عمّت حالة من السخط خلال الأيّام الماضية بين أبناء شعبنا في بلدة بيتا التي تواجه الاحتلال ومخططاته على مدار الوقت، وذلك بعد أن أصيب أحد أبناء البلدة برصاص الاحتلال ورفض مستشفى النجاح الجامعي في نابلس استقباله وحوّله لمستشفى آخر بحجّة "عدم وجود سريرٍ فارغ".
ورغم أنّ محافظة نابلس أصدرت بيانًا مقتضبًا خفّفت فيه من حجم هذه المشكلة بقولها إنّ ما حدث مجرّد "لغط فردي وسوء فهم"، إلّا أنّ الأهالي وفي العديد من الاتصالات أكَّدوا لـ"بوابة الهدف الإخباريّة" أنّ هذه المشكلة قديمة ومُستمرة إذ لا تُعير المستشفيات الأهميّة المطلوبة لجرحى بيتا وخاصّة المستشفيات الحكوميّة رغم كل الوعودات السابقة من قِبل وزارة الصحّة على لسان وزيرتها بتحسين هذا الواقع.
إهمال طبّي متعمّد
يقول الجريح ضياء بني شمسة، إنّ بيتا لا يوجد بها مستشفيات حكوميّة، وجميع الجرحى في بيتا يتوجّهون أو يتم نقلهم إلى أقرب مستشفى حكومي وهو "رفيديا" الحكومي، وعندما أصيب ضياء في قدمه "تمزّق أربطة" وتم نقله إلى هناك وجد المماطلة في تصوير الأشعّة وتأخّر مجيء الطبيب المختص ليكشف عن حالته، وبعد إلحاحٍ كبير جاء الطبيب ليُعطي ضياء "مشد طبي" وطلب منه الذهاب للبيت وتركيبه على قدمه هناك، بكل هذه البساطة.
يُتابع ضياء حديثه للهدف: "كان معي شابًا آخر مُصاب برضوض في القفص الصدري وكان يريدون إعادته لبيته وبعد مشكلةٍ كبيرة أجبرناهم على تصويره مقطعيًا، وفيما بعد قابلت طبيبًا يُحاضر في جامعة النجاح الوطنيّة موجودًا على جبل صبيح، فطلبت منه أن يقوم بتغيير "المشد الطبي" لي، فصُدم مما رأى وقال لي "انت كيف ماشي عليها لهلقيت!، هادي لازم تتجبّر"، وأخبرني بضرورة تجبيرها "جابصين أربطة" بعد عمل صورة الأشعة، وكل هذا كان يترافق مع الألم الشديد في قدمي التي كانت "متورّمة" من الإصابة.
ويُكمل ضياء: "رفيقي الذي كان مُصابًا في صدره يُعاني من إصابته إلى يومنا هذا بفعل التشخيص والخدمة السيئة في المستشفى، وأخبره الأطباء وقت الإصابة أنّهم لا يستطيعون عمل شيء له و"بتطيب لحالها مع الوقت"، وتبيّن لاحقًا عند قدوم وفدٍ من مجمّع فلسطين الطبّي أنّ لديه مشكلة في عظمة معينة ووصفوا له الدواء المطلوب بعد كل هذا الوقت، وهذه المعاناة".
قصصٌ مؤلِمة
وأكَّد ضياء على أنّ كل هذه المعاناة لا يمكن توصيفها إلّا كإهمالٍ طبي متعمّد وكما وصف أيضًا بـ"الركاكة الطبيّة"، إذ لا يمكن تبرير هذه الأفعال بأي حالٍ من الأحوال، وكل أهل البلد يشعرون أنّ هناك إهمالاً طبيًا متعمدًا يُمارس ضد الجرحى، مُستذكرًا حادثة استشهاد ابن عمّه في وقتٍ سابق قائلاً: "عند إصابته نقلناه إلى المستشفى وهو شهيد، أي جميع العلامات الحيويّة غير متوفرة، لكنّهم أصروا في المستشفى على إجراء عمليّة له استمرت مدّة 40 دقيقة وهو شهيد!، لكنّهم عمدوا إلى تخفيف عدد الأهالي المتواجدين في المستشفى خوفًا من ردّة فعلهم عند إعلان استشهاده، وبعد مُغادرة أهل البلد المستشفى أعلنت الأخيرة عن استشهاده".
وفي ختام حديثه، شدّد ضياء على أنّ هناك الكثير من القصص المؤلمة لجرحى بيتا مع مستشفى "رفيديا" الوحيد الذي يلجأ له جميع أهالي بيتا، في ظل أنّه الأقرب لبلدة بيتا.
