Menu

تقريرالتعليم عن بُعد في غزّة: معاناة جديدة أفرزتها جائحة "كورونا"

أحمد نعيم بدير

تعبيرية

خاص بوابة الهدف

أفرزت أزمة فيروس "كورونا" العديد من الأزمات في وجه الدول، ولعل أبرز هذه المشكلات هي مسألة التعليم الذي توقّف بالكامل نتيجة الإجراءات القاضية بمنع تفشي الفيروس في صفوف السكّان، ما دفع معظم الدول إلى اللجوء للتعليم عن بُعد، في محاولةٍ منها لعدم إضاعة الوقت وتزويد الطلاب بما تيسّر من موادٍ تعليميّة، وكانت فلسطين من ضمن الدول التي سارت على ذات المنوال.

لكنّ التعليم عن بُعد إذا سار بالشكل المطلوب في الدول المتقدّمة، فهذا على عكس ما يجري في المحافظات الفلسطينيّة التي واجهتها العديد من التحديّات خلال تطبيق هذا التعليم وممارسته، خاصةً في قطاع غزّة المُحاصّر منذ قرابة 14 عاماً وما خلّفه الحصار من ندرةٍ في الإمكانيات، إذ يستند التعليم عن بُعد الذي نشأ في سبعينيات القرن الماضي، وكان موجّهًا آنذاك إلى كِبار السن الذين فاتهم قطار التعلّم، إلى مرتكزات عدّة منها: الكادر البشري المؤهّل، والوسائل التكنولوجية المتطوّرة، والمادة التعليمية الخاصة بهذا التعليم.

أصواتٌ عديدة نادت بضرورة تطوير الوسائل والإمكانيات التي تستخدم في التعليم عن بُعد في القطاع وفي المحافظات الفلسطينيّة الأخرى، عوضًا عن أنّ الكثيرين وصفوا طريقة هذا التعليم بـ"الظالم" إذ لا يقدر كل السكّان على امتلاك الأجهزة المناسبة وسرعة الانترنت الكافية ليستفيد أطفالهم وأبناؤهم من هذا التعليم.

بدوره، قال الناشط الطلابي موسى سعود لـ"بوابة الهدف الإخبارية"، إنّ " التعليم عن بُعد لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يحلّ محل التعليم الوجاهي لعدّة أسباب أبرزها أنّ هذا النظام من التعليم لم يكن معمول به في جامعات قطاع غزّة ما قبل أزمة "كورونا"، أي لا يوجد خبرة لدى الطلاب والمحاضرين ويواجهون صعوبة بالغة عند التعامل مع هكذا نظام".

إنترنت سيء وكهرباء أسوأ

ولفت أيضًا إلى أنّ "أحد أبرز المعيقات هي عدم انتظام التيّار الكهربائي في القطاع، بالإضافة إلى أنّ عدد كبير من الأسر الفقيرة لا يوجد لديها إنترنت ولا أجهزة ذكيّة، الأمر الذي يجعل عملية التعليم لهذه الشريحة المهمّشة صعب جدًا، وهي شريحة ليست بالقليلة بفعل الحصار والأزمات الاقتصادية العديدة الذي يعيشها قطاع غزّة".

وأوضح سعود خلال حديثه لموقعنا، أنّ "التعليم عن بُعد يحتاج إلى نوع من الراحة من الناحية الاقتصادية، وإلى دخل مرتفع للفرد بل للمجتمع ككل، والذي بالتأكيد لا ينطبق على حالنا في القطاع. نحن كمجتمعات فقيرة من الصعب على ربّ الأسرة توفير أجهزة ذكيّة لأبنائه بمختلف مراحلهم الدراسيّة سواء مدارس أو جامعات".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، بيّن أنّ "هناك مطلب أجمع عليه عدد كبير من الطلاب وهو ضرورة قيام إدارة الجامعات في القطاع بتخفيض سعر الساعات الدراسيّة والإعفاء من الرسوم الخدماتيّة للجامعة، واليوم الطالب لا يذهب إلى الجامعة ولا يكبّد الجامعة مصاريف تشغيليّة، ومع ذلك فإنّ الجامعات لم تخفّض أي شيء من سعر الرسوم الدراسية، الأمر الذي استهجنه جميع الطلاب".

تجربة جديدة في القطاع

أمّا المعلمة نسرين عيّاد، فأكَّدت لـ"الهدف"، أنّ "التعليم عن بُعد كان تجربة جديدة علينا كمعلمين في قطاع غزة، إذ لم تستخدم هذه الطريقة من قبل، ومن باب أنها تجربة أولى من نوعها بالتأكيد شابها العديد من الأخطاء والعقبات".

