( 1 )
في مثل هذا اليوم قبل 14 عاما رحل عن عالمنا الرفيق الانسان الاخلاقي الثوري النبيل القائد جورج حبش ....
اليوم ... ونحن نستذكره بالحديث أو الكتابة ، فإننا لا نعترض على حتمية الموت الذي غيبه عنا ، لكن إقرارنا بتلك الحتمية لا يعني أبداً أن القائد .. المفكر.. الثائر... الحكيم جورج حبش قد مات ، لأن الثوريين لا يموتون أبدا.. فهو القائد الذي ستتذكره الأجيال القادمة بأنه عاش ومات مناضلاً من أجل تحقيق اهداف الجماهير الشعبية العربية في اسقاط انظمة الخيانة وانتصار مبادىء الثورة الوطنية/القومية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية من اجل فلسطين والوحدة العربية .
( 2 )
عن سمات بنية القائد المؤسس الراحل الرفيق جورج حبش في ذكراه الرابعة عشر...
اتسمت بنية الرفيق الراحل الحكيم جورج حبش؛ الفكرية والثورية والأخلاقية ؛ بتميّز شديد الالتحام بمرونة ذاتية مدركة وواعية للمتغيرات السياسية والأيديولوجية من حولها ، بنفس إدراكها للعديد من المتغيرات التي تحمل نفس المضامين على صعيد الحركات الاشتراكية والثورية التحررية في كوكبنا ، بحيث يمكن القول أن الحكيم عاش حراكاً معرفياً وسياسياً ونضالياً ، متحركاً دوماً بصورة جدلية صاعدة إلى أمام.
كان مساره المليء بمحطات التقدم والارتقاء المعرفي والسياسي إلى جانب ثباته على مبدأ الثورة التحررية التقدمية على المستوى القومي، جعل منه مفكراً وثائراً في آن معاً، وعلى نفس المستوى من المفكرين الثوار ، يؤكد على ذلك قدرته الخلاقة ووهجه الثوري في استقطاب العديد من حركات ومناضلي اليسار العالمي في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.
كان للحكيم جورج حبش دور بارز في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي وجبهة تحرير ظفار والجبهة القومية في اليمن والحزب الثوري في السعودية بهدف اسقاط انظمة الرجعية والعمالة .. وما زال ذلك النهج الثوري هدفا لابد من استعادة تفعيله نظريا وعمليا لدى كل القوى الوطنية القومية التقدمية الديمقراطية في مختلف بلدان الوطن العربي؛ ليس وفاءً للحكيم فحسب بل أيضاً وبالدرجة الأولى التزاماً بتحقيق أهداف الجماهير الشعبية العربية للخلاص من كل أنظمة الاستبداد والتبعية والاستغلال والتخلف .
( 3 )
نلتقي اليومَ في الذكرى الرابعةِ عشر لرحيل الرفيق المؤسس.. المفكر.. الثائر الوطني والقومي والأممي جورج حبش الذي رحل عنَّا في المكان لكنه لم يرحل عنَّا أو يفارقنا في الزمان وفي الوجدان، فهو ما زالَ -وسَيَظَلُ- في عُقول وقلوب رفاقه الجبهاويين حيثما كانوا، مُلهماً ومُرشداً ومُفكراً ثَورياً يَستلهمونَ ويتواصلونَ مع المبادئ التي عاشَ وماتَ من أجلها .. ولا أبالغُ القولَ أن حَكيمَنَا الراحل لم يفارق عُقولَ وقلوبَ قطاعاتٍ واسعةٍ من أبناءِ شعبِنَا ، كما أنه لم يفارق عقولَ وقلوبَ رفاقِنِا وأصدقائِنِا في أحزاب وحركات اليسار في كل أرجاء الوطن العربي، والعديد من الأحزاب والقوى اليسارية الثورية التي تواصلت مع الجبهة وساندتها في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.. وعلى أساس هذه المسيرة الثورية التاريخية، استحق حَكيمُنا الراحل عن جدارة لقبَ الثائرِ الوطني والقومي والأممي، فقد كانت تلك المسيرة مليئةً بمحطات التقدم والارتقاء المعرفي والسياسي الثوري، إلا انها أيضاً واجهت العديدَ من العثراتِ الذاتية والموضوعيةِ على المستويين العربي والفلسطيني وخاصة منذ كامب ديفيد 1979 مروراً بكارثة أوسلو 1993 ووادي عربة وصولاً إلى الانقسام وتفكك المشروع الوطني ومن ثم المأزق الذي تتعرض له اليوم الاهداف الوطنية التوحيدية ومسيرة النضال الفلسطيني في مرحلة الانحطاط والتطبيع العربي الرسمي من خلال خضوع أنظمة التبعية والاستبداد والاستغلال للشروط الامريكية الصهيونية.
( 4 )
عند الحديث عن الحكيم في الذكرى الرابعة عشر لرحيله يوم 26/1/2008 تختلط مشاعر الرهبة والقلق والحزن الممتزجة بمشاعر التفاؤل والاعتزاز والفخر في مرحلة هي الأكثر انحطاطاً وتخلفاً وتعقيداً وخطراً في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني... لكن رؤى الحكيم ومواقفه وأخلاقه تظل بالنسبة لكل الثوريين عموماً والثوريين الماركسيين العرب خصوصاً ، منارة تضيء ذلك الظلام لمن أراد أن يتحداه .
ف جورج حبش ، من بين المئات من زملائه ورفاقه في مراكز القيادة في دنيا العرب، ومن بين عشرات الآلاف من مناضلي شعبه على مدى قرن من الزمان، معلمٌ بارز ومنارة متميّزة، بل هو ظاهرة فريدة أضاءت لمرحلة طويلة من تاريخنا القومي، والنضالي بشكل خاص، المعاصر، وبنت حولها هيكلاً شامخاً يلتحق به ويعمّره ويخصّبه ويطوّره كل من استنار بفكر حبش وتدرّب على أسلوبه ودرس تجربته واعتنق دعوته ورفع رايته وشارك في حمل رسالته .
وبالتالي فإن الحديث عن بنية القائد الثوري الراحل جورج حبش الفكرية والسياسية والتنظيمية ، هو في الواقع انعكاس لمسيرته ونضاله المتصل على صعيد الممارسة ، فمنذ أن كان طالباً في كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت (1944-1951) ، كان من الطلاب البارزين في المجال السياسي الذين عملوا من خلال جمعية "العروة الوثقى" التي كان الدكتور قسطنطين زريق محركها الأساسي ، ثم من خلال "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل"، ثم شارك في تأسيس "منظمة الشباب العربي" التي نشأت سنة 1951 و أصدرت نشرة "الثأر" ، وعقدت هذه المنظمة أول مؤتمر لها سنة 1954 برئاسة جورج حبش وانبثق عنها "حركة القوميين العرب" التي عقدت مؤتمرها الأول في 25 كانون الأول 1956 ببيروت، وانتخب المؤتمر قيادة أطلق عليها اسم "اللجنة التنفيذية القومية" التي تألفت من أحد عشر عضواً هم: جورج حبش (فلسطيني) ووديع حداد (فلسطيني) وصالح شبل (فلسطيني) وحامد الجبوري (عراقي) وهاني الهندي (سوري) وأحمد الخطيب (كويتي) والحكم دروزة (فلسطيني) وعدنان فرج (فلسطيني) ومصطفى بيضون (لبناني) وثابت المهايني (سوري) ومحسن إبراهيم (لبناني) وعمر فاضل (ابن مغترب عربي في الكاميرون) .
