نظّم المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية، اليوم الخميس، جلسة استماعٍ ناقشت "واقع الخدمات الأساسيّة في قطاع غزّة"، وجرى التركيز على خدمات "المياه والكهرباء" بشكلٍ أساسي، وذلك ضمن مشروع دور الصحافيين في الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة بالتعاون مع مؤسّسة فريدريش أيبرت الألمانيّة.
الشتاء القادم سيكشف كوارث
وفي بداية الجلسة التي أدارتها الصحفيّة مها أبو الكاس في مدينة غزّة، تحدّث المهندس منذر شبلاق مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل حول العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزّة، إذ أكَّد أنّ الأضرار وبالرغم من أنّها طالت البنى التحتيّة، لكنّ التعامل معها كان سهل جدًا بسبب تراكم الخبرات، وتم حل 90% من المشكلات الناجمة، وتبقى المشكلة الحاليّة هي الأضرار غير المرئيّة التي ترتّبت على استخدام نوع جديد من القنابل قد تكون استُخدمت للمرّة الأولى وتسبّبت بخللٍ غير مرئي لنا حاليًا في شبكات الأمطار والصرف الصحي، لافتًا إلى أنّ موسم الشتاء القادم سيكشف كوارث في هذا الجانب.
وبيّن شبلاق أن استهداف المفترقات الرئيسيّة في بعض المناطق تسبّب بمشكلة كبيرة خاصّة وأنّ بعض الطرق لم يتم تعبيدها بعد، منتقلاً بعد ذلك للحديث عن واقع المياه في قطاع غزّة، مُوضحًا أنّ قطاع غزّة يوجد فيه 30 محطّة ضخ، و100 محطّة لتحلية المياه الجوفية بطول شبكات 3500 كيلو متر، وهناك 76 محطّة تجميع وضخ المياه لمحطّة المُعالجة مثل "محطّة السامر، الحساينة، أبو راشد.. إلخ"، وهناك 10 برك لتجميع مياه الأمطار في المناطق المتداخلة، ولدينا 5 أحواض ترشيح بنسبة تغطية 80% أي جيدة جدًا، ونطمح خلال السنوات القادمة للوصول إلى نسبة 90%.
التقرير الأممي بشأن المياه كان علامة فارقة
وأوضح شبلاق أنّ كل هذه المرافق تُديرها مصلحة المياه بالتعاون والتنسيق مع البلديات، وهناك محطّات لتحلية مياه البحر تم إنشائها حديثًا في شمال ووسط قطاع غزّة وفي الجنوب لإنتاج من 6 إلى 20 ألف متر مكعّب من المياه يوميًا، إضافة إلى محطّات معالجة الصرف الصحي في شمال ووسط وجنوب القطاع، مُبينًا أنّ محطات المعالجة والتحلية تم إنشائها خاصّة بعد إصدار تقرير الأمم المتحدة الشهير عام 2011 الذي أكَّد أنّ قطاع غزّة في العام 2020 لن يكون قابلاً للحياة مائيًا، وكان هذا التقرير علامة فارقة في تجديد المؤسّسات المانحة الصديقة لرغبتها في العمل بقطاع المياه بغض النظر عن الواقع السياسي الذي كان وما زال لا يُرضى الدول المانحة بفعل الانقسام الموجود، ولكن رغم ذلك اتُخذ القرار بدعمٍ وإصرار من المؤسّسات الفلسطينيّة وبعض المؤسّسات الإغاثيّة وبفضل الضغط الإعلامي الذي مورس خلال فترة صدور التقرير.
مياه البحر صالحة للسباحة
وأكَّد شبلاق خلال حديثه: "اليوم لدينا مصادر قادرة على عمل استدامة في خدمات المياه والصرف الصحي حتى أنّنا تجاوزنا الأزمة قبل العام 2020 وتم افتتاح العديد من محطّات التحلية والصرف الصحي، وهذا يؤكّد أنّنا على المسار السليم، واستطعنا كقطاع مياه جمع أطراف الخلاف الفلسطيني على هدفٍ واحد وهو تحسين خدمات المياه في قطاع غزّة"، مُشددًا أنّ "مياه البحر صالحة للسباحة على عكس ما يُقال، لأنّ محطّة الشيخ عجلين تعمل بكل كفاءة ومنذ العام الماضي والبحر صالح للسباحة"، مُبينًا أنّ "تكاليف التشغيل لهذه المرافق بلغت خلال 10 سنوات نصف مليار دولار لإيجاد مصادر بديلة للمياه أي أغلى سعرًا من المصادر الطبيعيّة".
