لا يخفى على أحدٍ ما فعلته جائحة "كورونا" باقتصادات دولٍ عظمى بفعل حالة الطوارئ التي أجبرت الدول على فرضها منعًا لتفشي الوباء، فكيف لنا أن نتخيّل حال قطاع غزّة المُحاصَر منذ قرابة (14 عامًا) بعد أن وصل الفيروس إلى داخل مُخيّماته ومدنه كما أفادت وزارة الصحة مساء يوم الإثنين 24 آب/ أغسطس.
في قطاع غزّة شرائح كثيرة تضرّرت بفعل حالة حظر التجوال التي فرضتها وزارة الداخليّة في محاولةٍ منها لمنع تفشي الوباء الذي حصد حتى لحظة إعداد هذا التقرير أرواح خمسة مواطنين وأصاب 518 آخرين، لكنّ المُلاحظ -ليس في غزّة فقط- أنّ التركيز إعلاميًا وحتى في المؤتمرات الرسميّة للجهات المختصّة يكون على الجهود المبذولة من قِبل الأجهزة الأمنيّة والطواقم الطبيّة -رغم أهميتها- إلّا أنّ هناك شريحةٌ أخرى على خط المواجهة الأوّل مع هذا الفيروس وهي عمّال النظافة في القطاع بشكلٍ عام، وداخل المستشفيات بشكلٍ خاص رغم تدني أجورهم وظروفهم المعيشيّة الصعبة.
في هذا الجانب، تحدّثت "بوابة الهدف الإخباريّة" مع النقابي إلياس الجلدة مسؤول جبهة العمل النقابي في قطاع غزّة، إذ أكَّد في بداية حديثه على أنّ "عمّال النظافة هم الفئة الأكثر عرضة للمخاطر والأضرار الكبيرة خاصة في فترات الأوبئة والأمراض، وهم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، وفي نفس الوقت هم على خط الدفاع الأوّل الذي يحمي المجتمع من انتشار الوباء".
وأكَّد الجلدة على أنّه "وبالرغم من أهمية الدور الكبير والمهم الذي تقوم به شريحة العمّال في خدمة المجتمع، إلّا أنّهم مع الأسف أكثر الفئات التي تتعرّض للظلم والاضطهاد وانتهاك حقوقهم العماليّة كونهم لا يتلقون الحد الأدنى للأجور ورواتبهم متدنية جدًا، ولا تتوفّر لهم وسائل الحماية والوقاية المهنية لمنع إصابتهم بالأمراض"، لافتًا بالقول: "من البديهي أنّ العامل في البلدية أو داخل المستشفى يقوم بلمس مخلّفات المستشفى والمنازل وكلها معرّضة لأن تكون مُصابة بالفيروس".
وشدّد الجلدة خلال حديثه لـ"الهدف"، على ضرورة أنّ "يتم توفير كل وسائل السلامة والحماية وعدّة الوقاية الشخصيّة لهؤلاء العمّال لحمايتهم من الإصابة بالمرض، وحتى الآن كل الوسائل المتوفّرة لعمّال النظافة هي وسائل تقليديّة وليست بالمستوى الكفيل بحمايتهم من الإصابة بالفيروس".
رواتب العمّال دون الحد الأدنى للأجور
وبيّن أنّ "أزمة رواتب عمّال النظافة في المستشفيات هي قديمة جديدة ومستمرة. هؤلاء العمّال من المفترض أن يتلقوا رواتب أعلى مما يحصلون عليه"، مُؤكدًا أنّ "الحكومة تتنصّل من الالتزام بتنفيذ القانون الذي أقرته وهو الحد الأدنى للأجور الذي بموجبه يحصل العامل على 1450 شيكل من قِبل الشركة التي تعاقدت مع وزارتي الصحة والمالية، وهذا هو الأصل، لكن ما يحصل عليه عامل النظافة فعليًا هو 730 شيكل شهريًا فقط".
ورأى الجلدة في "هذه النسب المتدنية من الرواتب انتهاكًا للحقوق من الناحية القانونية، في ظل أنّ جزء من هؤلاء العمّال يتعرّضون للفصل والطرد من العمل دون الحصول على مكافئة نهاية الخدمة"، مُشيرًا إلى ضرورة "قيام السلطة وكل من يوقّع العقود مع شركات النظافة أنّ يقوم بإلزام هذه الشركات بدفع الحد الأدنى للأجور، أو ألّا يتم ترسية العطاءات على الشركات التي لا تدفع للعمّال الحد الأدنى للأجور".
