يعتبرُ يوم الأسير الفلسطيني الموافق 17 من نيسان من كل عام، حدثًا استثنائيًا في تاريخ الحركة الأسيرة الصامدة، والتي تواجه اليوم مجموعة من المخاطر المحدّقة، سيما مع انتشار جائحة "كورونا" التي تُهدّد البشرية جمعاء، وفي ظل احتلالٍ يتلذّذ كل يوم بتعذيبِ الأسرى داخل السجون وإهمالهم طبيًا، ضاربًا بعرض الحائط كافة القوانين والشرائع التي كفلَها القانون الدولي.
عددٌ كبير من دول العالم اتجه للإفراج عن السجناء خشيةً من تفشي فيروس "كورونا" في صفوفهم، لكن جيش الاحتلال لا يأبه بكل المطالبات والنداءات المتكرّرة، بل قام منذ بداية انتشار الفيروس مطلع شهر آذار/ مارس الماضي باعتقال 357 مواطنًا بينهم 48 طفلاً فلسطينيًا.
ومن بعض ما يتعرّض له الأسرى داخل السجون على سبيل المثال لا الحصر: احتجازهم في ظل ظروف قاسية لا إنسانية; والتعذيب الجسدي والنفسي والعزل القسري; وسياسة الاعتقال الإداري; والقرارات والأوامر العسكرية المجحفة; ومنع زيارات من قبل أطباء متخصصين; ومنع المؤسسات الدولية ولجان التحقيق من زيارة المعتقلين.
"بوابة الهدف" هاتفت المتحدّث باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين، حسن عبد ربه، للحديث عن خصوصيّة يوم الأسير في ظل هذه الظروف الصعبة، والخطِرة بجد، والذي أكَّد بدوره على أنّ "يوم الأسير الفلسطيني تحوّل إلى يومٍ عربي- فلسطيني منذ اتخاذ قرار في جامعة الدول العربية عام 2008 للتضامن مع الأسرى الذين يعانون في هذه الأيام من التقصير الكبير من قِبل الاحتلال بما يخص أزمة كورونا".
وأوضح عبد ربه، أنّ "هذا العام لن يكون هناك وقفات جماهيريّة أو مهرجانات أو مسيرات لإحياء هذه الذكرى بسبب حالة الطوارئ، ونعوّض ذلك بمجموعة من الفعاليات الإلكترونيّة المختلفة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأيضًا هناك موجات موحّدة، سواء إذاعيّة أو تلفزيونيّة، وبعض الوقفات البسيطة التي يراعى فيها شروط الصحة العامة".
وبيّن أيضًا أنّ "هذا اليوم مناسبة وطنيّة كبيرة لنؤكّد في هذا اليوم على شرعيّة النضال الذي خاضه الأسرى في مقاومة الاحتلال من أجل حق تقرير المصير لشعبنا، والحفاظ على المقدسات، ومن أجل حق العودة"، مُشيرًا أنّه "يوم للتأكيد على أهمية ووجوب توفير الحماية والحاضنة الوطنيّة للأسرى من أجل الابقاء على هذه القضية حاضرة كأولويةٍ وطنيّةٍ رغم كل الظروف".
آخر تطورات السجون
وشدّد عبد ربه خلال حديثه مع "الهدف"، أنّ "الأسرى ولهذه اللحظة يتهدّدهم خطر الإصابة بفيروس كورونا عن طريق السجّانين وضبّاط المخابرات وطواقم السجون، وما حصل في معتقل "عوفر" قبل أسبوعين عندما أقدمت إدارة السجون على عزل ونقل تسعة أسرى إلى سجون "أيلا - بئر السبع، والرملة، وسهرونيم"، كان هذا مؤشرًا واضحًا بأنّ هناك خشية حقيقيّة تتهدّد الأسرى"، مُؤكدًا أنّ "إدارة السجون لم تتحمّل المسؤوليّة القانونيّة والأخلاقيّة والدوليّة تجاه الأسرى، بل اكتفت بعزل الأسرى وتم إعادتهم أمس إلى عوفر دون إجراء أي فحوصات، أو أخذ عينات منهم لفحصها".
يُذكر أنّ الأسير الفلسطيني المحرّر نور الدين صرصور، تحرّر من سجون الاحتلال يوم الثالث من مارس الماضي من معتقل عوفر، وأثبتت الفحوصات أنه مصاب بفيروس "كورونا"، وبحسب هيئة الأسرى فإنّ الأسير صرصور من بيتونيا، أعتقل بتاريخ ٣/١٨ وقضى كل فترة اعتقاله في قسم ١٤ في "عوفر" ومركز تحقيق بنيامين.