وأوضحت عيّاد أنّ "أبرز المشكلات التي واجهتها خلال تدريس الطلبة عن بُعد هو عدم توفّر الوسائل المناسبة من أجهزة حديثة وانترنت سريع لمواكبة كل ما هو جديد ولتقديم الحصص الدراسية بالشكل المطلوب".

حسين نعيم، أحد طلبة جامعة الأزهر ب غزة ويدرس تخصّص القانون، قال لـ"الهدف" إنّ "التعليم عن بُعد طريقة فريدة وجميلة للتعلّم، ولكن في حال كنّا دولة متقدّمة تتوفّر فيها كل سُبل الراحة، وتكون فيها الجامعات تشعر بالطالب من الناحية المالية وتخفّف من أحماله".

وأردف نعيم بالقول: "أنا طالب من أسرةٍ فقيرة، وأعمل بشكلٍ يومي في أحد المطاعم لكل أحصّل راتبًا زهيدًا للغاية حتى أستطيع إكمال الدراسة في الجامعة، لكنّ التعليم الإلكتروني بحاجة إلى تركيزٍ عالٍ وبحاجة إلى تكاليف كبيرة من إنترنت وجهاز لابتوب سريع نوعًا ما. أنا عن نفسي أتدبّر أموري وأحضر المحاضرات بصعوبةٍ كبيرة من خلال هاتفي الجوال المتواضع"، خاتمًا حديثه بالتأكيد على أنّه "لا غنى عن التعليم الوجاهي فقط".

الشهر الماضي، خلصت ورقة بحثيّة صادرة عن مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان في قطاع غزّة، إلى "ضرورة البحث عن طرق ابداعيّة وتطوير آليات مبتكرة للحفاظ على العملية التعليميّة في الأراضي الفلسطينية والاعتماد على استراتيجيات خاصة للتعلّم عن بُعد كمطلبٍ أساسي في ظل جائحة كورونا".

كما شدّدت الورقة التي حملت عنوان (تأثير جائحة كورونا على الحق في التعليم)، على "ضرورة الإبقاء على التواصل والاتصال الأكاديمي بين الطالب ومدرسته، وعدم إيقاف العملية التعليميّة بشكلٍ كامل، كذلك ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التعليمية المختلفة بإعادة تأهيل المعلمين، وتوفير الأدوات والمحفّزات لبناء قاعدة بيانات، مع إعداد منهاج تعليمي إلكتروني لكل المراحل التعليميّة".

"تجربة سيّئة!"

وفي 20 أكتوبر الجاري، أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريره الدوري، إذ بيّن من خلاله أنّ "51% من الأسر في فلسطين التي لديها أطفال (6-18 سنة) وملتحقين بالتعليم قبل الإغلاق شارك أطفالهم في أنشطة تعليمية خلال فترة الإغلاق، (53% في الضفة الغربية، و49% في قطاع غزة). مع وجود تباين واضح في مشاركة الطلاب بين المحافظات".

ولفت التقرير إلى أنّ "نصف الأسر التي لديها أطفال ولم تشارك في الأنشطة التعليمة عن بعد كان السبب عدم وجود الانترنت، وهناك 49% من الأسر التي لم تشارك في الأنشطة التعليمية عن بعد أشارت إلى أن عدم وجود الانترنت في المنزل حال دون مشاركة أطفالهم في الأنشطة التعليمية خلال الإغلاق، ومن أهم الأسباب الأخرى: عدم قيام المدرسين بتنفيذ أنشطة تعليمية 22%، و13% بسبب عدم رغبة الطفل في تنفيذ الأنشطة التعليمية، و6.3% بسبب عدم مقدرة ومعرفة الأهل على تنفيذ الأنشطة التعليمية".

وقال إنّ "40% من الأسر الذين شارك أطفالهم في أي من الأنشطة التعليمية خلال فترة الإغلاق قيّموا التجربة بأنها سيّئة، ولم تؤد الغرض منها، و39% قيّموا التجربة بأنها جيّدة، وأدت الغرض منها، ولكن هنالك مجالاً لتحسين التجربة، و21% قيموا التجربة بأنها جيدة وأدت الغرض منها".

في الآونة الأخيرة جرى الحديث عن عودةٍ خجولة للدوام في المدارس للمراحل الإعداديّة، ولكنّ هذه الأنباء قوبلت بتأييدٍ ورفضٍ في آنٍ واحد، بين رأيٍ يدعو للعودة إلى المدارس لإنقاذ العمليّة التعليميّة، ورأيٌ آخر قال إنّ هذه العودة ستفجّر عداد الإصابات بفيروس "كورونا" نحو الزيادة في ظل أنّ قطاع غزّة شهد ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الإصابات خلال الأيّام الأخيرة، إذ سجّل القطاع حتى اليوم 5893  إصابة و31 وفاة.