في إطار الحديث عن الفلسفة ومفاهيمها، من المفيد ان نستعرض سريعاً المباحث أو العناوين الكبرى الرئيسية التي تناولتها الفلسفة عبر عصورها المختلفة وهي كما يلي:
أ. الميتافيزيقا (ما بعد الطبيعة): افترضت الميتافيزيقا وجود عالم يقوم فيما وراء عالمنا المحسوس وهو عصي على الإدراك الحسي.
ب. المنطق: هو علم يدرس الاستدلال من حيث الصحة والفساد، بل يعمد إلى دراسة الشروط التي إن توفرت في أي استدلال كان صحيحاً وإن انعدمت منه كان فاسداً بغض النظر عن الميادين العملية التي يستخدم فيها.
ج. نظرية المعرفة ( الابستيمولوجيا): تتناول نظرية المعرفة مسائل أساسية أربع هي:
(1)أصل المعرفة البشرية ومصدرها. (2) طبيعة المعرفة البشرية. (3) صدق المعرفة أي كيف تتميز المعرفة الصادقة عن المعرفة الكاذبة. (4) حدود المعرفة البشرية.
د. فلسفة الأخلاق : وهي دراسة وتحليل الألفاظ والعبارات التي نستخدمها في حياتنا الأخلاقية ، "حق"، "باطل"، "خير" ، "شر" ، "فضيلة" ، "رذيلة" (وقد سبق أن تناولناها في دراسة "الأخلاق والحزب").
هـ. فلسفة الجمال : تتناول فلسفة الجمال دراسة وتحليل العبارات التي تستخدم فيها الكلمات "جميل" ، "قبيح".
و. فلسفة العلم : وهي دراسة وتحليل العلوم من حيث طبيعتها ومنهجها ومفاهيمها، وذلك من أجل تعميق فهمنا لها.
ز. فلسفة الدين: تعني فلسفة الدين بدراسة ما تنطوي عليه المعتقدات الدينية من مسائل عقلية تنشأ من تطبيق نظرية المعرفة على الدين.
وللفلسفة مباحث أخرى كفلسفة التاريخ وفلسفة القانون وفلسفة السياسة وفلسفة التربية وغيرها.
- في ضوء ما تقدم ، نشير إلى أن العرب حتى اللحظة لم يحلوا إشكالية الثنائية في خطابنا المعاصر (لا زلنا أسرى للانقطاع الفكري)ـ بين التراث والتحديث، ومازال الحاضر عندنا صورة أخرى من الماضي . (سبق أن عشنا خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين حالة من النهوض على يد الأفغاني والكواكبي ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين واحمد أمين وسلامة موسى وأنطوان مارون ، سرعان ما بدأت بالانحسار بفعل انتشار المد الأصولي المتزمت والأفكار الرجعية اليمينية التي توافقت مع مصالح النظام الحاكم والقوى الاستعمارية حتى قيام ثورة يوليو 1952 التي أسهمت بدور نهضوي تنويري علماني ملموس حتى عام 1970 وبداية مرحلة الانفتاح في عهد السادات حيث ترعرعت من جديد ، وبصورة أكثر انتشارا من أي مرحلة سابقة في مصر كما في بقية بلدان العالم العربي والإسلامي وفق المشهد السائد في هذه المرحلة) .
أولاً : الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الإقطاعية )
والفلسفة الإسلامية حتى القرن الرابع عشر
لا نعتقد إننا نجافي الحقائق الموضوعية في السياق التاريخي القديم اذا اكدنا منذ البدء على ان الاغريق ليسوا وحدهم من اوائل محرري الفكر والتساؤل عن طبيعة الواقع.
لأن الحضارات السابقة على الاغريق لم يكن التفكير عندها "مجرد تفكير من النوع العملي المباشر " فقط. حيث ان هذا الجانب العملي في الفلسفة الشرقية القديمة لم يكن سوى نتاجاً لأسلوب الحياة القائم على المركزية بما يتوافق مع نظام الرق أو الاسلوب الأسيوي الذي ساد في بلادنا إبان تلك المرحلة في الالفين الرابع والثالث قبل الميلاد ، فعند البابليين " كانت النجوم أصل العالم ، والقمر أبو الالهة ،والشمس تطفىء النجوم بما يحقق حركة النور والظلام "، وفي بابل كانت تعاليم حمورابي ، واختراع النظام الستيني الذي ما يزال يستعمل الى يومنا هذا ،كما وضعت في الشرق اسس الجبر والهندسة ، وحسب المؤرخ اليوناني هيرودوت فان " المصريين القدماء اول من توصل الى تحديد طول السنة ب 365 يوم " وعلوم الرياضيات التي تفوقت في حساب حجم الهرم والنظام الالهي القائم على التوحيد.
كذلك الأمر بالنسبة للفلسفة الهندية ، " ففي كتاب الفيدا، أفكار فلسفيه عن العالم و الإنسان ، والأخلاق والتي تسمى بالفلسفة البراهمانيه ( برهمان هو الله ) التي ظلت مسيطرة حتى ظهور البوذيه في القرن السادس قبل الميلاد " التي أسسها غاوماتا بوذا " أو المستنير و التي كانت وما زالت فلسفه أو ديانة قائمه علي الخضوع و الاستسلام ، إن حجر الزاوية في هذه الفلسفة ان الحياة مليئة بالشقاء ، واحتقار الحياة الدنيا و أن الخلاص من الشقاء " لا يكون إلا عبر " النرفانا " التي تعني الفناء في الاله.
