تمضي إدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في تنفيذ ما أقرّته من تقليصاتٍ على مدار العامين الأخيريْن، إلى جانب استحداث إجراءات أخرى، لم تترك برنامجًا إلّا مسّته، من التعليم إلى الصحة إلى المعونة الغذائية، وبالطبع برنامج الطوارئ.
ويدور الحديث الآن عن قرارات جديدة تتعلّق بوقف كُلّي لزيارات مسح الفقر التي يُجريها باحثو "الأونروا" للعائلات التي تغيّر وضعها الاجتماعي و/أو الاقتصادي- زواج/ وفاة/ صدمة اقتصادية- بينما كان المتبع هو زيارة الطلبات الجديدة في غضون 6 شهور.
كما تردّد مؤخرًا الحديث عن قرار إدارة الوكالة وقف تقديم المساعدة الغذائية للمواليد، وعن قرارات أخرى تتعلّق بنظام التعليم وقضية تعيين موظفين بدل المُعلّمين المُجازين.
هذه القرارات لم تصدر رسميًا عن إدارة الأونروا، لكن جهات مسؤولة أكّدت للهدف صحّتها.
نائب رئيس اتحاد الموظفين العاملين بالأونروا، عبد العزيز أبو سويرح، قال إنّ هذه قرارات مطروحة منذ شهر أكتوبر 2019، وليست جديدة.
ورأى أبو سويرح أنّ قرار وقف زيارات البحث الاجتماعي غير مرتبطة بإجراءات التقشّف التي صرّح بها مدير عمليات الوكالة بغزّة ماتياس شمالي قبل أسبوع، والتي كان واضحًا بطرحها، حين قال إنّه سيُعيد النظر في عدد من برامج الوكالة، في ضوء العجز المالي المستمرّ.
وبيّن أنّ "مبرر إدارة الوكالة لوقف زيارات للأسر الجديدة هو رغبتها بإعادة دراسة وتقييم الآليات المتّبعة واستحداث آليات جديدة فيما يتعلّق بهذا البرنامج، وعليه قررت وقف العمل بها"، وهو ما اعتبره أبو سويرح "مبررًا غير مقبولٍ، لذا أوصلنا مطالبنا لإدارة الوكالة بأن لا يتم وقف الزيارات، سيّما في الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وطرحنا هذا الأمر أمام المفوض العام للأونروا في آخر زيارة له للقطاع كما تحدثنا في ذات الموضوع مع مدير عمليات الوكالة في غزة، وكان هناك تعهّد من طرفهما بحل القضيّة في أسرع وقت".
إلى جانب هذا، كشف أبو سويرح أنّه من المتوقّع أن نسمع عن إجراءات وقرارات جديدة متعلّقة بالتقليص، الذي كان تحدّث عنه ماتياس شمالي- مدير عمليات الوكالة بغزة- منتصف الشهر الحالي، إذ قال إنّه بصدد تنفيذ تقليصات بنسبة 10% من الموازنة، هذه بالتأكيد هذا سيكون على حساب البرامج من جهة، والموظفين من الجهة الأخرى.
أمّا عن قضيّة وقف الإغاثة الغذائية المتعلّقة بالمواليد الجُدد، فإنّ توجّه الوكالة في هذا الموضوع ودواعيه غير واضحة، لكن المؤكّد هو أن الخدمة متوقفة حاليًا.
وفيما بتعلّق بنظام التعليم، لفت نائب رئيس اتحاد الموظفين إلى أنّ الاتحاد بصدد إصدار بيان تفصيلي خلال اليوم، سيتضمّن توضيحًا للقرارات الأخيرة المتعلقة بتقليصات وإجراءات في برنامج التعليم، وتعقيب الاتحاد عليها وكذلك الفعاليات التي يعتزم الاتحاد تنفيذها خلال الأسبوع الجاري.
ولفت إلى أن أحد هذه القرارات تتعلق بتعيين مُدرس "يومي" بدل المدرسين المجازين، والقرار الجديد هو أنّ تعيين مدرس بديل سيتم فقط في حال كانت الإجازة أكثر من 12 يومًا، بينما في السابق كانت المُدة 7 أيام. واعتبر أبو سويرح أنّ هذا يُؤثر سلبًا على أكثر من صعيد، فهو يُثقل على المعلّمين الآخرين، ويُؤثر على جودة العملية التعليمية المقدّمة للطلبة، إلى جانب الإضرار بفرص العمل لموظفي المياومة.
وفي إطار ردود الفعل، قال إن كلّ الجهات المعنيّة، من اتحاد موظفين ولجان شعبية ولجان أولياء أمور تقوم بأدوارها المطلوبة، وتتحرّك في مختلف الاتجاهات، كلٌ في مجال اختصاصه ومسؤولياته، للحدّ من المزيد من التقليصات بحق اللاجئين.
من جهته، شدّد مسؤول المخيمات في اللجان الشعبية للّاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، عادل منصور، على أنّ كل ما يصدر عن إدارة الوكالة من قرارات وإجراءات تتعلّق بالخدمات المقدّمة للّاجئين إنّما هي تدور في فلك التقليصات التي تندرج ضمن ما تتعرّض له المؤسسة الأممية من استهدافٍ ممنهج سعيًا لإنهاء دورها، خدمةً لمخططات تصفية حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدّمتها إنهاء صفة اللاجئ، وتصفية حق العودة.
وقال منصور، للهدف، إنّ التقليص الذي يطال المساعدات الغذائية يُؤثر بشكل بالغ على الوضع المعيشي للأسر في قطاع غزة، في ظلّ الوضع الاقتصادي المتردّي الذي يُعاني منه اللاجئون.
وعن التحرّكات المُضادة لمزيدٍ من الانهيار في أوضاع اللاجئين، أكّد منصور أنّ "اللجان الشعبية ماضية في القيام بمسؤولياتها في الدفاع عن حقوق اللاجئين وإغاثتهم، وقد نفّذنا وبصدد تنفيذ فعاليات ووقفات احتجاجيّة عدّة في هذا الصدد".
وتابع "لا زلنا بانتظار ردود من إدارة الوكالة على كلّ ما تقدّمنا به من طلبات واستفسارات في قضايا متعلقة بالإجراءات والتقليصات التي تنفذها الأونروا".
وكشف عن لقاءٍ مرتقب ستعقده اللجان الشعبية خلال الأسبوع الجاري، مع ماتياس شمالي الذي من المقرر أن يزور قطاع غزة غدًا، وسيتم نقاش كل القضايا. وختم بالقول "إذا ما أردنا الحديث عن خطوات للمواجهة، لن نتحدّث عن إغلاق مقرات الوكالة، لكن اللجان الشعبية ستقوم بعملها على أكمل وجه، وإن استدعى الأمر ستشلّ العمل في مرافق الأونروا لساعات، في إطار الضغط للاستجابة للمطالب المشروعة".
جدير بالذكر أنّ هجمة شرسة تتعرض لها وكالة الغوث، منذ سنوات، تحت ذرائع وحجج واهية كالانحياز ضدّ "إسرائيل" و"عدم الحياد" في أداء عملها والتسبّب في استدامة "مشكلة" اللاجئين، وهو ما وصل في أغسطس 2019 إلى اتخاذ واشنطن قرارًا بوقف تمويل الوكالة بالكامل، بعد سلسلة تقليصات متتالية لمساهمتها المالية للأونروا، إلى جانب تجميد تمويل مشاريع إنسانية وإغاثية وتنموية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على مدار العامين الأخيرين. يُضاف إلى هذا المساعي الحثيثة لتغيير صفة "اللاجئ" الفلسطيني، وتقليص أعداد اللاجئين الفلسطينيين ليصل إلى 40 ألف (من لا يزالون أحياءَ ممّن هجر في عام النكبة)، من أصل 5.2 مليون لاجئ (العدد الحالي للاجئين المهجرين في 1948 والمُتحدّرين منهم)، بحجة أن من هُجّر في عام النكبة لم يتجاوز 700 ألف فلسطيني، ولا يجب أن يُحتسب نسلهم من الأجيال المتعاقبة.
وأدّى هذا الاستهداف الأمريكي-"الإسرائيلي" الممنهج إلى انتكاسة في العجز المالي الذي كانت تُعاني منه الأونروا على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ وصل العجز خلال فترات متفاوتة إلى مستويات غير مسبوقة، نجم عنه انتهاج إدارة الوكالة سياسة تقشف، طالت الخدمات المقدمة للاجئين، ورواتب صغار العاملين فيها، ووقف برامج التشغيل والتثبيت وشبه إلغاء لبرنامج الطوارئ، وهو ما لم تمرّ به الوكالة بهذه الصورة والتفاصيل، من قبل.