وعلى أثر هزيمة العرب في حزيران 1967 ، بدأت مرحلة جديدة في مسيرة القائد الراحل ، كان عنوانها ومضمونها ، رفضه للهزيمة وادواتها الطبقية ، إلى جانب تكريس وعيه الوطني والقومي الديمقراطي والتحامه بالرؤية الاممية اليسارية التقدمية ، ومن ثم اصراره الثوري –بالمعنى الذاتي والموضوعي – على مواصلة النضال ضد الوجود الصهيوني دون ان يتراجع لحظة واحدة عن قناعاته في دعم ومساندة تأجيج النضال الوطني والصراع الطبقي من خلال حركات اليسار الثوري في البلدان العربية عموماً والأنظمة الرجعية خصوصاً لإسقاطها وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية .
( 5 )
في هذه الذكرى نؤكد على أن فرضية أن يكون الإنسان أخلاقيا في مبادئه مهما كانت منطلقات تلك المبادئ ، ليست فرضية مثالية كما يدعي البعض ، فالأخلاق أولا هي التي تحدد مجرى وسلوك السياسي عموما والمناضل من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية خصوصا ، وهنا يمكن بسهولة تفسير هذا الالتفاف المشفوع بكل معاني الاحترام والتقدير والحب للقائد الحكيم جورج حبش من كل من عايشه ليس من رفاقه وأصدقاءه فحسب بل من كل الذين لم يتعرفوا عليه في المكان لكنهم عرفوه في الزمان عبر مواقفه وكلماته أو ما قرأوه أو سمعوه عنه ذلك أن الحكيم جسد في كل محطات حياته مع العائلة والرفاق والأصدقاء اصدق وأجمل معاني الأخلاق الإنسانية التي لا يمكن بدونها أن يكون الإنسان –أي إنسان- وطنيا أو ثوريا صادقا .
( 6 )
اليوم ... ونحن نستذكره بالحديث أو الكتابة، فإننا لا نعترض على حتمية الموت الذي غيبه عنا، لكن إقرارنا بتلك الحتمية لا يعني أبداً أن القائد .. المفكر.. الثائر... الحكيم جورج حبش قد مات ، لأن الثوريين لا يموتون أبدا.. فهو القائد الذي ستتذكره الأجيال القادمة بأنه عاش ومات مناضلاً من أجل فلسطين والوحدة العربية ... الثوري الذي مثَّل بالممارسة فكرا وطنيا وقوميا وأممياً ثائرا، وسطر على صفحات تاريخ فلسطين والأمة العربية مجداً ثورياً عبر مسيرة ونضال وتضحيات أبناء شعبه وأمته ورفاقه .
حكيم الثورة... القائد والمعلم جورج حبش... هو ليس آخر عمالقة النضال الوطني الفلسطيني، لكنه كان عملاقاً وطنياً وقومياً وأممياً من طراز خاص، كان وسيظل له حضوره البارز والمؤثر على المستويين الفلسطيني والعربي، وشكل قدوة ومثالاً ونبراساً لرفاقه في الجبهة كما لكل المناضلين التقدميين والقوميين الديمقراطيين في أرجاء الوطن العربي، وعاش ومات وفياً لمبادئه في التحرر الوطني والقومي والاشتراكية والوحدة.
( 7 )
في الذكرى الرابعة عشر لرحيل القائد الوطني القومي والاممي جورج حبش.. نستشعرُ مرارةَ الانقسامِ والصراعِ الداخليِ على السلطة بين فتح وحماس الممتد منذ خمسة عشر عاماً، وأدى إلى انتقال مسيرةِ النضال الوطني التحرري والديمقراطي المجتمعي الفلسطيني من حالة الأزمة التي واكبت هذه المسيرة في اكثر من محطةٍ فيها، إلى حالة المأزق التي يصيبُ اليومَ بُنيانَها وقيادتَها وفكرَها السياسي، وهو مأزقٌ حاد يحملُ في طياته مَخاطرَ أكبر من كل المحطات المأزومةِ السابقة، خاصةً في ظل استمرار هذا الانقسام الكارثي البشع، الذي فكك "النظام"* السياسي الفلسطيني، ومعه تفككت أوصال المجتمع الفلسطيني، الذي يبدو أنه ينقسم اليوم إلى عدة مجتمعات في الضفة والآخر في قطاع غزة والشتات و48، بحيثُ يمكن الاستنتاج ، أن كل من فتح وحماس ، قدمتا لشعبنا الفلسطيني صورةً سيئةً من حاضرِ ومستقبلِ المجتمع المحكوم بصورةٍ إكراهية، لصراعاتٍ ومصالحَ فئويةٍ وممارساتٍ لم ولن تحققَ تقدماً في سياقِ الحركة التحررية الوطنية ، بل على النقيضِ من ذلك ، ستعززُ عوامل انهيارِها والانفضاض الجماهيري عنها وصولاً إلى حالةٍ غير مسبوقةٍ من الإحباط واليأس ، كما هو حال قطاعات واسعة من شعبنا اليوم في الوطن والشتات عموماً، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، حيث باتت قضيتنا اليوم محكومةً لقياداتٍ سياسيةٍ استبدلت–في معظمها- المصلحة الوطنية العليا برؤاها وبمصالحها الفئوية الخاصة .
وها نحنُ اليومَ نستعيدُ في الذكرى الرابعة عشر لرحيل الرفيق القائد الحكيم دروسِهِ وعِبَرِهِ ومسيرةِ نضالِهِ ، ولكن في وضعٍ مؤسفٍ عنوانهُ " تكريس الانقسام بعد الفشل في الوصول الى " المصالحة" رغم العديد من الوثائق ، من ثم تَزايد الصراع بين حركتي فتح وحماس على السلطة والمصالح " وانسدادُ الأفق السياسي بالنسبة للدولة المستقلة والعودة أو المشروع الوطني لا فرق ، بسبب تخلف وتبعية وضعف وخضوع الوضع الفلسطيني والعربي ، وبسبب الصلف الصهيوني الأمريكي ، بما يجعلني أطرحُ سؤالاً أَخَالُهُ يخبرني الحكيمُ به لو كان بيننا، وهو سؤالٌ مُوَجَّهٌ لقيادة حركتي فتح وحماس ، ما هي الغنيمة الهائلة التي تتنازعان عليها ونحن تحت الاحتلال؟.. والجواب الصريح، لا شيء سوى مزيدٍ من التَفَكُكِ والانهياراتِ والهزائم ومزيدٍ من المعاناةِ والإحباطِ لشعبِنَا . فالحربُ بين الفلسطيني والفلسطيني لن تُحققَ نَصراً لأي منكما ، وإنما هزيمةً جديدةً لمن يزعم أو يعتقد انه انتصر .
( 8 )
الحكيم جورج حبش صمام الأمان لمسيرة الجبهة الشعبية....