ثم برزت الكونفوشية التي أسسها كونفوشيوس - 551-479ق.م-في الصين . و اشتهرت " بتعاليمها الأخلاقية السياسية التي تقوم على ان السماء هي الاله الاعلى.
إن أفضليه الفلسفة الإغريقية إنها كانت الرائدة في تحرير الفكر عبر تساؤلاتها عن طبيعة الوقع وحقيقة العقل والعديد من القضايا ذات الطابع المعرفي الشمولي.
في تعرضنا للفلسفة اليونانية يبرز كل من سقراط أفلاطون وأرسطو كمحور أساسي لهذه الفلسفة سواء في تلك المرحلة أو في عصرنا الراهن.
" سقراط " رائد الفلسفة الارستقراطية النخبوية الذي وقف بعناد ضد الديمقراطية في أثينا باعتبار أنها تؤدي -كما يقول- إلى الفوضى عبر تحكيم الجماهير الدهماء في هذه العملية.
وجاء أفلاطون ( 427-347ق.م ) من بعده كتلميذ نجيب لأستاذه ليستكمل الرسالة في العداء للديمقراطية وفق أسس مغايره ، انه فيلسوف الفردية الارستقراطية.
" ان التغير عند افلاطون معناه الاضمحلال ، بينما الكمال معناه انعدام التطور " لقد اراد مجتمعاً ثابتا يتولى ادارته نخبه مختارة من الارستقراط الذين يمتلكون القدرة على التفكير والتأمل للإشراف على ضبط "المجتمع الثابت ". وهذا ما نلاحظه لدى العديد من أنظمة التخلف أو أنظمة الصحراء في بلادنا ( السعودية والخليج خصوصاً) التي تكرس مفهوم الثبات لمجتمعاتها حتى اللحظة عبر سياسات القهر والاستبداد بذريعة دينية أو عشائرية ... إلخ ، انهم يمثلون اليوم معادلة "الميت الذي يحكم الحي" وقد آن للحي ... لكم أيها الرفاق ان تمارسوا التمرد والثورة على هذا الواقع.
ارسطو طاليس (384-322ق.م)
ارسطو لا يختلف جوهرياً عن استاذه افلاطون ، فإذا كان افلاطون فيلسوف الفردية الارستقراطية فإن ارسطو هو الفيلسوف الرسمي لإمبراطورية اوتوقراطية ، انه القائل " منذ المولد هناك اناس مُعَدُّون للعبودية واناس معدون للإمارة " .
أفضل أشكال الحكم عنده النظام الأرستقراطي الذي يعتمد حكم القلة من النخبة المختارة ، يرفض الديمقراطية لأنها كما يقول تقوم على افتراض كاذب بالمساواة.
فلسفة العصر الهيلنستي ( ما بعد الاسكندر - توفى 323ق.م )
في هذا العصر الذي امتد حتى القرن الثالث الميلادي ، بدأت ملامح انحلال مجتمع الرق ، في هذا العصر عبر ثلاث تيارات رئيسية :-
1- الريبية - مذهب الشك 2- الابيقورية 3- الرواقية .
لقد تكرست هذه الفلسفة تدريجياً مع " انتشار المراكز التجارية اليونانية في جميع انحاء آسيا الصغرى والمناطق الشرقية ، وأدت الى انفتاح الحضارتين الشرقية واليونانية وتداخلهما من جهة أخرى ، لدرجة أن " روح الشرق " تغلبت على الاسكندر.
لقد ساهمت كل هذه المقدمات -كما يقول ديورانت - الى تسرب الطقوس الدينية الشرقية الى جسم الامبراطورية وتداعت كافة السدود امام سيل هذه الطقوس ، وزاد انتشار الديانات الخرافية الغامضة التي تأصلت في نفوس الهيلينيين الأكثر فقراً.
المذهب الرواقي والابيقوري الذي كان في جوهره استسلاماً وقبولاً للهزيمة او محاولة لنيسان الهزيمة في أحضان اللذة والسعادة الابيقورية.
* فلسفة العصور الاقطاعية:
• ظهرت هذه الفلسفة بعد استقرار وتفعيل دور الكنيسة في الغرب خلال القرنين الثاني والثالث الميلاديين.
• هيمنة الأيديولوجية الدينية على الحياة الفكرية في هذا العصر حيث تحولت الفلسفة الى خادمة للاهوت عبر طابعها الرجعي التصوفي وكان مبررها ان الحكمة والمعرفة تتم فقط عبر الوجد الصوفي ورفض التجربة او طريق العقل، وهذا ما يحاول التيار الديني الأصولي المتزمت بإعادة تطبيقه في بلادنا رغم أنه غير قابل للتحقق أو الحياة إلا في ظروف مهزومة ومتخلفة كالتي تعيشها شعوبنا العربية اليوم.
ابرز فلاسفة هذا العصر : افلوطين (205-270م) الذي قال ان التطور يبدأ بالإلهي الذي لا يمكن الاحاطة به ويجب الايمان به .
