Menu

المرونة الوطنية ومعضلة العسكري والمدني في الكيان كما شرحها كوتشافي

بوابة الهدف - خاص بالهدف

مؤخرا، أدلى أفيف كوتشافي رئيس أركان جيش العدو الصهيوني بتصريحات أمنية مهمة في مؤتمر في تل أبيب، وصف فيها "المرونة الوطنية" أي الجبهة المدنية للكيان، بأنها نوع من سيف ذو حدين، بالنسبة للجيش، وقال "عندما ندرك أن الناس هنا يفهمون ما هو متوقع منهم ... هذا له أهمية هائلة ... بالنسبة لجيش الدفاع الإسرائيلي ... [وكظاهرة] من شأنها أن تقلل من عزم العدو ".

ومن الطبيعي أن السؤال المهم في الكيان الصهيوني هو الطريقة التي تضمن أن تعمل الجبهة الداخلية أي المجتمع الصهيوني برمته بتناغم مع نشاطات الجيش وكيف تستجيب هذه الجبهة للضربات الشديدة التي سيتعرض لها سكان الكيان والممتلكات والبنى التحتية، وهو امر غاية في الأهمية، تناولته جميع تقييمات الأمن الصهيوني، والسيناريوهات المطروحة في حالة وقوع حرب على جبهة واحدة أو جبهتين أو عدة جبهات.

ومن اللازم هنا الإشارة إلى أن هذا الأمر يرتبط بعمق بوضعية التناغم داخل المجتمع الصهيوني، ومدى ارتباط مجموعات مختلفة بأهداف الجيش أو رضاها عن أي حرب، وهو ما تناولته ورقة تهديدات صدرت عن مركز الأمن القومي الصهيوني وحددت التهديد الداخلي المتعلق بمتانة وتماسك الجبهة الداخلية كتهديد وجودي.

في محاولة للإجابة على هذه المعضلة، عكس خطاب كوتشافي تغييرا محتملا في مقاربة الجيش الصهيوني لهذه القضية الحرجة>، لذلك ينصح خبراء المن الاستراتيجي الصهيوني أنه من الضروري التفكير في طرق لتعزيز الاستعداد الذهني للجمهور للحرب القادمة، من خلال تقديم صورة منطقية مسبقًا لما هو متوقع على الجبهة المدنية في حرب واسعة النطاق.

من المعروف أساسا أن كبار قادة جيش العدو لا يعلقون بشكل متكرر على العلاقة بين الحرب والمرونة الوطنية ومن هنا تأتي أهمية خطاب كوتشافي باعتباره استثنائيا في هذا المجال، وهو كما ذكرنا الخطاب الذي ألقاه في أواخر كانون أول/ديسمبر عام 2019 في ذكرى رئيس أركان سابق هو أمنون ليبيكين شاحاك، في المعهد متعدد التخصصات في هرتسليا.

في نلك الكلمة، أقر كوتشافي أن "الحرب هي الملاذ الأخير"، وأضاف أن على الكيان التصرف بكل قوته في ذلك الحين، مع ما يعنيه هذا من حتمية وقوع خسائر، مع الإقرار أن الحرب لن تكون قصيرة، رغم أن الكيان سيبذل جهده من أجل هذا، فهو يريد دائما حربا قصيرة حازمة، توقع أشد الخسائر في الخصم دون أن يضطر الكيان لتعريض جبهته العسكرية للإنهاك وجبهته الداخلية للاستهداف العميق.

لذلك ركز كوتشافي على مسألة "المرونة الوطنية"، وهو مصطلح أصبح شائعا في الكيان في السنوات الأخيرة، رغم أنه لم يذكر كثيرا في السياق الاستراتيجي بل في سياق اشتباكات محدودة، كما هو الأمر في مناقشات إمكانية صمود المستوطنات حول قطاع غزة تحت صواريخ المقاومة.