المطلوب من وزارة العمل؟
ورأى الجلدة أنّ "المطلوب من وازرة العمل هو رفض هذه العقود والضغط بهذا الاتجاه، ولكن التبريرات دائمًا جاهزة بفعل الظرف السياسي وحالة الانقسام الراهنة، ويقولون دائمًا: رام الله لا ترسل الأموال، غزة لا تستطيع تطبيق الحد الأدنى للأجور وأن الظروف لا تسمح بذلك، وهذه الإشكالية مُستمرة، واليوم يشعر العامل أنّ هناك اتفاقًا بألّا يقل الراتب عن الـ700 شيكل، لكن هل هذا منصف؟ بالتأكيد لا"، مُشددًا على أنّه "من المفترض أنّ الحكومة التي أقرت قانون الحد الأدنى للأجور هي أوّل الملتزمين فيه، وإلّا كيف ستُجبر القطاع الخاص على تطبيق هذا القانون؟".
وأكَّد الجلدة أنّ "جبهة العمل النقابي كجزء من الحركة النقابيّة الفلسطينيّة طالبت الجهات المختصّة أكثر من مرّة ولا زالت تُطالب بتنفيذ قانون الحد الأدنى للأجور لحماية العمّال، وتم تنفيذ العديد من الفعاليات وإسناد عمّال شركات النظافة في إضراباتهم، كما تم تنظيم حملة كاملة من أجل تحسين الأجور التي كانت سيئة للغاية وتحسّنت بشكلٍ طفيف، لكنّنا لم نستطع حتى الآن من الوصول إلى هدفنا الحقيقي وهو تطبيق القانون بشكلٍ كامل"، لافتًا في ختام حديثه مع "الهدف"، إلى أنّ "هذا المطلب دائمًا مستمر وندعو له في كافة لقاءاتها مع الجهات المختصّة، وشركات النظافة التزمت ووفّرت ملابس خاصة لعمّال النظافة ما قبل الوباء، ولكن الآن بعد وصول الوباء إلى غزة العمّال بحاجة إلى ملابس وأدوات خاصة".
ولكن، ما هو حال عمّال النظافة في ظل هذه الجائحة، وفي ظل أنّه تم تسجيل عدد من الإصابات بفيروس "كورونا" في صفوفهم جرّاء عملهم داخل المُستشفيات في غزّة التي وصل إليها الوباء؟.
"بوابة الهدف" تواصلت مع أحمد عبدو الهندي المتحدّث باسم شركات النظافة في قطاع غزّة، إذ وجّه في بداية حديثه "كل التحيّة والتقدير لهؤلاء العمّال الذين يخدمون أبناء شعبنا في هذه الظروف القاهرة"، مُؤكدًا أنّه "وكما كان متوقعًا، فإنّ هناك قرابة 10 عمّال مُصابين بالفيروس وهم الآن في مستشفى العزل بخانيونس – مستشفى غزّة الأوروبي".
وأوضح الهندي أنّ "شركات النظافة لها مستحقات مالية متراكمة (7 شهور) من أيّام "حكومة التوافق"، إلّا أنّنا اليوم نتلقى أموالنا بشكلٍ شهري ولا مشاكل في ذلك"، لافتًا إلى أنّه "ومنذ بداية أزمة كورونا في غزة منتصف مارس الماضي لم تتلّق الشركات سوى 30% من مستحقاتها المالية الخاصّة بالأزمة (مستحقات أزمة كورونا) من وزارة الصحة في غزة وتقدّر هذه الأموال بأقل من مليون شيكل. هذه المستحقات لعمل شركات النظافة داخل أماكن الحجر كالمستشفيات والمدارس والفنادق، لكن حتى اللحظة لم نستلمها كاملةً".
وأشار الهندي وهو أيضًا صاحب إحدى شركات النظافة، إلى أنّه "من المفترض أن تكون الأولوية في الصرف لمستحقات شركات النظافة خلال هذه الأزمة لحساسيّة وأهميّة النظافة داخل مراكز الحجر. يصرفون مستحقات للتغذية أولاً بأول، ويصرفون للخدمات الثانية أولاً بأول، إلّا شركات النظافة، وبعد معاناة طويلة جدًا صرفوا لنا 30% من المستحقات قبيل عيد الأضحى الفائت، والآن انتشر الفيروس وأصبحت المسؤوليّة والمعاناة أكثر"، لافتًا إلى أنّ "الوزارة تتحجّج بعدم وجود قاعدة بيانات ليتم الصرف كون أزمة كورونا جديدة بتفاصيلها. الجائحة لها شهور هل هناك ما هو غير مفهوم بعد؟!".