اوغسطين (354-430م) الذي تأثر بالافلاطونية الجديدة، من اقواله "الانسان يملك الحرية ولكن كل ما يفعله بإرادة مسبقة من الله" الحياة الدنيوية سقوط وانفصال عن الازلي واتصال بالناقص الجزئي" " اننا نعرف الله لا بالتفكير بل بالإعراض عن التفكير" .
بعد ذلك ظهرت الفلسفة السكولائية (المدرسية scholasticism ) خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر المتأثرة بالافلاطونية المحدثة ومثلت التيار الرئيسي في فلسفة المجتمع الاقطاعي ، كان السكولائيون أعضاء مؤثرين في الرهبنة المسيحية وكانوا أعضاء في محاكم التفتيش ، من اهم مفكري هذا التيار توما الاكويني (1225-1274م) الذي خاض صراعا حادا ضد الرشدية حينما كان أستاذا في جامعة باريس.
مجابهة السكولائية:
بدأت المجابهة عبر عدد من المفكرين كان من أبرزهم العالم الفيلسوف روجر بيكون طرح فكراً نقدياً " للمدرسية عبر إعلانه أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب إزالة العوائق التي تعترض المعرفة " وأهم هذه العوائق عند بيكون: رواسب الجهل وقوة العادة والتبجيل المفرط لمفكري الماضي، وأن أفكارنا الصحيحة يجب أن تثبت بالتجربة " .
المقومات الفلسفية والفكرية والاجتماعية التي عرفتها أوروبا في العصر الإقطاعي:
1. انطلقت من فرضيات مذهبية جامدة لا يمكن إثباتها بالتجربة أو بالملاحظة .
2. لم تهتم بالعلوم أو الوقائع الحياتية . 3. لم تتطلع إلى البحث عن الحقيقة.
أ : المذاهب الإسلامية :
مارس المفكرون الإسلاميون نوعاً شجاعاً من الاجتهاد على نطاق واسع خلال القرون الأولى للحضارة العربية الإسلامية، وكان من نتيجة هذا الاجتهاد بروز المذاهب التي يتوزع المسلمون بينها إلى يومنا هذا.
ومن المعروف أن الاجتهاد قد توقف منذ القرن الثالث عشر الميلادي تقريباً، أو ما يمكن أن نطلق عليه حالة الانقطاع الفكري، حيث تجمد الفكر وضاق هامش التفسير الحر للشريعة، فلم يعد من الممكن الخروج عن حدود المذاهب المعترف بها.إن " الثقافة العربية الاسلامية تنقسم إلى ثلاث مجموعات : (1) علوم البيان من فقه ونحو وبلاغة. (2) علوم العرفان من تصوف وفكر شيعي وفلسفة وطبابه وفلك وسحر وتنجيم. (3) علوم البرهان من منطق ورياضيات وميتافيزيقيا .
أن الحضارة الاسلامية هي حضارة فقه ، في مقابل الحضارة اليونانية التي كانت حضارة فلسفة ، لقد تجمدت الحضارة العربية عند الفلسفة اليونانية ، وغاب عنها العنصر المحرك : التجربة ، بعد أن غلب عليها اللاهوت أو علوم العرفان أو اللامعقول "، بالطبع نحن نحترم الثقافة العربية الإسلامية كتراث، كما نحترم وبوضوح شديد الوعي الديني العفوي في أوساط جماهيرنا، لكن في نفس الوقت نؤمن بضرورة تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، إذا اردنا ان نتقدم إلى الامام صوب المستقبل .
لقد نشأت المذاهب الفكرية الإسلامية الأولى في عصر الخلفاء الراشدين، وكانت بداية الاختلاف في عهد عثمان بن عفان.
أولاً: كانت البداية في بروز "جماعة الخوارج" التي نشأت عام 37 هجري ( 657 م) وعرف عنها العداء الشديد لعثمان بن عفان في أواخر سنوات حكمه؛ وقرروا أن المسلم الذي تتوفر فيه شروط الإمامة له الحق أن يتولاها بصرف النظر عن نسبه وجنسه ولونه.
أجمعوا على أن الثورة تكون واجبة على أئمة الفسق والجور إذا بلغ عدد المنكرين على أئمة الجور أربعين رجلاً فأكثر.
انقسم الخوارج إلى عدة جماعات هي : الأزارقة _ النجدات _ الصفرية _ الأباضية وهذه الأخيرة لا تزال إلى يومنا هذا في عُمان ومسقط وشرق أفريقيا وأجزاء من المغرب وتونس.
ثانياً: جماعة المرجئة: وهي من الأرجاء، بمعنى التأجيل، وهذا المصطلح قد عنى في الفكر الإسلامي، الفصل بين الإيمان باعتباره تصديقاً قلبياً ويقينياً داخلياً غير منظور؛ وبين العمل باعتباره نشاطاً وممارسة ظاهرية قد تترجم أو لا تترجم عما بالقلب من إيمان.
ولا يضر هذا الإيمان ما يعلن صاحبه حتى لو أعلن الكفر وعبد الأوثان؛ فما دام العمل لا يترجم بالضرورة عن مكنون العقيدة فلا سبيل إذاً للحكم على المعتقدات، وما علينا إلا أن نرجئ الحكم على الإيمان إلى يوم الحساب.
وفي هذا السياق نشير إلى أن الدولة الأموية ( 661 م. _ 750 م. ) أشاعت في الحياة الفكرية آنذاك عقيدتي " الجبر والأرجاء " تبرر بالأولى مظالمها وما أحدثته من تحول بالسلطة السياسية ، خاصة استبدال الخلافة الشورية بالملك الوراثي، وتحاول أن تفلت بالثانية _ الإرجاء _ من إدانة المعارضة وحكمها على إيمان هذه الدولة وعقيدة حكامها بعد أن ارتكبت تلك المظالم.
ثالثاً: المعتزلة: لقد كانت المعتزلة من أصدق الفرق في الإسلام الذين جمعوا بين النص والممارسة في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انهم فرسان العقل في الاسلام.
اختلف المعتزلة عن السنة في عرضهم للأدلة، فهي عند أهل السنة ثلاثة: الكتاب _ السنة _ الإجماع ؛ بينما هي أربعة عند المعتزلة يضيفون العقل إلى هذه الأدلة الثلاثة ويقدمونه عليها جميعاً ، بل يرون أن العقل هو الأصل فيها جميعاً.
كان العصر الذهبي للمعتزلة هو عصر المأمون من ( 813 م. _ 833 م. ) والمعتصم (833م._ 842 م. ) والواثق ( 842 م. _ 847 م. ) وبموت هذا الأخير انتهى عصر المعتزلة وحصل الانقلاب ضدهم وضد نزعتهم العقلانية على يد المتوكل ( 847 م.
وحول خلق القرآن يرى د. مروه " أن المعتزلة أكدوا أن كلام الله ليس ( بقديم ) أي ليس من الصفات المعادلة للذات وإنما هو حادث أو مخلوق ككل شيء مخلوق في الكون.
- القرامطة : مذهب قام على الايمان بضرورة تطبيق المساواة الكاملة بين المسلمين والمساواة في الثروة.
رابعاً: الشيعة: وهي تعني لغوياً الأنصار أو الأعوان ، أما في إطار الفكر الإسلامي فقد غلب هذا المصطلح " الشيعة " على الذين شايعواً وناصروا علي بن أبي طالب ( 600 م. _ 661 م.) والأئمة من بنيه.
وأهم ما يميز الشيعة ، نظرية " النص والوصية " أي النص على أن الإمام بعد الرسول هو علي بن أبي طالب، الوصية من الرسول _ بأمر الله _ لعلي بالإمامة ، وكذلك تسلسل النص والوصية بالإمامة للأئمة من بني علي ، و صاحب هذه النظرية " النص والوصية " هو هشام بن الحكم _ توفي سنة ( 805 م. )؛ والشيعة تنقسم إلى عدة تيارات .
ب : الفلسفة الإسلامية : تميزت الفلسفة الإسلامية عبر رموزها من الفلاسفة المسلمين بغض النظر عن أصولهم عرباً أو فرساً بآليات ذهنية أو عقلية مشتركة في الجوهر بالرغم من اختلافها في الاجتهاد فيما يلي:
1. التوحيد بين " الفكر " و " الدين ".
2. تفسير الظواهر كلها برَدِّها جميعاً إلى مبدأ أول أو علة أولى ، تستوي في ذلك الظواهر الاجتماعية أو الطبيعية .
3. الاعتماد على سلطة " السلف أو التراث ".
4. اليقين الذهني والحسم الفكري " القطعي " ورفض أي خلاف فكري.
- الكنـدي ( 800 م. _ 879 م.): ويرى أن: " هذا العالم حادث وأن الله خلقه من العدم . إلى جانب ذلك يرى الكندي أن مصادر المعرفة هي العقل والحواس والخيال.
- الفارابــي ( 870 م. _ 950م.): درس أرسطو ووافق على أن الله هو العلة الأولى للوجود لكنه قال بوجود العالم الخارجي بشكل مستقل عن القوى الخارقة.
- ابن سينا ( 980 م. _ 1037م.): يعترف بالوجود الموضوعي للطبيعة ، ان ابن سينا رغم مثاليته إلا أن فكرته عن خلود العالم المادي تتناقض مع التصورات الدينية عند المسلمين وغيرهم عن نهاية العالم ومحدود يتهابن رشد ( 1126 م. _ 1198 م.): كان "يرى أن العالم المادي لانهائي في الزمان ولكنه محدود مكاني، وهو يرفض التصورات اللاهوتية عن خلق العالم من لا شيء "لم يرفض أبداَ وجود الله ولكنه يقول بأن الله والطبيعة معاً موجودان منذ الأزل ، فلم يكن هناك زمن وجد فيه الإله قبل أن توجد الطبيعة ، ويقول أيضاً أن الله هو المصدر الازلي للواقع ، في حين تشكل المادة الأساس الوحيد للوجود والمصدر الأزلي للمكان.
إخوان الصفا: ركزوا على البعد الانساني بين جميع الأديان، والفلسفة عندهم هي أشرف الصنائع البشرية بعد النبوة.
ثانياً: الفلسفة الأوروبية الحديثة: عصر النهضة وتطور الفلسفة الأوروبية
والتنوير حتى نهاية القرن الثامن عشر...