تواصلت مسيرة الجبهة الشعبية التي كان القائد الراحل بمثابة صمام الأمان لها من الناحية الفكرية والنضالية والسياسية والتنظيمية منذ أن قام بتأسيسها حتى لحظة مغادرته لها سواء في مؤتمرها الأول آب 1968 والانشقاق أو مؤتمرها الثاني في شباط 1969 حيث تم صياغة الإستراتيجية السياسية والتنظيمية للجبهة ، أو في مؤتمرها الوطني الثالث في آذار 1972 الذي أقر وثيقة "مهمات المرحلة الجديدة" والنظام الداخلي الجديد وأعطى عملية التحول وبناء الحزب الثوري ايديولوجيا وتنظيميا وسياسيا الصدارة، إيماناً من جورج حبش بأن قدرة الثورة على الصمود والاستمرار تتوقف على صلابة التنظيم، لقد جعل المؤتمر الوطني الثالث للجبهة (1972) بناء الحزب الثوري هو الحزب الذي يعتمد أيديولوجية الطبقة العاملة دليلاً نظرياً، ويتشكل من طلائع الطبقة العاملة في تكوينه الطبقي.
- كما تناول التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثالث أهمية الانطلاق من نظرة جديدة للعمل العربي الثوري وتحديد المهمة الرئيسية بهذا الشأن في بناء الجبهة الشعبية العربية العريضة، وكذلك النضال لإقامة حزب شيوعي عربي موحد يقود الجبهة المذكورة.
- أما المؤتمر الرابع الذي عقد في الفترة الممتدة من 28/4 – 3/5/1981م تحت شعار "المؤتمر الرابع خطوة هامة على طريق استكمال عملية التحول لبناء الحزب الماركسي ال لينين ي والجبهة الوطنية المتحدة وتصعيد الكفاح المسلح"، نلاحظ بوضوح ساطع جوهر الحكيم الذي تجلى في أفكاره التي تضمنتها وثائق المؤتمر الرابع ، حينما تم التأكيد على المهمة الأساسية في تلك المرحلة على أساس البرنامج التالي:
خط سياسي حازم ضد مؤامرة الحكم الذاتي بكافة ترجماتها لا يسمح بتسلل أية قوى فلسطينية إلى موقع التعاطي مع هذه المؤامرة تحت أي مبرر من المبررات .
كما أكد المؤتمر على شعار "لا تعايش مع الصهيونية" ، وإن زوال الكيان الصهيوني شرط لإشادة السلم العادل والدائم في المنطقة، وأن جدية التصدي للإمبريالية مقياس لجدية التصدي للكيان الصهيوني.
أما بالنسبة للرجعية العربية وأنظمتها فقد أكد المؤتمر الرابع على أن التناقض مع الرجعية العربية هو تناقض رئيسي ، كما أن الجبهة لا تؤمن بشعار "عدم التدخل في شؤون الدول العربية في دائرة الصراع، وترى أن التحديد العلمي لموقع "الرجعية العربية" ، كقوة من قوى الخصم في المعركة المحتدمة بين الجماهير العربية وقواها الوطنية والتقدمية من جهة، وبين الإمبريالية والصهيونية من جهة ثانية ، يحمي الثورة الفلسطينية من مناورات ومخططات القوى الرجعية، وغيابه يعني غياب الرؤية الواضحة. ولا يعني ذلك أن تقوم الثورة الفلسطينية بمهمة التغيير في البلدان العربية وإسقاط الأنظمة، بل يعني "التحالف مع حركة الجماهير العربية وقواها التقدمية لإسقاط أي نظام خائن للقضية الفلسطينية".
- وبالنسبة لبناء الحزب ، فقد حدد التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الرابع "المهام العاجلة لاستكمال عملية التحول وتطور تنظيمنا مؤكداً على أولوية وأهمية العامل الذاتي (الحزب) "المتمثل بالقناعة بضرورة الالتزام بالماركسية القضية الجوهرية بالنسبة لفصائل الديمقراطية الثورية، وبدون ذلك كان يستحيل على هذه الفصائل أن تتحول تلقائياً وبفعل الظروف الموضوعية وحدها إلى مواقع جديدة، وبالتالي فإن " إنجاز المهمة الأساسية الملقاة على عاتقنا وهي استكمال عملية التحول إلى حزب ماركسي وبناء حزب طليعي جماهيري تتطلب منا إيلاء أهمية فائقة لتمليك القيادات والكوادر ناصية النظرية الماركسية".
وفي المؤتمر الخامس ألقى القائد المفكر الثوري جورج حبش مداخلة مطولة تضمنت العديد من القضايا البالغة الأهمية جاء فيها، "ينعقد مؤتمرنا في ظل واقع دولي أصبحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية الاستعمارية سيد العالم ،وترافق مع ذلك انهيار النظام العربي الرسمي، واستسلامه شبه الكامل للغزوة الصهيونية وما ولدته من واقع عربي جديد كان من أخطر نتائجه على الصعيد الوطني، انحراف القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير الفلسطينية وقفزها عن البرنامج الوطني وتعاطيها مع المشروع الأمريكي- الصهيوني، مما يمهد لتصفية كاملة للقضية الفلسطينية.
وفي حزيران 1994 عقد الكونفرنس الحزبي الأول للجبهة -وبمبادرة من القائد الراحل- الذي أكد على إن الاختراق الذي تحقق لصالح المشروع الصهيوني – في ضوء اتفاق أوسلو - ستترتب عليه جملة من النتائج الكبيرة والخطيرة ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية أساسية أبرزها : "الانسحاب الكامل للقيادة السياسية المتنفذه في م.ت.ف من ساحة الفعل الوطني والناجم عن تخليها الواضح والصريح ، عن الحقوق الوطنية الفلسطينية حتى بحدودها الدنيا ، بل وتخليها حتى عن المستوى الهابط الذي التحقت على أساسه بالمفاوضات التصفوية".ثم تحدثت وثيقة الكونفرنس عن البعد القومي للصراع الذي يشكل محورا استراتيجيا وتكتيكيا أساسيا في برنامج المواجهة لكنه في ذات الوقت يعيش حالة من الانحدار والتأزم. إن هذا الواقع يحتاج إلى تصحيح جذري لاستعادة الوزن الطبيعي على هذا الصعيد والمرحلة الراهنة بكل تحدياتها تستوجب أكثر من أي وقت فهم واستيعاب الربط بين ما هو قومي ووطني وخاص وعام .
- وفي تموز عام 2000 عقد المؤتمر الوطني السادس حيث شهدت الساحة الفلسطينية متغيرات نوعية من منطلق سياسي هابط بدأ منذ مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن وصولاً إلى إعلان المبادئ في أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في تموز 1994 ، وتواصل المفاوضات العبثية بين القيادة المتنفذة في م.ت.ف من ناحية وحكومات العدو الإسرائيلي من ناحية ثانية. أصدر المؤتمر وثيقتين : الأولى هي الوثيقة السياسية بعنوان "نحو رؤية سياسية جديد للمرحلة " والثانية الوثيقة التنظيمية بعنوان " نحو رؤية تنظيمية جديدة".
