Menu

عقب عدوانٍ همجي.. عيد الأضحى يطل ثقيلاً على فقراء غزّة

أحمد نعيم بدير

خاص بوابة الهدف

يأتي عيد الأضحى على أبناء شعبنا في قطاع غزّة هذا العام ثقيلاً، إذ أنّ الأوضاع الاقتصاديّة أقل ما يُمكن وصفها بـ"الكارثيّة"، لا سيما مع استمرار إغلاق المعابر من قِبل سلطات الاحتلال في إطار الحصار المفروض منذ أكثر من 14 عامًا والذي زادت حدّته عقب انتهاء العدوان الأخير في مايو/ أيّار الماضي.

ويزداد المشهد الاقتصادي انتكاسًا خاصّة وأنّ آلاف الأسر الفقيرة المُستفيدة من مخصّصات الشؤون الاجتماعيّة وما يُعرف بـ"المنحة ال قطر يّة" لم تستلم هذه المُخصّصات رغم مجيء موعد استحقاقها، والتي كان من الممكن -في حال صرفها- أن تحسّن من حركة الأسواق ولو قليلاً، وتُدخل السعادة للأطفال في هذا العيد الذي بحاجة إلى الكثير من المشتريات والاحتياجات، ولذلك نرى كسادًا في الأسواق في ظل قِلّة السيولة النقديّة في جيوب الغزّيين.

"عيد الأضحى هذا العام لا طعم له" 

يقول مُنير أبو شهلا، لاجئ فلسطيني يقطن في مُخيّم الشاطئ ولديه أربعة من الأطفال، إنّ عيد الأضحى هذا العام لا طعم له، إذ كنّا وكما المعتاد نبدأ بالتجهيز للعيد من حاجيات وملابس وحلويات وطقوس أخرى قبل مجيء العيد بعشرة أيّام، وكنّا نرى الأسواق ممتلئة والحركة نشطة جدًا إلى حين الوصول إلى يوم عرفة، أي يوم الذروة في كل شيء، لكنّ اليوم هذا كله غير موجود.

وتابع أبو شهلا خلال حديثه مع "بوابة الهدف" الإخباريّة: "الأولاد هيهم بدون أواعي جديدة للعيد، ما وصلنا السوق من الأساس لإنّو ما في مصاري -مال-، إحنا من مستفيدي الشؤون الاجتماعيّة ولحتى الآن ما تم صرفها إلنا، فايش بدي أعمل أروح أمد ايدي للناس عشان نشتري أواعي جديدة؟، ولا حتى جبت حلويات للضيوف، الوضع تعيس جدًا جدًا وعلى كل البلد".

أبو شهلا أشار إلى أنّ الأوضاع في سوق المُخيّم يُرثى لها، ولا يوجد أي مظهرٍ من مظاهر العيد بسبب انعدام الحركة الشرائيّة وانهيار الوضع المالي لدى الناس بسبب الاحتلال والانقسام والظروف السياسيّة الصعبة على عكس السنوات السابقة، خاتمًا حديثه مع "الهدف" بالقول: "كل عيد أنا كنت أروح على خواتي -شقيقاتي- وأعيّدهن اللي في النصيب، لكن هذا العيد مش حروح عليهن من الأساس لإنو بصراحة ما في معي أعيدّهن".

"لا يوجد عيد" 

ومن مُخيّم الشاطئ غربي مدينة غزّة إلى مُخيّم النصيرات وسط القطاع، يتحدّث لنا سيف أبو عطايا وهو صاحب محل لبيع الإكسسوارات في سوق المُخيّم عن حركة البيع والشراء، إذ بدأ حديثه مع "الهدف" بالقول: "لا يوجد عيد، ولا يوجد أي حركة شرائيّة في السوق، والدليل أنّني ردّدت على هاتفي وأجري هذه المقابلة معكم لتفرغّي تماماً".

وأكَّد سيف أنّ "موسم هذا العيد يختلف عن موسم 2020 تماماً، ولا يوجد أي مقارنة بينهما، ولا ننسى أنّ عدم صرف الرواتب ومخصصات الشؤون الاجتماعيّة والمنحة القطريّة قبل هذا العيد وخاصّة بعد انتهاء العدوان أثّر بشكلٍ كبير على حركة الناس والسوق، لا يوجد مع الناس شيكل واحد لشراء أدنى متطلبات هذا العيد، ولا حتى لعبة صغيرة لأطفالهم".