ولادة هذا العصر لم تكن عملية سهلة في المكان أو الزمان ولم تتم أو تظهر معالمها دفعة واحدة ، أو اتخذت شكل القطع منذ اللحظة الأولى. إذ أن هذا الانقطاع لم يأخذ أبعاده في الانفصام التاريخي إلاَ بعد أربع قرون من المعاناة وتحولات ثورية في الاقتصاد والتجارة والزراعة والمدن كانت بمثابة التجسيد لفكر النهضة والإصلاح الديني والتنوير من جهة والتلاحم مع هذه المنظومة الفكرية الجديدة من جهة أخرى، تمهيداً للثورات السياسية البرجوازية التي أنجزت كثيراً في هولندا في مطلع القرن السابع عشر ، وفي بريطانيا من 1641 _1688 ، ثم الثورة الفرنسية الكبرى 1789 _ 1815 ، والثورة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر.
لقد كان نجاح هذه الثورات بمثابة الإعلان الحقيقي لميلاد عصر النهضة والتنوير أو عصر الحداثة ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق الإلهي إلى المجتمع المدني، مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زلزالاً في الفكر الأوروبي.
أن الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة (الإقطاعية) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بما يدفع نحو الانتقال من حالة الجمود أو الثبات إلى حالة النهوض والحركة الصاعدة ، ذلك أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبلاء الإقطاعيين ورجال الدين.
كان لابد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه الأسس أن تسير في درب الانحطاط في ظروف بدأ فيها يتعزز العلم مع بدايات تشكل أسلوب أو نمط الإنتاج الجديد في أحشاء المجتمع الإقطاعي ما بين القرنين الرابع والخامس عشر، وقد كانت بداية ذلك التشكل عبر إطارين : إطار التعاونيات ، وإطار المانيفاكتورة.
ففي هذه المرحلة الانتقالية ، نلاحظ تطوراً ونمواً للمدن وظهور التجار والصناعيين وأصحاب البنوك ، والاكتشافات التكنيكية المغازل الآلية – دواليب المياه – الأفران العالية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامس عشر.
فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عززت تطور أسلوب الإنتاج الرأسمالي ضمن محورين أساسيين:
1. الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر.
2. ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري اللاهوتي السائد ، وأدت إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس ".
وظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين قطعوا كل صلة لهم بالكنيسة واللاهوت الديني المذهبي ، وارتبطوا مباشرة بالعلم والفن ، وقد سمي هؤلاء بأصحاب النزعة الإنسانية " HUMANISM ".
المراحل التاريخية لعصر النهضة:
البدايات الأولى مع ميكافيلي (1469-1527) وهو من أوائل المنظرين السياسيين البرجوازيين ، حاول في مؤلفاته البرهنة على أن البواعث المحركة لنشاط البشر هي الأنانية و المصلحة المادية، وهو صاحب مقولة: "أن الناس ينسون موت آبائهم أسرع من نسيانهم فقد ممتلكاتهم" ، إن السمة الفردية والمصلحة عنده هما أساس الطبيعة الإنسانية؛ ومن جانب آخر فقد رأى أن القوة هي أساس الحق.
نيقولا كوبرنيكس ( 1473 م. _ 1532 م. ): ساهم هذا المفكر في تحطيم الإيديولوجية اللاهوتية القائمة على القول بمركزية الأرض في الكون وذلك عبر اكتشافه لنظرية مركزية الشمس Helio Contricism التي قام على أساسها علم الفلك الحديث؛ وهذه النظرية من أهم منجزات "كوبرنيكس" على الإطلاق وهي تستند إلى مبدأين:_
أولاً: ليست الأرض ثابتة في مركز الكون بل تدور حول محورها الخاص؛ وقد استطاع من خلال ذلك تفسير تعاقب الليل والنهار. ثانياً: الأرض تدور حول الشمس مركز الكون.
- جوردانو برونو ( 1548 م. _ 1600 م. ): فيلسوفاً وعالماً فلكياُ، قام بتطوير وتصحيح نظرية كوبرنيكس، بدأ حياته راهباُ وبسبب أفكاره المادية انفصل عن الكنيسة وتفرغ لنظرياته العلمية، آمن بـ "لا نهائية" المكان أو لانهائية الطبيعة، ورفض مركزية الشمس في الكون مؤكداُ على أن لا وجود لهذا المركز إلا كمركز نسبي فقط "فشمسنا ليست النجم الوحيد الذي له أقمار تدور حوله". لقد حطم برونو التصورات القديمة عن العالم المخلوق ليجعل الكون ممتداً إلى ما لا نهاية وهو القائل بأن: "الكلمة الأخيرة في كل مجال من مجالات المعرفة تكمن في العقل وحده" ؛ ألقي القبض عليه من قبل محاكم التفتيش التي سجنته ثمانية سنوات أحرقوه بعدها على أحد أعمدة التعذيب بعدما رفض إنكار فلسفته وتوجهاته العلمية.
ليوناردو دافنشي (1452-1519)، وضع العديد من التصاميم للأجسام الطائرة .
جاليليو (1564-1642) ، صمم تلسكوب بنفسه كان لاكتشافاته في علوم الفلك دوراً كبيراً. يعتبر جاليلو من أبرز مفكري ذلك العصر الذين صاغوا النظرة الديئية (???? deism إلى الطبيعة التي اعتنقها عدد من فلاسفة ومفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ أسهمت هذه النظرة إلى جانب أصحاب النزعة الإنسانية والفلسفة البانتيئية ( وحدة الوجود ) في تعزيز وتطور الفلسفة العقلانية والمنهج المادي العلمي كمنطلقات أساسية لعصر النهضة.
