لم تكن "أرابتك" أول شركة إماراتية كبرى تصل إلى مرحلة الإفلاس أو التصفية، ويتوقع محللون ومستثمرون أنها لن تكون الأخيرة، لكن التساؤلات التي تطرح نفسها: ما سر انهيار شركات الإمارات الكبرى واحدة تلو الأخرى؟ وما هي انعكاسات ذلك على الاقتصاد الإماراتي؟ وهل تلاقي شركات أخرى نفس المصير خلال الفترة المقبلة؟
في أيار/مايو الماضي، أجرت غرفة تجارة دبي استطلاعا، شارك فيه 1228 مديرا تنفيذيا عن قطاعات مختلفة، أظهر نتائج صادمة، حيث توقع أن تغلق أكثر من 70 بالمئة من شركات الإمارة أبوابها في غضون ستة أشهر، بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا التي أضعفت اقتصاد دبي بشكل كبير.
وبحسب الاستطلاع، الذي تم في الفترة بين 16 و22 نيسان/ أبريل الماضي، فإن نحو 74 بالمئة من شركات السياحة والسفر ستغلق أبوابها خلال 6 أشهر من تاريخ إجراء الاستطلاع، فيما رأت 30 بالمئة من شركات النقل والاتصالات أنها ستلقى المصير ذاته.
وبعد 162 يوما من تاريخ الاستطلاع، قررت حل الشركة والتقدم بطلب للمحكمة المختصة بطلب إعلان إفلاس الشركة وتصفيتها، والتوصية بتعيين ألكس وشركائه وماثيو وايلد أو أي طرف آخر يحدده مجلس الإدارة وفقا لما يراه مناسبا كمصف للشركة، وفقا لوسائل إعلام إماراتية.
وقال مستثمرون وخبراء اقتصاد لـ"عربي21"، إن تعليق قرار تصفية أكبر شركة مقاولات في الإمارات، والتي تمتلك فروعا في 11 دولة، على "شماعة كورونا" يخالف الحقيقة، مؤكدين أن الشركة تحقق خسائر متواصلة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتراكمت إلى أن تجاوزت قيمة رأس مال الشركة.
وتساءلوا مستنكرين: هل كان "كورونا" سبب إفلاس شركة "أبراج كابيتال"، ومقرها دبي، في 2018، وكانت أكبر شركة استثمار مباشر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وهل كان لـ"كورونا" علاقة بانهيار شركة "إن.إم.سي" للرعاية الصحية؟
وأضافوا: "لا أحد ينكر تداعيات تفشي وباء كورونا الكارثية على جميع اقتصاديات العالم، فضلا عن الآثار السلبية الناجمة عن هبوط أسعار النفط على الدول النفطية، لكن لا يجب استخدامه شماعة لعمليات الفساد على مدار سنوات عديدة"، مؤكدين أن كورونا أسقط القناع عن هذه العمليات القذرة وكشف الخلل داخل العديد من الشركات.
تفاصيل صادمة
وكشف مستثمر كبير في الإمارات، عن تفاصيل صادمة لعمليات فساد وأساليب خداع لصغار المستثمرين وحملة الأسهم للشركة المدرجة بأسواق المال الإماراتية لإظهار قوة الشركة على خلاف الواقع الحقيقي، إلى جانب التلاعب في الحسابات والميزانيات للتغطية على الخسائر.
وقال المستثمر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لـ"عربي21"، إن بعض الشركات تشارك في مناقصات وتأخذ مشاريع أكبر من قدراتها المالية والتنفيذية، وتقوم بعمليات مضاربة على أسهم الشركة بالبورصة لمضاعفة سعر السهم وإيهام المساهمين بارتفاع القيمة السوقية للشركة في حين أنها تستثمر في مشاريع خاسرة وغير قادرة على سداد ديونها والتزاماتها لبنوك، ولولا دعم الحكومة لها لانهارت هذه الشركات منذ فترة.
وتابع: "بعض هذه العمليات يكون الهدف منها إما غسيل أموال، أو خداع صغار المستثمرين بالبورصة للحصول على مكاسب كبيرة عن طريق المضاربة (يشتري السهم بأسعار زهيدة ثم يبيعه بأسعار خيالية لا تعكس الواقع الحقيقي للشركة فينهار سعر السهم ويسقط صغار المستثمرين الذين وضعوا ثقتهم في شركات كبرى ضحايا لهذه المضاربة)".
وفي تعليقه على قرار إفلاس وتصفية أرابتك، قال: "كان مصيرا متوقعا، لأنها ماتت إكلينيكيا منذ انهيار سعر أسهم الشركة التي استقال على إثرها حسن اسميك العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة أرابتك القابضة في 2014، متوقعا أن تلقى العديد من الشركات الأخرى نفس المصير خلال الفترة المقبلة.
وأردف: "أغلب الشركات بياناتها المالية غير دقيقة وغير مطمئنة، وهذا ما يقلق الكثير من المستثمرين، خاصة في ظل الضربة المزدوجة لانهيار أسعار النفط وتفشي وباء كورونا والتي ألقت بآثار وخيمة على السوق المحلية في الإمارات".
خسائر مليارية
وخلال فترة ما قبل تفشي وباء كورونا، انهارت أكثر من شركة إماراتية كبرى، في إطار التداعيات السلبية الحادة المستمرة للأزمة المالية العالمية في 2008 على الاقتصاد الإماراتي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر شركة “ان.ام.سي هِلث” لإدارة المستشفيات.
وفي أيار/مايو الماضي، أظهرت وثيقة نشرتها "روتيرز" أن شركة "فينيكس كوموديتيز بي.في.تي"، المتخصصة في تجارة المنتجات الزراعية ومكتبها الرئيسي دبي، تخضع للتصفية بعد تكبدها خسائر بأكثر من 400 مليون دولار.
ونشرت صحيفة غرفة تجارة وصناعة الفجيرة تقريرا تحت عنوان: "صدمة جديدة لبنوك الإمارات بعد انكشاف جديد للبنوك على ديون شركة فينيكس كوموديتيز و6 بنوك محلية تنفي انكشافها".
وقالت الصحيفة التابعة لحكومة الفجيرة: "تعرضت بنوك الإمارات لصدمة جديدة بعد أسابيع قليلة من تعرضها لأكبر أزمة من شركة "إن إم سي هيلث" الإماراتية على يد رجل الأعمال الهندي "آر بي شيتي".
ووفقا للبيانات الرسمية لبورصتي دبي وأبوظبي، سجلت شركة "أرابتك القابضة"، خلال الأشهر الستة الأولى من 2020، خسائر بقيمة 794 مليون درهم (216.3 مليون دولار) ليقفز إجمالي خسائرها المتراكمة إلى 1.45 مليار درهم، ما يشكل 97.2% من رأسمالها البالغ 1.5 مليار درهم.
وخلال الأشهر الستة الأولى من 2020، بلغت خسائر شركة "الاتحاد العقارية" 160.4 مليون درهم (43.7 مليون دولار) مقارنة بخسائر قدرها 82.3 مليون درهم بزيادة بلغت نسبتها 95% مقارنة بنفس الفترة من 2019، فيما بلغت خسائر شركة "منازل العقارية" خسائر قدرها 98.9 مليون درهم، كما هبط صافي أرباح "إعمار العقارية"، إلى نحو ملياري درهم، مقابل 3.1 مليارات بنسبة تراجع بلغت 35%، وتحولت شركة داماك العقارية للخسائر بقيمة بلغت 386.7 مليون درهم.
وفي سياق خسائر الشركات الإماراتية أيضا، سجلت شركة "الإسمنت الوطنية" خسائر قدرها 25.2 مليون درهم بنهاية النصف الأول من العام 2020، كما بلغت خسائر شركة "صناعات أسمنت الفجيرة"، 28.2 مليون درهم بنهاية يونيو/حزيران الماضي.
