في رواية أحد الأصدقاء الذين اعتقلوا في سبعينيات القرن الماضي؛ أن قوات الاحتلال الاسرائيلي اعتقلت شاب فلسطيني من مخيم الشاطئ بمدينة غزة، وبمجرد اعتقاله ذهبت والدته لبعض الشباب الذين اعتقلوا وأفرج عنهم وألحت عليهم أن يخبروها عن ظروف الاعتقال، وأخبرها بعضهم تحت توسل والدته عن أساليب التحقيق والمعاملة القاسية وتعرضهم للتعذيب والضرب والشبح وسكب المياه الباردة على المعتقلين، وعندما سمعت روايات المعتقلين وأيقنت أن ابنها يتعرض للتعذيب، وفي طريقة للتضامن مع ابنها مكثت مدة ثلاثة أسابيع في ساحة البيت ليل نهار وهي توجه اللطمات لنفسها وتسكب الماء البارد على جسمها، ورفضت توسل عائلتها للتوقف عن تعذيب نفسها وأصرت على الاستمرار لتعيش معاناة ابنها حتى توفيت من القهر والبرد.
نحو مليون فلسطيني تم اعتقالهم منذ العام ١٩٦٧ وتعرضوا لأصناف شتى من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، ومنهم من استشهدوا تحت التعذيب أو القهر والمرض والآثار النفسية التي طالت الآلاف منهم. وطالت جرائم الاحتلال الإسرائيلي مختلف الفئات الفلسطينية، حيث يعتقل 4,500 معتقلاً فلسطينياً في سجونه من بينهم 41 فتاة وامرأة و 140 طفلاً، ولا تزال قوات الاحتلال تمارس جرائمها بالاعتقالات اليومية في محاولة منه لكي وعي وتخويف الفلسطيني وتثبيط همته الوطنية. ومن بداية العام الحالي؛ اعتقلت قوات الاحتلال نحو ٢٠٠ طفل، وخلال العام الماضي اعتقلت نحو ٥٠٠ طفلاً؛ غالبيتهم من مدينة القدس والضفة الغربية.
قضية الأسرى هي قضية جميع الفلسطينيين، وهم ليسوا مجرد أرقام، بل هم رموز وأيقونات الحرية، وقادة العمل الوطني ومن حقهم أن يعاملوا معاملة أسرى حرب واحترام كرامتهم وإنسانيتهم.
في السابع عشر من إبريل/ نيسان من كل عام يحيي الفلسطينيين يوم الأسير الفلسطيني، وتم التحضير لجملة من الفعاليات الوطنية وستقرأ الأجيال الفلسطينية المقبلة عن موسمية التفاعل مع الأسري والقصور في معالجة قضيتهم، في مقابل تاريخ ومعاناة الأسرى الذين يعانون العقاب الجماعي والفردي والانتقام والألم والعزل ووحشية الاحتلال الإسرائيلي وغطرسته.
قضية الأسرى هي قضية مركزية وهناك اجماع وطني على قضيتهم، إلا أنها لم تسلم من الانقسام وتأثيره الكبير على قضيتهم ونسيانهم أحياناً كثيرة في ظل الخلاف الذي تشهده الساحة الفلسطينية، ويشكو ذوي الأسرى من عدم الاهتمام، وانعكاس الانقسام على السجون والأسرى وغياب الوحدة السياسية والاجتماعية في السجون كما هي في المجتمع الفلسطيني، والتي كانت في السابق محل اتفاق على الحد الأدنى. ونجحت إسرائيل في الضغط على السلطة الفلسطينية في طريقة ابتزاز وتقسيم الفلسطينيين والتمييز بين الأسرى في مستحقاتهم وتوجهاتهم الفصائلية.
قضية الأسرى ليست كما كانت في السابق محل اجماع وطني، وليست بحجم عذاباتهم وآلامهم وصبرهم ومرضهم وضعفهم وتضحياتهم وصمودهم الأسطوري من أجل حريتنا، هم يعرونا جميعاً وبينوا لنا كم نحن ضعفاء أمامهم، وكيف أصبحنا نبحث عن قضايانا الصغيرة أمام قضيتهم الكبرى؛ فالتضامن الشعبي والرسمي والفصائلي لم يصل حده المطلوب، والكل الفلسطيني مقصر، وحتى الآن لم نستطيع أن نجعل من قضية والأسرى قضية دولية وتفعيلها للضغط على دولة الاحتلال لإطلاق سراحهم ووقف سياسة الاعتقال الإداري، وجعلها قضية رأي عام عالمي وليس محلي فقط. والفصائل عليها عدم الاكتفاء بالشعارات والتصريحات الصحافية، والوحدة الخادعة ومطلوب منها يكون فعلها تعبيراً عن الاجماع الوطني الشامل وأن تكون قضية الأسرى على سلم أولوياتها الوطنية والأخلاقية، وفي الوعي الجمعي الفلسطيني، وتعبيراً عن مدى صدق ممارستها الوطنية وتوسيع حملة التضامن على جميع المستويات الدولية والمحلية من خلال الفعاليات اليومية المستمرة والفعالة لأسرى الحرية، وجعل همومهم حاضرة يومياً وليست موسمية، وإعادة الاعتبار لقضيتهم وتضحياتهم من خلال التضامن الشعبي اليومي معهم وإبراز قضاياهم ومعاناتهم وفضح ممارسات الاحتلال بحقهم، والعمل على تحسين ظروف وشروط اعتقالهم وتخفيف معاناتهم وتعظيم صمودهم.
يتصرف المسؤولون الفلسطينيون مع المشروع الوطني بعقلية الثأر، ولا يؤمنون بالشراكة وأن الانقسام نكبتهم الثانية، إلا أنهم يخدعون الشعب الفلسطيني أنهم يحاربون من أجل إنهاء الانقسام بالذهاب لانتخابات المجلس التشريعي، وهم غير واثقين من اتمامها؛ يجب توفير الحد الأدنى من الاحترام والكرامة والعيش الكريم ليتمكن الشعب الجائع من الاستمرار في الصمود ومقاومة الاحتلال وعدم زعزعة ثقته في عدالة القضية.
إن غياب الاتفاق والشراكة وعدم إعادة الاعتبار للمشروع الوطني وتخصيص جهد إضافي لقضية الأسرى وإعطاء الأولوية لتعزيز صمودهم وصمود الناس سيسرع من تآكل معنوياتهم وعدم ثقتهم بالنظام الفلسطيني المتآكل.. لا وقت للفلسطينيين للتفكير في حوارات وخطط جديدة لمواجهة حالهم البائس، وبرغم التوجه للانتخابات السلطات الحاكمة والفصائل تفضل التركيز على الانتظار والحفاظ على النظام القائم والخوف من التغيير.
التاريخ لا يرحم والوقت يمر والمشروع الصهيوني ماضٍ في مخططاته والتعامل مع المشروع الوطني وقضية الأسرى بهذه الطريقة من عدم الاهتمام سيؤدي إلى استمرار مأساة الفلسطينيين ونكبتهم.