وأردف عبد ربه بالقول: "بكل تأكيد هذا مؤشر واضح بأنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يعير أي أهميّة لحياة وصحة وسلامة الأسرى داخل السجون، عدا عن ذلك لم توفّر إدارة السجون سبل الوقاية اللازمة من معقّمات، ومواد تنظيف، وغيرها من الإجراءات الكثيرة لحماية الأسرى استنادًا إلى بروتوكولات منظمة الصحة العالميّة، بل أوقفت زيارة العائلات والمحامين، وقلّصت المواد المتاحة للأسرى من خلال الكانتين، كما فرضت قيودًا إضافيّة على إجراءات المحاكم العسكريّة الاحتلاليّة، ما يعني المساس بحقوق الأسرى".
استغلالٌ مقيت
وأشار إلى أنّ "الاحتلال يستغل جائحة كورونا، وكان هناك مطالبات عدّة من قِبل مفوّض حقوق الانسان السامي التابع للأمم المتحدة، والعديد من البلدان استجابت فعلاً لهذا النداء عن طريق إطلاق سراح السجناء، لكن الاحتلال الإسرائيلي تعامل بعنصريّة مقيتة مع هذا الموضوع عندما أفرج عن بضع مئات من السجناء الجنائيين اليهود، ولم يشمل هذا القرار أي أسير فلسطيني على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، أوقفت إدارة مصلحة السجون العمل بالإفراج (المنهلي) الذي يتم بموجبه خصم 21 يومًا أو شهر عن كل عام يقضيه الأسير داخل السجن من أسرى الأحكام البسيطة، وهذا مؤشّر أيضًا على عنصريّة الاحتلال بالتعامل مع هذا الملف".
العديد من الأصوات الوطنيّة التي علت خلال الفترة السابقة، دعت المقاومة الفلسطينيّة لأن تتمسك بمطالبها بضرورة الإفراج عن الأسرى المرضى وكبار السن والأشبال والنساء أولًا، كبادرةٍ ومقدّمةٍ للحديث عن أيَّة صفقة تبادل مرتقبة مع الاحتلال الصهيوني.
اليوم، جدّدت منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال هذه الدعوة، بل ودعت المقاومة أيضًا لأن "تتشبّث بمطالِبها وتعهداتِها بالإفراج عن كافة الأسرى القدامى والمؤبدات والأحكام العالية مقابل إبرام صفقة تبادل مشرّفة كمقدمةٍ لتحرير كافة الأسرى من السجون الاحتلاليّة".
وبهذه المناسبة، عبَّر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، أمس الخميس، عن "خشيةٍ حقيقيةٍ من حدوث كارثةٍ إنسانيّةٍ في أوساط المعتقلين الفلسطينيين، تستند إلى تاريخ سيء لإدارات السجون الإسرائيليّة في التعامل مع المعتقلين، فعلى مر عشرات السنين لقى مئات المعتقلين الفلسطينيين حتفهم في ظل ظروفٍ صحيةٍ بالغة السوء نتيجةً لسياسة الإهمال الطبي المتعمّد".
وبيّن المركز في بيانٍ له، أنّه "وفي ظل هذه الظروف الصعبة والخطيرة في ضوء انتشار جائحة كورونا، لم تتخذ السلطات الإسرائيليّة الإجراءات اللازمة لحماية المعتقلين الفلسطينيين رغمًا عن إعلانها عن العديد منها، إلا أنها عمليًا اكتفت بتنفيذ بعض الإجراءات التي تعتبر أصلاً انتهاكًا لحقوقهم وامتيازاتهم والتي من بينها منع زيارة الأهالي لأبنائهم المعتقلين ومنع التقاء المعتقلين بمحاميهم".
وأكَّد المركز بمُناسبة يوم الأسير الفلسطيني على "ضرورة التصدّي للممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية المنفذة بشكلٍ منهجي بحق المعتقلين الفلسطينيين".
ويقبع في سجون الاحتلال أكثر من 5 آلاف أسير وأسيرة فلسطينيين، بينهم أطفال وأمّهات وكبار سن ومرضى، تُزجّ بهم سلطات الاحتلال الصهيوني في معتقلات تفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدميّة، وبظروف صحيّةٍ ومعيشيّةٍ بائسةٍ للغاية، في مُخالفةٍ صارخة لكل ما تنص عليه المواثيق والنصوص الدوليّة بذات الشأن.