مع نهاية شهر يوليو كانت ايران على موعد مع أول الحوادث ضمن سلسلة من التفجيرات والحرائق طالت منشآت ومرافق استراتيجيّة وأخرى صناعية.
في ٢٦ يونيو وقع انفجار في مصنع لإنتاج الصواريخ، رافقه زمنيًا حدوث حريق كبير في محطة للطاقة بمنطقة شيراز، وبعد ثلاثة أيام وقع انفجار في مركز طبي في طهران، وفي اليوم الثاني من شهر يوليو حصل انفجار وحريق في قسم تجميع أجهزة الطرد المركزي في منشأة نتانز النووية الإيرانية، وفي ٤ يوليو حصل حريق في محطة الأهواز، ومن ثم انفجار في خزانات الأوكسجين في المنطقة الصناعية في منطقة باقر ٧/٧/٢٠٢٠، وانفجار آخر في مستودع صواريخ ١٠/٧/٢٠٢٠، انفجار في منشأة للبتروكيماويات بتاريخ ١٢/٧/٢٠٢٠.
سلسلة الحوادث آنفة الذكر لفتت الانتباه لاحتمالية ارتباطها جميعها أو بعضها بجهاتٍ مُعادية لإيران، خصوصًا أنّ وقائع الهجمات الصهيونية والأمريكية غير المعلنة على إيران متكرّرة، كما أنّ الردود الإيرانية ضد العدو الصهيوني، والقوات الأمريكية هي جزء من السياسة الدفاعية الايرانية في وجه الاعتداءات المتكررة.
دفعت هذه الحوادث بتفسيرات افترضت ارتباطها في سلسلة متصلة من حيث الدوافع والظروف، وهي تفسيرات تتنافى مع التصريحات التي قدمها مسؤولون إيرانيون علقوا على هذه الاشارات والأنباء، باتجاه مفاده أن الحرائق والانفجارات التي سجلتها البلاد الفترة الأخيرة حوادث عادية في أغلب الحالات، ولكن يقف وراء بعضها مخربون أجانب، وهو ما يشير لسياسة ثابتة لدى العدو الصهيوني تسعى للاستفادة من أي حوادث أو تطورات في تضخيم صورة القدرة العسكرية والإستخبارية للكيان، وتوجيه ضربات معنويّة للخصوم، فإذا كانت بعض هذه الحوادث في سياق هذا الاستثمار صرح وزير خارجية العدو الصهيوني غابي اشكنازي في الخامس من يوليو، بأن الإجراءات التي يتخذها الكيان ضد إيران "ستكون من الأفضل إذا لم نتحدث عنها".
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قالت إنّ "التفجير الذي استهدف منشأة نطنز النووية الإيرانية الأسبوع الماضي تم التخطيط له لأكثر من عام"، مُشيرةً إلى "احتمال تفجيرها من خلال زرع عبوة ناسفة أو عبر هجوم إلكتروني".
كما نقلت الصحيفة عن مسؤولَيْن في المخابرات الأميركيةّ قولهما إنّ "ترميم المنشآت لإعادة البرنامج النووي الإيراني إلى ما كان عليه قبل الانفجار قد يستغرق عامين".
و نقل موقع "بزنس إنسايدر" عن مصدر صهيوني وآخر أوروبي أنّ تل أبيب نفذت عمليات تفجير وحرق لأهداف في إيران الفترة الأخيرة بهدف الدفع نحو مواجهة مع طهران، قبل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
المساعي للاستثمار في الضغط المعنوي على ايران لم تقتصر عند حدود نسب إنجازات إستخبارية مزعومة للكيان الصهيوني، أو تضخيم عملياته، فتم تناقل أنباء عن تشكيلات ايرانية مزعومة من "المنشقين" حسب زعم المصادر الاعلامية الغربية والخليجية، أعلنت عن مسؤوليتها عن بعض هذه الحوادث، وهو ما يرتبط بالرهانات الأمريكيّة القديمة على خلق معارضة ايرانية تقاتل ضد بلادها وتنفذ الهجمات لحساب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على ايران.
من جانبه، قال غلام حسين غيبت برفر مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني، إنّ "تسريبات صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) عن الإستراتيجية الأميركية الصهيونية ضد إيران مجرّد حرب نفسية".
وأضاف المسؤول الإيراني أنّ "الكلام عن تخريب المنشآت النووية واغتيال قادة الحرس الثوري لا تأثير له على سياسات البلاد المستمرة"، وأكَّد أنّ "حذف الكيان من جغرافيا المنطقة هو شعار بلاده الذي تعمل عليه"، على حد تعبيره.
لا تقتصر الهجمة الأمريكية الصهيونية الساعية لإخضاع إيران على الحرب المعنويّة والسيبرانيّة، أو الغارات التي تطال حلفاء إيران وقواتها، فتستثمر الولايات المتحدة في الحصار والعقوبات المفروضة على ايران، وتسعى كذلك لمُحاصرة حلفائها في سوريا ولبنان من خلال قانون قيصر.
الرد الإيراني على إجراءات الحصار جاء في المسار الإستراتيجي من خلال اتفاق استراتيجي مع الصين، أشار له وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمام البرلمان، في الخامس من يوليو الجاري بأنّ "الحكومة الإيرانية تتفاوض مع بكين"، وقال ظريف إنّه "لا وجود لشيء سري" في المناقشات الجارية، وسيتم إبلاغ الشعب "عندما يتم التوصل إلى اتفاق".
الاتفاق المحتمل كشفت تسريبات إعلامية عن محتواه، ويأتي كوثيقة تقع في 18 صفحة باللغة الفارسية وبعنوان "النسخة النهائية.. برنامج التعاون العالمي بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية إيران الإسلامية"، ويتحدّث عن استثمارات صينيّة بقيمة 400 مليار دولار في إيران على مدى ربع القرن المقبل، 280 مليار دولار منها موجهة لصناعة النفط والغاز، و120 مليار دولار ستستغل في شبكة الطرقات والسكك الحديدية والمطارات والتكنولوجيا.
كما تشير الوثيقة التي نشرها موقع "تابناك" الإخباري التابع لمحسن رضائي الرئيس السابق للحرس الثوري إلى إنشاء مناطق تجارة حرّة في الشمال الغربي وجنوب البلاد، وتطوير تكنولوجيا الجيل الخامس عبر الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون على الصعيد العسكري، وفي المقابل تتعهّد إيران بتزويد الصين بالنفط بأسعار مناسبة طوال الـ25 سنة المُقبلة.
وعلى صعيد المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني، يرى العديد من المتابعين أنّ تسارع وتيرة التصعيد الصهيوني تراهن على اخضاع ايران قبيل نهاية عهد دونالد ترامب، وقبل أن تجد ايران حلول تخرجها من ضغط الحصار، وهو ما يبدو باديًا في الأفق من خلال الاتفاق الصيني وضمن سياقات رفع جزء كبير من العقوبات على ايران حسب الاتفاق النووي بينها وبين أطراف المجتمع الدولي، التي لا زال جزء منه ملتزم بهذا الاتفاق، فيما تنفرد الولايات المتحدة بتنصلها من التزاماتها ضمنه.