(القُرَّاء الأعزاء: تنشر بوابة الهدف الإخبارية وعلى حلقات متتابعة، تلخيص مكثف مفيد لكتاب: "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل: عواصف الحرب وعواصف السلام"، لمؤلفه الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، الصادر عن دار المصرية للنشر في طبعته الأولى، فبراير 2000، حيث قام مشكورًا الباحث والمفكر الفلسطيني غازي الصوراني بتلخيصه والتقديم له).
عواصف الحرب وعواصف السلام
الحلقة الأولى
استكمالاً للجزئين الأول والثالث من كتابي محمد حسنين هيكل، ننشر الجزء الثاني من تلك السلسلة المعنونة بـ: "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل: عواصف الحرب وعواصف السلام"، حيث يضعنا في هذا الجزء أمام الوضع الذي كانت عليه فلسطين ما قبل عام 1948 (النكبة)، خاصة لجهة مقارنة الوجود اليهودي فيها قبل هذا التاريخ، كما نسبة حوزتهم على الأرض، مقارنة بأعداد وحوزة السكان العرب الفلسطينيين. ثم يلقي الضوء بشكل رئيسي على واقع مصر بعد الهزيمة/ النكبة، وكيف استطاع الضباط الأحرار بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر أن يصلوا إلى الحكم ويدشنوا ثورة 23 يوليو بمختلف أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والدور المحوري الذي لعبته "مصر عبد الناصر" في الصراع مع العدو الصهيوني، وصولاً لهزيمة 5 حزيران/ يونيو 1967، وما ترتب عليها من نتائج عسكرية وسياسية، إلى أن يصل بنا إلى مرحلة السادات، كيف بدأ بتسويغ خطوته لإقامة تسوية مع "إسرائيل" من بوابة قوله: "لقد جربنا كل الخيارات، وآن أن نجرب خيار السلام"، حيث جرى تطويع الفكر العربي تمهيدًا لهذه التسوية التي جرت في كامب ديفيد، وكما يقول "هيكل": لم يكن مهمًا أن يجيء السلام، وإنما كان الأهم أن تتهاوى بعض القيود التي كانت تفرضها "المقدسات: المحرمات".
غازي الصوراني
أكتوبر2020
عندما عادت الجيوش العربية إلى أوطانها تداوى جراحها، وتداري انكشافها، وتجتر مشاعرها بالمرارة والإحباط كانت الأوطان في حال أشد سوءاً من حال الجيوش.
عندما بدأت أولى محاولات الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين بفضل سياسات "بالمرستون" و"دزرائيلي"، وبأموال "روتشيلد" و"مونتفيوري"، كان عدد اليهود في فلسطين ثمانية آلاف لا يملكون أكثر من خمسة آلاف فدان.
وعندما نشر "هيرتزل" كتابه عن الدولة اليهودية في فلسطين سنة 1896 كان عدد اليهود فيها لا يزيد عن 25 ألفاً يملكون 2% من الأراضي المزروعة في فلسطين، وكان العرب 800 ألف ولديهم 98% من الأراضي.
وعندما صدر وعد بلفور يتعهد بإقامة دولة يهودية في فلسطين سنة 1917، كان عدد اليهود فيها لا يزيد عن 48 ألفاً يملكون 3.5% من الأراضي المزروعة في فلسطين، وكان العرب 920 ألفاً يملكون 96.5% من الأراضي.
ويوم صدر قرار التقسيم عن الجمعية العامة للأمم المتحدة كان عدد اليهود في فلسطين حوالي ثلاثمائة ألف، وملكيتهم من الأراضي لا تزيد عن 6% في مقابل مليون ومائة ألف عربي يملكون 94% من أرضها.
ويوم أعلن عن قيام الدولة اليهودية في فلسطين كان عدد اليهود فيها لا يزيد مطلقاً عن أربعمائة ألف، وملكيتهم من الأراضي لا تزيد عن 7% في مقابل مليون ومائة وخمسين ألف عربي يملكون 93% من الأراضي. فهل كان مقدور أي عربي أن يقبل بالتقسيم أو بإعلان قيام دولة إسرائيلية؟
وبرغم ذلك فلا يستطيع أحد أن يدير ظهره إلى شاهدين:
وأولهما- أن العرب في واقع الأمر قبلوا بالتقسيم مبكرا، وحتى من قبل أن تقترب الجيوش من الخطوط.
