تزداد الهجمة الصهيونيّة المسعورة على أبنائنا وبناتنا في سجون الاحتلال الصهيوني مع كل ساعةٍ تمرّ دون إسنادٍ حقيقيٍ وفعاليات كبرى لصد أو للحد من هذه الهجمة على الأقل، سيما وأنّ حالة الفرح التي وهبنا إيّاها أبطال عمليّة "نفق الحرية" الستّة حينما كسّروا صورة "جلبوع" أو "الخزنة"، أزعجت الاحتلال بكامل أجهزته الأمنيّة على اختلاف تشكيلاتها، إذ كان فجر السادس من أيلول الجاري يومًا للحريّة والفرح، وأيلولاً أسودًا على الكيان الذي قضم أبطالنا أسسه.
يخشى الاحتلال بكل تأكيد على صورته أمام "شعبه" أولاً، هذا "الشعب" المُلملَم من كل أصقاع الأرض ليسكن على أرضٍ مسروقة، وثانيًا أمام العالم وخاصّة المطبّعون المهزومون الخائفون من بعض الأنظمة العربيّة العميلة، ليأتي ستّة أسرى ويعيدون رسم اللوحة من جديد وإلقاء الألوان في مجاري "جلبوع" لتثبت اللوحة على ما هي الآن، شعبٌ حرٌ لا يقبل الضيم، ويُحارب ولو بإبرة وليس بمعلقة بحسب الروايات المنشورة حول طريقة تنفيذ العملية.
الهجمة الأخيرة على الأسرى -بالتأكيد لن تكون الأخيرة- تضعنا أمام سؤالٍ نسأله عند كل هجمةٍ مسعورة وموتورة من قِبل الاحتلال على أبناء شعبنا، كيف يمكن إيقاف أو الحد من هذه الهجمة، ما هو المطلوب الآن لإسناد شموعنا التي لا تنطفئ؟.
"إدارة السجون اُهينت"
يقول الأسير المُحرّر مجد بربر لـ"بوابة الهدف الإخباريّة"، إنّ ما يتعرّض له الأسرى في سجون الاحتلال المقصود منه إعادة الاعتبار للجسم المُسمى "إدارة السجون" التي أهينت بشكلٍ كبير جرّاء العمليّة البطوليّة والنصر الذي انتزعه الأسرى الستّة واستطاعوا أن يُحرّروا أنفسهم من سجن "جلبوع" المُسمى بـ"الخزنة" وهذا المُسمى هم -إدارة السجون- الذين كانوا يتبجّحون ويتفاخرون به، بأنّ هذا السجن لا يمكن للطير الطائر أن يخرج منه، وهؤلاء الأسرى كسروا هذه الأسطورة وهذا الخيّال التي تدّعيه هذه الإدارة.
وبيّن بربر أنّ كل المحاولات والتضييقات والقمع هي لإعادة لملمة هذا الجسم وإعادة لملمة معنوياته من خلال الهجوم المسعور على الأسرى ومحاولة تضييق الخناق عليهم وسلب المنجزات التي حقّقوها على مدار سنوات، مُشيرًا من واقع تجربته كأسير قضى قرابة (20 عامًا) داخل قلاع الأسر، إلى أنّ هذه الفترة قد تكون الأسوأ على الأسرى، وذلك المطلوب فورًا ومن الجميع الالتفاف حول الأسرى وإسنادهم وإبقاؤهم حاضرين على رأس جدول أعمال مجتمعنا الفلسطيني ومنظّماته سواءً السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الشعبيّة.
الأسرى لن يقبلوا بسلب كرامتهم
وتابع بربر: ممنوع ترك الأسرى لوحدهم، وأؤكّد أنّ الأسرى في النهاية سيكونون قادرين على الانتصار لأنفسهم وردّ كل هجمة قد تطالهم لأنّ إرادتهم أكبر بكثير من إرادة السجّان ولديهم نفس طويل جدًا ولا يمكن أن يقبلوا بسلب كرامتهم وإنسانيتهم لأنّهم أحرار وليس "مجرمين"، وحول الأسلوب والمطلوب، أردف: "هذا يُترك لكل جهة بناءً على إمكانياتها وقدراتها، وشعبنا الفلسطيني يستطيع أن يجترح ويبتكر الوسائل الكفيلة بالضغط على هذا الاحتلال لإجباره على رفع يده عن أسرانا الأبطال داخل السجون، ومن المفترض أن نكافئ هؤلاء الأسرى من خلال الإسناد والدفاع قدر استطاعتنا كلٌ في مكانه وقدرته.
أمَّا الأسير المُحرّر بلال كايد والذي قضى قرابة (15 عامًا) داخل سجون الاحتلال وخاض أثناء أسره معركةً ملحميّة في الاضراب عن الطعام استمرت (71 يومًا) رفضًا لاعتقاله الإداري وانتزع في النهاية حريّته انتزاعًا من السجّان، رأى أنّ الخطورة الكبيرة تكمن في ظل إعلان الاحتلال للأحكام العُرفيّة داخل السجون ويحق لإدارة السجون وفق هذه الأحكام استخدام السلاح الحي ضد الأسرى، سواء بحجّة "التمرّد" أو "إحباط عملية هروب" لتبرير كل الجرائم التي تحدث بحق الأسرى داخل السجون، ونُدرك جيدًا أنّ إدارات السجون بجانب جهاز "الأمن الداخلي" والعديد من المؤسّسات مثل "الشاباك" تُبيّت للأسرى الفلسطينيين مجموعة من القرارات التي تستهدف كرامة الأسرى داخل السجون على اعتبار أنّ الأسير يُشكّل رافعة وطنيّة للمشروع الوطني بشكلٍ عام.
