهم، حيث ترى الدراسة أنه قد يتم تقويض الأمن القومي" لإسرائيل" في حالة حدوث تغيير جذري في موقف الإدارة واليهود الأمريكيين تجاه "إسرائيل".

من المعروف أن التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة هو أهم رصيد "لإسرائيل" في هذا المجال أنه يمنح الكيان من ضمن حزمة واسعة من الميزات: الجودة العسكرية والتفوق النوعي والقوة الاقتصادية والمظلة الدبلوماسية الدولية، ولطالما كانت العلاقات بين الكيان والولايات المتحدة استثنائية بالنسبة للعلاقات بين الدول، ولطالما كانت الولايات المتحدة تعتبر سلاحًا متقدمًا للكيان، فإضافة إلى المساعدة المالية العسكرية والمدنية الضخمة كل عام هناك سلاح النقض (الفيتو) الذي لا تفوت واشنطن فرصة لاستخدامه دفاعًا عن الكيان، في الأمم المتحدة وكذلك في المنظمات الأخرى الدولية، وبالنسبة للكيان فإن أي تغيير جذري في مواقف الحكومة الأمريكية والكونجرس تجاهها سيضر حتمًا بشكل مميت بمكانتها الدولية، وسينعكس أيضًا في إمدادات السلاح وستفشل "إسرائيل" في الحفاظ على ميزة تفوقها النوعي في المنطقة.

اقرأ ايضا: الكيان الصهيوني والتهديد الوجودي الثاني: شرق أوسط نووي

تعتبر الدراسة أن التغير الديمغرافي المستمر في الولايات المتحدة يلعب دورًا تهديديًا لمكانة الكيان، وترجع الدراسة هذا الأمر إلى هجرة ملايين الناس من أمريكا اللاتينية وزيادة وزنهم في السياسة الأمريكية، والنظام السياسي في الولايات المتحدة، ومصدر التهديد أن الكيان يرى أن موقف مهاجري أمريكا اللاتينية منه ومن القضية الفلسطينية ليس هو نفسه الموقف الأنجلو- سكسوني في المجتمع الأمريكي، وتزعم الدراسة أن هذا الأمر يعود من بين أشياء أخرى إلى قلة الوعي بتاريخ اليهود وقضايا العلاقات السياسية الدولية لدى هؤلاء المهاجرين، بينما تتجاهل الدراسة الصهيونية كما هي حالة الإنكار المستمرة لدى الكيان أن هذه المواقف قد تعود أصلاً إلى وعي أكثر بطبيعة القضية الفلسطينية وانكشاف الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والوعي اللاتيني بدو "إسرائيل" في دعم الأنظمة الديكتاتورية في القارة الجنوبية، ما تسبب بمآس شخصية لهؤلاء اللاجئين.

وتنظر الدراسة بقلق إلى انتخاب امرأتين مسلمتين لمجلس النواب تسببان إزعاجًا معينًا للكيان وتقلق راحته وإن كان نسبيًا في الكونغرس الأمريكي، والآثار التي تنتج عن هذا في الحزب الديمقراطي الأمريكي، ما جعل الكثيرين في الكيان الصهيوني متشائمين تجاه العلاقة مع واشنطن باعتبارها تتحول تدريجيًا إلى علاقة ثنائية حصرية بين اليمين الصهيوني والحزب الجمهوري، بدلاً من أن تكون بين كل "إسرائيل" وكل "الولايات المتحدة.

اقرأ ايضا: تهديد وجودي ثالث: الكيان تحت عاصفة الصواريخ

تلاحظ الدراسة أن السياسة "الإسرائيلية" في عهد بنيامين نتنياهو (من عام 2009) عززت هذا الاتجاه الخطير، وزادت من وتيرة التهديدات المحتملة التي يخشى الكيان أن يحصد نتائجها إذا وصل الديمقراطيون إلى الحكم.

وتلاحظ الدراسة أن الرئيس الحالي دونالد ترامب عمق الخلاف بين القطبين السياسيين في الولايات المتحدة، ورغم أن "إسرائيل" كانت محظوظة في الصراع بين الأحزاب. وتمثل هذا في الخطوات التي اتخذها ترامب لدعم الكيان مثل نقل السفارة إلى القدس المحتلة والاعتراف بسيادة الكيان على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وكذلك وقف تمويل الأونروا وغيرها، إلا أنها خطوات حظيت بدعم حزب واحد وتحفظ في أحسن الأحوال من الحزب الثاني، وبالتالي يتوقع الكيان أن تكون سياسات الحزب الديمقراطي أقل ودية تجاه الكيان في حالة وصوله إلى الحكم وربما أقل التزامًا بإعلانات ترامب.

ترصد الدراسة أيضًا تغيرات مقلقة للكيان في مجتمع اليهود الأمريكيين، مثل انتشار الزواج المختلط، وانحدار مستوى اهتمام الشباب اليهود بمصير "إسرائيل: وينتج جزء من المواقف السلبية من سلوك الحكومات "الإسرائيلية" نفسها في القضايا الدينية وقضايا الدولة مثل صلاة المرأة في الحائط الغربي، حيث تؤخذ وجهات نظر يهود الشتات في الاعتبار بشكل كاف - ما يثير الاستفزاز والغضب بين القطاعات غير الأرثوذكسية في الجالية اليهودية الأمريكية،حيث يمكن اعتبار 70٪ من أعضائها ديمقراطيين ليبراليين. علاوة على ذلك، في ضوء تآكل صورة "إسرائيل "التقليدية عندهم كدولة مسالمة تعددية وديمقراطية - وعلاقتها الوثيقة بحكومة ترامب ومع التيارات الإنجيلية، أصبحت قضية الاستقطاب بين اليهود الأمريكيين حادة تقود إلى الابتعاد عن هذين الطرفين، حيث يتجلى الأمر بشكل أساسي بين الشباب.

وترى الدراسة أن انشقاق اليهود الأمريكيين عن مصير "إسرائيل" يعتبر تهديدًا استراتيجيًا قاسيًا يحوم على رأس الكيان، خصوصًا أنه حين يندرج اليهود في الحياة السياسية في الولايات المتحدة، يكون تأثيرهم ضعف وزنهم الديمغرافي، وبالتالي فإن الابتعاد عن الصهيونية يعني أن هذا الاندماج لن يكون في مصلحة الكيان.

لذلك يرى البحث أن الانتخابات الرئاسية سنة 2020 قد تكون احتمالاً معقولاً لاضطرابات قد تأتي رئيس جديد ذو أجندة ليبرالية من نوع باراك أوباما إلى الحكم لذلك يتوقع الكيان حدوث نوع ممن الاحتكاك مع إدارة جديدة ديمقراطية، مماثلة لما حدث في عهد أوباما.

إلا إنه من غير المتوقع أن يكون التغيير مفاجئًا، ولكن من المحتمل أن يحدث على مراحل ويتضمن تحذيرات تأهيل وفحص استجابات الجماهير ذات الصلة في الولايات المتحدة. وبالتالي سيحدث التغيير ربما على مدى عقدين حيث يتم استبدال جيل آخر من الأقليات والناخبين وسيخرج جيل جديد أيضًا في يهود أمريكا وبالتالي يتوقع الكيان أن التغيير الجذري لن يحدث على الفور.

وتسترجع الدراسة مواقف أمريكية سابقة طورت خلالها الولايات المتحدة عقوبات على "إسرائيل" مثل تعليق توريد المعدات العسكرية أو حجب المساعدات المالية وحرمان الكيان من المظلة الدبلوماسية، ولكن ليس إلى الحد الذي يمكن أن يطلق عليه "تهديد وجودي". على سبيل المثال، في عام 1975، عندما أعلنت الولايات المتحدة عن "إعادة تقييم" لعلاقاتها مع "إسرائيل" للتعجيل من انسحابها الجزئي من سيناء كجزء من اتفاق مؤقت. وشملت إعادة تقييم تجميد شحنات الأسلحة من الولايات المتحدة إلى "إسرائيل" وإزالة "المظلة الدبلوماسية" الأمريكية فوق "إسرائيل". مثال آخر: في الثمانينات، حظر الرئيس رونالد ريغان بيع القنابل العنقودية لإسرائيل لمدة ست سنوات بسبب لجنة تحقيق تابعة للكونغرس استنتجت أن "إسرائيل" قد استخدمتها بشكل غير صحيح في حرب لبنان الأولى.