وثانيهما- أن الوكالة اليهودية عرفت ذلك من كل طريق، لكنها رفضت أن تعترف به، لأن اعترافها به يتعارض مع نيات مضمرة، وإن كانت معروفة!
يضاف إلى ذلك أن الزعماء اليهود في فلسطين، و"هيرتزل" أولهم، أدركوا من أول لحظة أن المحظور الذي يجب توقيه من جانبهم هو التفاوض مع الفلسطينيين، لأن التفاوض معهم يعني الاعتراف بوجود شعب فلسطيني، ويعني التسليم بأن مقولة "إنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" هي مقولة غير صحيحة، وذلك يهدم الفكرة الصهيونية من أساسها.
وهكذا فإن الحركة اليهودية الصهيونية كانت أول من قرر والتزم بأنه لا اعترف ولا تفاوض ولا سلم مع الفلسطينيين، وكان التعامل مع الفلسطيني بالطرد أو القتل أو الاقتلاع، لأن ذلك هو الطريق العملي والسهل.
وقد حاولت الوكالة اليهودية والدولة اليهودية بعدها أن تتفاوضا على أساس الأمر الواقع بعد الحرب، وعند خطوط تتجاوز حدود التقسيم بكثير. وحتى عندما فعلتا ذلك فقد أرادتا أن تتفاوضا مع أي طرف إلا مع الفلسطينيين. فجرى التفاوض مثلاً مع الملك "عبد الله" ملك الأردن، ولم تكن المحاولة مفاوضات بالمعنى المتعارف عليه، والحقيقة أنه يصعب أن يكون هناك تفاوض بين الخيمة والدبابة.
وفي كل الأحوال فإن الاتصالات مع الملك "عبد الله" لم تكن عملية سياسية، وإنما كانت عملية توزيع ثروة في حياة صاحبها وفي غيبته.
وتمسكت مصر بأرض منطقة النقب حتى لا تنعزل بالكامل عن دورها ومستقبلها، ولكن إسرائيل كانت مصممة على إخراجها منه، وكانت أكثر من مصممة على الوصول إلى إيلات لإكمال حجز مصر عن سوريا، وتطل على البحر الأحمر كما أطلت على البحر الأبيض قبله.
المنطق الذي قدم به "إيبان" نصيحته لـ"بن جوريون":
"لا داعي لأن نتفاوض مع العرب لسنوات. إذا تفاوضنا الآن فسوف تكون لهم طلبات في حقوق الأرض وحقوق الناس- بما فيها حق عودة اللاجئين – وهي طلبات ليس في وسع إسرائيل أن تقبلها".
كان هناك سبب آخر لم يقله "أبا إيبان"، وهو أن أي تفاوض مع العرب الآن، وأي مطالبة باعترافهم، سوف يؤديان إلى رسم لحدود دولة إسرائيل، فيما هي الآن مشروع قابل للتوسع لا يمسك به قيد، ومن الواضح أن القيادة الإسرائيلية في ذلك الوقت توصلت إلى سياسة رسمتها لنفسها والتزمت ببنودها ولم تخرج عنها أبداً:
- سوف تظل تطلب الاعتراف والتفاوض وبقصد السلام.
- لكنه إذا تم لها ذلك فسوف تضع شروطاً تجعل السلام مستحيلاً.
كان "دافيد بن جوريون" يبدى خشيته من أن يظهر بين العرب "شخص يماثل شخصية "كمال أتاتورك" ليعيد إلى العرب ثقتهم بأنفسهم، ويقودهم على طريق التقدم والبناء في مجالات الصناعة الكبيرة والزراعة الحديثة، والنهوض الفكري والاجتماعي. وكان ذلك أكبر خطر على إسرائيل!".