في هذا المؤتمر، ألقى الرفيق جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، خطابه الخاص والاستثنائي الذي أعلن فيه تسليم دفة القيادة التنظيمية لرفاقه في المؤتمر، " دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال الابتعاد عن الجبهة التي أعطيتها عمري ، أو عن العمل السياسي والمهمات النضالية الأشمل وطنياً وقومياً".
وفي هذا الخطاب الوداعي طالب الحكيم رفاقه أن يستذكروا الخط السياسي الذي سارت على أساسه الجبهة ، وأعطاها كل هذا التميز.
أما بالنسبة للوضع السياسي الفلسطيني والعربي فقال : إن الساحة الفلسطينية والعربية فيها خندقان واضحان لمن يريد أن يرى ذلك خندق أمريكا، أي خندق الإمبريالية والصهيونية و(إسرائيل)، ويؤسفني هنا القول أن القيادة الرسمية لـ م.ت.ف قد انضمّت لهذا الخندق بعد اتفاق أوسلو، مع إدراكي ووعيي للتناقضات القائمة بين تلك القيادة الرسمية و(إسرائيل)، ولكنها تناقضات أخذت شكل التعارضات الثانوية، التي يمكن حلها والتعامل معها تحت السقف والرعاية الأمريكية.
يقابل ذلك الخندق الذي يعبر عن مصالح أهداف الجماهير الفلسطينية والعربية، خندق الصمود والمقاومة، خندق قوى الثورة التي تواصل طريق الحرية والاستقلال لتحقيق أهدافنا العادلة. الخندق الذي يسعى لتحقيق مصلحة كل طبقات الشعب الفلسطيني، الخندق الذي يعرف حقيقة (إسرائيل) والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الصهيونية بالكامل الخندق الذي يؤمن بأن الدولة وتقرير المصير والعودة أهداف مرحلية وليس نهاية المطاف أو الصراع، وبالتالي فإنه يواصل النضال لتحقيق الدولة الديمقراطية العلمانية، وفي تموز عام 2000 عقد المؤتمر الوطني السادس حيث شهدت الساحة الفلسطينية متغيرات نوعية من منطلق سياسي هابط بدأ منذ مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن وصولاً إلى إعلان المبادئ في أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في تموز 1994 ، وتواصل المفاوضات العبثية بين القيادة المتنفذة في م.ت.ف من ناحية وحكومات العدو الإسرائيلي من ناحية ثانية. أصدر المؤتمر وثيقتين : الأولى هي الوثيقة السياسية بعنوان "نحو رؤية سياسية جديد للمرحلة " والثانية الوثيقة التنظيمية بعنوان " نحو رؤية تنظيمية جديدة".
في هذا المؤتمر، ألقى الرفيق جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، خطابه الخاص والاستثنائي الذي أعلن فيه تسليم دفة القيادة التنظيمية لرفاقه في المؤتمر، " دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال الابتعاد عن الجبهة التي أعطيتها عمري، أو عن العمل السياسي والمهمات النضالية الأشمل وطنياً وقومياً".
وفي هذا الخطاب الوداعي طالب الحكيم رفاقه أن يستذكروا الخط السياسي الذي سارت على أساسه الجبهة، وأعطاها كل هذا التميز.
( 9 )
القائد المناضل جورج حبش والموقف من هزيمة حزيران 1967.......
جاءت هزيمة 5 حزيران 67 بمثابة ضربة قاسية ومفاجأة على رأس حركة القوميين العرب، التي سرعان ما أفاقت من هول الضربة ، ففي هذه الظروف ، إلى جانب الطبيعة الفاقعة لمرارة هزيمة حزيران 1967 بادرت قيادة حركة القوميين العرب إلى عقد اجتماعها الموسع في أواخر تموز 1967 ، وصدر عنه أول وثيقة رسمية (عرفت باسم تقرير تموز 1967) تتضمن تحليلاً طبقياً للنكسة، حمل عنوان "الثورة العربية أمام معركة المصير" وعرفت اشكالياته باسم "موضوعات/5/حزيران"، وقد قام بصياغتها القائد جورج حبش، وهنا تتجلى المعاني الحقيقية في وصفنا له بالمفكر الثوري . فقد فسر الحكيم –عبر تلك الوثيقة- عجز قيادة الثورة العربية ، بتكوينها الطبقي والأيديولوجي والسياسي البرجوازي الصغير، واستنتج نظرياً في ضوء تحليله الطبقي للهزيمة، انه "إذا كانت البرجوازية الصغيرة، قد أدت دورها إبان مواجهة الاستعمار القديم، فإنها لم تُعد مؤهلة لممارسة دور القيادة على رأس الحركة الثورية العربية في هذه المرحلة الجديدة من نضالها".
وهذا يتطلب – حسب نص الوثيقة- "ضرورة انتقال مقاليد القيادة إلى الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة الأكثر جذرية والملتزمة بـ الاشتراكية العلمية ، وتحقيق وحدة القوى الثورية العربية قطر ياً وقومياً".
لقد بلورت هزيمة حزيران في ذهن قيادة الجبهة عموماً ، وأمينها العام جورج حبش خصوصاً "أهمية النضال القطري ضمن الإطار القومي ، وأهمية بلورة الأداة التنظيمية التي تعبئ الجماهير ، كما بلورة بوضوح أعمق أهمية المسالة الطبقية ، وكل هذا مهد الطريق لتأسيس الجبهة الشعبية وإعلان تبنيها لنظرية الطبقة العاملة ، الماركسية اللينينية " .
( 10 )
لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية..
يقول رفيقنا المؤسس جورج حبش: إننا اذا خسرنا الجبهة السياسية او الجبهة العسكريه فان النضال من اجل تحقيق اهدافنا لن يتوقف ، ولكن الكارثه ان نخسر الجبهة الثقافيه التي تجسد النظرية الماركسية والمنطلقات الفكريه الوطنيه والقوميه والامميه ؛ لاننا اذا خسرنا الجبهه الفكرية الماركسية فإننا سنخسر كل شيء.
( 11 )
من ميراث الحكيم جورج حبش......
في المؤتمر السادس عام 2000 ودّع الرفيق جورج حبش المؤسس والقائد الثوري الوطني والقومي والاممي رفاقه طالباً أن يستذكروا الخط السياسي والفكري الذي سارت على أساسه الجبهه وأن يتذكروا دوماً ويحفظوا عن ظهر عقل أن رأس مال الجبهاوي مبادئه وأخلاقه وأن أخلاقه ومبادئه هما رأس مال التنظيم ، هكذا كان الحكيم طهرانياً متواضعاً نقياً تحتل الأخلاق فكره وسلوكه وتحكم هذه المنظومه الاخلاقيه التي تحلى بها علاقاته التنظيميه والاجتماعية والسياسية والصداقيه والرفاقيه بكل ما تعنيه من أدب وحكمه وتواضع ونبذ للأنانيه والانتهازيه واللامبدئيه وكل المسلكيات الهابطه المصلحيه الهلاميه النفعيه فلا مجاملة لديه في الحق ولا مجامله في الحزب ولا مجامله على حساب الفكر الماركسي ولا مجامله على حساب المبادىء الوطنية والقومية التقدمية...المجد والخلود لروحه وذكراه.