ثالثاً: المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة الأوروبية في عصر الثورات البرجوازية أواخر القرن السادس عشر ونهاية القرن الثامن عشر
أدى تفسخ العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في النظام الإقطاعي الأوروبي إلى تغيير كبير في الدور الذي يلعبه الدين في المجتمع.
وفي ضوء هذا التطور الذي أصاب كل مناحي الحياة في عصر النهضة، رفع فلاسفة هذا العصر رغم الاختلافات بين مذاهبهم شعار "العلم" من أجل تدعيم سيطرة الإنسان على الطبيعة ورفض شعار العلم من أجل العلم.. لقد أصبحت التجربة هي الصيغة الأساسية للاختراعات والأبحاث العلمية التطبيقية في هذا العصر وأبرزها:
• صياغة القوانين الأساسية للميكانيك الكلاسيكي بما فيها قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن (1643 – 1727) .
• تطوير علوم الرياضيات والهندسة والفيزياء والأحياء_ ديكارت ولايبنتز
• اكتشاف الدورة الدموية- هارفي - " تأكيد اكتشاف ابن النفيس"
• قوانين الميكانيك وتعريف مفهوم العنصر الكيميائي_ بويل.
• ميزان الحرارة الزئبقي والضغط الجوي_ تورشيللي ( أحد تلامذة جاليليو)
لم يكن سهلاً لهذه الاكتشافات العلمية وغيرها أن تكون بدون تطور الفلسفة عموماً والمذهب التجريبي على وجه الخصوص ، في سياق الحراك والتناقض والصراع الاجتماعي الدائم والمستمر بوتائر متفاوتة في تسارعها بين القديم والجديد ، إذ أنه بدون هذه الحركة والتناقض لم يكن ممكناً بروز الدعوة من أجل التغيير والتقدم التي عبر عنها فلاسفة عصر النهضة في أوروبا أمثال فرنسيس بيكون، ديكارت، هوبس، لايبنتز، سبينوزا.
- فرنسيس بيكون ( 1561 م. _ 1626 م. ) : فيلسوف انجليزي "أول من حاول إقامة منهج علمي جديد يرتكز إلى الفهم المادي للطبيعة وظواهرها"(11) ؛ وهو مؤسس المادية الجديدة والعلم التجريبي وواضع أسس الاستقراء العلمي؛ فالغرض من التعلم عنده زيادة سيطرة الإنسان على الطبيعة وهذا لا يمكن تحقيقه إلاَ عن طريق التعليم الذي يكشف العلل الخفية للأشياء.
لقد شك بيكون في كل ما كان يظن "أنه يقين حق" غير أن الشك عنده لم يكن هدفاً بذاته بل وسيلة لمعرفة الحقيقة؛ وأول خطوة على هذا الطريق تنظيف العقل من الأوهام الأربعة "أوهام بيكون"
- رينيه ديكارت ( 1596 م. _ 1650 م. ): وهو فيلسوف فرنسي وعالم رياضيات وفيزيائي وعالم فسيولوجيا، كان "ديكارت" في مبحث المعرفة مؤسس المذهب العقلاني ، هذا المذهب الذي يرتكز عنده على مبدأ الشك المنهجي أو الشك العقلي "الشك الذي يرمي إلى تحرير العقل من المسبقات وسائر السلطات المرجعية" ومن سلطة السلف ، الشك الذي يؤدي إلى الحقيقة عن طريق البداهة العقلية كالحدس_ التحليل_ التركيب.
لقد أقام "ديكارت" وفق أسس الشك المنهجي والبداهة العقلية؛ يقينه الأول من مبدأه البسيط الذي عرفناه من خلاله "أنا أفكر.. أنا موجود" ، هذا المبدأ الأول هو بداية كل فكر عقلاني وهو ما سنجده مضمراً وصريحاً في الفلسفة العقلانية من ديكارت إلى ماركس .
- توماس هوبز ( 1588 م. _ 1679 م. ): أحد فلاسفة القرن السابع عشر ، تأثرت فلسفته المادية بالثورة البرجوازية الإنجليزية ضد الأرستقراطية الإقطاعية في تلك المرحلة؛ رفض هوبز في مذهبه في القانون والدولة نظريات الأصل الإلهي للمجتمع .
- جوتفريد فيلهلم لايبنتز ( 1646م. – 1716م. ) : وصل من خلال اللاهوت " Theology " إلى مبدأ الترابط المحكم (الشامل والمطلق) بين المادة والحركة" بعكس "ديكارت" الذي يقول: بجوهرين مستقلين مادي وغير مادي؛ التزم بمبدأ التجريبية في المعرفة التي تعتبر الأحاسيس شيئاً لا غنى عنه للمعرفة.
في مؤلفه "العدالة الإلهية".. حاول أن يبرهن فيه على أن عالمنا الذي خلقه الله هو بالرغم مما فيه من شرور، أحسن العوالم الممكنة _عندنا في الشرق مثلاً يقال: لو اطلعتم في الغيب لاخترتم الواقع_ فما نراه من شرور هو شرط ضروري في رأيه للتناسق في العالم ككل ، في رأينا إن جوهر هذه الفلسفة هو الاستسلام للأمر الواقع ، وهو يقترب من فلسفة " ليس في الإمكان أبدع مما كان " .
- باروخ سبينوزا (1632م. – 1677م. ) : وهو يهودي هولندي.. تشكل فلسفته أحد الاتجاهات الرئيسية في مادية القرن السابع عشر؛ وقد أكد على أن الفلسفة يجب أن تعزز سيطرة الإنسان
على الطبيعة.. دحض سبينوزا افتراءات رجال الدين اليهود عن "قدم التوراة" وأصلها الإلهي.. فهي ، أي "التوراة" كما يقول ليست وحياً إلهياً بل مجموعة من الكتب وضعها أناس مثلنا وهي تتلاءم مع المستوى الأخلاقي للعصر الذي وضعت فيه.. وأنها "سمة لكل الأديان" حول الحكم يعتبر "سبينوزا" أن الحكم الديمقراطي هو أرفع أشكال الحكم بشرط أن يكون تنظيم الدولة موجهاً لخدمة مصالح كل الناس.
- جون لــوك ( 1632م. – 1704م. ) : ن كبار فلاسفة المادية الإنجليزية، وقد برهن على صحة المذهب الحسي المادي الذي يرجع جميع ظروف المعرفة إلى الإدراك الحسي للعالم الخارجي.
رفض وجود أية أفكار نظرية في الذهن.. فالتجربة بالنسبة له هي المصدر الوحيد لكافة الأفكار..! وحول فلسفته يقــول ماركس :"لقد أقام لوك فلسفة العقل الإنساني السليم.. أي أنه أشار بطريقة غير مباشرة إلى أنه لا وجود لفلسفة إلاَ فلسفة البصيرة المستندة إلى الحواس السليمة".
- جون ستيوارت مل (1632-1704)، قال بأن جميع أشكال المعرفة تعود إلى الإدراك الحسي المادي للعالم الخارجي .
التنويـــر الفرنسي والفلسفة الألمانية في القرن الثامن عشر :
أولاً : التنوير الفرنسي :
شهدت فرنسا قبيل الثورة البورجوازية الفرنسية (1789) بأربعة عقود حركة فكرية واسعة وقوية عرفت "بحـركة التنوير" ، وضع رجالها نصب أعينهم مهمة نقد ركائز الإيديولوجية الإقطاعية، ونقد الأوهام والمعتقدات الدينية والنضال من أجل إشاعة روح التسامح الديني وحرية الفكر والبحث العلمي والفلسفي وإعلاء شأن العقل والعلم في مواجهة الغيبية.
- شارل مونتسكيو (1689-1755) : صاحب كتاب "روح القوانين".. يرى أن الضمانة الأساسية للحرية في المؤسسات الدستورية التي تحد من العسف وتكبحه ، يرى في التفاني وإخلاص كل فرد وتضحيته من أجل المصلحة العامة ، القوة المحركة في النظام الديمقراطي وأساس ازدهاره .
ومن أهم آرائه ، رأيه في الحكم المطلق الذي يعتبره شكلاً مناقضاً للطبيعة الإنسانية ومناقضاً للحقوق الشخصية وحصانتها وأمنها.
- فرانسوا فولتير ( 1694م. – 1778م. ) : عاش كل حياته مناضلاً ضد الكنيسة والتعصب الديني وضد الأنظمة الملكية وطغيانها؛ رفض فولتير جميع تعاليم الديانات _الإيجابية_ في صفات الله لكونها تفتقر إلى البرهان.
- جان جاك روسو ( 1712 – 1778 ) : من الذين نادوا بالمصالح البرجوازية ضد الإقطاع ، فقد ناضل روسو ليس فقط ضد السلطة الإقطاعية بل كان مستوعباً لتناقضات المجتمع الفرنسي أكثر من غيره؛ فقد وقف مع وجهة نظر البرجوازية الصغيرة "الراديكالية" والفلاحين والحرفيين.. وكان موقفه أكثر ديمقراطية من معاصريه.
ففي كتابه "العقد الاجتماعي" يحاول روسو البرهنة على أن الوسيلة الوحيدة لتصحيح التفاوت الاجتماعي هي في ضمان الحرية والمساواة المطلقة أمام القانون .
- ديني ديدرو ( 1713 - 1784 ): من أبرز وجوه الماديين الفرنسيين على الإطلاق.. ينطلق في أفكاره من القول بأزلية الطبيعة وخلودها فليست الطبيعة مخلوقة لأحد ولا يوجد سواها أو خارجها شيء مطلق؛ وقف ضد التفسير المثالي اللاهوتي للتاريخ الإنساني ليؤكد مع زملائه الماديين الفرنسيين أن العقل الإنساني وتقدم العلم والثقافة هي القوة المحركة لتاريخ البشرية.
يرى أن الطريق إلى الخلاص من عيوب أشكال الحكم القائم لا يمر عبر الثورة بل من خلال إشاعة التنوير في المجتمع.
- ثانياً : الفلسفة الألمانية :
عمانويل كانت ( 1724 - 1804 ): في مؤلفاته انطلق من نظريته عن "الأشياء في ذاتها" والظواهر؛ إلى القول: أن هناك عالم مستقل عن الوعي (الحواس ، الفكر) ، وهو عالم الأشياء التي يسميها "الأشياء في ذاتها" والعالم المستقل عن الوعي هو العالم الموضوعي.