وشدّد شبلاق على أنّ "تكلفة كوب المياه الواحد مع الصرف الصحي تقدّر بـ5 شيكل، ولا يمكن بفعل الواقع السياسي رفع فاتورة المياه والصرف الصحي ولو بالتدريج على المواطن الذي يدفع شيكل واحد فقط، لذلك نلجأ دائمًا إلى المؤسّسات المانحة التي تُساهم بـ80% من التكلفة الإجماليّة، وهذا ما يدعونا اليوم لطرح سؤال: متى سنتوقّف عن الاعتماد على المؤسّسات المانحة؟"، مُؤكدًا أنّ "السلطة في رام الله تغطي تكاليف كهرباء المرافق الأكثر تكلفة"، كاشفًا أنّ "نسبة الجباية في كل المناطق لا تتجاوز من 20 إلى 40%، ولكي يكون لدينا القدرة على تغطية تكاليف الصيانة والتشغيل فنحن بحاجة إلى نسبة جباية من 60 إلى 70%، لذلك يجب أن نعتمد على أنفسنا كفلسطينيين وهذا أولاً يأتي بوعي المواطن ودفعه لفاتورة المياه وثمن التعرفة بعيدًا عن انتظار المانحين، ويجب أن يكون هناك قرار سياسي فلسطيني وطني جامع وبدعم من الحكومة لأنّنا اليوم ندفع عن المواطن قرابة 70 إلى 80 شيكل من أصل 100، ويجب أن يكون هناك قرارًا واضحًا بهذا الأمر"، كاشفًا أنّ "المؤسّسات المانحة أبلغت بأنّه وبحلول عام 2023 أو 2025 لن تواصل دفع ثمن بعض المستلزمات المستخدمة في المياه أو في الصرف الصحي، لذلك من الضروري توعية المواطن بأنّه لم يعد هناك شيء اسمه "مجانًا".
كما لفت شبلاق إلى أنّه وفي ظل كل هذه الإنجازات بالتأكيد كان هناك العديد من التحديّات تتمثّل في التالي: "الحروب المستمرة، الوضع الاقتصادي الهش، ارتفاع تكلفة أعمال الصيانة والتشغيل وهذا مرتبط بالحصار، التعرفة، أزمة الكهرباء وهي أم الأزمات بسبب تشغيل المولدات بشكلٍ مستمر".
واقع خدمة الكهرباء في القطاع
في هذا الإطار وخلال الجلسة التي حضرتها "بوابة الهدف"، قال المهندس ماهر عايش مدير عام شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزّة، إنّ التنظيم المؤسّسي للكهرباء يتمثّل في ثلاث قطاعات رئيسيّة: "قطاع التوليد – سلطة الطاقة الفلسطينيّة وهي قطاع خاص، قطاع النقل – قطاع خاص وغير موجود في غزة تنوب عنه سلطة الطاقة، قطاع التوزيع المتمثّل بشركة توزيع كهرباء غزّة"، ومهمتنا في شركة التوزيع استلام كميات الكهرباء من محطة التوليد وتوزيعها على جمهور المشتركين"، مُؤكدًا أنّ "مصادر الكهرباء التي تأتي لقطاع غزّة جزء منها من الشركة القُطرية "الإسرائيليّة" عبر عشر خطوط، والجزء الثاني هو محطّة التوليد التي تعمل على السولار الصناعي الذي ينقل بطرق معقّدة عبر المعابر القليلة التي تُغلق بين الحين والآخر، وإنتاج هذه المحطّة يتراوح حسب توفّر السولار المرتبط بوجود المقدرة الماليّة لتوفيره أو بأمور المعابر، وهناك مصدر آخر للكهرباء كان متوفرًا حتى العام 2016 وهو خطوط الكهرباء القادمة من مصر التي توقّفت إلى وقتنا هذا وأفقدتنا قرابة 30 ميجا وات".
