بارقة أملٍ جديدة ربما تقطف ثمارها قريباً بعد سنوات من كفاح مناضلات حقوق المرأة لإقرار مشروع قانون "حماية الأسرة من العنف"، بعد أن باتت واضحةً وجليةً الحاجة لمشروع القانون هذا الذي تسعى السلطة الفلسطينية منذ سنوات لإقراره، وأثار جدلاً واسعاً ورفضاً وانتقاداً من شرائح واسعة بالمجتمع.
ولتسليط الضوء على ذلك، أجرت " القدس " لقاء مع ختام سعافين، رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، للحديث عن مسودة القانون.
تقول سعافين لـ"القدس": مشروع قانون حماية الأسرة من العنف هو مشروع قانون وطني فلسطيني يعالج ظاهرة العنف الأسري من مختلف جوانبه من خلال 52 مادة، وعملت عليه الحركة النسوية منذ عام 2004، وكانت فكرة من مركز الإرشاد القانوني والاجتماعي للمرأة الفلسطينية، وتم التشاور فيه من مكونات الحركة النسائية.
وتضيف: ويهدف مشروع القانون هذا بشكل رئيسي إلى الحفاظ على وحدة الأُسرة وروابطها، وحماية أفراد الأُسرة من العنف، ومحاسبة الجناة، وإعادة تأهيل الضحايا والجناة ودمجهم، والوقاية من العنف ومنعه من خلال سياسات وطنية وخطط استراتيجية وبرامج مشتركة لإزالة كافة أشكال العنف.
وتضيف: وبدأت خطوات العمل، كون القوانين المعمول بها في فلسطين لا تغطي كافة جوانب العنف داخل الأُسرة، وانضمت المؤسسات الحقوقية إلى هذا النقاش حول مسودته، وازدادت المطالبات بإقراره مع ازدياد وتيرة العنف داخل المجتمع، رغم أن الإحصاء الفلسطيني في عام 2019 قال إن نسبة العنف الأُسري قلَّت من 36٪ إلى 29٪، ولكن هذه النسبة ما زالت خطيرة، خاصة أنّ هناك أشكالاً متعددةً من العنف النوعي التي ظهرت وراح ضحيتها نساء وأطفال وكبار بالسن.
وتتابع سعافين: الموضوع ليس فقط متعلقاً بالمرأة، رغم تركيزه عليها، كونها الحلقة الأضعف، وأسهل طريقة هي تحميلها المسؤولية، مع إغفال مجمل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المحيطة بها، لكن مشروع القانون متعلق بزيادة مساحة الأمان لكافة أفراد الأُسرة من أطفال ورجال ونساء ممن يُزج بهم في دائرة التعقيدات والإشكالات الخطيرة المترتبة على العنف، وتوفير الحماية اللازمة لكل الضحايا الذين من الممكن أن يكونوا بحاجةٍ لها لئلا يكونوا ضحايا لهذه الظروف والعنف.
واقع العنف الأُسري في فلسطين
تقول ختام سعافين لـ"القدس": بالرغم من أن نتائج الإحصاء للعام الماضي كانت تتحدث عن ما نسبته 29٪، فإنّ عدد حالات القتل بين النساء منذ بداية العام 26 حالة، وهذا ليس قليلاً، إضافةً إلى أنّ عدد الشكاوى الموجودة في شرطة حماية الأُسرة بازدياد، وما زال الكثير يتعامل مع العنف الأُسري أنه لا يمكن الإفصاح عنه، ويتم إنكار وجود عنف أُسري في المجتمع الفلسطيني، والاستخفاف بالمعاناة والويلات التي تواجهها آلاف النساء وأفراد الأُسرة، إضافة إلى أن مراكز الحماية غير كافية، والجريمة الأخيرة في وادي النار كشفت ضرورة تطوير آليات التحويل لحماية النساء اللواتي يكن تحت التهديد.
وتضيف: هنا يبرز تساؤل: لمصلحة مَن يتم إنكار الألم والمعاناة والنتائج الكارثية الناجمة عن العنف، ليس فقط على صعيد الأفراد وعائلاتهم، إنما تصل إلى المجتمع برمته؟
وتتابع سعافين: إن الحيز الضيق يزيد الخطورة، فكل أُسرة لها حيز ضيق ومغلق، ما يعني ازدياد نسبة الخطورة بأن يتطور العنف ويصل إلى مستويات خطيرة، والقضية هي استدامة العنف وتوطينه داخل الأُسرة، لذلك كان هذا دافعاً لنا أن نحمي شرائح أكثر من المجتمع، ونمنع حدوث الجريمة، ولذلك نحن في الحركة النسائية نؤكد ضرورة وجود دور للجهات المتعددة لتقليل جميع أشكال العنف، الذي أصبح ثقافةً قائمة، لذلك جاء مشروع قانون حماية الأسرة من العنف، لا أكثر ولا أقل.