من الواضح أنّ السبب الرئيسي في كل هذه المآسي هو الحصار المُستمر على القطاع والعدوان الأخير وما لحقه من إجراءاتٍ عقابيّة من قِبل الاحتلال بحق أكثر من مليوني فلسطيني في غزّة.

بدوره، أكَّد د. سمير أبو مدللة المحاضر في كلية الاقتصاد والعلوم الإداريّة في جامعة الأزهر لـ"بوابة الهدف"، أنّ الوضع الاقتصادي في قطاع غزّة صعب للغاية بسبب الحصار المستمر على القطاع، وبسبب الإجراءات المتخذة بحق الموظفين العموميين في غزّة من تقاعدٍ مبكر، وبسبب حالة الانقسام الفلسطيني المستمر، وأيضًا بسبب الاعتداءات المتكرّرة على القطاع وخاصّة العدوان الأخير في أيّار الماضي.

حالة اقتصاديّة منهارة

ورأى أبو مدللة أنّ كل هذه المسببات ساهمت في اضعاف الحالة الاقتصاديّة في قطاع غزّة، فلدينا اليوم نسب البطالة تصل إلى 45% وفي صفوف الشباب 70%، الفقر والفقر المدقع يصل إلى حوالي 53%، وأكثر من 70% من السكّان في القطاع يعيشون على مساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وبرنامج الغذاء العالمي، ومخصصات الشؤون الاجتماعية، فيما لفت إلى أنّ إغلاق المعابر المستمر وجائحة "كورونا" أثرا بشكلٍ مباشر على الحالة الاقتصاديّة.

كما أكَّد أبو مدللة على أنّ "موسم عيد الأضحى والذي يُراهن عليه التجّار لترويج بضائعهم، لم يكن كما يتمناه التجّار، والكثير من البضائع والسلع ما زالت محتجزة في الموانئ الإسرائيليّة وتقدّر هذه البضائع بـ100 مليون دولار والخسائر التي تدفع كأرضيات لهذه البضائع تقدر بـ30 مليون"، مُبينًا أنّ "الحركة التجاريّة لم تكن كما الأعوام السابقة".

عيدٌ بلا بهجة

وشدّد أبو مدللة خلال حديثه لـ"الهدف"، على أنّ "المواطن هو المحرّك الرئيسي للسوق، وجميع المواطنين اليوم في أوضاع اقتصاديّة حرجة للغاية، وجزء كبير من العمّال الذين يعملون يومًا بيوم انضموا إلى جيش البطالة خاصّة بعد إغلاق العديد من منشآت القطاع الخاص بسبب العدوان الأخير"، مُشيرًا إلى أنّ "81 ألف أسرة في غزّة تعتاش على مخصّصات الشؤون الاجتماعيّة، وكل أسرة متوسط عددها حوالي 5.6 أي نصف مليون لم يتقاضوا مخصصات الشؤون قبل هذا العيد ولم يستطيعوا تلبية أدنى متطلباتهم لهذا العيد، وكذلك هناك حوالي 100 ألف من مستفيدي المنحة القطرية مرّوا بذات التجربة ولن يمارسوا طقوس هذا العيد".

وفي وقتٍ سابق، أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، إقدام السلطة الفلسطينيّة على عدم صرف كامل مخصصات الشؤون الاجتماعية التي تُدفع لعددٍ من الأُسر الأكثر فقرًا بين أبناء شعبنا، واصفةً هذه الخطوة بالاعتداء الواضح والصريح والمتعمد على حقوق الفقراء والمهمشين ولا يمكن تبريره على الإطلاق.

وأكَّدت الشعبيّة في بيانٍ لها، أنّ واجب السلطة الفلسطينيّة بالدرجة الأولى توفير فرص العمل لأبناء شعبنا لتحريرهم من دوائر العوز والبطالة على أن توفِر لمن لا يستطيع الانخراط في سوق العمل ضمانًا ماليًا وصحيًا ثابتًا يكفل له العيش الكريم ويمكّنه من الصمود في وجه آلة الحرب والإرهاب الصهيونيّة.