المشاورات لتأليف حكومة جديدة تُراوح في دائرة مُفرغة من الأخذ والردّ، والشروط المتبادلة حول توزيع الحقائب والأسماء التي ستتسلّمها. إعلان نجيب ميقاتي من قصر بعبدا أنّ «الأمور في خواتيمها بإذن الله» لا يعني أنّ الملفّ اقترب من «النهاية السعيدة»، فالنقاشات عادت إلى مستوى الوزارات الخدماتية أيضاً، ولم تعد محصورة بالوزارات السيادية.
نتيجة الاجتماع الخامس بين الرئيس ميشال عون والرئيس المُكلّف نجيب ميقاتي، تُظهر «كأنّه لم تُعقد أربعة لقاءات سابقة». يقول مسؤولون مُتابعون لعملية التأليف ذلك، مؤكّدين أنّه «رغم كلّ الروايات عن تطورات ومعطيات إيجابية يُبنى عليها، لا نزال ندور في حلقة مُفرغة». العودة إلى النقطة الصفر هي الخلاصة التي يخرج بها المسؤولون المُتابعون «بعدما تبيّن عدم تغيّر الشروط الموضوعة منذ أيام تكليف سعد الحريري، ولكنّ ميقاتي لن ينتظر تسعة أشهر، بل هي مسألة أسابيع قليلة على أبعد تقدير، قبل أن يُعلن اعتذاره عن التكليف». لغة الحسم المُستخدمة من قبل هؤلاء المسؤولين، تُعارضها معطيات أخرى. ولكنّهم يجزمون بأنّ فريق رئاسة الجمهورية «لا يزال مُتمسّكاً بوزارتَي الداخلية والعدل اللتين يعتبرهما حقّاً له، فيما الرئيس ميقاتي مُصرّ أيضاً على أن تكون الداخلية من حصّته، مُتعهّداً بعدم تسمية شخصية استفزازية لأي فريق سياسي». يُضاف إلى ذلك، وضع عون «فيتو على تولّي مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، يوسف خليل وزارة المالية، ومطالبة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالحصول على حقيبة الشؤون الاجتماعية، وعدم الاتفاق على كيفية توزيع الحقائب الخدماتية... جمع هذه الشروط يقود إلى وجود تشاؤم كبير في عملية التأليف، وما يجري حالياً هو المساعي الأخيرة للتوصّل إلى اتفاق». ويؤكّد هؤلاء أنّ «رفض حركة أمل البحث ببديل ليوسف خليل، مردّه طرح عون التبديل بين المالية والداخلية»، علماً بأنّ السبب الرئيسي للإصرار على خليل هو الضغط الذي يُمارسه حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة لتعيين «رجُله» الموثوق، وضمان تطيير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وفرض قرارات سياسية تؤمّن ديمومة مصالح «حزب المصرف»، وهو السبب نفسه الذي يدفع بعون إلى رفض تعيين خليل في المالية. ولكنّ ميقاتي، بعد لقائه عون، نفى المعلومات عن التبديل بين وزارتَي المالية (تُحسب من حصّة رئيس الجمهورية) والداخلية (تُعطى لحركة أمل)، مُعتبراً أنّه «إذا اتُّخذ القرار بعدم المداورة في الحقائب، فسيشمل ذلك أغلب الحقائب».
كلام ميقاتي بعد لقائه عون لمدة 45 دقيقة بعد ظهر أمس، وعلى النقيض من كلام المسؤولين المتابعين لسير التأليف، عكس أجواءً «مُريحة» نوعاً ما. قال الرئيس المُكلّف إنّ «الأحداث تتسارع. ما حصل في الجنوب أخذ حيّزاً من الحديث خلال الاجتماع مع فخامته، وهو يُتابع الاتصالات لتهدئة الأوضاع، ونحن نؤكّد أنّ لبنان يلتزم القرار 1701 بكلّ مندرجاته». أما في ما يتعلّق بالشأن الحكومي، «فبكلّ صراحة كنت أفضّل عدم الحديث عن هذا الموضوع، وهذا كان قراري قبل دخولي للقاء الرئيس عون، فالصمت يبقى أبلغ من الكلام، والأمور في خواتيمها بإذن الله».
قبل يوم الثلاثاء، لن يُعقد أي لقاء بين عون وميقاتي. وما يتردّد في قصر بعبدا أنّ «التشكيلة بحاجةٍ إلى المزيد من الجهد. فبعدما تمّ التوصّل إلى صيغة شبه مكتملة يوم الخميس، طرأت تعديلات ليلاً قبل اجتماع أمس، خلطت الأمور». هذه التعديلات تتعلّق «بتوزيع الحقائب الخدماتية، وتمسّك حركة أمل بتعيين يوسف خليل، وهو ما لن يقبل به الرئيس عون. واحدة من مهام الحكومة الجديدة الأساسية هي إجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. خليل مُدير في «المركزي» وقد يخضع لهذا التدقيق، فكيف يُمكن أن يُعيّن وزيراً للمالية ويُشرف على التدقيق في عمله السابق؟». أما بالنسبة إلى توزيع الحقائب «الأساسية»، وتحديداً الخلاف حول مثلّث الداخلية ــــ العدل ــــ المالية، فتقول مصادر بعبدا إنّه «في المبدأ سيبقى كلّ قديم على قِدمه. لم يُعطَ جواب حاسم بهذا الخصوص، لأنّ التركيبة تعثرت بسبب الحقائب الأخرى، وبات يجب إعادة النظر بتوزيع بعضها. إذا تمّ ذلك، يجري إسقاط الأسماء على الحقائب بغضون ساعات». في المقابل، تنفي مصادر الرئيس المُكلّف لـ«الأخبار» أن يكون الاتفاق قد تمّ على الحقائب «الأساسية»، أو أن يكون عون قد توقّف عن المطالبة بحقيبة الداخلية.
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية