Menu

الهِرَاوَة لا تكذب..

ما يجري خطأ فادح.. عن دور أجهزة الأمن في مرحلة التحرر الوطني

فادي نعيم بارود

خاص بوابة الهدف

تتسارع الأحداث في مرحلة ما بعد اغتيال الناشط السياسي نزار بنات من مدينة الخليل، على يد 25 عنصراً من جهاز الأمن الوقائي التابع لأجهزة أمن السلطة بشكل غير مسبوق لحسم الواقع الوجودي نظرياً وتطبيقياً لدور أجهزة الأمن، وسط حالة غير جديدة من طلب الثأر عشائرياً بشكل خاص وشعبياً بشكل عام، ما يعبر عن حالة من الانفجار تظل حبيسة في صدور من خرجوا في مظاهرات عمّت غالبية مناطق الضفة الغربية بعد كل حادثة قمع أو اغتيال أو فساد وغيرها على مدار سنوات من التضليل الذي تمارسه السلطة.

حادثة الاغتيال الأخيرة ليست الجريمة الأولى وربما ليست الأخيرة، إلا أنها في هذه المرحلة ترافقت مع صحوة تجديدية ومطالبات ثورية لحل هذه الأجهزة وإيجاد البدائل دون أن يعكس ذلك أي تداعيات سلبية على مسار التحرر الوطني، فمنذ تأسيس أجهزة الأمن بما يتماشى مع معاير السقوط في "أوسلو" تنفيذًا لأجندة الاحتلال وحفاظًا على أمنه بما ينحي جانباً الدور الآخر لها في بناء الدولة والحفاظ على مشروع التحرر، نجد من منطلق التتبع لكثير مما تم توثيقه من أفعال وأجندات تعبوية وفئوية التضخم في إيجاد طرق الأمن للمستوطن الصهيوني على حساب المواطن الفلسطيني.

هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها القضية الفلسطينية وسط موجات عاتية من التقزيم وحرف الأنظار والتطبيع والإفشال وإخماد الأصوات المعارضة وقمع الحريات واستنساخ تجارب ما يسمى بالربيع العربي على الواقع الفلسطيني، تظهر حجم الهوة الناتجة عن تعطيل آليات المساءلة الناتجة عن حالة التفرد والفئوية التي تحتضنها أروقة صنع القرار في رام الله و غزة أيضاً، وليس غريباً أن تتصادف الجرائم السلطوية مع دعوات الوحدة الوطنية وبناء منظمة التحرير في كل مرة ومرة، إلا أن ذلك يؤكد ضرورة النظر في دور أجهزة أمن السلطة وماهية جدواها وانعكاسات افعالها على الواقع المرفوض شعبياً دون شك.

وللوقوف على محاور الأهمية في بنية تشكيل السلطة وأجهزة الأمن تواصلت "بوابة الهدف الإخبارية" مع باحثين وحقوقيين وأكاديميين، لمناقشة الجريمة الأخيرة واسقاطها على تجربة كاملة وواسعة موثقة لاستخلاص العبر ومحاولة إيجاد الحل بما يصحح المسار الحالي، حيث اتفق الجميع على ضرورة قلب صفحته على وجه السرعة.

وقال الباحث في الشأن الفلسطيني عماد أبو رحمة، إنّ الدور الأساسي لأجهزة أمن السلطة منذ تأسيسها هي وظيفة أمنية أساسية مرتبطة باتفاق أوسلو لأن الاتفاقات تفرض شروط على السلطة بأن تقوم بوظيفة التوثيق الأمني ومنع أي فعل مقاوم ضد الاحتلال الصهيوني، وبناءً على هذا يتم ملاحقة أبناء الفصائل ومنفذي العمليات الفدائية وغيرهم.

وأضاف أبو رحمة في حديثه "مع مرور الزمن بدأت الأجهزة الأمنية بالتغول على الحريات وتبلورت خاصية أخرى مليئة بالسلطوية والتعديات، في محاولة لإسكات الأصوات المعارضة والناقدة للسلطة وهذا يطال النشطاء والسياسيين والصحفيين وتاريخها حافل بكثير من الانتهاكات".

وتابع "ما بعد الانقسام تزايدت هذه الممارسات بشكل كبير في الضفة الغربية وقطاع غزة أيضًا على حدٍ سواء، فالطابع الاجرامي للسلطة خصوصًا ظهر جليًا وعلى الملأ خلال مظاهرات التنديد باغتيال الناشط السياسي نزار بنات قبل أيام، وهناك الكثير من الانتهاكات الموثقة التي تبرز الوجه الحقيقي لأجهزة الأمن، بمعنى أي شيء ضد السلطة يتم مواجهته بناء على فوضوية وإجرام وشراسة مؤصلة لديها".

وأشار إلى أن حماية حقوق الانسان الفلسطيني من المفروض تأتي ضمن وظائف السلطة التي ينص عليها القانون الاساسي الفلسطيني الذي تم انتخابها بناءًا عليه، إلا أن الواقع يعطي نتائج مختلفة، مضيفاً "من الضروري معرفته لمواجهة الوجه البشع لأجهزة الأمن غير المردوعة أن نزار بنات وغيره ضمن لوائح القانون له الحق بممارسة حقه الطبيعي في معارضة السلطة".

وأوضح أنه بعد المساس بحقوق اساسية للإنسان الفلسطيني لا يكفي اصدار بيانات رفض وشجب وإدانة، وإنما تصعيد مستوى الاشتباك السياسي والشعبي لإحداث توازن بين الفعل ورد الفعل للقدرة على إحداث اختراق في غطاء الحماية المتوفر للسلطة وأجهزتها الأمنية والقدرة على محاسبة كافة المجرمين، وهذا من مهام الشعب والقانون ومؤسسات الضغط والمجتمع المدني بما يضمن تعديل المسار في مرحلة حساسة في تاريخ الشعب الفلسطيني.

وفي سياق ذلك، أكد مدير ومؤسس مجموعة "محامون من أجل العدالة" الحقوقي مهند كراجة، أنه وبإسقاط ما حدث مع نزار بنات كحالة متعلقة بقمع الحريات وإسكات أصوات المعارضة على طبيعة دور أجهزة الأمن نجد أن حالة غير جديدة ولكن غير مسبوقة من الإجرام لا يمكن تجاوزها، حيث عاشت الضفة الغربية يوماً أسوداً بعد أن قامت أجهزة أمن السلطة بسحل العشرات من الرجال والنساء والاعتداء عليهم بالهروات خلال مسيرات الغاضب لاغتيال الناشط نزار بنات.

وقال كراجة في حديثه لبوابة الهدف: "كنت أتوقع أن تقوم السلطة بالإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين لتهدئة الأجواء مثلاً إلا أنها ما تزال تحتفظ بهم رغم شهادات موثقة بممارسة قذرة بحقهم بكافة وسائل القمع".

وأضاف "يجب المعرفة أن دور السلطة منذ تأسيسها لم يكن من أجل التحرير أو مقاومة الاحتلال، ولها دور أساسي في حماية الناس ووقف الجرائم، إلا أنّ الواقع يقول بقوة متنفذة تطبق أجنداتها الخاصة فقط ولا تحتاج إلى معارضة بالتدخل في السلطتين التشريعية والقضائية".

وتابع "جزء من الحل لتعديل المسار الحالي هو خلق نوع من الشراكة الحقيقية في كافة المجالات وطنياً، لمحاسبة ووقف هذا القمع والتنفذ والتهديد دون تلميع تنظيم على حساب أخر دون أدنى ادراك لحجم المسؤولية المجتمعية".

وفي إطار ذلك، قال الكاتب السياسي والمحاضر الجامعي وسام رفيدي، إنّ المدخل الأساسي لفهم طبيعة دور الأجهزة الأمنية هو ارتباطها الوثيق باتفاق اوسلو وما ينص عليه من دور وظيفي أساسي بحماية دولة الاحتلال ومنع نشاطات المقاومة داخل الأراضي المحتلة بخطوط محددة، وهذا ما عمل عليه دايتون وقتها من خلال التدريب والتنظيم ضمن أفق الاتفاق.

وأكد رفيدي، أن ما حدث في رام الله و الخليل وبعض مناطق الضفة الغربية المحتلة في الأيام الماضية عقب اغتيال الناشط بنات ليس غريبًا على أجهزة أمن السلطة، إلا أنّ الطريقة الغريبة البربرية غير المنظمة والمحترفة تثير الكثير من المقت لعقيدة هذه الأجهزة وتعكس مستوى انحطاط من الأخلاق المهنية والسياسية فهي أقرب إلى مجموعة من عصبات المافيا، والمشكلة الأكبر هو تبرير هذه الجريمة البشعة بشكل أبشع ليقول أحدهم خلال مظاهرة احتجاجية أن "ما جرى خطأ بسيط".

وأضاف: "لا أرى حلاً للوضع القائم إلا برفع الغطاء عن هذه السلطة وأجهزتها كون الدعوة لحوار وطني أمر غير مقبول شعبياً أما حالة القمع الموجودة، فيجب إعادة النظر في كل النهج السابق للتعامل مع هذه السلطة الخارجة عن الصف الوطني".

وتابع أن "القرار الحالي لحركة فتح هو الانحياز التام والكامل لهذه الأجهزة القمعية أمام جرائمها، ولذلك يجب دراسة جدوى وفاعلية أجهزة الأمن في مرحلة التحرر الوطني ولن نجد غير القمع والتضييق على الحريات والكثير من شبهات الفساد والتواطؤ والعمل على حل هذه الأجهزة، والتركيز على وطنية الوحدة قبل العمل على اعادة الوحدة الوطنية، والمشاركة السياسية لجميع فئات وأطر المجتمع الفلسطيني بما لا يسمح للكثير من التداعيات السلبية بالظهور في الساحة كون هذه المرحلة وبإجماع هي مرحلة تحرر وطني".