42 عاملاً يخدمون المرضى في مستشفى العزل
وأكَّد الهندي لـ"الهدف"، أنّه "وبحسب تجربتنا كشركات مع الحكومة ووزارة الصحة نعلم أنّ الذي عند الحكومة لا يذهب، وموجود، ولكنه يأتي بعد وقتٍ طويل، ولذلك صرفنا للعمّال جزء كبير من مستحقاتهم أي حوالي من 70% إلى 80% لأنّ العامل في النهاية ظروفه سيئة للغاية وليس له علاقة بوزارة الصحة هو له علاقة بي كشركة وأنا المسؤول عنه"، منوهًا أنّ "وزارة الصحة تتكفّل بتوفير كل اللوازم ووسائل الحماية والوقاية والسلامة لكل عمّال النظافة الذين يعملون الآن في مراكز الحجر، وتعاملهم معاملة الكادر الطبّي على حدٍ سواء، ويتواجد الآن قرابة 42 عاملاً في مستشفى غزة الأوروبي يخدمون جميع المرضى والكوادر المتواجدة في هذا المستشفى، وزوّدناها بـ12 مضخّة لتعقيم كافة الأقسام أولاً بأول وفق البروتوكول الحازم الذي تعمل به وزارة الصحة".
وتابع الهندي وهو صاحب شركة "أحمد عبدو الهندي"، بالقول: "العمّال دائمًا يطالبوننا بمستحقاتهم الماليّة، ولكن في ظل هذه الأزمة وفي ظل أنّنا لم نتلّق من الوزارة باقي مستحقاتنا الماليّة فلا نستطيع دفع رواتب كاملة، بل ندفع للعمّال جزء من هذه المستحقات".
الحد الأدنى للأجور
وبشأن هذا القانون الذي يتمنى عامل النظافة وغيره من العمّال البسطاء الذين يقضون جلّ ساعات يومهم في العمل أنّ يتم تطبيقه اليوم قبل الغد، بيّن الهندي أنّ "هذا القانون أقر في الضفة الغربيّة ويُطبّق هناك فقط، ولكن للأسف غير معمول به نهائيًا في قطاع غزّة، حتى أنّ دفتر المناقصة الخاص بوزارة الصحة يشترط ألّا تقل أجرة العامل عن 770 شيكل شهريًا، لكن كان الأجدر بالوزارة أن تكتب لا تقل أجرة العامل عن 1440 شيكل بحسب النظام والقانون".
ولفت الهندي إلى أنّه "من المفترض أنّ غزة والضفة جسم واحد، والقانون يطبّق هنا وهناك، ولكن في غزّة لا يُطبّق، ومن المؤكّد أنّه طالما الوزارة هي التي أقرّت هذا المبلغ فبالتالي لن يدفع أحدًا للعامل أكثر من هذا المبلغ. أنا كشركة أحب على قلبي أن يكون راتب العامل 1440 شيكل".
يُشار إلى أنّ بعض الوزارات تتبع مثل هذا الأسلوب بتحديد "راتب" العامل في المناقصات حتى لا تدفع للشركات ميزانياتٍ كبيرة من موازنتها الخاصة، وكلّما كان راتب العامل متدنيًا كلّما كانت الميزانيات المدفوعة منخفضة، والعكس صحيح، أي بالأحرى مصلحة العامل المقهور آخر هم هذه الوزارات.
وفي ختام حديثه للهدف، قال الهندي، إنّه "وفي ظل هذه الظروف الصعبة، وفي ظل أنّ راتب العامل أساسًا متدني، فأقل القليل أن يخرج العامل من مراكز الحجر ويجد راتبًا له ليُلبي حاجيات أطفاله"، مُطالبًا "بالإسراع في صرف (مستحقات أزمة كورونا) لشركات النظافة وبشكلٍ عاجل حتى يستطيع العامل إطعام أطفاله".
وتقدّم خدمات النظافة في قطاع غزّة إلى 13 مستشفى، و51 مركزًا للرعاية الأوليّة، و22 مرفقًا آخر في وزارة الصحة من خلال 13 شركة.