ماذا لو استمرت الخسائر؟
وانتقد عضو المجلس الوطني الاتحادي بالإمارات، عبيد الغول السلامي، الخسائر المتواصلة لعدد من الشركات الإماراتية، خلال النصف الأول من العام 2020، وخاصة في قطاع المقاولات والعقارات.
وقال في مقال نشرته "الإمارات اليوم": "هذه الشركات كانت تعلن عن خسائر متتالية حتى في سنوات الرخاء، فما بالك بعام كورونا؟، وماذا لو استمرت هذه الخسائر بعد زوال الوباء، وعودة الحياة الاقتصادية إلى سابق عهدها؟".
وأشار إلى أن نحو 99 شركة من أصل 131 شركة مدرجة في أسواق المال الإماراتية حققت خسائر كبيرة في نهاية 2019 (قبل انتشار كورونا)، لافتا إلى أن معظم هذه الخسائر مزمنة، وهو الأمر الذي أثر ولا زال يؤثر سلبا في حجم تداولات الأسهم بأسواق الإمارات المحلية، مقارنة بحجم القاعدة النقدية لاقتصاد الدولة.
وأضاف: "هذه الشركات لا تزال تسير في الطريق نفسه حتى وصلت بعض الخسائر إلى خمسة أضعاف رأسمال الشركة (...) هناك عدد من الشركات تسير باتجاه سلبي، وبعضها سلبي جدا، وأخرى تضعف، بل بدأت بالترنح. ومن الواضح أنها ستلحق بركب الشركات ذات الخسائر المتراكمة".
وتساءل عضو المجلس الوطني الاتحادي، قائلا: "كيف تدار هذه الشركات؟ وهل تعاد دراسة خسائرها؟ وإلى متى ستستمر سلسلة خسائرها المزمنة؟ (...) أم أن هناك منافع خفية تجبر مجالس الإدارات والإدارات التنفيذية على المكابرة والإصرار على مواصلة الفشل، والاستمتاع بتكرار النتائج السلبية وبقاء أسهم هذه الشركات ضمن المؤشر الأحمر؟".
ضربة مؤلمة
وقال الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، إن إفلاس أرابتك ضربة مؤلمة للاقتصاد الإماراتي، وهو مشهد طبيعي قد يتكرر خلال الفترة المقبلة، بسبب معاناة القطاع العقاري خلال الفترة الماضية.
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "حتى قبل فترة كورونا كانت أرابتك تعاني من أزمة مالية، حيث وصلت خسائرها قرابة الـ 750 مليون درهم خلال النصف الأول من العام الماضي، وخسائرها المتراكمة هي التي أدت بها للاتجاه نحو الإفلاس والتصفية".
وأوضح أن تضخم القطاع العقاري في الإمارات إضافة إلى ما يعانيه اقتصاد الإمارات وخاصة اقتصاد دبي أثر سلبا على مجمل الشركات وأدى في النهاية إلى إفلاس أرابتك والذي لن يكون الأخير في ظل الصعوبات والتحديات التي يواجهها اقتصاد الإمارات ككل ومناخ الاستثمار بصفة رئيسية، مضيفا: "معظم شركات القطاع العقاري في الإمارات مرشحة لنفس مصير أرابتك".
وأشار ذكر الله إلى أن المناخ التفاؤلي الذي كان يسيطر على الإمارات خلال العشر سنوات الماضية آخذ الآن في التضاؤل أو الانغلاق.
ويعاني الاقتصاد الإماراتي منذ فترة طويلة من مجموعة من الأزمات المتراكمة لا سيما في ظل اعتماده على الاقتصاد الخدمي والسياحة والعقارات بصورة رئيسية، ولا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أزمة جديدة، وخاصة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 والتي أعقبها أزمة كبرى في القطاع العقاري عام 2010 لا زالت تداعياتها سارية حتى الآن. وتضافرت هذه المعاناة مع تداعيات فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط مما زاد من حدة الأعباء الاقتصادية.
المصدر: عربي 21