محمود، هو اسم الشخصية المحورية في رواية "2222" لليافعين، لصاحبها الكاتب الفلسطيني محمد العكشية، وهو أيضاً اسم والد المؤلف الذي كان وراء إشعال شغفه بالقراءة والكتابة، كما هو اسم ابنه القارئ الأول للمخطوط، والناقد له.
وفاز العشكية عن هذا المخطوط بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها السادسة للعام 2020 عن "فئة الفتيان".
وتدور الأحداث ما بين العام 2019 سنة كتابة الرواية وما بين العام 2222، عنوانها، من خلال رصد رحلة الفتى محمود وزميلته حلا المهتمين بنقوش ورسومات على صخور أحد كهوف مدينة القدس ، بحيث كانا يبحثان عن رسوم لكائنات تتخذ أشكالاً ما، في وقت يأتي فيه مسافر عائد من العام 2222 إلى المكان في محاولة لحل لغز الفيروس، الذي ليس هو "كورونا" أو "كوفيد 19"، بل إنه فيروس يتفشى في ذلك الزمان المستقبلي، بحيث يهدد البشرية بالفناء.
ويجمع الكهف اليافعين القادمين من العام الماضي، والشخص القادم من المستقبل، حول نقوش الكنعانيين، الذين كانوا يملكون نوعاً من القدرة على التنبؤ أو الاستشراف، فيقدمون حل طلاسم هذا الفيروس، دون إغفال تاريخ مدينة القدس، والتأثير العلمي العالمي للعرب عبر التاريخ.
وقال العكشية: رواية "2222" عمل روائي قصير يستهدف الناشئة، ويتناول مشكلة بيئية فيروسية متوقع أن تضرب الأرض في العام 2222، وكتبتها ما قبل جائحة كورونا، بحيث يزور أحد العلماء القادمين من المستقبل مدينة القدس عائداً إلى العام 2019، لاستجلاء نقوش كنعانية في أحد كهوف مدينة القدس، خاصة أن الكنعانيين اليبوسيين القدماء كانوا قد وضعوا تصوّراً أو نبوءة حول هذا الحدث البيئي الخطير.
وأضاف: هذا العالم الجيوكيميائي، الذي يصل إلى هذا المكان يلتقي بفتى وفتاة مقدسيين يملكان شغفاً كبيراً بهذه النقوش التي تكون تلاشت عبر الزمن في العام 2222، هو الذي يعلم عن النقوش بطريقة ما مذكورة في الرواية.. وهنا يحاول الفريق حلّ لغز هذه النقوش لإنقاذ كوكب الأرض بعد قرابة مئتي عام، عبر عمليات كيميائية وبحث مطوّل في قضايا متعددة لا يتسع المجال للحديث عنها الآن، وكي لا أفسد عنصر التشويق لقارئي الرواية عند صدورها مطبوعة العام المقبل.
وشدد العكشية على أن الرواية تسلط الضوء على أصالة الأرض الفلسطينية، علاوة على القضية البيئية العالمية، ووحدة الروح البشرية عبر الزمن، ووحدة المخاطر التي قد تتهدد كافة المجتمعات على اختلاف الأزمنة والأمكنة، إضافة إلى الحالة العربية في ذلك المستقبل البعيد، بحيث تمنح أملاً حول ريادية علماء الأمة العربية في البحث العلمي والمجالات العلمية مجدداً، وهو ما يشكل عنصر مفاجأة داخل الرواية لسكان الأرض، وفلسطين، وتحديداً القدس في العام 2019، فيما تؤكد الرواية على أصالة روح الأجداد والفلسطينيين القدماء، وكيف أنهم بنقاء أرواحهم وصفائها تنبؤوا بما عجزت عنه التكنولوجيا بتطوراتها الهائلة بعد آلاف السنين.
وأكد صاحب "2222": الروح البشرية تُدرك مراد الأرض بطريقة لا نفهمها، وأكبر دليل على ذلك، ما أدركه أجدادنا القدماء في مجالات عدّة تتجاوز حجم ما ندركه نحن الذين نغرق في الماديّة البحتة في العصور المتقدمة.
وعند سؤاله عن الرواية التي كُتبت ما قبل انتشار جائحة "كورونا"، وما إذا كانت تحوي تنبؤاً ما بهذا الاتجاه، أجاب العكشية: عندما حدثت الجائحة وانتشرت عالمياً تملكني شعور ما بذلك، وترافق ذلك الشعور مع قراءتي لمقال حول كاتب أميركي يفاخر بإصداره روايةً في وقتٍ سابقٍ لانتشار "كورونا" بأشهر، يتحدّث فيها عن فيروس يجتاح مكة المكرمة، ويتسبب في إغلاق الكعبة أمام المصلين بل وتعطيل موسم الحج، ولذلك وجد منصات إعلامية عالمية كثيرة تُروِّج لروايته. والحقيقة أن رواية "2222" هي الأخرى تحدثت حول فيروس يُهدد البشرية، وإن كان في ذلك العام 2222، وإن كانت الرواية تراه أشدّ فتكاً، فهي قاربت أدبياً، بشكلٍ أو بآخر، ما يحدث الآن في العالم في ظل انتشار الجائحة.
وأضاف: الأمر ليس تنبؤاً بقدر ما هو قراءة للواقع، والتحولات المناخية، وربطها بالقوانين الفيزيائية، وحركة التاريخ، وغيرها، فالأمر مبني على حقائق علمية، وهو ما كان في رواية "2222"، والتي تأتي أيضاً بمثابة تحذير إلى العالم بأن القادم قد يكون أشد سوءاً إذا ما بقيت الممارسات البشرية على حالها في انتهاكها للبيئة.. كان هذا قبل "كورونا"، والآن سيكون من الصعب تخيّل ما ستكون عليه الأمور إذا كان الفيروس المفترض في الرواية أشد فتكاً.
وأكَدَّ الفائز بجائزة كتارا عن فئة "رواية الفتيان"، أن فوزه بالجائزة شجعه على المضِي قدماً في مشروعٍ روائيّ جديد لفئة الفتيان، التي يرى أنها متعطشةٌ فعلاً لأدب يُقدم لهم بأسلوبٍ سلس ومشوّقٍ يُخاطِبُ أعمارَهم وعقليّاتهم، كاشفاً: خلال كتابتي للرواية، وتحديداً بعدَ كتابتي للفصل الأول منها، قُمْتُ بزيارةٍ إلى مخيمٍ لليافعين بالتنسيق مع إدارته، واستمزَجْتُ آراءهم فيه، ولاقَتْ استحساناً كبيراً، حتى أن إدارة المخيم هاتفتني تُطالبُني بزيارة ثانيةٍ ليتعرف اليافعون على مصير محمود والآخر القادم من العام 2222 للميلاد، لكونهم شاركوا بطريقةٍ ما في إبداء آرائهم وتقديم تصوراتٍ إبداعيةٍ مهمةٍ بالنسبة لي.
العكشية، المولود في حي الشجاعية بمدينة غزة العام 1984، ويعيش في "تلّ الهوا"، حاصلٌ على درجة الماجستير في الهندسة، ويقتَرِبُ من شهادة الماجستير الثانية في إدارة الأعمال، يعمل اليوم مديراً لدائرة المواصلات في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بغزة، لافتاً إلى أن "في غزة، هذا السجن الكبير، عديد الشباب الذين يحاولون الخروج بإبداعات تحاكي العالم، والحركة الثقافية المتسارعة جداً والمبهرة عالمياً، رغم صعوبة الأوضاع العامة.. في غزة مبدعون كثر، ويعملون على الأقل في إيصال أصواتهم لبعضهم البعض، لحين تتغير الظروف ويتطلع العالم إلى إبداعاتنا".
ختاماً، أهدى العكشية فوزه إلى " فلسطين التي علّمتني الأبجدية، والتي كان لها الفضل لحضور روايتي في قائمة الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية لهذا العام"، موجهاً الشكر للقائمين على الجائزة، والتهنئة لجميع الفائزين في كافة فئاتها.
المصدر: صحيفة الأيام