( 12 )
جورج حبش، مثَّل مدرسة فكرية وثورية... ورسم تاريخ مشرق مع قادة تعملقوا نجوماً في سماء الوطن ... عشقوا فلسطين الوطن والانتماء، بمثل عشقهم لأمتهم ووحدتها في مجتمع عربي ديمقراطي تقدمي ... ترفعوا عن ثقافة التعصب والحقد، وزرعوا أشجار التحرر الوطني والقومي لتنبت في صحاري قاحلة قوافل الشهداء ثمناً غالياً للانتصار الحتمي القادم.
- حكيم الثورة ... القائد والمعلم جورج حبش ... هو ليس آخر عمالقة النضال الوطني الفلسطيني، لكنه كان عملاقاً قومياً وأممياً من طراز خاص، كان وسيظل له حضوره البارز والمؤثر ليس على المستوى الفلسطيني، بل والعربي والعالمي، وشكل قدوة ومثالاً ونبراساً لرفاقه في الجبهة كما لكل المناضلين التقدميين والقوميين الديمقراطيين في أرجاء الوطن العربي.
- لم يكن نبياً لكنه كان قائداً ثورياً، وطنياً وقومياً وأممياً، عاش ومات عملاقاً وفياً لمبادئه في التحرر الوطني والقومي والاشتراكية والوحدة، وكما أن الناصرية ارتبط اسمها بالزعيم الراحل والخالد جمال عبد الناصر، فكذلك حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية، ارتبطتا بالرفيق القائد والمؤسس جورج حبش.
- وإذا كان لنا في الجبهة الشعبية أن نتحدث بفخر واعتزاز عن حكيمنا الرائد الشهيد، وكل أولئك الرواد الشهداء من أبناء شعبنا وأمتنا العربية، فإننا نكتفي بالقول أن جورج حبش تواجد في خضم المحطات التحررية الثورية الصاخبة لشعبنا الفلسطيني وشعوب امتنا العربية في مجابهة الاستعمار والحركة الصهيونية والنهوض القومي الناصري وتصاعد أفكار التحرر والتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والوحدة العربية وما رافقها من متغيرات وممارسات ثورية في معظم أرجاء الوطن العربي، لكن هزيمة حزيران 67 وغياب عبد الناصر وما تلا ذلك من متغيرات وانهيارات في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفكك المشروع القومي العربي، وتراجع وانهيار اليسار العربي، وصعود التحالف الامبريالي الصهيوني عبر نظام العولمة الرأسمالية، الذي كرس أنظمة التخلف والتجزئة والتبعية والاستبداد في بلادنا التي باتت في مثل هذه الأوضاع المهزومة مرتعاً خصباً لانتشار وتعاظم أشكال الهبوط السياسي والاستسلام للمشروع الأمريكي الصهيوني، حيث تتابعت التراجعات ومظاهر التخلف والإحباط وخيبات الأمل في أوساط شعوبنا العربية كلها، لكن الحكيم القائد ظل بالنسبة لشعبنا وجبهتنا اسما متوهجاً لاهباً، وشعلة متواصلة التألق يكاد اسمه أن يكون مرادفاً للثورة والتحرر الوطني والنهوض القومي الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والوحدة العربية، كما هو اسم للمستقبل من أجل فلسطين العربية الديمقراطية لكل سكانها.
( 13 )
الرفيق المفكر والقائد جورج حبش ومسألة النضال القومي ضد الامبريالية:
ترتبط عملية التحرر القومي وعملية التحرر الاجتماعي إحداهما بالأخرى، وهذا ينقلنا إلى الحديث عن جبهات المواجهة المستقبلية، وهي أولاً: الجبهة الثقافية التي يجب أن تتناول أسباب هذا الواقع وتحليله والتفكير في الحلول والبدائل، إنها الجبهة التي تؤمن الأساس الفكري المنهجي لوعي الماضي والحاضر والمستقبل، ومن دونها سيبقى التخلف والانفعال، وهناك ثانياً الجبهة السياسية، إذ يجب أن تقوم أحزاب وجبهات حكماً بالجبهة الثقافية، وتشاركها في بلورة الرؤية والتحليل والعلاج، وتنقل الوعي إلى قوة فعل سياسي – اجتماعي منظم، وهناك ثالثاً الجبهة الاجتماعية، فلا يجوز، مهما نركز على الجهة الصهيونية، أن نهمل الموضوع الاجتماعي الذي يتصدى لمعالجة هموم الناس المعيشية، وفي هذا الإطار، أيضاً، ومهما يكن الواقع مرّاً وأنا أوافق على تشخيص هذا الواقع، فإنني أتطلع إلى تحقيق نهضة عربية كبيرة تتلاءم مع حجم طاقات الأمة العربية وإمكاناتها وتراثها وحضارتها.
إن الاندفاع الذي يسوقنا إليه أعداء هذه الأمة، الامبريالية الأمريكية وإسرائيل، تحت ستار العولمة، وعبر أدوات تحكم هذا الوطن أو تتحكم فيه، هذا الاندفاع أو الدفع لا بد له أن يتوقف، لأنه يسوقنا إلى مخاطر وكوارث ستهون أمامها كل المخاطر أو الهزائم أو النكبات على امتداد تاريخنا الحديث والمعاصر، لكننا جميعا ندرك أن هذا الواقع المأزوم والمهزوم الذي نعيشه اليوم يعود في أحد أهم أسبابه المباشرة، إلى تراكم أزمة حركة التحرر العربية منذ عقود طويلة، وهو تراكم تتجدد فيه عوامل الهبوط السياسي والتشوه المجتمعي والتخلف العام، مع تزايد التبعية بكل أشكالها، ولكن الإشكالية الكبرى ان تضخم هذه الأزمة لم يكن ممكناً لولا ذلك القصور السياسي لأطراف حركة التحرر العربية، وقصور أحزابها وفصائلها عن قيادة عملية التغيير من أجل تجاوز الواقع الراهن.
إن أول أسباب انتصار المشروع الصهيوني يكمن في أن قياداته أدارت الصراع بصورة شمولية، وعلى أساس إستراتيجية صراعية متقدمة، ويخطئ من يظن أن الحركة الصهيونية مجرد عصابات منفلتة، يمكن وصفها خلقياً من جانبنا بالعصابات، لكنها في الواقع قامت بدورها ووظيفتها ارتباطاً بأهدافها من النقطة التي وصلت إليها أوروبا والدول الصناعية على صعيد التطور. هذا عنوان أول، العنوان الثاني هو تركيم مكونات القوة. الموضوع الآخر، في هذا السياق، يتمثل في صوغ معايير تتلاءم مع مصلحة المشروع العليا، وهي معايير كانت تتخطى الأفراد والأحزاب، وفي ضرورة الارتقاء بالأفراد إلى مستوى حاجة الوظيفة والدور المطلوب تأديتها، وليس العكس.
مع تعميق إيماني بضرورة وحدة الأمة العربية ككل، وأهمية ذلك لتحقيق شروط تحرير فلسطين، لا أنظر إلى الوحدة اليوم كمجرد شعار، ولا كما تمت بين سورية ومصر، وإنما من خلال عملية التراكم والتكامل، ومن خلال الوحدات الأصغر: وحدة مصر والسودان، وحدة المغرب، وحدة دول الهلال الخصيب، وحدة دول الخليج، لكن من الضروري التركيز على أهمية دور سورية فيما يتعلق بالقسم الآسيوي، وعلى أهمية دور مصر بالنسبة إلى القسم الإفريقي. جوهر الاشتراكية ألاً يقوم مجتمع على أساس الاستغلال، وفشل الأنظمة الاشتراكية لا يعني فشلاً للنظرية الاشتراكية ويجب أن يكون كل الاشتراكيين في العالم معنيين بدراسة أسباب فشل التجربة الاشتراكية الأولى.
( 14 )
رسالة الرفيق القائد الراحل جورج حبش إلى الشباب:
إن أهم ما يمكن أن أنقله للأجيال الصاعدة هو خلاصة تجربتي، وما احتوته من دروس، سواء كانت دروس الإخفاق أو دروس النجاح، عليهم أن ينطلقوا من حيث وصلنا، لا لتكرار تجربتنا وإنما بالاستناد إلى دروسها الثمينة كونها دروساً دُفعت أثمانها تضحيات ودماء غالية وعزيزة، وان يجتهدوا ويجاهدوا لتخطي إخفاقاتنا وأسبابها، وهذا مشروط بامتلاك الوعي والعلم والمعرفة كأدوات من دونها يستحيل التقدم، وان يملكوا الثقة بالذات، وبالمستقبل وبأن الهزائم لا تعني المساس بأهدافنا، فهي صحيحة وعلمية وعادلة وإنسانية إلى أبعد حد.
إن المهمات كبرى والتحديات جسيمة، وعلى شبابنا أن يشحذ عقله ويشمر عن ساعده ويندفع للعمل، عليه أن يتخطى أخطار التهميش والاستلاب والاغتراب، وان ينمّي روح التمرد الايجابي وتخطي نفسية الخضوع، وان يجاهد لتحرير المرأة من كل ما يعوق تقدمها ويحد من مبادرتها وإبداعها، وان يربط دائماً بين أصالته وضرورة امتلاك الحداثة وعدم وضعها في مواجهة مميتة، وان يجيد الإنتاج ليصبح جديراً بالاستهلاك، إنتاج الفكر والمعرفة والحضارة، والإنتاج المادي بمختلف ميادينه، وآمل ضمن هذا السياق، ألا يشكل فشل الأحزاب وقساوة الهزائم قوة تدمير لروح الانتظام والانتماء لدى شبابنا، فلا مجال للتقدم ومضاعفة الفعل من دون الانتظام الواسع ضمن أحزاب ومؤسسات ونقابات وجمعيات ونواد، للارتقاء بالانتظام الاجتماعي إلى مستوى التوحيد الشامل للطاقات، وتقليص هدرها وتوجيهها ضمن رؤية إستراتيجية شاملة.
إنني على ثقة بأن أجيال شبابنا الصاعدة والمتتالية لن تحتاج إلى من يلقّنها ما يجب أن تفعله، فليس من حق أحد، فرداً أو حزباً، أن يصادر حقها في تحديد طموحاتها وأهدافها مسبقاً، هذه حقيقة، لكن تقف إلى جانبها حقيقة لا تقل أهمية، وهي أن حياة الأمم والشعوب وتاريخها ومستقبلها ليست سلسلة مفككة لا يربطها رابط، إنما هي عملية تراكمية متواصلة، ومن لا يدرك تاريخه ويعيه لن يستطيع إدراك حاضره، وبالتالي مستقبله.
( 15 )
جورج حبش والموقف من أوسلو والوحدة الوطنية...
- مأساة أوسلو لا تعود إلى حدث بعينه، إنها في الواقع حصيلة تاريخية لما سبقها من مراحل، بل يمكن القول إنها حصيلة الهزائم المتراكمة عربياً وفلسطينياً، ولا أقصد بالهزائم فقط الانهزام العسكري أمام إسرائيل، بل أيضاً – وهذا هو الأهم – عناصرها الذاتية، أي الداخلية، بمعنى عجزنا عن تركيم وتأمين مقدمات الانتصار السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وعجزنا عن انطلاق فاعلية المجتمع العربي في كل الدول، وإبقاؤه تحت رحمة الاستلاب والخضوع وقمع الأنظمة البوليسية، فكيف يمكن تصور أن ينجح شعب في الانتصار على عدو متقدم يملك أسباب القوة كالعدو الصهيوني، ما دام ذلك الشعب لا يعرف معنى حريته الداخلية، وتسود فيه الغيبية والجهل والانغلاق على الذات، هنا تكمن مرجعية هزيمة أوسلو وغيرها من الهزائم العربية – الفلسطينية.
- الوحدة الوطنية ضرورة ملحة لمواجهة السرطان الصهيوني، شرط أن تقوم على أساس سياسي واضح، وعلى أساس ديمقراطي، وألاّ تكون تحت رحمة قيادة فردية.
- إن المرحلة السياسية الراهنة ليست ذاتها التي انطلقت منها الثورة الفلسطينية المعاصرة.. وبالتالي الشيء الطبيعي أن تختلف وسائل وأشكال النضال، وأولويات النضال وفقاً للظروف المناسبة، وعلى القيادات الفلسطينية المناضلة أن تقرأ اللوحة الدولية بكل تضاريسها كي تعرف أين موقعها في هذا الصراع الدائر على مستوى العالم.. وابتداع الأشكال النضالية المناسبة، كما عليها أن تدرك أن هذا التوازن الآن، بل الاختلال بتوازن القوى الدولية ليس إلا مرحلة سياسية قد تقصر أو تطول. فلا يجب على هذه القيادات أن تقدم على تنازلات تحت وطأة هذا العالم الأحادي القطبية.. فهو عالم ليس سرمدياً وأبدياً .. إنما عليها أن تؤسس لحركة وعي وطنية وقومية جديدة لدى الإنسان الفلسطيني والعربي، مضمونها بعث الهوية الوطنية والقومية لجهة عدم الاندماج في ما يسمى الهوية العالمية.. هذا تضليل من قبل الآخر لتسهيل مهمته في احتلال الأرض والعقل والثقافة .
( 16 )
رؤيته للصراع مع العدو الصهيوني....
- إننا في حالة صراع مفتوح، ونضال مستمر، وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي.. وليس مستغرباً أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن الأسماء والمسميات، وكل محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وعليه فإن كل المؤتمرات واللاءات والوثائق التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه وثوابته. هل استطاعت أوسلو ووثائقها أن تنهي الحق الفلسطيني، أو تعيد جزءاً من الحق الفلسطيني؟ إن «إسرائيل» تستطيع أن تقول لاءاتها. ولكن كل واحدة من هذه اللاءات سيواجهها شعبنا بضراوة كفاحياً وسياسياً واستراتيجياً.. ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لا تنحصر في عناوين هذه اللاءات الأربع.. إنما هي الأرض والشعب معاً، أي فلسطين التاريخية .
