Menu

وآخرها جريمة اغتيال نزار بنات

تقريرقانون الحريات العامة حبر على ورق: اعتقالات سياسية وتوقيفات بحق المئات من النشطاء والمعارضين

مهند فوزي أبو شمالة

خاص_بوابة الهدف

على الرّغم من إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقانون الحرّيات العامة بالضفّة الغربية، إلّا أنّ الاعتقالات السياسية على خلفية الرأي والتوجّهات السياسيّة لم تكد تتوقف، فما زالت الاعتقالات والتوقيفات والاقتحامات مستمرّة، وكثيرٌ من النشطاء سواءً من المعارضين للسلطة هناك أو حتّى لأصواتٍ حسبت في وقتٍ من الأوقات مناصرةً للسلطة وحركة فتح تعرّضت لتلك الأفعال، ووصلت هذه الملاحقات إلى حدّ القتل المتعمّد لناشطٍ ومعارضٍ سياسيٍ على خلفية الرأي.

وعند إصدار قانون الحريات العامة في الـ20 من شهر فبراير 2021، والذي قام على زعم توفير مناخات الحريات العامة، ليكون ملزماً للأطراف كافة في أراضي دولة فلسطين وبناءً على ما اتفقت عليه الفصائل الفلسطينية في اجتماعها في ذلك التوقيت بالقاهرة، والذي جرى برعاية مصرية، إلّا أنّ القانون كان حبراً على ورق، فلم تلتزم الأجهزة الأمنية في الضفة بذلك القانون، ولم تسُد حالة الحرية كما قيل.

ولم تتوقف حالة التغوّل والانتهاكات بحقّ النشطاء والمعارضين عند حدّ الاعتقال والتوقيف أو حتى التعذيب، إلّا أنّها وصلت حدّ الاغتيال، فقد أصبحت فلسطين فجر الخميس 24 من يونيو الجاري، على جريمة اغتيال الناشط والبرلماني والمرشح للمجلس التشريعي نزار بنات.

وأُعلن عن وفاة الناشط الفلسطيني المعارض نزار بنات، صباح الخميس، بعد أن تدهورت حالته الصحية عقب اعتقاله من الأمن الفلسطيني، وأُعلن عن وفاته بعد نقله للمشفى.

من جهتها، أكَّدت عائلة الناشط الفلسطيني نزار بنات في تصريحاتٍ صحفية، أنّ "ما حصل مع نزار هو اغتيال مع سبق الإصرار والترصّد عقب اقتحام مكان سكنه من قبل قوة أمنية مشتركة فجر اليوم"، مُشددةً على أنّ "نزار تعرّض للضرب المبرح من قبل 20 عسكريًا من أمن السلطة، وتم اعتقاله عاريًا ونقله لجهةٍ مجهولة قبل الإعلان عن وفاته".

وفي وقتٍ سابق، قال الناشط والمرشّح للانتخابات التشريعيّة نزار بنات، إنّ عناصر من أجهزة السلطة هاجمت منزله في مدينة دورا جنوب الخليل، لافتًا إلى أنّ عملية المداهمة تمت وسط إطلاق للنار وتحطيم للنوافذ، حيث جاءت هذه الممارسات على خلفية مواقف بنات من السلطة والقيادة الفلسطينية خصوصًا الرئيس محمود عباس الذي انتقده بنات على خلفية قرار تأجيل الانتخابات التشريعية، عبر وسائل إعلام مختلفة وفي مقابلات متعددة، وطالب فيها عباس بالتنحي وترك منصبه، مُؤكدًا أنّ عباس غير قادر على قيادة المرحلة.

وحول حيثيات الجريمة، قال مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، عمار دويك خلال مؤتمر صحفي حول اغتياله، إن الناشط بنات يتعرّض لتهديد من فترة طويلة، وتعرض منزله لإطلاق النار في وقت سابق.

وأضاف دويك أنّ التهم التي نُسبت إليه وعلى أساسها أصدرت مذكرة الإحضار لا تستدعي التوقيف بالقوة، مؤكّداً أنّ مشاهدات التشريح وجود إصابات تتمثل في كدمات في مناطق متفرقة من الجسم، بالإضافة إلى أنّ وفاته غير طبيعية، لكنّ تحديد سبب الوفاة الرئيسي من الناحية الإكلينيكية يحتاج المزيد من الوقت، مشدداً على أنّ هذه الحادثة خطيرة بحق ناشط سياسي؛ ويجب تقديم الجناة إلى المحاكمة.

قضية بنات أعادت إلى الأذهان فلسفة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفّة المحتلّة في ملاحقة معارضيها والنشطاء الذين يسلكون غير طريقٍ لطريقها، لنستذكر حينها الشهيد باسل الأعرج، والذي اعتقلته الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة خلال شهر نيسان من عام 2016، وعُذّب في سجون السلطة لمدّة 5 أشهر، ليخوضَ هو وستة من رفاقه إضراباً عن الطعام، قبل أن يُطلقَ سراحهم في ايلول 2016، وغيره كُثُر.

وبالعودة إلى سياسة الاعتقالات بحقّ النشطاء والمعارضين، والتي زادت وتيرتها إبّان هبّة القدس في شهر رمضان، والعدوان الصهيوني على قطاع غزّة، قالت مجموعة "محامون من أجل العدالة"، إنّ جميع المعتقلين الذين تم اعتقالهم في الفترة الأخيرة من قبل الأجهزة الأمنية؛ جرى توقيفهم واعتقالهم بموجب إجراءاتٍ باطلة، مضيفةً "اعتقالهم وتوقيفهم جرى دون المرور بالإجراءات القانونية المتبعة، والتي تمثلت بتوقيفهم دون إبراز مذكرة توقيف قانونية من جهات الاختصاص، مما تغدو معه جميع إجراءات التوقيف باطلة".

وأضافت المجموعة، في بيان بداية يونيو الجاري، أنّ خلفية الاعتقالات في الفترة الأخيرة تمثلت بـ: الانتماء السياسي والاعتقال على خلفية ممارسة حرية الرأي والتعبير على وسائل التواصل الاجتماعي أو المشاركة في فعاليات شعبية في أعقاب وقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال في قطاع غزة.

وتابعت "تمّ توثيق اعتقالات عديدة في مختلف محافظات الضفة الغربية بعض هذه الحالات تم الإفراج عنها وبعضها الآخر لا يزال قيد التوقيف والملاحقة على ذمة التحقيق، بناءً على طلب النيابة العامة في أريحا".

تواصلنا في "بوابة الهدف الإخبارية" مع مدير ومؤسّس المجموعة مهند كراجة، الذي أكّد أنّه ومنذ بداية هبّة القدس، وإطلاق الفعاليات التضامنية مع الشيخ جرّاح، شهدت الضفّة الغربية مجموعةً من الاعتقالات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان، من ضمنها اعتقالات وتوقيف، واستدعاءات متكرّرة بشكل يومي، واقتحامات لمجموعة من بيوت النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، تخلّل تلك الاعتقالات والتوقيفات التي جاءت بالغالب منها بسبب منشورات على مواقع التواصل تنتقد السلطة ودورها خلال فترة العدوان على غزّة، ولاحقاً كان هناك اعتقالات لقائمة المستقبل المحسوبة على محمد دحلان، حيث تم اعتقال خمسة مرشحين فيها واعتقال ما يزيد على عشرة أو عشرين شخصاً من الداعمين لهذه الكتلة، واعتقالات سياسية في صفوف الجبهة الشعبية و حركة حماس وحتّى حركة فتح، وأيضاً اعتقالات لنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ونشطاء سياسيين بسبب موقفهم السياسي لدورهم في الفعاليات والنشاطات التضامنية مع الشيخ جرّاح وانتصار المقاومة.

وأشار كراجة خلال اتصال هاتفيّ مع "الهدف" أنّه إلى اليوم هناك اعتقالات تستهدف النشطاء وتستهدف الطلاب، ووثّقنا حالات تعذيب النشطاء السياسيين الذين تمّ اعتقالهم، بالإضافة إلى أنّ غالب الاعتقالات تميّزت بأنّها تتمّ في مقرّات الأجهزة الأمنية في أريحا، وهذه اعتقالات موجودة بشكل يومي وفي مختلف مدن الضفة.

وحول المطلوب إزاء حملة الاعتقالات، شدّد كراجة على ضرورة تنفيذ مرسوم الحريات الذي انطلق لتهيئة الجوّ لإجراء الانتخابات، موضحاً "وللأسف هذا المرسوم موجود على الورق لكنّه غير مطبق"، ومطالباً بإطلاق سراح كافة المعتقلين والنشطاء، وتطبيق اتفاق القاهرة الذي نادى لوقف حالات الاعتقال السياسية في الضفة وقطاع غزّة، وأيضاً نطالب بدور واضح لمؤسسات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني.

مقارنة في حالات الاعتقال حالياً وسابقاً

حالياً نقول إنّ حالات الاعتقال السياسي على خلفية الرأي والتوجهات السياسية في أشدّها، وإذا تمّت المقارنة بين العام الجاري والماضي، فإنّ هذا العام يشهد اعتقالات بشكل كبير جداً، في الوقت السابق كانت قليلة لأكثر من سبب منها كورونا ووقف التنسيق الأمني المؤقت وموضوع الانتخابات، والتقارب الذي حصل بين فتح وحماس، لكن بعد إلغاء الانتخابات وعادت المناكفات السياسية وعاد الاعتقال السياسي.

دور محامون من أجل العدالة:

دورنا التمثيل القانوني داخل المحاكم وتوثيق حالات التعذيب للمعتقلين، ونطلق نداءات عاجلة وخلق قضايا رأي عام ومناصرة لفضح الانتهاكات التي تحدث للمدافعين والنشطاء السياسيين، وهذه تشكّل حاضنةً شعبيةً لتلك القضايا، وبالتالي هذا الضغط يشكل هدفاً في كثيرٍ من الأوقات للإفراج عن المعتقلين.

وحول أعداد المعتقلين في سجون السلطة بالضفّة، قالت المحامية في مجموعة محامون من أجل العدالة ديالا عايش: "في هذا الوقت لا يوجد أرقام واضحة ومحددة في ظل شنّ الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفّة لحملة اعتقالات سياسية على خلفية الرأي، واستمرار الحملة تحول دون معرفة إحصاءات واضحة لعدد المعتقلين".

وعن حملة الاعتقالات بعد هبّة القدس، وصفت عايش خلال اتصال مع "الهدف" نوعية الاعتقالات التي تمّت إبّان هبّة القدس وما حصل في الشيخ جرّاح وأثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزّة "مخزية أكثر"، لأنّها تأتي على خلفية المشاركة في الأعمال الوطنية والنضالية، لأنّنها نتحدّث عن حالات اعتقال وتعذيب تحدث بسبب الدفاع أو الدعم الذي يقدمه المعتقل عن ابن شعبه.

وعن أسباب الاعتقالات، أوضحت "في التحقيقات كان معتقلون في أثناء تحقيقهم لدى الأجهزة الأمنية أو أمام النيابة العامة، يوجّه لهم تهماً واضحة وصريحة على موضوع الهبّة الأخيرة، سواء على مشاركة لبعض المنشورات على مواقع التواصل، أو مشاركتهم الفعلية على الأرض عبر الوقفات والمناصرات وما إلى ذلك، وكانوا يسألون من الذي يطلب منكم نشر مثل تلك الأشكال من الدعم".

وأردفت "في النيابة العامة كانت توجه تهماً بالمعظم حول ما يسمّى بـ"إثارة النعرات"، وهي تعني دعم المقاومة والحض على النضال والمقاومة الشعبية، أو تهم حيازة السلاح، ما يفوق 90% من الاعتقالات في الهبّة الأخيرة كانت التهمة الرئيسية هي "إثارة النعرات".

وفيما يخصّ آلية التحقيق، قالت عايش إنّه ومن خلال التوثيق مع المعتقلين بعد خروجهم أو التواصل معهم داخل المعتقلات، كان هناك حالات تعذيب كثيرة، وبعض المعتقلين وثّقنا معهم ملاحظات كثيرة للتعذيب وسوء المعاملة والمساومة على بعض المعلومات التي كانت تزعم النيابة وجودها على أجهزتهم الخلوية والإلكترونية، وحول آلية التعذيب وإن كانت قليلة في المجمل، إلّا أن أساليب التعذيب كانت عن طريق الشبح والضرب وتوجيه الإساءات اللفظية لشخص المعتقلين، مؤكدّةً أنّ كلّ هذا موثّق في محاضر رسمية.

