Menu

مقتطف من كتاب "الماركسية والدين والعلمانية والديمقراطية" للمفكر غازي الصوراني

غازي الصوراني

غازي الصوراني.jpg

خاص بوابة الهدف

إننا إذ نؤكد على أن الإسلام قد لعب دوراً تاريخياً مهماً في صيرورة تطوّر العرب، لكن طابعه الدنيوي تحوّل إلى تصوّرات مبسّطة ساذجة وأسطورية، خاصة في مراحل الانحطاط التي بدأت مع الدولة الأموية وتكرست في الدولة العباسية وما تلاها حتى المرحلة الراهنة، وأصبحت الرؤى التي سادت في ضوء التصوّر المثالي الغيبي الذي طرحه "أبو حامد الغزالي" ضد عقلانية "ابن رشد" مجرد جملة طقوس بسيطة، من دون عقل أو معادية للعقل، فقد رفض الغزالي كلّ مجالات العلم والعقل والفلسفة، كما عبر عنها الفيلسوف ابن رشد، وحَصَر «العلم» في «علوم الدين» الأمر الذي لم يقره ولم يوافق عليه علماء الدين المستنيرين – في العصر الحديث والمعاصر- من أمثال جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وأحمد أمين والشيخ علي عبد الرازق ثم الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد أبو زهره وجمال البنا ومحمد سعيد عشماوي وغيرهم .

وفي هذا السياق، تتجلى أهمية كتاب الشيخ الأزهري علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم"، "الذي يناقش فيه مجموع الآراء والمواقف من مسألة الخلافة في الإسلام، انطلاقاً من السؤال الرئيسي حول دينية أو عدم دينية منصب الخلافة، فإذا كان البعض يعتبرها منصباً دينياً، وضرورة دينية، فإن علي عبد الرازق في رده على هذا القول ومن أجل تفنيده، يعود إلى المصادر الأساسية للإسلام: الكتاب والسنة والإجماع، يبحث عن شرعية أو عدم شرعية هذا القول. ليخرج بنتيجة مفادها أن لا الكتاب ولا السنة ولا الإجماع يعطيه الشرعية.

وإذا كانت الخلافة بالنسبة لعبد الرازق لا تستند لا على الكتاب ولا على السنة ولا على الإجماع، فإنها لا تستند في رأيه إلا على القوة والقهر والعنف بحد السيف من أجل فرض نفسها على المسلمين، وفي هذا الإطار يستعين المؤلف بالتاريخ الإسلامي من خلال بعض اللحظات التاريخية، ومن بعض الذين مارسوا الحكم للاستدلال على القوة والقهر.

لقد طالب الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" بإلغاء نظام الخلافة، حيث رأى "أن مؤسسة الخلافة ليس لها أي سند أو أساس فقهي من الأصول والمصادر المعتمدة للدين عند المسلمين، ومن ثم يجب نزع وإسقاط أية صفة قداسة كانت تنسب للخلافة، وبالتالي يصبح لكل أمة إسلامية الحق والحرية في اختيار نوع الحكم الملائم لها، وفي اختيار من تريده حاكماً عليها، وفي خلعه، ما يؤكد على أن مضمون دعوة الشيخ علي عبد الرازق هو أن الإسلام دين لا دولة، ومن ثم يجب الفصل بينهما، واعتماد العقد الاجتماعي والديمقراطية أساس للحكم.

لكن تزايد عمق التخلف والتبعية في بلادنا العربية، في هذه المرحلة بالذات من القرن الحادي والعشرين، مع تزايد حالة الانحطاط الاجتماعي والاقتصادي والهبوط السياسي، أدى كل ذلك إلى بروز الظاهرة الأكثر خطورة المتمثلة في بعض الشعارات التي تستغل "الوعي الديني" لدى البسطاء من الناس، وتجعل منه نقيضاً للعقل والفكر والتقدم العلمي والديمقراطية من ناحية، ونقيضاً لمفهومي الوطنية والقومية؛ بذريعة أنهما مفهومان علمانيان من ناحية ثانية!! وللأسف فإن ما يدعو إلى مزيد من الحزن والأسى والألم أن "المؤسسات الدينية" أصبحت تعيد إنتاج "الثقافة" والطقوس الدينية الشكلانية المعادية للعلم والعقل عبر ملايين "الكتب" التي تقوم دول الخليج و السعودية خصوصاً، بدفع تكاليف طباعتها وتوزيعها لترويج الأفكار التي تعزز عوامل التخلف بما يخدم مصالح أولئك الحكام وغيرهم من أمراء وأصحاب المال والثروة من الشرائح الرأسمالية الرثة، الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية .