Menu

وجهة نظر من أجل نهوض وتطوير أحزاب وفصائل اليسار الماركسي العربية

غازي الصوراني

إن القيمة الأساسية (الفكرية والسياسية والتربوية والعملية)، من دراسة تاريخ الفلسفة، تكمن في قدرتنا كأحزاب وفصائل اليسار الماركسي العربية على ربط النظرية بالممارسة العملية، سواء في إطار التوسع التنظيمي والنضال الجماهيري والوطني والكفاحي أو على الصعيد الاجتماعي والمطلبي المرتبط بالقضايا الحياتية للمواطنين.
إن الالتحاق الطوعي في العمل الحزبي هو شكل متطور للموقف الفلسفي وانتقاله من البسيط إلى الوعي الطليعي. المهم، الارتقاء بهذا المستوى العفوي –السائد بهذه الدرجة أو تلك حتى اللحظة في معظم أحزاب وفصائل اليسار - لنتخذ موقفاً نقدياً من فلسفتنا اليومية العفوية، بهذا يمكن الانتقال من الامتثال والسلبية إلى الإدراك والوعي والفعل على طريق بلورة الدور الطليعي لأحزابنا وفصائلنا بصورة ملموسة ومتفاعلة مع الجماهير الشعبية على أرضية الواقع الحياتي (الاجتماعي والسياسي والاقتصادي) الملموس، انطلاقاً من رؤيتنا المستندة إلى المنهج العلمي، المادي الجدلي، وهو المنهج المستند بدوره إلى وجه الفلسفة المادي، ذلك إن للفلسفة وجهان: الوجه المادي والوجه المثالي: وكل منهما يحاول الإجابة عن المسألة الأساسية في الفلسفة: علاقة الفكر بالوجود أو علاقة الروح بالطبيعة.. إنه السؤال الخالد أيهما أسبق إلى الوجود؟ 
الإجابة على هذا السؤال تحدد موقفنا مع المثالية أم مع المادية ومنهجها. المفكر المادي: هو الذي ينظر إلى العالم المحيط بالإنسان (شمس ونجوم وأرض وكواكب وبحار وكائنات حية...الخ) على أنها أشياء موجودة موضوعياً، أي أنها غير مرهونة في وجودها بالوعي البشري، من ناحية أخرى ترى المادية إلى العالم الموضوعي هو عالم سرمدي، غير مخلوق وأنه هو علة وجود الوعي لا العكس (أي أنه سبب الوعي). في حين أن المفكر المثالي: يقول بأن الوعي (أو الفكر أو الروح أو الإله لا فرق)، هو الأسبق على الوجود، إنه ينكر أن يكون وعي الناس انعكاساً للواقع الموضوعي (مثالية ذاتية أو موضوعية). فالفكر بالنسبة لنا في أحزاب وفصائل اليسار الماركسي العربية يبدأ حين نشك في كل شيء. الفكر يقودنا إلى سؤال: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟ لماذا تتكرر هزائمنا في مقابل انتصار أعداؤنا؟ لماذا لم تتطور مجتمعاتنا العربية ولم تمتلك حتى اللحظة مقومات العلم والتكنولوجيا؟ ولماذا لم تحقق أي شكل من أشكال النهوض التحرري أو التنويري العقلاني؟ لماذا تنتشر كل هذه المظاهر من أشكال التخلف والاصولية المتزمتة غير المستنيرة؟ لماذا توقف إنتاج المعرفة والفلسفة في الوطن العربي؟ ما هي الأسباب الجوهرية للدعوات المشبوهة من النظام العربي للتطبيع مع دولة العدو الاسرائيلي؟ ما هي أسباب الانقسام والصراع التناحري المحتدم حتى اللحظة بين فتح وحماس رغم عدم اختلافهما في الجوهر؟ لماذا تطغى النزعات الحزبية لحماس او لفتح على حساب المشروع الوطني ومستقبل النضال الوطني كله؟ وهل تتناقض حركة حماس فعلاً وكذلك حركة الاخوان المسلمين مع النظام الرأسمالي أو الجوهر الامبريالي؟ ما هي طبيعة المصالح الطبقية للقوى المتنفذة في سلطة الحكم الذاتي في رام الله في علاقتها الرخوة مع العدو الإسرائيلي؟ أسئلة أو تساؤلات كثيرة لا بد لنا من أدراجها للبحث الدائم وصولاً إلى التحليل المنطقي الموضوعي السليم في اجاباتنا عنها... ولعلنا أيها الرفاق نجد في وثائق أحزابنا وأدبياتها وضوحاً ساطعاً في الإجابة على كل هذه الأسئلة بصورة تفصيلية أو عامة، دون أن نلغي دوركم رفاقي الأعزاء في الوطن العربي أو دور عقولكم واجتهاداتكم في تحليل وتفكيك الظواهر المحيطة بنا، وفق منطلقات أحزابكم الفكرية وبرامجها.
المهم ايها الرفاق أن نمارس عملية التفكير بصورة عقلانية وموضوعية إلى أبعد الحدود، بعيداً عن التفكير التقليدي من ناحية، وبعيداً عن طرق التفكير لدى السلطة أو النظام العربي الكومبرادوري ولدى التيار الديني بمختلف حركاته أيضاً، لكي نتوصل إلى الحقائق الموضوعية التي تؤكد عليها وثائق أحزابنا وفصائلنا اليسارية والقومية الماركسية. معنى ذلك بالنسبة لنا في مختلف قوى اليسار العربي أن ننتقد ونبتعد ونقطع معرفياً مع كل الأفكار الرجعية والتقليدية، وكذلك القطع المعرفي والسياسي مع أفكار الطبقات الحاكمة في أنظمة الكومبرادور بمختلف توجهاتها.
 لقد آن الأوان أن نقول: أنه يجب على الفكر العربي والوعي العربي الانتقال من الرمزية والشيئية إلى المفهومية والواقعية الثورية، من منطلق ماركسي وطني تحرري ومجتمعي من منظور الصراع الطبقي في آن معاً، بما يوفر مراكمة عوامل النهوض والتقدم وإسقاط أنظمة العمالة والانحطاط والتبعية والاستبداد، عبر الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية.