استمرت الانتهاكات في مدينة القدس ، وطالت المواطنين بالقتل والضرب والاعتقال والإبعاد والاستيلاء على الأموال والممتلكات، والتخريب والهدم، وامتدت إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية بالإغلاق والاقتحام والحرق، والمؤسسات والفعاليات بالمنع والقمع والإغلاق والتهديد، وذلك بين "كورونا" و"صفقة القرن".
وأفاد مركز معلومات عين حلوة المقدسي بأن سلطات الاحتلال واصلت عمليات قتل الفلسطينيين في مدينة القدس، حيث استشهد 6 مواطنين بدم بارد وهم: شادي البنّا (45 عاما)، وماهر زعاترة (33 عاما)، وإياد خيري الحلاق (32 عاما) من حي وادي الجوز الذي استشهد خلال توجهه إلى مدرسته "البكرية /الوين للتعليم الخاص" في القدس القديمة، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة.
كما استشهد الشاب أشرف هلسة من بلدة السواحرة الشرقية، ونور جمال شقير (36 عاما) من بلدة سلوان، على حاجز زعيم العسكري، والفتى محمود عمر كميل (17 عاما) من محافظة جنين.
وتواصل قوات الاحتلال احتجاز جثامين أربعة شهداء مقدسيين في الثلاجات وهم: الشهيد مصباح أبو صبيح منذ شهر تشرين أول 2016، والشهيد فادي القنبر منذ شهر كانون ثاني 2017، وشهيد الحركة الأسيرة عزيز عويسات منذ شهر أيار 2018.
انتهاكات لحرمة المسجد الأقصى
لم يختلف هذا العام عما سبقه، فاستمر المستوطنون بتنفيذ اقتحامات يومية للأقصى – باستثناء يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع - خلال فترتين صباحية وبعد الظهر، عبر باب المغاربة الذي تسيطر عليه سلطات الاحتلال، وبحسب دائرة الأوقاف الإسلامية بلغ عدد المقتحمين للأقصى العام الماضي 18,526 متطرفا.
وازدادت الاقتحامات للمسجد الأقصى خلال فترة الأعياد اليهودية، وتعمد المقتحمون للأقصى أداء الصلوات في ساحاته.
واستمرت سلطات الاحتلال بملاحقة المصلين عبر الاعتقال، ومنعهم من الدخول، واحتجاز الهويات وإخضاعهم للتفتيش على الأبواب وفي ساحات الأقصى.
فيما قرر مجلس الأوقاف والمقدسات الدينية، تعليق دخول المصلين والزوار إلى الأقصى من تاريخ 23 آذار حتى 31 أيار، وذلك حفاظا على صحة المصلين والمواطنين بعد ازدياد أعداد المصابين وانتشار فيروس كورونا.
وخلال 2020 واصلت سلطات الاحتلال محاولات فرض السيطرة على مصلى باب الرحمة، من خلال محاكم الاحتلال وميدانيا من خلال الاقتحامات المتكررة له.
وأوضح مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية أن سلطات الاحتلال حركت مطلع عام 2020 دعوى قضائية طالبت فيها باستصدار أمر بتجديد إغلاق مصلى باب الرحمة، وفي شهر تموز أصدرت محكمة الاحتلال قرارا يقضي بإغلاق مصلى باب الرحمة داخل المسجد الأقصى، ووجهت مديرية شرطة الاحتلال كتابا إلى دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، لإبلاغها بقرار المحكمة، فيما أكدت المرجعيات الدينية (الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية ودار الإفتاء ودائرة قاضي القضاة) حينها، إن مصلى باب الرحمة هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك وهو للمسلمين وحدهم بقرار إلهي رباني غير قابل للنقاش ولا للتفاوض ولا للتنازل عن ذرة تراب منه.
وميدانيا تواصل الشرطة اقتحامها اليومي لمصلى باب الرحمة، وتصوير المتواجدين داخله وملاحقتهم بالاعتقال والإبعاد.
منذ شهر تشرين الثاني الماضي، فرضت سلطات الاحتلال قيودها خلال أيام الجمع على دخول الفلسطينيين من حملة هوية الضفة الغربية الراغبين بالصلاة في الأقصى.
قرارات الإبعاد عن البلدة القديمة والأقصى
واصلت سلطات الاحتلال استخدام أسلوب الإبعاد عن مدينة القدس وبلدتها القديمة والمسجد الأقصى، حيث شملت قرارات الإبعاد عشرات الشخصيات الدينية والوطنية والمقدسيين لفترات تراوحت بين يومين إلى 6 أشهر.
وأوضح المركز أن معظم قرارات الإبعاد تسلم للفلسطينيين وتكون لعدة أيام ثم تُجدد لعدة أشهر، بقرارات صادرة عن عدة مسؤولين منهم "قائد شرطة القدس أو قائد الجبهة الداخلية".
ورصد مركز معلومات وادي حلوة 375 قرار إبعاد: 315 عن المسجد الأقصى، و15 عن مدينة القدس، و33 عن البلدة القديمة، و4 عن الضفة الغربية، و8 منع سفر، بينهم 15 قاصرا، و66 امرأة وفتاة.
وشهد كانون الثاني، وحزيران، وأيلول، أعلى معدل لقرارات الإبعاد، ومن بين المبعدين رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري، ونائب مدير أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات، كما منع محافظ القدس من دخول الضفة الغربية، وفرضت عليه الإقامة الجبرية داخل بلدة سلوان.
ورصد مركز معلومات وادي حلوة 46 قرار إبعاد بحق موظفي الأوقاف الإسلامية، معظمهم تسلم الإبعاد لمدة أسبوع ثم جدد لعدة أشهر.
ملاحقة محافظ القدس
وسلمت سلطات الاحتلال عدة قرارات عسكرية ضمن ملاحقات متواصلة له منذ توليه مهامه كمحافظ لمدينة القدس نهاية آب 2018، ومن القرارات التي تسلمها العام 2020 فرض الإقامة الجبرية عليه في سلوان، ومنعه من التواصل مع 51 شخصية فلسطينية، ومنعه من القيام بأي فعاليات في القدس، ويشمل القرار: القيام بجمع أو توزيع الأموال باستثناء نشاطات تبرع للمحتاجين فقط، عمل اجتماعات تنظيمية، قيام بندوات أو اجتماعا.
إصابات برصاص الاحتلال والاعتداء على المساجد والكنائس
وسجلت عشرات الإصابات برصاص الاحتلال في القدس، كان أبرزها في منتصف شهر شباط 2020، حيث فقد الطفل مالك وائل عيسى 8 سنوات من بلدة العيسوية عينه اليسرى وأصيب بكسور وأضرار بالغة في الجمجمة، بعد إصابته بعيار مطاطي خلال عودته إلى منزله بعد انتهاء يومه الدراسي برفقة شقيقاته، ونهاية العام أغلق قسم التحقيقات مع شرطة الاحتلال "ماحش" ملف التحقيق بحجة عدم توفر الأدلة ضد الجندي المشتبه به.
وتواصلت اعتداءات المستوطنين على المقدسات والممتلكات في القدس، حيث اعتدى المستوطنون على الشبان المقدسيين أثناء مرورهم في شوارع القدس الغربية أو أثناء عملهم دون سبب، كما طالت اعتداءاتهم الأماكن الدينية بالحرق والشعارات المسيئة.
ففي بداية العام (24/1/2020) أقدم مستوطنون على إحراق مسجد البدرين في قرية شرفات جنوب غرب مدينة القدس، حيث أتت النيران على المنبر والسجاد ومصاحف وكتب للسنة النبوية، وخط المستوطنون على أحد جدرانه شعار "هدمتم لليهود سنهدم للأعداء".
وقبيل نهاية العام وحلول أعياد الميلاد (4/12/2020) أقدم مستوطن على سكب مادة مشتعلة وأضرم النار داخل كنيسة "الجثمانية/ كل الأمم"، الواقعة عند طريق باب الأسباط في القدس، حيث ألحق أضرارا ببعض المقاعد والأرضية الفسيفسائية، وتمكن حراس الكنيسة من إطفاء النار والإمساك بالمستوطن.
مئات حالات الاعتقال
لم تفرق حملات الاعتقال بين شاب أو امرأة أو طفل أو كهل، كما لم تفرق بين قيادي أو رمز ديني أو شخص عادي، حيث تركزت الاعتقالات بشكل خاص في قرية العيسوية، تلتها البلدة القديمة وبلدة سلوان، إضافة إلى اعتقالات من ساحات الأقصى وعند أبوابه، واعتقالات متفرقة من بلدات وأحياء القدس.