طبعا، مع تشدد الخطر الصاروخي في إطار حرب محتملة واسعة مع إيران، وهو أمر أدرج كتهديد وجودي أيضا في مسرد من خمس تهديدات، فإن هذا المصطلح استخدم على نطاق أوسع، مع العلم إنه في الأدبيات المهنية ، تتعلق المرونة بقدرة النظام على الاستجابة بمرونة في مواجهة الاضطرابات الشديدة ، والحفاظ على درجة معقولة من الاستمرارية الوظيفية ، والعودة سريعًا بعد ذلك والعودة إلى مستوى طبيعي أو حتى محسّن من الوظائف.
ما عكسته تصريحات كوتشافي هو أن استعداد الجبهة الداخلية في الكيان في مواجهة نزاع واسع، يبدو أنه تهديد حقيقي وربما وشيك.
إلى جانب التركيز الواضح في الخطاب على ردع جيش العدو، لخصوم الكيان، وإن قدرة الردع هذه تعتبر الأساس الأكثر بروزا لمختلف الجوانب الدفاعية ، فإنه أضاف موضحا أنه فيما يتعلق بعنصر المرونة من الضروري التمييز بين فكرة الأمن بحد ذاتها من جهة وشعور السكان بالأمن من جهة أخرى باعتبارهما مستويين من سياق واحد ولكن مختلفين، بمعنى قدرة النظام على تحقيق الأمن الفعلي يجب أن ترتبط بقدرته على عكس هذا في الشعور العام عبر توصيل الرسائل الصحيحة، وأشار كوتشافي إلى ضرورة الربط بين عنصري القوة العسكرية والقوة المدنية من خلال الإشارة إلى أن "دور جيش الدفاع الإسرائيلي ليس فقط توفير الأمن، دوره أيضًا توفير شعور بالأمان ".

استثنائية تصريح كوتشافي أنه مثل كما أشرنا أعلاه انحرافا عن تصريحات علنية سابقة لكبار ضباط الجيش، عبر ربطه بشكل مباشر بين المدة المتوقعة للحرب وأيضًا إلى التأثير المحتمل نتيجة الأضرار التي ستلحق بالجبهة الداخلية، والبنية التحتية الحيوية بدون أن يذكر تفاصيل إضافية، إلا أنها أصبحت معروفة تماما وقد عرضناها سابقا في مناقشة التهديدات الوجودية على الكيان، واعتبر أن من المحتمل أن تنطوي أي حرب مستقبلية على خسائر مدنية كبيرة ؛ بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن يكون الجمهور مستعدًا عقلياً مسبقًا لمثل هذا الاحتمال.

قدم كوتشافي اعترافا علنيا، أن مفهوم المرونة يجب أن يكون بمثابة استجابة مدنية مهمة في الحرب القادمة - سواء بالنسبة للمدنيين أو للجيش ، وكمضاعف للقوة يمكن أن يؤثر إيجابًا على القدرة على التحمل الأمني ​​للكيان و نتيجة الحرب، ومن المهم الذكر أن تصريحات مقاربة صدرت في أيلول/سبتمبر الماضي من قبل قائد الجبهة الداخلية الجنرال تامير ياداي ، في مقال نشر في مجلة جيش الدفاع الإسرائيلي (بين هاكتافيم)، ومثلت أيضا رسالة حاسمة في الخطاب الصهيوني حول دور المرونة.

لم يتطرق كوتشافي إلى ما ينبغي عمله لتعزيز المرونة الوطنية في الكيان، بصرف النظر عن توقعه أن "كل شخص له أي تأثير على المرونة الوطنية يجب أن يسهم بنصيبه". وقد أظهرت الدراسات العديدة والتقييمات الآمنة أن العناصر التي تساهم في تعزيز المرونة هي: المواطنون في مجتمعاتهم والسلطات المحلية وقادتهم والمنظمات المدنية وآليات الحكومة المركزية، و من المتوقع أن توفر هذه الآليات الميزانية والظروف المادية لتعزيز المرونة ، وتشمل دعم المؤسسة الأمنية والمستجيبين الأول والثاني. علاوة على ذلك ، يلعب الجيش في الكيان دورًا مهمًا في زيادة المرونة ، من خلال المشاركة المباشرة لقيادة الجبهة الداخلية قبل وأثناء الحرب في توفير الأمن المستمر، حيث ولأول مرة ، أشار رئيس الأركان إلى تأثير الصمود ، سواء بشكل مباشر - في سياق الحرب ، أو بشكل غير مباشر - في سياق تعزيز الردع.

