Menu

احتكار الإعلام

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

عانى الإعلام في عالمنا العربي لسنوات طويلة من السيطرة الحكومية التي قلصت مساحات الحرية والإبداع في هذا الحقل، ومارست أشكال متعددة من الرقابة على وعي الجمهور، وهو ما كان موضع نقد دائم يدعو لتحرير الإعلام، وجهود مستمرة لخلق هوامش حرّة تخترق هذه السيطرة.

اليوم لم يعد الإعلام الحكومي بشكله القديم يحوز إلا القليل من المساحة الإعلامية، كذلك لم يعد خصومه من اليسار والقوى الديموقراطية وغيرهم، وأذرعهم الإعلامية التي اخترقت الحالة الشمولية ذات يوم، يشغلون مساحة تذكر من الحصة الإعلامية، فلقد سمح المال النفطي والغربي بشراء معظم المساحة الإعلامية العربية وإلحاقها بهم.

لا يقتصر الأمر على المحطات التلفزيونية باهظة الكلفة، أو الجرائد العربية في لندن وكتابها من ذوي الأجور الضخمة، بل إن أصغر موقع إعلامي في حيز محلي بات أيضًا جزءًا من الحالة المستهدفة بالتطويق من خلال الشراء، فقد ابتاع حكام الخليج والأذرع الغربية النشطة، الكم الأكبر من المشتغلين بالكتابة في العالم العربي، وحيّدوا كتل أخرى، وحاصروا وعزلوا الأصوات الرافضة والمتمردة، وباتت المساحة المحتكرة أوسع بكثير من تلك التي سيطر عليها ذات يوم الإعلام الرسمي العربي، وما كانت تقوم به الأوامر الحكومية من تقييد وتكميم باتت تقوم به بشكلٍ أكبر وأوسع وأعمق حقائب المال الخليجي، وأوامر المدراء التنفيذيين الذين يقومون باستنساخ كل نمط للطغيان أو الاستزلام ساد يومًا في أي منظومة للقمع، ويضيفون عليها تعديلاتهم "الحداثية".

ليس من الغريب القول أن العمل الإعلامي بات اليوم أصعب على المشتغلين في الإعلام، فالخضوع للمنظومة الجديدة المهيمنة والارتزاق منها يتطلب الكثير، فالأمر لا يقتصر على لعب أدوار التحريض الطائفي وتملق عواصم التمويل وتسويق تفاهات حكامها، ولكن الخضوع لسلسلة كاملة من علاقات التبعية والتذلل يكون الكاتب في أدنى مراتبها، ويستخدم كأداة رخيصة مهدد بالتخلص منه في أي لحظة إذا ما حاد عن الخط السياسي، بل إذا غضب منه أولياء النعمة وعمالهم على الكتبة والصحفيين.

هذه العصابات الإعلامية المنتشرة والمدججة بالجيوش الالكترونية والإعلانات الممولة، تواصل الحديث عن الدمقرطة وحقوق التعبير، فيما تنتج منظومة قمع وترهيب، وظيفتها صناعة الأتباع ونظمهم في دوائر تحيط الممولين الكبار وتسبح بحمدهم.

وما يطفو للسطح عما يدور في هذه البيئة، يشير بوضوح لـ"بوصلة" مشاريع طرحت ذاتها كبوصلة للجمهور العربي، بل وافترضت لذاتها دور في تحديد أجندة وأولويات الشعوب، بما يتعارض مع تاريخ وواقع هذه المنطقة وقناعات شعوبها. لم تكن هذه معضلة المشترين فقط، بل هي كذلك معضلة من وضع شارة للسعر على رأسه، ومعضلة القوى التقدمية والديموقراطية التي عجزت عن ردع هذه الحالة، وإذا كان إنتاج البدائل عملية مكلفة، فإن ضرورات التعامل المجتمعي بشكلٍ حازم مع هذه الحالة المبتذلة التي استنكرها الوعي العربي، كانت ولا زالت ممكنة وضرورية.