"أُصبت في صدري فصوروا قدمي"
الناشط الشبابي رامي حسين (اسم مستعار)، أفاد بأنّه أصيب في الليل ودخل في غيبوبة لمدّة نصف ساعة إذ كان مُصابًا في صدره وتفاجئ حينما أخذوه للتصوير قاموا بتصوير قدمه! رغم أنّه اشتكى من مكان الألم في صدره وأخبر الأطباء بذلك، وعقب ذلك أخذوا منه مجموعة من عيّنات الدم وأخبروه بأنّه "لا يشكي من شيء"، لكنّه لم يرتح لهذه النتيجة وطلب إحضار طبيب جراحة فرفضوا ومن ثم وافقوا بعد مشكلة، وحين مجيء الجرّاح طلب نتائج عينات الدم المسحوبة من رامي ليتفاجأ الأخير مجددًا بأنّهم لم يجروا له أيّة فحوصات رغم أنّهم سحبوا منه عيّنات الدم منذ أكثر من ساعتين.
"الطبيب يتعامل بكل دونيّة وعدم اكتراث"
وبيّن رامي أنّ هذا الاهمال الطبّي المتعمّد لم يكن في حالة "طوارئ، أو ضغط كبير" ليتم تبرير هذا الإهمال، بل كان المستشفى فارغًا عند مجيئه برفقة مصابٍ آخر، حتى أنّه وصف الوضع بـ"المستفز" داخل المشفى، ولفت إلى أنّه "شعر أن الطبيب يتعامل مع المرضى والمُصابين بكل دونيّة وعدم اكتراث، رغم أنّه يتقاضى راتبًا مقابل الخدمة التي يقدّمها للمرضى والجرحى، فلماذا لا يقوم بواجبه".
وأردف رامي خلال حديثه للهدف: "كان لدينا إصابة لشاب برصاص الاحتلال في فخده اليمين وأخرجوه من المستشفى في اليوم التالي وكانت قدمه منفوخة ومتورّمة إلى حدٍ كبير، وعندما جاءت بعثة من وزارة الصحّة إلى بلدة بيتا تم تحويله إلى مجمّع فلسطين الطبّي فورًا واكتشفوا هناك أن الشريان الرئيسي المسؤول عن ادخال الدم مغلق بنسبة 90% والشريان المسؤول عن دفع الدم إلى الأعلى مغلق بنسبة 80% وأجروا له عملية جراحيّة استمرت ستّة ساعات متواصلة، ولو تأخّر علاج هذا المصاب لتم بتر قدمه جرّاء إهمالهم وسوء تشخيصهم الأولي".
هذا ما جرى مع مستشفى النجاح
وشدّد رامي على أنّ "الإهمال الطبّي لا يُوصف إذ أنّ هناك إصابات تصل المشفى الساعة الخامسة وقت المغرب يأتيها الطبيب بعد الساعة التاسعة مساءً، حتى أنّ المستشفى في حالة الضغط وخاصّة أيّام الجمعة معه كامل الصلاحيات من وزيرة الصحّة بتحويل أي مريض للمستشفيات الأخرى، لكنّهم لا يفعلون ذلك، ولا ندري صراحةً سبب امتناعهم إلّا إذا كانت تصريحات ووعودات وزيرة الصحّة لأهل بيتا بهذا الخصوص هي للتسويق الإعلامي فقط"، وحول ما جرى الأسبوع الماضي في مستشفى جامعة النجاح، أوضح رامي ما جرى: "أصيب شاب لدينا في بيتا برصاصة مطاطيّة في الرقبة وبرصاص حي في ساقه وكان ينزف كثيرًا فتم التواصل من قِبل ضابط الإسعاف مع إدارة مستشفى النجاح فرفضوا استقبال الجريح لعدم وجود طبيب مناوب! وطلبوا تحويله إلى مستشفى رفيديا، وهذا الحديث مثبت بشهود وأولّهم ضابط الإسعاف، وبعد أن انتشر الخبر في الإعلام أصدرت مستشفى النجاح بيانًا وقالت إنّها لم تستقبل الجريح بسبب عدم وجود شاغر أسرّة، وهذا منافٍ للحقيقة، ولكن بعد هذه الفضيحة أصبح المستشفى يستقبل جرحى بيتا".
وفي ختام حديثه مع "الهدف"، أكَّد الناشط الذي رفض الكشف عن اسمه، أنّ "ما يؤكَّد أن هناك إهمالاً طبيًا مع جرحى بيتا تم تحويل الأسبوع الماضي أكثر من 20 جريحًا للعلاج في رام الله، لماذا تحويل هذا العدد من الجرحى؟ لأنّ هناك مشاكل في علاجهم، وهناك شاب نسي الأطباء عظمة في فكه عند إجراء عملية جراحيّة له ومن ثم أعادوا إجراء العملية له لرفع هذه العظمة، فلماذا كل هذا العذاب!!".
بيتا التي يُصاب منها العشرات يوميًا بل المئات برصاص الاحتلال وخاصّة أيّام الجمعة، لا تُطالب إلّا بالحد الأدنى من العِلاج والاهتمام الطبّي في سبيل استمرار هذه المواجهة البطوليّة وديمومة فِعل أبنائِها النضالي، ولهذا تحدّثنا مع العديد من الجرحى في بيتا الذين نقلوا لنا تجاربهم المرّة خلال تعاملهم مع المستشفيات الحكوميّة بنابلس، لأنّه وبكل تأكيد: ليس هكذا يُكافأ الثوّار.