ورغم اغتيال الملك "عبد الله" سنة 1951 فإن الاتصالات مع إسرائيل مضت بعده، وإن قل مستواها وزاد التكتم على تفاصيلها.
وكانت سوريا قد بدأت قناة اتصال مع إسرائيل من خلال اجتماعات لجنة الهدنة بعد رفع مستوى التمثيل فيها بعد انقلاب "حسني الزعيم"، واستمرت هذه القناة تعمل حتى وقع انقلاب "أديب الشيشكلي". ومرة أخرى كان الاتصال تحت مظلة لجنة الهدنة، وارتفع مستوى التمثيل فيها أكثر، وتحول الاتصال إلى جلسات منظمة بين الجنرال "موشي ديان" رئيس أركان حرب الجيش الاسرائيلي وبين العقيد "غسان جديد"، وتحفل الوثائق الإسرائيلية والأمريكية في هذا الوقت بتفاصيل عن اتفاقيات محدودة، بينها بالذات اتفاق على اقتسام المنطقة المجردة من السلاح في منطقة "الحوله".
وكان لبنان مفتوحاً لاتصالات على مستويات متعددة وأحياناً متنافسة. بل وكانت السعودية على اتصال غير مباشر ومباشر بشكل ما، وأكثر من ذلك فإن مدير التخطيط في وزارة الخارجية الإسرائيلية "شيلواح" حضر اجتماعاً في جدة مع الأمير "فيصل" وزير الخارجية.
ولم يكن الحال مع مصر مختلفاً، قبل حرب 1948 كانت هناك اتصالات مع القصر ومع رؤساء الوزارات والأحزاب مع الوكالة اليهودية ممثلة بـ"إلياهو ساسون" بالدرجة الأولى، وأقطاب الجالية اليهودية في مصر.
وبعد الحرب كانت هناك فرص متعددة للاتصال، في باريس أثناء الدورة الاستثنائية لمجلس الأمن، ثم في لوزان أثناء انعقاد اجتماعات لجنة التوفيق، ثم في نيويورك تحت غطاء اجتماعات الأمم المتحدة.
وحتى قبل قيام الثورة بأيام فإن "ساسون" وربما غيره من المندوبين الإسرائيليين التقوا في أوروبا باكثر من واحد من الساسة الوفديين، والمؤكد أن اجتماعاً عقد في منتصف شهر يوليو بين "ساسون" وبين الأستاذ "محمود أبو الفتح" صاحب جريدة "المصري" في ذلك الوقت، وهو إلى جانب ذلك صديق مقرب من زعماء الوفد.
وطوال شهر أغسطس 1952 كانت إسرائيل لا تكاد ترفع نظرها عن القاهرة، وحين أشار اللواء "محمد نجيب" في واحد من الأحاديث الصحفية التي أدلى بها بعد الثورة إلى انتقاداته للطريقة التي اتخذت بها مصر قرار الاشتراك في حرب سنة 1948 وقف "دافيد بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل في اليوم التالي (18 أغسطس) أمام الكنيست ليقول مرة أخرى:
"إننا مع اللواء نجيب نرى أن اشتراك مصر في غزو إسرائيل في مايو 1948 كان عملاً من أعمال الحماقة ارتكبه حكام مصر في ذلك الوقت، ونحن نأمل أن تقوم مصر بانتقال مستنير من عصر إلى عصر آخر".
وفي يوم 17 سبتمبر 1952 بعث السفير الأمريكي في إسرائيل "ديفيز" ببرقية إلى وزير خارجيته "وثيقة رقم 1752 – 9 / 320) قال فيها:
"أخبرني وزير الخارجية شاريت بعد ظهر اليوم أن مستشار سفارتهم في باريس قد أبرق إليهم بأنه تلقى ما يمكن أن يعتبره دعوة للقاء من مندوبين عن النظام الجديد في مصر، فقد أخبره رجل يزعم أنه ممثل شخصي للواء نجيب بانه يحمل رسالة منه مؤداها أن نظامه لا يضمر أية نيات عدوانية لإسرائيل.
وقد قال هذا الشخص للمستشار الإسرائيلي إن نجيب مشغول الآن في التحضير للمفاوضات مع البريطانيين، ومع ذلك فإنه سوف ينتهز أي فرصة ملائمة ليبحث مع الإسرائيليين أموراً معينة".
كان بين أعضاء مجلس العموم الذين جاءوا في ذلك الوقت نوفمبر 1952 النائب العمالي الشهير "ريتشارد كروسمان"، وكان أول ما طلبه "كروسمان" في القاهرة موعداً مع "جمال عبد الناصر".
قال "كروسمان": إنني أحمل معي رسالة إليك، من "دافيد بن جوريون" رئيس وزراء إسرائيل.
واصل كلامه قائلاً: "إن دافيد بن جوريون حملني تحياته إليك ورسالة منه بأن سلاماً مع إسرائيل هو وحده الذي يعطيك الفرصة لكي تقدم لبلادك ما تتمنى أن تقدمه".
وتجنب "جمال عبد الناصر" أن يدخل في مناقشة حول هذا الموضوع، وآثر بدلاً من ذلك أن يتحدث عن ضرورات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقال إن "كل ركن في مصر يطالب الثورة بأن تهتم به، وسبيلها إلى ذلك هو رفع مستوى الإنتاج والخدمات".
ولم يصل "كروسمان" إلى نتيجة يطمئن إليها، ورأى أن يسافر من القاهرة إلى قبرص، ثم من قبرص إلى إسرائيل ليطلع "بن جوريون" على فحوى حديثه مع "عبدالناصر"، ثم عاد بعد أسبوعين إلى القاهرة وطلب مقابلة "جمال عبد الناصر"، ورأى "جمال عبد الناصر" أن يفوض الدكتور "محمود فوزي" لمقابلته.
وكان أهم ما قاله "كروسمان" للدكتور "فوزي" هو إنه عندما التقى "بن جوريون" نقل إليه تفاصيل جلسته مع "جمال عبد الناصر" بما فيها اهتمامه بأوضاع مصر الداخلية.
وقال "كروسمان" إن دافيد بن جوريون قال له بعد أن أصغى إلى تقريره من القاهرة دون أي مقاطعة: "ديك (الاسم المختصر لريتشارد)، هذا أسوأ ما سمعته"، ثم واصل كلامه: "إنني لا أريد رجلاً في القاهرة يهتم بالتنمية قبل أن يعقد صلحاً مع إسرائيل".
لم يكن الوسيط الثاني مع "جمال عبد الناصر" مكلفاً من "بن جوريون" بمهمة مثل نواب حزب العمال البريطاني، وإنما كان ذلك الوسيط متطوعاً، تصور أن واجبه يفرض عليه أن يسعى بوساطة بين مصر وإسرائيل، وكان هذا الرجل هو أشهر يهودي في القرن العشرين، وهو العالم العظيم "ألبرت آينشتين".
كان "محمد حسنين هيكل" في رحلة إلى واشنطن (أواخر 1952 وأوائل 1953)، وعاد منها إلى نيويورك حيث التقى بأستاذ وصديق قديم هو الدكتور "محمود عزمي" الذي كان نائباً لرئيس الوفد المصري في الأمم المتحدة.
كان "هيكل" يتصور أن لقاءه مع "آينشتين" سوف يتيح له الفرصة أن يسأل "آينشتين" عن منجزاته العلمية في مجال الطبيعة، وعن تجربته الإنسانية، وعن رؤيته لاحتمالات حرب نووية.
لكنه عندما تمت المقابلة لم يأخذ العلم ونظرية النسبية والأسلحة النووية أكثر من ربع ساعة، ثم إذا بـ"آنشتين" يفتح حديث السياسة.
وبدأ "آينشتين" بالقول "إنه فهم مما نشر أن ضيفه يعرف "الجنرال" نجيب، كما أنه صديق لكولونيل شاب –يبدو أنه القوة الحقيقية في الثورة.
ثم تساءل "آينشتين": "ماذا يريد صديقك من قومى؟ " وتطلع إليه زائره مستفسراً، وواصل "آينشتين" كلامه قائلاً: "أنا أقصد اليهود .. أمريكا بلدى واليهود قومي"، ومضى "آينشتين" يشرح فحوى رسالة يريد نقلها إلى "جمال عبد الناصر":
- هو أولاً (ألبرت آينشتين) كيهودى يعرف مأساة اليهود لأنه عاشها بنفسه في ألمانيا النازية.
- وهو بضميره لم يكن متحمساً لقيام دولة لليهود لا في فلسطين ولا في غيرها، فاليهود شعب عالمي، وكان الأفضل أن يظلوا كذلك.
- وهو بصراحة يخشى على اليهود من حُمَّى الوطنية، وهم لم يعرفوها في تاريخهم، وفي رأيه أن اليهودية قيمة إنسانية أكبر من أي دولة، وهو بنفسه ذهب مرة إلى فلسطين سنة 1943 ونصح زعماء الوكالة اليهودية الذين قابلهم هناك أن يمدوا يدهم إلى عرب فلسطين وأن يتصالحوا معهم، وما زال هذا رأيه.
- لكنه، وقد قامت لليهود دولة في إسرائيل – يشعر بنوع من العاطفة تربطه بهذه الدولة وتفرض عليه الاهتمام بمصيرها، وهو لا يريدها أن تتحول بفعل الحصار – حتى وإن كانت مسئولة عنه – إلى مجتمع حامية عسكرية لأن ذلك معاد للروح اليهودية.
- وأكثر من ذلك، فلقد دعى قبل أيام بواسطة "بن جوريون" ليكون رئيساً لجمهورية إسرائيل بعد أن توفى رئيسها الأول "حاييم وايزمان" واعتذر عن هذا العرض لأن ذلك خارج شواغله واستعداده، لكنه أحس في الوقت الذي اعتذر فيه عن عدم رئاسة إسرائيل أن واجبه يدعوه إلى أن يفعل من أجلها شيئاً.
- وعندما عرف من الصحف، وبوسائل أخرى، أن في الولايات المتحدة الآن زائراً يعرف قادة الثورة المصرية وتربطه صداقة وثيقة مع الرجل الأول بينهم، فقد خطر له على الفور أن يبعث برسالة إلى هذا الرجل مؤداها أن "سلاماً بين مصر وإسرائيل هو ضرورة حضارية وأخلاقية وسياسية أيضاً".
- وهو لا يريد أن يدخل في تفاصيل عملية، ويفضل أن يقوم بها غيره، لكنه يريد أن يطمئن أولا إلى .. أنهم في "القاهرة" مستعدون لذلك.
- وإنه ينتظر رداً على سؤاله عن استعداد القاهرة، ثم هل في الإمكان أن يعود إليه زائره برد؟ - أو هل يمكن للقاهرة أن تحدد له شخصا يتصل به لإتمام الترتيبات العملية للمسعى الذي بدأه؟
هذه المحاولة من جانب "آينشتين" لم تصل لنتيجة، فلم يكن "جمال عبد الناصر" عندما سمع بالتفاصيل مستعداً لتبادل الرسائل، مع أن "آينشتين" لا يزال ينتظر رداً، وحاول استعجاله.
وعندما نشرت الصحافة العالمية أن "جواهر لال نهرو" رئيس وزراء الهند سيقوم بزيارة إلى مصر، طلب "آينشتين" من صديق مشترك بينه وبين "نهرو"، وهو الفيلسوف البريطاني الكبير "برتراند راسل"، أن يحصل له من "نهرو" على رد من "جمال عبد الناصر" يجيب على سؤال سبق أن بعث به إليه.
وبالفعل، فإن "نهرو" فاتح "جمال عبد الناصر" في الموضوع، وكان رد "جمال عبد الناصر" أنه عرف بالتفاصيل، وطلب عدم إرسال رد إلى "آينشتين" – لكنه من ناحية أخرى، ومراعاة لمكانة العالم الكبير، طلب إبلاغ الدكتور "محمود عزمي" في نيويورك أن يتصل بـ"آينشتين" ويبلغه برد عام مفاده أن أفكاره سوف توضع في الاعتبار عندما يجئ الوقت المناسب لبحث مشكلة العلاقة مع إسرائيل"