- أن الصراع مع عدو، كالصهيونية – وإسرائيل – والامبريالية، هو صراع تاريخي مفتوح لن تختزله لحظات انكفاء عابرة، هذا الفهم يدفع عملياً نحو ضرورة إدارة الصراع بطريقة شمولية، وبصورة يتساند ويتشابك فيها النضال التحرري القومي مع النضال الاجتماعي الديمقراطي، وهذا يعني وعي الديمقراطية كأداة للنهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع، فالديمقراطية، هي في حد ذاتها، ليست هي الحل وإنما بوابة للحل، أما الحل فهو قوى المجتمع وحريته القادرة على تحديد الأهداف والطموحات والنضال من أجل تحقيقها.
( 17 )
موقف الحكيم من حق العودة....
- حق العودة هو حق طبيعي، وقانوني، وجمعي وفردي، ليس لأحد في العالم أن يعبث به، فالمسألة واضحة كالشمس، هناك لاجئون أرغموا على ترك أرضهم وديارهم.. لهم الحق في العودة كحق طبيعي، ولهم الحق في العودة وفق قرار الأمم المتحدة 194، وهو قرار يجيز لهم العودة . والمنطق الطبيعي أن يعودوا لا أن يحل مكانهم مستوطنون قادمون من آفاق الأرض، وعليه فنحن ننظر إلى حق العودة كأساس وجوهر للمسألة الفلسطينية، ولا حلّ سياسياً بدون ربط حق العودة بالأرض والوطن والكيان السياسي للشعب الفلسطيني.
( 18 )
الأمين العام الرفيق جورج حبش والمسألة التنظيمية (الحزب):
- إن التنظيم الذي يقوم على أساس ماركسي لينيني، والفكر المنهجي المادي الجدلي، ويلتزم مصلحة الأغلبية المستغَلة والمضطهدة التي تكمن في الحرية والتحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، سينتصر بينما التنظيم الذي يقوم على أساس برجوازي سيفشل.
- أن الحاجة إلى بناء العامل الذاتي / الحزب، تشكل حتى اللحظة القضية المركزية التي تحتل موقعاً هاماً أساسياً في سلم الأولويات الضرورية من أجل تفعيل العلاقة الجدلية بين الظرف الموضوعي والعامل الذاتي كشرط لا بد من توفره لتجاوز الواقع الراهن.
- إن وقفة التأمل الايجابي التي نريدها، - من وجهة نظري – دعوة إلى التعمق في رؤية ما نحن عليه بصورة نقدية وتشخيص واقعنا بلا أية رتوش أو زيف، بعيداً كل البعد عن الاستخفاف أو المكابرة، تأمل لا يدعو إلى السكون، بل ينطلق من نبضات قلب جبهتنا وحركتها الصاعدة في إطار الحراك السياسي الاجتماعي العام، الوطني والديمقراطي على الصعيد الفلسطيني بارتباطه العضوي الوثيق بالمشروع التقدمي القومي العربي، إذ لم يعد هناك أية إمكانية للحديث عن تطور وتقدم المشروع الوطني الفلسطيني بانفصاله عن الحامل القومي العربي، أقول ذلك، رغم شدة التباعد أو الانفصام الراهن بين الوطني والقومي.
-ان أهم استحقاق على الصعيد التنظيمي يتمثل في قدرتنا في الجب...هة الشع...بية على تطوير بناها ومؤسساتها وأدائها بما يلبي الوظيفة والدور التاريخي الذي يجب أن تقوم به ارتباطا بما تمثله تاريخياً وما تطرحه راهناً من رؤية أيدلوجية وسياسية واجتماعية وكفاحية.
( 19 )
سؤال مفترض من الرفيق الحكيم جورج حبش .......
تكريس الانقسام وتَزايد الصراع بين حركتي فتح وحماس على السلطة وانسدادُ الأفق السياسي بالنسبة للدولة المستقلة والعودة أو المشروع الوطني لا فرق ، يجعلني أطرحُ سؤالاً أَخَالُهُ يخبرني الحكيمُ به لو كان بيننا، وهو سؤالٌ مُوَجَّهٌ لقيادة حركتي فتح وحماس ، ما هي الغنيمة الهائلة التي تتنازعان عليها ونحن تحت الاحتلال؟.. والجواب الصريح، لا شيء سوى مزيدٍ من التَفَكُكِ والانهياراتِ والهزائم ومزيدٍ من المعاناةِ والإحباطِ لشعبِنَا . فالحربُ بين الفلسطيني والفلسطيني لن تُحققَ نَصراً لأي منكما ، وإنما هزيمةً جديدةً لمن يزعم أو يعتقد انه انتصر .
( 20 )
موقف الثائر والمفكر الحكيم من الرجعية العربية ...
بالنسبة للرجعية العربية وقوى الكومبرادور وأنظمتها العميلة أكد القائد الراحل جورج حبش في المؤتمر الرابع للجبهة على أن التناقض مع الرجعية العربية هو تناقض رئيسي ، كما أن الجبهة لا تؤمن بشعار "عدم التدخل في شؤون الدول العربية في دائرة الصراع، وترى أن التحديد العلمي لموقع "الرجعية العربية" ، كقوة من قوى الخصم في المعركة المحتدمة بين الجماهير العربية وقواها الوطنية والتقدمية من جهة، وبين الإمبريالية والصهيونية من جهة ثانية ، يحمي الثورة الفلسطينية من مناورات ومخططات القوى الرجعية، وغيابه يعني غياب الرؤية الواضحة. ولا يعني ذلك أن تقوم الثورة الفلسطينية بمهمة التغيير في البلدان العربية وإسقاط الأنظمة، بل يعني "التحالف مع حركة الجماهير العربية وقواها التقدمية لإسقاط أي نظام عميل للتحالف الامبريالي/الصهيوني".
( 21 )
في مقاله عن أزمة اليسار العربي .. إلى أين ؟ كتب القائد الراحل د. جورج حبش .......
لا يمكن الحديث عن أزمة اليسار العربي ، وأسباب حالة الانكفاء والتهميش التي وصل إليها اليوم دون مراجعة تاريخ هذه الحركة ، والوقوف أمام أخطائها ومنعطفاتها على مستوى التكتيك والاستراتيجيا . ولا بدّ أيضاً النظر إلى الموضوع من منظور تاريخي جدلي يدقق ويتفحّص الصيرورة التاريخية لحركة اليسار العربي ، وأهم المفاصل والمحطات التي مرّ بها ارتباطاً بالظروف الموضوعية والذاتية ،الداخلية والخارجية .
( 22 )
الميراث الثوري للقائد الراحل جورج حبش... في الذكرى الرابعة عشر لرحيله نستذكر قناعته بضرورة بناء الحركة الشعبية الديمقراطية الثورية العربية..