عجز الكهرباء من 50 إلى 70%
وبيّن عايش أنّ "الطلب على الكهرباء يتراوح من 400 إلى 600 ميجا وات، ولا يوجد رقم محدّد لكمية الكهرباء التي نحتاجها لأنّ السحب في فصل الشتاء يختلف عن الصيف مثلاً، لذلك الطلب متغيّر حسب حاجات الناس، ولدينا عجز في الطاقة الكهربائيّة ما بين 50 إلى 70%، وخلال العدوان الأخير على غزّة تضرّرت شبكات الكهرباء بشكلٍ كبير وتم تدمير أكثر من 30 محوّل، وفقدنا خطوط ضغط عالي رئيسيّة من داخل الخط الأخضر، وهناك ستة خطوط تعطّلت طوال فترة الحرب، ما أدّى لتفاقم العجز، وكما رأى الجميع كان موظفي الشركة في الشوارع وعلى رأس عملهم لتوزيع ما هو متوفّر من الكهرباء على جميع المواطنين"، كاشفًا أنّ "العدوان خلّف خسائر في قطاع الكهرباء بقيمة 30 مليون دولار ما بين أضرار مباشرة وغير مباشرة، وتعمل الشركة حاليًا على إعادة تأهيل هذه الأضرار".
كيف يمكن تحسين وزيادة كميّات الكهرباء؟
أوضح المهندس عايش ردًا على هذا التساؤل، أنّ "شركة توزيع الكهرباء تبذل قصارى جهدها في هذا المجال بالرغم من أنه ليس من اختصاصها توفير مصادر الكهرباء بشكلٍ مباشر بل المسؤول هي سلطة الطاقة الفلسطينيّة والحكومة، لكن الشركة استطاعت خلال الأعوام الماضية أن تطوّر منظومة إدارة توزيع الأحمال، أي لتوزيع كميّات الكهرباء المحدودة المتوفّرة بكفاءة لتخفيف جزء من الأزمة، والشركة طوّرت منظومة إدارة التوزيع وفصل الكهرباء من انزال "السكاكين يدويًا" إلى نظام التحكّم عن بُعد "سكادا" للتحكّم في كل شبكة الكهرباء وفي العام الماضي فقط كان لدينا 320 ألف عملية فصل وتوصيل من خلال هذه المنظومة الجديدة".
نتجه لحلول ذكيّة لإدارة الأزمة
وكشف المهندس عايش أنّ "الشركة تتجه لحلول ذكيّة لإدارة الأزمة، وفي ظل أنّها غير قادرة على زيادة كميّات الكهرباء فإنّها ستعمل على تقليل الكميات المفقودة من الكهرباء من خلال ادخال منظومة العدّادات الذكية، ولدينا حاليًا قرابة 12 ألف عدّاد ذكي، ولدينا خطّة استراتيجيّة لتغيير كافة عدّادات المشتركين الحاليّة بعدّادات ذكيّة خلال ثلاث سنوات"، مُبينًا أنّ "العدّاد الذكي سيُتيح إدارة ناجعة لعملية توزيع الكهرباء وليس فقط على الشبكة بل لدى المشترك نفسه، أي بدلاً من تشغيل توربينة إضافيّة نسعى من خلال هذا النظام لإطفاء توربينة إضافيّة ووقف هدر الكهرباء سواء لدى المواطن أو لدى المُؤسّسات أو لدى الكثير من القطاعات من خلال تعاوننا جميعًا"، مُشددًا أنّه "إذا طبقّنا هذا النظام سنستطيع تخفيض حجم الطلب على الكهرباء".
نظام "صافي القياس"
وحول التحديّات التي تواجه الشركة، قال عايش إنّ "جزء من الخدمات مثل قطاع المياه يحتاج لوحده 90 ميجا وات خلال السنوات القادمة حتى يستطيع أن يعمل، لذلك اتجهنا لحل هذه الأزمة لحلول الطاقة الشمسيّة أو الطاقة البديلة واعتمدنا نظام "صافي القياس" الذي يُتيح لأي مشترك لديه طاقة شمسية أن يُرجع الفائض من الكهرباء وتخزينه على شبكة الكهرباء لاستهلاكه متى أراد، وهذا يُساهم في التخفيض من الضغط، ونعمل بالتنسيق مع سلطة المياه ومصلحة المياه على أنّ تكون كافة المشاريع الجديدة من محطّات تحلية ومعالجة تعمل على الطاقة الشمسيّة لتُساعد في حل أزمة الكهرباء"، مُشيرًا إلى أنّ "شركة التوزيع تعمل بالتنسيق مع كافة مُؤسّسات المجتمع الدولي، وحاليًا نفذنا المرحلة الأولى من مشروع التدقيق على شركة الكهرباء وكافة أعمالها، وبالفعل نتج عن هذا التقرير خارطة طريق لإصلاح كثير من الأمور التي بحاجة إلى تطوير في الشركة وأنتجنا خطّة عمل مستقبليّة نعمل حاليًا مع كافة المؤسّسات لتطبيقها من خلال إصلاح وتطوير بعض القطاعات لأنّ لدينا رؤيّة لإدارة هذه الكميات المحدودة من الكهرباء بكفاءة وتحسين لخدمات المشتركين".
ما قصة العدّاد الذكي؟
وأوضح عايش أيضًا أنّ "العدّادات الذكية جرى إدخالها منذ العام 2013 وجرى تطويرها طوال الوقت حتى وصلنا إلى عدّاد ذكي يُلبي احتياجات السكّان ويعمل في بيئة غزّة، لكنّ العدّاد لا يحل أزمة الكهرباء بل يُساهم في تخفيف وتحسين إدارة هذه الأزمة ومساعدة الشركة على تقليل كمية الكهرباء المفقودة، وتعطي هذه العدّادات إمكانيّة للمواطن للتحكّم في أحماله الكهربائيّة داخل المنزل، وخلال أعوام قليلة سيتمكّن المشترك في غزّة من الدخول إلى تطبيق شركة الكهرباء من خلال هاتفه ومن ثم الدخول إلى العدّاد الذكي ليعلم على سبيل المثال ثلاجة المنزل تعمل أم لا، وإذا أراد أن يوقفها عن العمل سيتمكّن من ذلك من خلال تطبيق الهاتف والتحكّم في كل شبكة المنزل، ومن الممكن في وقتٍ لاحق أن نستطيع توزيع خدمة الانترنت من خلال نفس هذا العدّاد الذكي وهذا الأمر خضع للتجربة وليس ضربًا من الخيال".
مولّدات الشوارع
وشدّد على أنّ "الشركة تسعى للتوفير في كميّات الكهرباء المتوفّرة لأنّ العكس أي زيادة كميّات الكهرباء مرتبط بظروف جيوسياسيّة، ولكن نستطيع العمل على المتوفّر بين أيدينا وهو الحد من سوء استخدام الكهرباء ووقف هدر هذه الكميات لنوفّرها ونستطيع توزيعها بشكلٍ أمثل على الجميع"، فيما تطرّق إلى مسألة مولدات الكهرباء المنتشرة في الشوارع، إذ أكَّد على أنّ "هذا الأمر ليس من اختصاص شركة التوزيع، بل تُعاني الشركة من هذه المولدات"، موضحًا أنّه "من ضمن الحلول الذكيّة التي تسعى الشركة لتطبيقها هو إشراك القطاع الخاص أي المولدات، وهذا ليس من خلال قيام أصحاب المولدات بتركيب مولّدات ووضع أسلاك على الأعمدة الخاصة بالشركة بل سنسمح لهم بضخ الكهرباء للناس في فترة الانقطاعات من خلال الشبكة الرئيسيّة الخاصّة بنا بتعرفة معيّنة تكون أقل من خلال العدّاد الذكي".
تمييز إيجابي
وفي ختام حديثه، أوضح عايش أنّ "الشركة لديها فكرة التمييز الإيجابي، أي المواطن الملتزم في الدفع يحصل على كهرباء أكثر، ولكن تطبيق هذا الأمر بحاجة إلى إمكانيّة فنيّة، وهذا ما يحقّقه العدّاد الذكي ولكن حاليًا المتوفّر فقط هو 12 ألف عدّاد، هذا المشروع بحاجة إلى قرابة ثلاث سنوات، ولكن الفكرة قائمة ونعمل عليها".