وقد تم بالفعل استخدام العقوبات المالية في الحكومات الأمريكية السابقة: فقد هدد أيزنهاور في عام 1957 بوقف تبرعات اليهود الأميركيين ورفض بوش الأب من 1991-1992 توفير الضمانات "إلى إسرائيل" إذا لم تنسحب من سيناء.

ورفضت الولايات المتحدة تقديم ضمانات تساعد الكيان على رفع الهجرة من روسيا بسبب موقف رئيس الحكومة شامير الرافض لوقف الاستيطان، وفي العام 2000 هدد الكونغرس الأمريكي بقطع المساعدات الأمنية إذا لم يتم إلغاء صفقة الصقر مع الصين.

شكل آخر من أشكال التهديد الأمني ​​الوجودي الملموس بالنسبة للكيان الصهيوني له علاقة بتصميم الدول الحليفة للكيان على منع كيانات أخرى من حيازة السلاح النووي، سواء من خلال الشراء أو التطوير الذاتي، وفي كلتا الحالتين، قام الكيان عدة مرات بمهاجمة منشآن العراق وسوريا، وتلقت رد فعلي سلبي من الولايات المتحدة، ورغم أن هذا لم يسبب أي ضرر في العلاقات، إلا أن تطورًا مماثلاً في المستقبل قد يكون له عواقب مختلفة، وكما ذكرنا أعلاه بالنسبة لأمور أخرى، فإن أحد العواقب المحتملة لتعقيد العمل "الإسرائيلي" ضد النشاط النووي من أعداء الكيان هو تغيير في سياسة الحكومة الأمريكية تجاه النووي الذي يملكه الكيان، حيث حتى الآن منعت الحكومة الأمريكية القرارات ضد "إسرائيل" في المنظمات الدولية ذات الصلة، حيث تملك الولايات المتحدة تأثيرًا عليها، ولكن ما يخشاه الكيان بشأن هذه المسألة هو تغير موقف الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة، حيث أن ما يسميه الكيان "مرساته الأمنية" أي السلاح النووي سيكون في خطر.

هناك تهديد وجودي محتمل آخر قد ينشأ عن تغيير في الخط السياسي للولايات المتحدة تجاه قرارات مجلس الأمن، خاصة تلك القائمة على الفصل 7 من ميثاق الأمم المتحدة. حيث إن بنود هذا الفصل تمنح مجلس الأمن وسائل مختلفة للتعامل مع أخطار السلام والأمن في العالم. ومنذ عام 1967، لم تسمح الولايات المتحدة باتخاذ قرارات المجلس ضد "إسرائيل" بناء على هذا الفصل، وهذا سيكون شديد الخطورة على "إسرائيل"، ولكن بدون حتى الفصل السابع يوجد حالات انحرفت فيها الولايات المتحدة نسبيًا عن التأييد المطلق للكيان كما حدث مع القرار 2334 (23 ديسمبر 2016)  حول المستوطنات، رغم أنه كان قرارًا بلا أسنان كونه لم يصدر ضمن أحكام الفصل السابع.

ولكن ما يخشاه الكيان هو أن ينشأ في المستقبل موقف يأمر فيه الرئيس بالتصويت حسب الفصل السابع وهذا أمر لايمكن حتى للكونغرس منعه كونه من صلاحيات الرئيس.

التهديدات الاقتصادية

تشكل العقوبات الاقتصادية تهديدًا خطيرًا على أي دولة ولكن تأثيراتها تكون مضاعفة على كيان بمواصفات "إسرائيل" وقد تتحول إلى تهديد وجودي، إذا كانت مصحوبة خصوصًا بتهديد عسكري، وتعرف العقوبات الاقتصادية بأنها "تدابير الضغط الاقتصادي" أو "التدابير العقابية" الاقتصادية، حيث "يتم فرضها على أي بلد لإحداث تغيير في سياستها أو على الأقل لتوضيح ذلك ما هي وجهة نظر الطرف الآخر فيما يتعلق بسياسة الطرف الذي تفرض عليه العقوبات" ويمكن أن تشمل العقوبات الاقتصادية حظرًا تجاريًا (التصدير والاستيراد) مع البلد الذي يعاقب، ومنع المساعدات الخارجية والقروض والاستثمارات، الاستيلاء على الأصول الأجنبية والتحويلات.

واتخاذ عقوبات اقتصادية فعالة - على حساب استقرار الطرف المعني العقوبات - مشروطة بالدول التي تفرض العقوبات لتكون قوية وغنية أكثر بكثير من البلدان المعاقبة.

ترى الدراسة أن تعرض الكيان الصهيوني إلى مقاطعة اقتصادية عالمية كما كوريا الشمالية أو جنوب أفريقيا زمن الفصل العنصري، يمكن أن يكون لها عواقب سلبية على "إسرائيل"، ومن الممكن أن يكون الضرر حطيرًا على تجارة الكيان وخاصة استيراد المنتجات الأساسية مثل المواد الغذائية. وتكون هذه الخطوات تهديدًا أكثر خطورة إذا تم طرد الكيان من المنظمات الدولية مثل منظمة الطيران الدولية - وهي خطوة من المتوقع أن تصعب تمامًا السفر من وإلى "إسرائيل"، وتحمل خطرًا على قطاع التجارة وموت السياحة، التي تعد مصدرًا هامًا للدخل في الكيان.

ترى الدراسة أن المصدر الرئيسي للتهديدات الاقتصادية على الكيان اليوم يأتي من مقاطعة المنظمات السياسية  أو غير الحكومية الاقتصادية. في السنوات العشر الأخيرة، حيث اشتدت حركة الاحتجاج المدني التي اعتمدت اسم BDS ضد الأعمال الصهيونية في الأراضي المحتلة - ولا سيما إقامة المستوطنات والأضرار التي تلحق بالسكان الفلسطينيين، ويزعم الكيان أن الأضرار المتراكمة حتى الآن نتيجة لأفعال حركة المقاطعة BDS ليست شديدة ولا يحتمل أن تكون شديدة في المستقبل المنظور، ويعود هذا جزئيًا لأن البلدان التي تمثل أهداف التصدير الرئيسية "لإسرائيل" في الاتحاد الأوروبي لم تعتمد بعد قرارات رسمية من المفوضية الأوروبية لتمييز منتجات المستوطنات. رغم أن محكمة العمل الأوربية اتخذت قرارًا منذ حوالي شهرين بإلزام الدول في الاتحاد بتمييز المنتجات التي تأتي من مستوطنات أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وترى الدراسة أنه بينما الاتحاد الأوربي ومنظماته لا يحاولون حاليًا اتخاذ القرارات التي تمنع التداول مع الكيان، فإن "إسرائيل" لا تواجه أي خطر جسيم، ومن المتوقع أيضًا أن أي تقدم نحو فرض عقوبات دولية على الكيان، سوف تكون تدريجية وأن تتعامل أولاً مع كل ما يتعلق بالمستوطنات وتعميقها فقط إذا انضمت إليها الولايات المتحدة رسميًا.

فيما يتعلق بالفترة الزمنية للتهديد الذي سيتم صياغته، في ظل غياب تغيير جذري في مواقف الدول من غير المتوقع أن تتضرر عضوية الكيان في المنظمات الدولية الكبيرة مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى مستوى خطر وجودي، على المدى القصير على الأقل، وتلحظ الدراسة أن الخطوات الأولى نحو فرض المقاطعة على صادرات المستوطنات ورفض القيام بأعمال تجارية مع الهيئات الاقتصادية العاملة في المستوطنات، مثل البنوك، قد اتخذت بالفعل، على سبيل المثال في الاتحاد الأوروبي، وسيتم تسريعها بقدر تسريع الكيان لعمليات الضم.

أيضا فإن أضرارًا جسيمة ستلحق بالكيان وعلاقاته مع روسيا والصين في حالة استشعر القطبان ضعفًا في التأييد الأمريكي "لإسرائيل" ما يعني إمكانية تسريعهما لتزويد أعداء الكيان بالسلاح رغم أن الورقة لا تتوقع هذا في المدى المنظور.

مولدات التهديد ومعززات التهديد

هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تسرع في تحول التهديدات الخطيرة إلى وجودية وقد تنشأ في الساحة الدولية:

أولاً، الإجراءات التشريعية لضم الضفة الغربية، بدء هذه الإجراءات التشريعية سيواجه بنقد ومعارضة دوليًا، وقد تتخذ قرارات ضد "إسرائيل" في الهيئات الدولية، ذات الصلة. مثل هذه القرارات ستضر "بإسرائيل"، حيث لاتملك الولايات المتحدة حق النقض في تلك الهيئات، و قد تكون هناك عواقب اقتصادية خطيرة وحتى وجودية.

ثانيا، استمرار البناء الاستيطاني، في الضفة الغربية، سوف يكثف ويتفاقم الانتقادات.

ثالثًا، الرفض الشامل "إسرائيليًا" واستمرار المبادرات السياسية التي تبنتها الولايات المتحدة أيضًا. وقد سبق للولايات المتحدة أن حاولت معاقبة "إسرائيل" برفضها قبول خطط السلام الأمريكية، مثل برنامج ريجان في عام 1982، إذا ومتى شرعت الحكومة الأمريكية في مبادرة شعبية يقبلها الفلسطينيون والدول العربية الموالية لأمريكا واللجنة الرباعية، وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالانطباع هو أن "إسرائيل" هي العامل الوحيد في كبح جماح التقدم نحو تحقيقها، قد تعبر الإدارة عن استيائها تجاه إسرائيل، من بين أمور أخرى، من خلال الإجراءات التي تشجع الوكالات الدولية على اتخاذ القرارات التي لديها قوة ضارة للكيان.

رابعًا، استمرار التشريع الذي يميز ضد الأقليات في "إسرائيل" (قانون القومية)، حتى الآن، لم تظهر أي علامات على الخطوات المجرمة لموقف الكيان دوليا ومع ذلك، فإن الاستمرار في الاتجاه باتخاذ تدابير أخرى، خاصة في الضفة الغربية، قد يضاءل علاقات "إسرائيل" مع الاتحاد الأوروبي ويسبب المزيد من الانجراف في العلاقات "الإسرائيلية" مع المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة.

خامسًا، التغييرات في سياسة توريد الأسلحة التقليدية وغير التقليدية من مختلف مقدمي الخدمات، و التغييرات في هذا المجال ليست مستحيلة، على سبيل المثال بسبب التغييرات في سلوك الصين وروسيا أو إضعاف الأسباب التي تمنعها من توفير المعدات والتقنيات للكيانات المعادية "لإسرائيل" مع لامبالاة أمريكية تجاه الأمر ما يؤدي إلى إضعاف "إسرائيل".

ملخص

تعتبر هذه الورقة الأمنية الصهيونية أن تقويض العلاقات مع الولايات المتحدة هو العامل الرئيسي الذي قد يؤدي إلى تشكيل تهديدات جدية محتملة "لإسرائيل" حيث تبدو أهمية هذه العلاقات حاضرة في كل المجالات الأخرى التي تناقشها الورقة، لذلك يدعو الباحث حكومة الكيان إلى تصحيح العلاقات مع الولايات المتحدة أي مع الحزبين وليس مع حزب واحد وكذلك مع المجتمع اليهودي الأمريكي، ما يضمن المحافظة على الدعم الأمريكي الكلي والدائم وكذلك دعم السلطة التشريعية الأمريكية بشكل متماسك ودائم وثابت. من جانب آخر توصي الورقة الأمنية الكيان بالاستجابة لمبادرات السياسة المعقولة، على الرغم من الرفض السابق للمبادرات السياسية الدولية لتعزيز عملية السلام مع الفلسطينيين.