إن الأثر العظيم لرفيقنا القائد والمفكر القومي الأممي الثوري، لا يُقوَّم فقط بما قدمه هو بالذات من إنتاج فكري سياسي تشهد له وثائق وأدبيات الجبهة الشعبية منذ تأسيسها حتى آخر لحظة من حياته، بل يُقوَّم بالأخص – وبالقدر نفسه – بما أحدثه من أثر نوعي في عقول وقلوب رفاقه عبر نضالات ومسيرة حركة القوميين العرب في الأردن والعراق واليمن وسوريا والخليج العربي وشبه الجزيرة العربية" ما يسمى بالسعودية" وعُمان ومصر و ليبيا ، جنباً إلى جنب مع مسيرة الجبهة الشعبية سواء في سلوكه الرفاقي وتواضعه الثوري ونبل أخلاقه ورؤيته الثاقبة ومصداقيته وإخلاصه المطلق للمبادئ والقيم التي عاش ومات من أجلها، عبر اندماجه الواعي بحاضر ومستقبل أمته الذي استطاع أن ينسج من خلالها مع كل رفيقة ورفيق في الحركة او في الجبهة، علاقة تجلت فيها أجمل وأصدق القيم الثورية والإنسانية التي اختلطت على المستوى الذاتي بأروع وأسمى معاني الأب القائد الحاني، المسئول والحامل لكل المشاعر الدافئة التي لم يجد معها كل من التقى به من رفيقاته ورفاقه عند مخاطبتهم له سوى الوالد الرفيق الحكيم، وقد كان وسيظل بالفعل أباً ورفيقاً وحكيماً ملهماً ليس لرفاقه الذين عرفوه فحسب، بل لرفاقه الكادحين من شابات وشباب شعبنا وأمتنا الذين سيسهمون في تجديد وبناء الحركة الشعبية الديمقراطية الثورية العربية من أجل تحقيق أفكار ومبادئ الحكيم الذي سيظل حياً بيننا، بريادته ونضاله وفكره، فهو فكر يجسد الانتماء للجماهير الشعبية الكادحة من العمال والفلاحين وكل الفقراء والمضطهدين والمستضعفين ... هذه الجماهير التي عاش ومات الحكيم مناضلاً من أجلها وملتحماً في مساماتها، فهي عنده صاحبة المصلحة الأولى في التحرر والتقدم، وهي أيضاً روح المشروع القومي الديمقراطي العربي المستقبلي وأداته الثورية الوحيدة، لذلك كله، سيظل الحكيم ساكناً في قلوبنا وعقولنا لأن أفكاره وممارساته طوال حياته حملت الكثير الكثير من المصداقية والالتزام لزماننا ولمستقبلنا.
( 23 )
القائد جورج حبش ودوره في تفعيل الحركة الثورية العربية ..
في السادس والعشرين من يناير 2008 رحل عنا من المكان الرفيق المفكر ،القائد الثوري الوطني القومي الاممي جورج حبش، دون ان يرحل من الزمان ومن عقول رفاقه واصدقائه ومحبيه ....فقد كان الحكيم من بين المئات من زملائه ورفاقه في مراكز القيادة في مسيرة النضال التحرري والديمقراطي القومي العربي ، ومن بين عشرات الآلاف من مناضلي شعبه على مدى قرن من الزمان، معلمٌ بارز ومنارة متميّزة، بل هو ظاهرة فلسطينية أضاءت - مع غيرها من الظواهر و المفكرين العرب -لمرحلة طويلة من تاريخنا القومي، والنضالي المعاصر، وبنت حولها هيكلاً شامخاً يلتحق به ويعمّره ويخصّبه ويطوّره كل من استنار بفكر جورج حبش وتدرّب على أسلوبه ودرس تجربته واعتنق دعوته ورفع رايته وشارك في حمل رسالته.
حكيم الثورة ، القائد والمعلم جورج حبش، هو ليس آخر عمالقة النضال الوطني الفلسطيني، لكنه كان عملاقاً قومياً وأممياً من طراز خاص، كان وسيظل له حضوره البارز والمؤثر ليس على المستوى الفلسطيني، بل والعربي والعالمي، وشكل قدوة ومثالاً ونبراساً لرفاقه في الجبهة كما لكل المناضلين التقدميين والقوميين الديمقراطيين في أرجاء الوطن العربي.
وعند الحديث عن الحكيم تختلط مشاعر الرهبة والقلق والحزن الممتزجة بمشاعر التفاؤل الثوري والاعتزاز والفخر بمسيرته النضالية مع رفاقه منذ بداية تأسيس حركة القوميين العرب ثم الجبهة الشعبية والجبهة القومية لتحرير اليمن والجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وجبهة تحرير ظفار والحزب الثوري في اجزيرة العربية " السعودية" وكلها مشاعل ثورية نضالية انتشرت في معظم ارجاء الوطن العربي من اجل انهاء واسقاط أنظمة التخلف المشيخي والاميري والملكي وغيرها من أنظمة التبعية والاستبداد الكومبرادوري لتحقيق اهداف الثورة الوطنية والقومية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية ،وسنظل أوفياء مخلصين لهذه المبادئ التي صاغها الحكيم الراحل ورفاقه ، واثقين من انتصار ثورة الجماهير الشعبية رغم ظلام هزيمة حزيران وما تلاها من مراحل تمترست خلالها قوى الرجعية بمساندة النظام الامبريالي وصولا الى كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة والتطبيع الراهن مع دولة العدو الصهيوني ، ذلك ان هذه المبادىء وحدها هي طريق المستقبل الذي تتحقق فيه آمال وتطلعات الجماهير، واننا على ثقة ان باستنهاض القوى اليسارية العربية الثورية واستعادة دورها الطليعي ومواصلة مسيرتها الكفاحية لتحقق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية على الرغم من كل التعرجات والعقبات وعلى الرغم من كل قوى اليمين وقوى الثورة المضادة بكل الوانها واطيافها ، لان الرؤى والمبادئ الماركسية الثورية والاخلاق التي آمن بها الحكيم وناضل من اجلها ، تظل بالنسبة لكل الثوريين عموماً والثوريين اليساريين العرب خصوصاً ، منارة تضيء الظلام لمن أراد أن يتحداه.
( 24 )
الوفاء لحكيمنا القائد الغائب الحاضر ...
إنني أعتقد أن الوفاء الحقيقي لهذا الغائب الحاضر ، لا يتجلى فحسب عبر الاحتفال بذكراه السنوية ، بل أيضاً والاهم لابد أن يتجلى في الإخلاص الحقيقي ، العقلاني ، الجدلي ، لمبادئه وأفكاره الثورية التي اكتسبت لديه مضامين أبعد من معانيها ومظاهرها المتعارف عليها، لأنها مبادئ وأفكار ارتبطت بالأيدلوجية الثورية، الماركسية ومنهجها العلمي الجدلي، بمثل ارتباطها بصيرورة حركة التحرر القومي الديمقراطي والتقدم الاجتماعي والاشتراكية، وهو ترابط جسّد التزام الحكيم الدائم بالجماهير الشعبية الفقيرة في فلسطين وكل أرجاء الوطن العربي باعتبارها صاحبة المصلحة الوحيدة في هذا الصراع ضد التحالف الامبريالي الأمريكي الصهيوني، وفي الدفاع الحقيقي عن أهداف التحرر الوطني والديمقراطي. ذلك هو المسار الذي حدده القائد الراحل لنفسه ولرفاقه في الجبهة مجسداً بذلك دور المثقف الثوري الذي استطاع أن يضرب لنا مثلاً رائعاً في إقامة العلاقة الجدلية الصحيحة بين المعرفة أو النظرية وبين الفعل والنضال الكفاحي والسياسي، إنها الوحدة بين النظرية والممارسة طريقاً وضمانة وحيدة صوب تحقيق المستقبل المنشود.