وختمت أنّ المعتقلين يمرّون بكل الإجراءات ويقدّمون لمحاكمات ويمدّد لهم بشكل قانوني وغير قانوني أصلاً، والتحقيقات التي كانت تقوم بها النيابة هي تحقيقات غير جدية، وكانت تجري لأجل العقوبة فقط وليس لأجل التحقيق الفعلي.

وكانت "محامون من أجل العدالة" في بيانها أوضحت أن استمرار توقيف المعتقلين دون دليل فعلي أو مبرر يجيز استمرار توقيفهم ينطوي على إجحاف بحقوقهم وانتقاص من ضماناتهم في الحصول على جميع ضمانات المحاكمة العادلة التي أكّد عليها القانون الأساسي الفلسطيني وكذلك الاتفاقيات الحقوقية الموقعة من قبل السلطة الفلسطينية، وهو ما يعتبر مساساً بالحريات الشخصية وحرية التعبير عن الرأي، وحرية الانتماء السياسي.

ودعت المجموعة إلى ضرورة الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين دون أي شروط، مؤكدةً على ضرورة قيام النيابة العامة بفتح تحقيق فوري في ادّعاءات التعذيب التي أبداها بعض المعتقلين، وهي مثبتة في محاضر استجواب النيابة العامة في أريحا، بالإضافة لمحاضر تمديد التوقيف أمام محكمة صلح أريحا، كون أن مثل هذه الادعاءات تستوجب تحرك النيابة بهدف ضمان وتوفير الحماية للمعتقلين الموقوفين في مراكز التوقيف التابعة للأجهزة الأمنية، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في القيام بجرائم تعذيب ضد أي معتقل.

وأصدرت المجموعة تقريراً خاصّاً بها، تابعــت خلاله 79 حالة اعتقال خلال عامٍ مــن "قانون الطــوارئ".

وذكرت أنّ عـدد الاعتقـالات التـي ارتبطـت أسـبابها بحالـة الطـوارئ بلغت 23 حالـة اعتقـال، أي %1.29 مـن مجمـل الاعتقالات.

وأضافت في تقريرها أنّها تعاملـت مــع 20 حالــة اعتقــال علــى خلفيــة حريــة الــرأي والتعبير، بنسـبة %3.25 مـن مجمـل الاعتقالات، وقـد تكـرر اسـتخدام تهـم الـذم الواقع علـى السـلطة 11 مـرة، وإثـارة النعـرات الطائفيـة 4 مـرات.

كما وثقـت المجموعـة 17 حالـة اعتقـال علـى خلفيـة العمـل النقابي بنسـبة %5.21 ، بينهــم 12 معتقلًا علــى خلفيــة اعتصــام »طفــح الكيــل«، و4 حالات اعتقــال علـى خلفيـة اتهامهـم بتوزيـع طـرود غذائية، كما وثّقت 6 حالات اعتقال على ذمة المحافظين بنسبة %6.7.

وفيما يلي تقرير المجموعة كاملاً حول الاعتقالات السياسة

ومن خلال ذلك، نرى أنّ تغيير السلطة لنهجها أو القبول بأي ممارسة فعلية على أرض الواقع تخالف ذلك أمر مستبعد، حيث لم تعد السلطة تحتمل أو تقبل بوجود أي صوت آخر يخالفها الرأي وينتقد نهجها السياسي الذي أثبت فشله الذريع، وبالتالي تجد من الاعتقالات السياسية وسيلة للتخويف والقمع في الضفة الغربية، في ظل استمرار المطالبات الشعبية بضمان حرية الرأي والتعبير في الضفة الغربية وعدم المساس بالمواطنين وخاصة النشطاء أو احتجاز حريتهم، لما يمثلّه من خروجٍ على قواعد القانون الأساسي الفلسطيني.