يهدفون لتفكيك الحالة الوطنيّة داخل السجون
وشدّد كايد خلال حديثه لـ"بوابة الهدف"، أنّ الإجراء الأوّل الذي سيتم اتخاذه داخل السجون هو البدء بإجراءات عقابيّة تُفكّك الحالة الوطنيّة داخل السجون وتُعيد الأوضاع إلى سابق ما تم الاتفاق عليه عام 1994، أي كما يُردد دائمًا ما يُسمى طاقم "النتسيفوت" في داخل السجون هو إعادة السجون إلى العصر الحجري، وهذا حرفيًا ما يتم التحريض من خلاله على الأسرى من قِبل سياسيين ومجموعة من الناس الذين يُحاولون داخل الكيان سحب إنجازات الأسرى على اعتبار أن الأسير الفلسطيني يعيش في فندق.
وأشار كايد إلى أنّ إدارة السجون بدأت بقرارات تتعلّق بأسرى الجهاد الإسلامي وإفراغ سجن "جلبوع" بشكلٍ كامل وتوزيع الأسرى وسحب الإنجازات المتعلقّة بمسألة "الفورة" والحد الأدنى، ولغاية الآن هناك مُبرّرات تسوقها إدارة السجون لارتكاب الجرائم بحق الأسرى بشكلٍ عام، مُؤكدًا أن المطلوب القيام به وفورًا هو الدعوة من قِبل المؤسّسات الرسميّة والشعبيّة والجماهيريّة للالتفاف حول قضيّة الأسرى وتخفيف الضغط عن السجون بشكلٍ عام كونها تتعرّض لهجمة غاية في الشراسة وتترأس المؤسّسة الأمنيّة "الشاباك" إعادة ترتيب أوضاع الأسرى داخل السجون وفقًا للقرارات المُتلاحقة التي أقرّها ما يُسمى "الكنيست" العنصري على مدار السنوات الماضية.
وبيّن كايد أنّ هناك تحريضًا ومُبرِرًا الآن لارتكاب الجرائم بحق الأسرى، لذلك يجب الالتفاف حول الأسرى بشكلٍ سريعٍ جدًا وفضح ممارسات الاحتلال بحقّهم، والأهم من ذلك هو خلق رأي عام يُعيد الاعتبار ويستنهض القوى من خلال استغلال قضيّة الأسرى لإعادة الاعتبار للخطاب الوطني الذي افتقدناه في الآونة الأخيرة في ظل التنازع والهبوط السياسي في خطاب السلطة بشكلٍ عام ومنعها للانتخابات، فالآن هناك فرصة لإعادة رفع مستوى الخطاب الوطني الندّي للاحتلال والداعي للاستقلال الوطني وتمثيل شعبنا من خلال مؤسّسات شرعيّة ترتقي إلى مستوى قدرة هذا الشعب على التحرّر.
ما يجري إعادة هيكلة لكل شيء
فيما تواصلنا مع الأسيرة المُحرّرة ميس أبو غوش، والتي أكَّدت أنّ المطلوب هو زيادة الالتفاف الشعبي حول الأسرى من الحاضنة الشعبيّة الفلسطينيّة، أي تكون موجودة على الدوام إلى جانب الأسرى وذويهم، وفي ظل الهجمات المُستمرة على الأسرى إلّا أنّ دائمًا هناك حاضنة شعبيّة، لكنّنا اليوم بحاجة إلى قوّة أكبر لعدم ترك الأسرى وذويهم في هذه التجربة المؤلمة، لأنّه عندما يرى الأسير هذا الإسناد لذويه فيصبح الشيء مُتبادل ما بيننا وبينه ويعطيه هذا الدعم دعمًا آخر فوق معنوياته نحو النضال في سبيل الحريّة.
ورأت ميس خلال حديثها للهدف، أنّ ما يجري في السجون هو إعادة هيكلة لكل شيء، والسجّان اليوم يُحاول فرض هيمنته وسيطرته على الأسرى بشكلٍ عام ويوصل لهم رسالة "نحن من يتحكّم في كل شيء"، لكنّ الأسرى أثبتوا دومًا عكس ذلك، وصحيح أنّ السجن من صُنع السجّان لكنّ الأرض لنا والسجن هو ساحة للأسير في النضال لانتزاع أبسط الأشياء من هذا السجّان.
ودعت ميس في ختام حديثها، كافّة المؤسّسات الحقوقيّة والقانونيّة والمنظّمات العالميّة التي تدّعي الإنسانيّة وحقوق الانسان أنّ تطبّق هذه القوانين وحماية الأسرى من هذا البطش المُستمر.
بالأمس نشرت صحيفة "معاريف" العبريّة، أنّ شرطة الاحتلال رفعت حالة التأهب في جميع الأراضي المحتلّة عام 1948 إلى الدرجة الثالثة، أي إلى مستوى أقل بدرجة واحدة فقط من أعلى مستويات التأهب على الإطلاق، وذلك في إطار البحث عن أبطالنا الستّة، لذلك أسرانا اليوم بأشدّ الحاجة إلى كل حجرٍ أو هتاف في أزقّة شوارِعنا ومُخيّماتنا وقرانا على امتداد الأرض الفلسطينيّة لنقول لا في وجه آلة العدوان.