لم يأت التصعيد الحاد في العدوان على اليمن صدفة، فدول التحالف المهزوم استشعرت منذ شهور امكانية خروجها من هذه الحرب مهزومة بكل ما لهذه الكلمة من معاني، وباتت تحاول تعويض الهزيمة الواقعة عليها عسكريا بالمجازر ضد المدنيين.
الأمر موضع التساؤل بالفعل هو ذلك التجدد في الحماس الإماراتي للعدوان، فلقد أمضيت الإمارات سنوات الحرب تكيد لحليفتها السعودية وحلفاء الأخيرة خصومها من ميليشيات الإصلاح وغيرهم من المقربين للإخوان، واقتطعت لذاتها جزء من اليمن تحكم عمومه بواسطة ميلشيات مرتزقتها وتختص بحكم جزء منه بشكل مباشر، فيما تخطط لإقامة قاعدة عسكرية مشتركة مع العدو الصهيوني في جزيرة سو قطر ة اليمنية.
من المستبعد أن الإمارات تراهن على تحقيق ما فشلت فيه حليفتها السعودية طيلة السنوات الماضية في ميدان القتال باليمن، ولكن على ما يبدو أن هجمة الإمارات الحالية مدفوعة بتحقيق أهداف محددة تمثل جوهر مهمة العدوان منذ لحظته الأولى، تدمير قدرة اليمنيين على بناء بلدهم، فمن شن العدوان خشية من نشوء يمن قوي ومستقل، وحرصًا على تدميره، يجد صعوبة في مغادرة اليمن وهناك فرصة لأهل البلاد في النهوض مجددًا.
إن العملية العسكرية الإماراتية البرية الجارية تهدف بالأساس لمنع اليمنيين من وضع أيديهم على حقوق النفط في شبوة ومأرب وغيرها، ويتطلع كذلك لإلحاق أكبر قدر من التدمير في الحواضر اليمنية الرئيسية، وكذلك ترمي لتغير شروط التفاوض الجاري، فالمطلب اليمني المعلن هو وقف العدوان ورفع الحصار كشرط أساسي لإنهاء الصراع وإطلاق عملية تفاوض سياسي جدي بين المكونات اليمنية، وهو ما ترفضه قوى العدوان وتصر على فرض الاملاءات على عملية التفاوض بواسطة أدوات العدوان والحصار.
ما يحدث في اليمن ليس حرب حدودية او صراع اهلي على السلطة، ولكن جزء من سياق تاريخي دمرت فيه أسر الحكم الخليجي فرص بناء الدولة اليمنية مرة تلو الأخرى، وقد أرسلت قواتها هذه المرة بذات الغرض وحشدت أمامهم عشرات الآلاف من المرتزقة، ولكنها اصطدمت بإرادة اليمنيين واستعدادهم لحماية بلادهم، وهو ما فتح الباب أساسًا أمام فكرة وقف الحرب والنظر في إنهاء العدوان، فلو لم يقاتل اليمنيين لما كان هناك اليوم ما يتم التفاوض حوله ولفرضت السعودية والإمارات حكم ميلشياتها واتباعها وحافظت على مسلسل تدميرها المتكرر لليمن وهيمنتها عليه، وضربت لنا مثلًا جديدًا عن قدرة أصحاب المال وحكام النفط في معاقبة أي بلد فقير يقرر أهله الخروج عن الخطوط التي يرسمها أصحاب المال وحلفاء النظم الغربية المهيمنة على هذا العالم.
ما أعاق التفاوض في جولاته الأخيرة على سبيل المثال، أن السعودية التي خسرت الحرب بكل ما للأمر من معنى، تصر على مواصلة حصار اليمن وإغلاق مطاراته وموانئه، وتعتبر أن هناك امكانية ليقبل اليمنيين بإنهاء القتال مع احتفاظها بالحصار وبدرجة من الاحتلال لأراضيهم، وما يدفع الإمارات لارتكاب مجازرها الآن بحق اليمنيين هو ذات السعي لإملاء استسلام على اليمنيين؛ فشلت في تحقيقه طيلة سنوات الحرب، وستفشل وتعيد تجرع نفس الهزيمة وبشكل أسوأ من تجاربها في الأعوام الأولى للحرب.