ومن بين المعتقلين رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري الذي اعتقل واستدعي عدة مرات، ومحافظ القدس عدنان غيث حيث تعرض للاعتقال والاستدعاء عدة مرات، ووزير القدس فادي الهدمي، إضافة إلى حملات طالت أسرى محررين وقيادات حركة فتح في مدينة القدس، ونشطاء ميدانيين.
ورصد مركز معلومات وادي حلوة 1979 حالة اعتقال، من بينها 8 أطفال أقل من (12 عاما)، و364 فتى، و100 امرأة وفتاة بينهن 3 قاصرات.
وسجلت بلدة العيسوية أعلى رقم للاعتقالات بـ645 حالة اعتقال، تلتها منطقة المسجد الأقصى وأبوابه والطرقات المؤدية إليه بـ365 حالة، ثم بلدة سلوان بـ298 حالة، فالقدس القديمة بـ289 حالة، وقرية الطور بـ142 حالة، إضافة إلى اعتقالات في كافة البلدات وأحياء مدينة القدس.
وأوضح المركز أن أعلى الأشهر التي نفذت فيها الاعتقالات كانت شهر كانون الثاني، وتموز، وتشرين الأول، وآذار.
وأضاف أن حملة "الاعتداءات والعقاب الجماعي"، استمرت في بلدة العيسوية للعام الثاني على التوالي، بالاقتحامات اليومية ونصب الحواجز الشرطية على مداخلها وداخل شوارعها وحاراتها، إضافة إلى التمركز على أبواب البنايات السكنية والمحلات التجارية، وفحص المركبات وتحرير المخالفات، واقتحام المنازل السكنية وتفتيشها، وتنفيذ اعتقالات وتسليم استدعاءات، كما واصلت طواقم بلدية الاحتلال إصدار أوامر الهدم وإيقاف البناء في البلدة، والتمركز والانتشار في محيط المراكز الطبية فيها، واستخدمت سلطات الاحتلال خلال اقتحام بلدة العيسوية، الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والقنابل الغازية والصوتية.
عشرات عمليات وقرارات الهدم في 2020
وخلال العام المنصرم صعدت بلدية الاحتلال من سياسة هدم المنازل والمنشآت التجارية والزراعية والأساسات والبركسات في مدينة القدس، بحجة البناء دون ترخيص، في وقت تفرض البلدية الشروط التعجيزية والمبالغ الطائلة لإجراءات الترخيص والتي تمتد لسنوات طويلة.
كما أجبرت بلدية الاحتلال المقدسيين على تنفيذ أوامر وقرارات الهدم بأنفسهم، "الهدم الذاتي"، بعد التهديد بفرض غرامات باهظة إضافة إلى إجبارهم على دفع أجرة الهدم لطواقم واليات البلدية وقوات الاحتلال المرافقة لها.
ورصد مركز معلومات وادي حلوة هدم 193 منشأة في مدينة القدس، منها 107 منشآت هدمت بأيدي أصحابها "هدم ذاتي"، بينها 114 منزلا، و4 بنايات سكنية، و30 منشأة تجارية، إضافة الى غرف سكنية وبركسات للمواشي ومزارع وأساسات بناء وتجريف أراض.
وانضمت عائلات مقدسية جديدة العام 2020 إلى قائمة المهددين بالطرد من منازلهم، وسادت حالة القلق من مصير التشرد والطرد لصالح الجمعيات الاستيطانية.
فقد سيطرت جمعية "العاد الاستيطانية"، أواخر العام الماضي، على عقار في حي وادي حلوة ببلدة سلوان، بعد تسريبه من قبل مالكه الأصلي، علما أنه تم السيطرة على جزء من العقار عام 2017 فيما تمكنت عائلة صلاح من الصمود في جزء آخر كونها "مستأجر محمي"، ثم توالت قرارات المحاكم "الإسرائيلية" لإخلاء العقار استنادا إلى قوانين تمكن جمعية العاد (مالك العقار) من إخراج المستأجرين منه في ظروف معينة.
وفي شهر تموز استولت ما تسمى "سلطة الطبيعة" على قطعة أرض في حي وادي حلوة وهدمت المخازن المقامة عليها، بحجة المنفعة العامة، وتخطط سلطة الطبيعة لإقامة "طريق للمشاة" يبدأ من مشروع كيدم الاستيطاني "عند مدخل الحي" وصولا الى باب المغاربة وحائط البراق، كما تقع الأرض على بعد عدة أمتار من موقع مخطط لبناء إحدى محطات مشروع "القطار الهوائي / التلفريك".
وفي بلدة سلوان أصدرت محاكم الاحتلال، العام الماضي قرارات تقضي بإخلاء عائلات "الرجبي وعودة وشويكي ودويك وغيث وأبو ناب" من عقاراتهم في حي بطن الهوى في البلدة لصالح جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية، التي تسعى إلى إخلاء السكان من أرض مساحتها 5 دونمات و200 متر مربع من حي بطن الهوى، بحجة ملكيتها ليهود من اليمن منذ العام 1881، ويتهدد خطر الإخلاء أكثر من 87 عائلة تعيش على قطعة الأرض المهددة بالاستيلاء.
وفي حي الشيخ جراح أصدرت ما تسمى محكمة الصلح "الإسرائيلية" قراراً بإخلاء سبع عائلات (القاسم، الجاعوني، الكرد، السكافي، حماد، الدجاني، والداوودي) من الحي، كما فرضت المحكمة على كل عائلة دفع مبالغ مالية "أتعاب محاميي المستوطنين ومصاريف أخرى للمحكمة"، وتدّعي الجمعيات الاستيطانية أنها تملك قطعة الأرض البالغة مساحتها حوالي 19 دونما منذ عام 1885، والتي يعيش عليها 28 عائلة منذ عام 1956 عندما تم الاتفاق بين الحكومة الأردنية ممثلة "بوزارة الإنشاء والتعمير" ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، على توفير المسكن لـ28 عائلة لاجئة في حي الشيخ جراح.
القدس في ظل جائحة كورونا
عصفت جائحة كورونا بمدينة القدس كما سائر مدن العالم، وفرضت الجائحة إجراءات لم يسبق لها مثيل، حيث شُلّت الحياة فيها وأُغلقت المساجد والكنائس والمدارس والمراكز التجارية، حيث توقفت الحركة التجارية والمسيرة التعليمية لأسابيع، وعانى آلاف المقدسيين من أزمة اقتصادية نتيجة تعطل مصالحهم أو فقدان وظائفهم.
وللحد من انتشار فيروس كورونا أغلق المسجد الأقصى أبوابه أمام المصلين مدة 69 يوما، فيما أغلقت كنيسة القيامة منذ شهر آذار أبوابها وتسمح لأعداد محددة بالدخول للصلاة.
وقدرت وزارة الصحة "الإسرائيلية" عدد الإصابات في مدينة القدس بحوالي 16 ألف إصابة وعدد الوفيات بمضاعفات الإصابة بالفيروس بأكثر من 140 حالة وفاة.
ورغم ذلك لم تتوقف انتهاكات سلطات الاحتلال بحق المقدسيين، فمع بداية انتشار الجائحة لاحقت سلطات الاحتلال المبادرات الشبابية الوقائية من فيروس كورونا بحجة "خرق السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس"، حيث منعت الشبان من تعقيم المرافق العامة وصادرت أدوات التعقيم ونفذت اعتقالات، كما صادرت الطرود الغذائية ومنعت تعليق ملصقات توعوية حول الفيروس، كما منعت إجراء فحوصات كورونا في إحدى القاعات ببلدة سلوان، بإِشراف وزارة الصحة الفلسطينية.
وفي السياق ذاته، اعتقلت سلطات الاحتلال محافظ القدس عدنان غيث، ووزير القدس فادي الهدمي، بحجة "العمل من أجل مكافحة فيروس كورونا ومساعدة المقدسيين في مكافحة الوباء"، وذلك خلافا لقوانين "الضم لمدينة القدس"، حيث تعتبره "تعديا على السيادة الإسرائيلية" في المدينة.
قمع الفعاليات والحريات
واصلت سلطات الاحتلال قمع ومنع الفعاليات والنشاطات في مدينة القدس، بحجة "تنظيمها أو رعايتها من قبل السلطة الوطنية أو وصفها بغير القانونية".
ومع بداية العام 2020 منعت مخابرات الاحتلال إقامة مهرجان شعبي في مخيم شعفاط ضد "صفقة القرن" التي أعلنها ترمب، كما منعت في شهر أيار وقفة عند مبنى بيت الشرق المغلق منذ سنوات لإحياء الذكرى الـ19 لرحيل الشهيد فيصل الحسيني، وذلك باقتحام مكان الفعالية وتنفيذ اعتقالات وتسليم استدعاءات للمشاركين.
المصدر: وفا