تواصل الجهات المتفرّدة بالقرار الفلسطيني الرسمي، الإصرار على منع تشكّل أو انعقاد قيادة وطنيّة فلسطينيّة فاعلة، حتى لو كانت هي على رأسها، فلقد تواصل تعطيلها حتى الآن لانعقاد "لجنة تفعيل منظمة التحرير" التي تم التوافق وطنيًا عدة مرات على كونها الإطار القيادي المؤقّت للفلسطينيين لحين إنجاز الترتيبات الخاصة بانتخاب مجلس وطني يفرز قيادة وطنيّة جامعة تمثل إرادة الشعب الفلسطيني.
ما يحدث ببساطة وطوال سنوات عدة، أنّ هناك شريحة قررت مواصلة الرهان على تغييب إرادة عموم الفلسطينيين ومواصلة إدارة شأنهم الوطني والمعيشي والتصرّف في قضاياهم كافة كما يحلو لها، على هذا النحو تأسّست بؤر الاستئثار والانتفاع، وتقوّضت مفاهيم المؤسسيّة، بل وتم نسف مفاهيم أساسيّة في العمل الوطني.
هنا وحتى لا نخطئ الظن لا نتحدث عن أحد حالات نظم الاستبداد الجاثمة على صدر شعوبنا في معظم دول العالم، ولكن بالأساس عن حالة تستند بدرجة كبيرة لقبول غربي وعربي ودولي، ورعاية من منظومات الهيمنة في المشهد الدولي والإقليمي، فما يتطلب حجبه هنا بالفعل هو إرادة الشعب الفلسطيني، الرافضة للاستمرار في مستنقع أوسلو وسياقات التنسيق الأمني مع الاحتلال.
في هذه المرحلة بالذات وفي خضم المواجهة المستمرة مع الاحتلال، والانخراط الواسع لشعبنا في هذه المعركة، والتصدي الشجاع لمحاولات العدو للالتفاف على منجزات شعبنا فيها، يشكّل هذا التعطيل المستمر تخلي عن هذه الجماهير، وفتح لثغرة أساسية يستفيد منها العدو، وأسوأ من ذلك اصرار على الرهانات الخائبة بشقيها الأول وهو المتمثل بالتفرد السياسي والثاني وهو خيار المفاوضات وما رافقه وأنتجه طيلة السنوات الماضية.
شعبنا لن يعجز عن ابراز إرادته السياسيّة والتعبير عنها، واستعادة حيوية مؤسّساته الوطنية، والدفاع عن حقه في تمثيل وطني ديمقراطي لائق، لكن صناعة هذه العراقيل تعني استنزاف زمن من عمر هذا الشعب وجزء من خزان تضحياته وأدوات فعله الوطني في مهمات كان الاجدى إنجازها بإرادة وطنية جامعة، لا العمل على تعطيلها.
لن تأتي إدارة بايدن بما ينتظره من راهن عليها، ومن عطل مسار بناء المؤسّسات الوطنية، ولن ننال جميعًا من هذا التعطيل إلا خسارة واستنزاف، ولن ينال صناع هذا التعطيل إلّا مزيد من الخيبات، ولكن المؤسف كما كل مرة أن شعبنا مجتمعًا يدفع ثمن هذه الخيبات، هذه العبثية التي تدور فيها السياسة الفلسطينيّة في حلقات مفرغة منذ سنوات، بحلقات التعطيل والتفرد والانقسام والحوار الذي يتم تجاهل نتائجه والقفز على مقررات الاجماع الوطني، لن تكسرها المناشدات، ولكن الإرادة الشعبية الواضحة، وهو شيء لا يفتقده شعبنا.