يعتمد هذا البيان المهم على فهم مزدوج ، وهو: (أ) دعم وإظهار المرونة المدنية في زمن الحرب (حيث يركز العدو جهوده الرئيسية على استهداف المجال المدني) في حد ذاته يخلق "صورة انتصار" للمواطنين الإسرائيليين. ولأعداء إسرائيل. (ب) يمكن أن يسهم إظهار المرونة على المدى الطويل في شعور العدو باليأس من تحقيق نواياه العدائية تجاه الكيان.

تعكس ملاحظات كوتشافي تقدمًا مهمًا في تصور الكيان للأمن ، حيث إنها لا تعين الجبهة المدنية كعامل إضعاف سلبي فحسب ، لأنها العنصر الذي يفترض أن يمتص الضربات القاسية من العدو ، ولكن أيضًا حدد لها دورا نشطا ، كشريك في قدرة جيش الكيان على الوقوف أمام العدو وتحقيق النصر.المرجو.

وقد أشار كوتشافي إلى العلاقة بين عمل الجبهة المدنية من ناحية والتحول الجاري في إستراتيجية أعداء الكيان ، الذين وضعوا بوضوح الجبهة المدنية - ما لا تزال تسمى في الكيان "المؤخرة" - كهدف رئيسي لأنشطتهم القتالية.
في مثل هذه الحالة ، يطرح السؤال حول ما تفعله الحكومة "الإسرائيلية" لضمان استمرار الجبهة المدنية في العمل قدر الإمكان خلال الحرب المتوقعة التي من المتوقع أن تتكبد فيها خسائر فادحة و "غير مسبوقة" ، وأضرار في الممتلكات ، و التدخل في البنية التحتية الحرجة ، كما هو موضح في السيناريوهات المتعددة ويأخذ العدو بعين الاعتبار ما يعتبره السيناريو الناجح طوال عشرين عاما في مستوطنات غزة، مقترحا استجابة متكاملة شاملة وعسكرية ومدنية للتحدي الأمني ​​المتزايد.
تتطلب هذه التوصية العامة من الحكومة الصهيونية الالتزام بالتفكير الاستراتيجي العميق واتخاذ القرارات بتداعيات كبيرة في الميزانية والتنظيم، ما يعني ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر جرأة لتعزيز المرونة المجتمعية على المستوى الوطني وبالذات في طرح نقاش عام وكما قلنا أعلاه تحسين التواصل بين الحكومة والسكان، حيث تشير نصائح خبراء الأمن إلى الخلل الحاصل من امتناع الحكومة عن عمد عن إطلاع الجمهور على تقييماتها فيما يتعلق بأضرار الحرب ، خوفًا من إثارة الهلع والإضرار بإحساس الجمهور بالأمن، و ربما تعكس تصريحات رئيس الأركان الصهيوني تغييراً في مقاربة الجيش لهذا الموضوع. حيث يعتبر أن هناك بالفعل أسباب وجيهة للنظر في سبل تحسين الاستعداد الذهني للجمهور تدريجيًا للحرب القادمة والحصيلة التي ستلحقها من خلال توفير معلومات مفصلة مسبقًا حول ما هو متوقع على الجبهة الداخلية المدنية في حرب واسعة النطاق. ويمكن لهذه المعلومات المنظمة والذكية أن تسهم في المرونة الوطنية حسب ما أشار له كوتشافي ما يسمح بمزيد من القدرة على مواجهة التحديات القادمة.