مع الانشغال العالمي بأزمة فيروس كورونا، والتهافت العربي نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، لايضيع هذا الكيان وقته في حربه المستمرة ضد الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية، ويستمر في حملة تهجير واسعة النطاق مخططة بدقة ولا رجعة فيها في الضفة الغربية المحتلة، وخصوصًا في المنطقة (ج) التي تخضع لسلطة عسكرية صهيونية شاملة.
وتبعًا لتقرير صدر مؤخرًا عن جريدة هآرتس فإن حملة الهدم المكثفة التي تشنها سلطة الاحتلال في المجتمعات الفلسطينية مستمرة بشكل كبير للسيطرة على المنطقة التي تعادل 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
وهذا الأمر لا يتعلق بهجمات المستوطنين التي يزعم الاحتلال عادة إنها عشوائية وغير منظمة، بل بخطة "دولة" متكاملة، عقد من أجلها عدد من الاجتماعات للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست العدو في أواخر تموز وحتى منتصف آب، وكان عنوانها التصدي لـ "استيلاء الفلسطينيين على منطقة ج". حسب المصطلح الصهيوني.
من المعروف أن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تم تقسيمها بموجب اتفاقيات أوسلو وملاحقها كمناطق أ، وب، وج، وبسبب وجود كثافة سكانية فلسطينة عالية في المنطقتين أ، وب فقد أحكمت قوة الاحتلال سيطرتها على المنطقة ج.
حسب اللغة الشكلية للاتفاقيات المذكورة كان من المفترض نقل المنطقة ج، إلى السلطة الفلسطينية تدريجيًا ولكن دولة الاحتلال وجماعات الاستيطان المدعومة منها تعاملت مع المنطقة ج على أنها تخضع للسيطرة "الإسرائيلية" المباشرة الدائمة، على أسس استراتيجية وأيديولوجية. ومن هنا تنقلب المفاهيم وتبرز الحكاية الملفقة عبر ادعاء الاحتلال بملكية أبدية للمنطقة ليتحول المستوطن إلى "صاحب حق" والمزارع الفلسطيني إلى "غازي".
اجتماعات الكنيست التي عُقدت في الصيف الماضي بحضور شخصيات سياسية وعسكرية بارزة، شهدت تقدم مسؤولين صهاينة بشهاداتهم فخورين بشأن الجهود المبذولة لاستهداف وتدمير الزراعة والبناء الفلسطيني في المنطقة ج.
وبحسب المنسق الاحتلالي أو رئيس ما يسمى بالإدارة المدنية، اقتلعت القوات المحتلة 42 ألف شجرة زرعها فلسطينيون على مدى السنوات العشرين الماضية، بما في ذلك 7500 شجرة في عام 2019. وفي نفس العام، صادرت القوات المحتلة 700 حفار ومعدات أخرى من الفلسطينيين، وهو ما يعد "للغاية". ردع كبير ".والمبرر الدائم لدى العدو هو أن هذا البناء "غير قانوني" يضاف إلى ذلك محاولات صهيونية تجميلية فاشلة بالإدعاء أن الكيان وافق على 21 طلب بناء ولكن مقابل 1485 تم رفضها من 2016 إلى 2018 بمعدل رفض 99%.
وتلاحظ هآرتس أن المسؤولين الصهاينة الكبار "وضعوا الاولويات الاقليمية لهدم المباني الفلسطينية"، والتي تشمل "في هذه المرحلة" المنطقة المحيطة ب القدس ، وتلال الخليل الجنوبية وغور الاردن.
وفقًا لعضو لجنة الكنيست وعضو الليكود البارز نير بركات رئيس بلدية الاحتلال السابق في القدس، فإن أولوية كيانه هي توطين مليوني مستوطن يهودي في الضفة الغربية المحتلة و "إحباط ... محاولة الفلسطينيين لتغيير الوضع". وأضاف: "لديهم أراض كافية في أ و ب".
تمضي دولة الاحتلال بكامل طاقتها في تحديد حجم "البانتوستانات" الفلسطينية نظرًا لعدم وجود تواصل جغرافي - في حوالي 40٪ من الضفة الغربية، ويتم تحقيق ذلك ليس فقط من خلال توسيع المستوطنات، ولكن أيضًا عن طريق إزالة الفلسطينيين.
وقد تم وصف الفلسطينيين في اجتماعات لجنة الكنيست بلغة غير إنسانية بشكلٍ لافت للنظر: سميت المنازل الفلسطينية والزراعة والبنية التحتية الأساسية للحياة بأنها "فيروس" و "إرهاب إقليمي" و"سرطان".
كان من بين الحضور أثناء الإجراءات موظف في منظمة ريفاجيم المتطرفة وهي مجموعة من المستوطنين تقوم بحملات لهدم البناء الفلسطيني، وقال مسؤول حكومي في الاجتماعات "إن التنسيق بين الجماعات المختلفة التي تقدم تقارير فورية عن البناء الفلسطيني قد تحسن بشكل كبير".