أبرز نصوص مشروع قانون حماية الأُسرة من العنف
تقول ختام سعافين: إن مشروع قانون حماية الأُسرة من العنف بالمجمل يتناول جميع أشكال العنف؛ من العنف المركب والقتل وسفاح القربى والزواج المبكر، ليشمل نطاق الأُسرة كلها، ليعالج العنف، سواء أكان عنفاً نفسياً أم جسدياً أم جنسياً أم اقتصادياً، وهذا لا يكون إلا بالشراكة بين العديد من مؤسسات الدولة لتوفير خدمة الحماية والتمكين للضحية عن طريق المساعدة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي مع الخدمات الصحية والحماية في بيوت الأمان، وتوفير خدمات الخط الساخن، إضافة إلى جملةٍ من العقوبات ضد العنف، ومعظم العقوبات المنصوص عليها تأتي ضمن سقف الجنح، ما عدا الحالات التي تفضي إلى الوفاة أو إحداث إعاقة ينطبق عليها قانون العقوبات، ويدعو إلى تشديدها بمقدار النصف أو تشديدها إلى الثلثين في حالة الجرائم المرتكبة ضد الأطفال أو كبار السن أو الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتواصل ختام سعافين لـ"القدس": النصوص متعددة، والمسودات متعددة، والمسودة الأخيرة التي تم عرضها من مجلس الوزراء تمّ تضمينها ملاحظات من عدة جهات، وطبعاً كانت هناك حملة قوية وشرسة ضد مشروع القانون، وكأنه يتناقض مع كل الأعراف والشرائع، ويكون ضد الأُسرة الفلسطينية، إلا أنه على العكس تماماً، فهو يصب في صلب مصلحة الأُسرة الفلسطينية، وللحفاظ على جميع أفراد الأُسرة، وليس بإغماض العين عن جميع مشاكل الأُسرة.
وتتابع: علينا أن نرى هذه المشاكل التي قد تؤدي إلى تدمير الأُسرة الفلسطينية، وتدمير أفرادها نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، ونعالجها، فالمشروع مبني على هذا الأساس، وليس مبنياً على تفكيك الأُسرة الفلسطينية.
وتؤكد سعافين لـ"القدس": نحن نرفض التحريض على القانون باسم الدين، وتكفير مشروع القانون، والتعامل معه على أنه يتناقض جملةً وتفصيلاً مع الدين الإسلامي، فهو فرصةٌ حقيقيةٌ للحد من العنف داخل الأُسرة، ورفع الظلم عن الفئات الضعيفة كالمرأة والطفل، ورفضه هو محاولة لإبقاء جميع القوانين على ماهي عليه، والتهرب من أي تعديل يتوافق مع الحقوق في الأمن والسلامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نحن نتحدث عن أُسس قانونية وتشريعية اعتمدتها دولة فلسطين منذ إعلان الاستقلال عام ١٩٨٨؛ عن المساواة وعدم التمييز، أي ضمان الأمان والسلامة لجميع أفراد المجتمع الفلسطيني داخل الأُسرة وخارجها.
هل مشروع القانون أحد إفرازات وثيقة سيداو؟
توضح سعافين لـ"القدس" أنّ مشروع قانون حماية الأسرة من العنف شيء و"سيداو" شيء آخر، "سيداو" اتفاقية دولية تعالج موضوع التمييز ضد المرأة، وعلى أساس المساواة بين الرجل والمرأة، ونحن كحركة نسائية فلسطينية طلبنا منذ البداية التوقيع على الاتفاقية، ولا نخجل من ذلك، فهي أساس دولي وحقوقي مبني على حقوق الإنسان.
وتضيف: بناءً على ذلك، وقعت دولة فلسطين وصادقت عليها عام ٢٠١٤، وهذا يُعدّ إنجازاً، وبالتالي فإن الذي يهاجم هذه الاتفاقيات عليه أن يقرأها أولاً، فالدول العربية والإسلامية كانت شريكة في إعداد هذه الوثيقة، ووقعت عليها، ومعظم دول العالم وقعت على هذه الاتفاقية، ما يعني أنها مرجعية واضحة للقانون، وبالتالي انسجام مشروع القانون مع هذه الاتفاقية لا يضيره.
وتضيف: كل دول العالم تسعى بالتدريج للانسجام مع كافة مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وفي مقدمتها سيداو والعهدان الدوليان للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولا يعني ذلك ترك الدين والثقافة الاجتماعية الفلسطينية، ويجب أن نغادر حالة السيطرة العشائرية العمياء التي تحاول أن تقود المجتمع الفلسطيني.