تمتلئ أدبيات ريجافيم بالتجريد العنصري من الإنسانية، واصفة المجتمعات الفلسطينية بأنها "تنتشر كافيروس في جميع أنحاء إسرائيل"، وتحذر من أن "أرض إسرائيل تسلب من الشعب االيهودي".
المنظمة المتطرفة، التي تلقى دعمًا بارزًا في بريطانية، كانت أيضًا مركزية في الهجمات على المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، مثل اتحاد لجان العمل الزراعي (UAWC)، الذي يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز قدرة المزارعين الفلسطينيين على الصمود في المنطقة ج.
وقد تم استهداف UAWC من قبل ريفاجيم منذ عام 2014، وفي عام 2018 أكدت المنظمة الصهيونية المتطرفة أن الاتحاد كان هدفًا ذا أولوية باعتباره "المنظمة الرئيسية المشاركة في المشاريع الزراعية في المنطقة ج".
التقرير الخاص الخاص باجتماعات الكنيست هذه، نشر بالصدفة، بعد أيام قليلة من انتقاد مسؤول رفيع المستوى في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لتصاعد التدمير "الإسرائيلي" للممتلكات الفلسطينية خلال الأشهر الأخيرة، مشيرًا إلى أنه " في حرب إسرائيل على التجمعات السكانية الفلسطينية في المنطقة ج، لا يوجد وقف لإطلاق النار بسبب فيروس كوفيد -"19 ".
وفي البيان الذي أصدره منسق الشؤون الإنسانية جيمي ماكغولدريك، أظهرت بيانات الأمم المتحدة "هدم أو مصادرة 389 مبنى يملكها فلسطينيون في الضفة الغربية" خلال الفترة من مارس إلى أغسطس. كمتوسط شهري، فإنه يشكل أعلى معدل تدمير في أربع سنوات".
وأضافت الأمم المتحدة أن عمليات الهدم هذه خلفت 442 فلسطينياً بلا مأوى، في آب/ أغسطس وحده، نزح أكثر من 200 شخص، "أكثر من أي شهر آخر منذ يناير 2017".
تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى المنازل، استهدفت القوات "الإسرائيلية" بالتدمير أو المصادرة "أصول المياه والنظافة والصرف الصحي، والمنشآت المستخدمة في الزراعة"، بما في ذلك عشرات المباني "الممنوحة للفلسطينيين كمساعدات إنسانية".
التواطؤ الدولي
القصة على الأرض ستزداد سوءًا، حيث سلط تحديث للأمم المتحدة نُشر الشهر الماضي الضوء على الدور الخبيث للأمر العسكري 1797، الذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2019 و"يسمح بالإزالة العاجلة للمباني غير المرخصة التي تعتبر" جديدة "، في غضون 96 ساعة من إصدار" أمر الإزالة ".وقد أدى هذا الأمر إلى هدم ما لا يقل عن 66 مبنى في العام منذ نشره لأول مرة.
في غضون ذلك، خصصت الحكومة "الإسرائيلية" للتو 20 مليون شيكل (5.8 مليون دولار) "لمسح ورسم خريطة لأعمال البناء الفلسطينية غير المصرح بها" في المنطقة ج، وهو تطور أفادت صحيفة هآرتس بأنه "أول مرة يتم فيها تخصيص الأموال بشكل خاص لمثل هذا مسح كجزء من ميزانية الدولة ". ورغم أن عمليات الهدم والاعتداء الصهيوني على البناء والوجود الفلسطيني في المنطقة ج يتم تسجيلها بدقة متناهية في تقارير دورية تصدرها المنظمات المعنية إلا أن لا يوجد حتى الآن أي إجراء جاد من قبل الفاعلين الدوليين الرئيسيين، مثل الاتحاد الأوروبي أو الحكومات التي تعلن دعمها للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وبالفعل، أشار الكنيست إلى أن "عدد المشاريع الفلسطينية الممولة دوليًا (الأوروبية بشكل أساسي) [في المنطقة ج] تقلص إلى 12 في 2019 من 75 في 2015".
ليس لدى الكيان أي حافز لعدم متابعة أهدافها في الضفة الغربية والمنطقة ج على وجه الخصوص. مع الإزالة (المؤقتة) للضم الرسمي من جدول الأعمال، واتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، تبدد حتى مجرد التهديد بعواقب دولية خطيرة.
مع تحويل الانتباه إلى جائحة الفيروس التاجي و"اتفاقيات السلام" الإقليمية، تتابع دولة الاحتلال بقوة هجمات على المجتمعات الفلسطينية بهدف خلق تهجير لا رجعة فيه، وتحقيق فوائد الضم الرسمي في المنطقة ج - دون أي تكاليف محتملة.