عارض مزاعم الإقطاع الألماني في "أن الشعب لم ينضج بعد للحرية؛ مبيناً أن التسليم بصحة هذا المبدأ يعني أن الحرية لن تأتي في يوم من الأيام.
إن "كانط" يفهم الحرية المدنية على أنها حق الفرد في عدم الامتثال إلاَ للقوانين التي وافق عليها مسبقاً واعترف بمساواة جميع المواطنين أمام القانون.
جورج ويلهلم فريدريك هيجل (1770 - 1831 ) : تكمن مأثرته التاريخية العظيمة في أنه كان أول من نظر إلى العالم الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية؛ أي في حركة دائمة وفي تغير وتطور. لقد صاغت فلسفة "هيجل" بشكل منظم النظرة "الديالكيتكية" إلى العالم .
نقطة الانطلاق في فلسفة "هيجــل" : إن الوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي: "وحدة الوجود والفكر" ، يرى "هيجــل" أن الفكر "يغيــــر" وجوده إلى شكل مادة، طبيعة.. وهي وجود آخر لهذا الفكر القائم موضوعياً والذي يسميه هيجــل "بالفكرة المطلقة"؛ وهكذا إن العقل ليس ملكة خاصة بالإنسان بل هو الأساس الأوَّلي للعالم، ولذا فان العالم يتطور وينمو وفقاً لقوانين الفكر أو العقل.. وبهذا يكون الفكر أو العقل عند هيجــل هو الجوهر المطلق _المستقل عن الإنسان والإنسانية_ للطبيعة والإنسان والتاريخ العالمي؛ وأن هذا الفكر كماهية جوهرية موجودة لا خارج العالم بل في العالم ذاته بوصفه المستوى الداخلي لهذا العالم.
إن المساهمات الرئيسية للديالكتيك الهيغلي يمكن تلخيصها في:
1. رابط الأشياء فلا يمكن قبول أي حدث بمعزل عن الأحداث الأخرى.2. رفض النهج الميتافيزيقي الذي ينظر إلى الأشياء بعزلها عن بعضها البعض، فعلى سبيل المثال ليس هناك شيء اسمه "الطبيعة الإنسانية" في حد ذاتها _أي موجودة في خارج الإنسان_ بل هناك طبيعة إنسانية في هذا الموقف أو ذاك.
3. يدعونا إلى النظر إلى الأشياء كافة لا كأشياء جامدة لا تتحرك ولكن أن ننظر إليها كأشياء سبق أن كانت أشياء أخرى وستكون في المستقبل شيئاً جديداً مختلفاً فليس هناك من شيء دائم؛ كل شيء في مرحلة انتقال وفي تطور دائم .. هذه هي عظمة المنهج الجدلي عند هيجل.
بعد هيجــل اختلف الكثيرون حول فلسفته وبرز تيارين رئيسيين انعكاساً لها أو دفاعاً عنها؛ تيار يميني دعي ممثلوه بالهيغليين الشيوخ الذين تمسكوا بالأيدلوجية الإقطاعية/ المسيحية ضد التيار اليساري أو الهيغليون الشباب.
حركة الهيغليين الشباب التي لعبت دوراً تقدمياً في الثلاثينات من القرن التاسع عشر وكان ماركس أحدهم .
لودفيج فيورباخ (1804 – 1872 ): كان هدف فيورباخ تحرير الإنسان من الوعي الديني؛ وفي مؤلفه "نقــد فلسفــة هيجـل" أعطى حلاً مادياً للمسألة السياسية في الفلسفة وهذا الحل يرتكز على اعتبار الطبيعة، أو الوجود، أو المادة واقعاً ينشأ عنه بالضرورة العقل المفكر. اقترب في أواخر حياته من الاشتراكية العلمية خصوصاً بعد أن قرأ رأس المال.
وفي رأيه إذا كان الدين يعد الإنسان بالنجاة بعد الموت فإن الفلسفة مدعوه لتحقق على الأرض ما يعد به الدين في عالم الغيب.. أي أن على الفلسفة أن تلغي الأوهام الدينية لتوفر وتعطي الإنسان القدرة على معرفة إمكانياته الحقيقية في بلوغ السعادة.
كارل ماركس : ( 1818 – 1883 ) :
مؤسس فلسفة المادية الجدلية والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي ، " ولد في ترييف – بألمانيا، نال درجة الدكتوراه في الفلسفة عن رسالته بعنوان " الاختلاف بين فلسفة ديموقرطيس الطبيعية وفلسفة إبيقور " عام 1841 .
اكتشف لأول مره الدور التاريخي للبروليتاريا وتوصل إلى النتيجة القائلة بحتمية الثورة الاجتماعية وضرورة توحيد حركة الطبقة العاملة ، كما وضع نظرية فائض القيمة التي تمثل حجر الزاوية في الاقتصاد السياسي الاشتراكي وتكشف بوضوح عملية الاستغلال الرأسمالي.
إصدر في عام 1867 المجلد الأول لكتابه الرئيسي البالغ الأهمية " رأس المال " والذي تم استكماله فيما بعد على يد رفيقه " فريدريك انجلز "(3) 1885و1894 .
إن مأثرة فلسفة ماركس تكمن في كونها البرهان الفلسفي والعملي في آن واحد على حتمية التحويل الجذري للمجتمع نحو الانعتاق والتحرر والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية رغم كل ما يتبدى اليوم من عوامل القهر والتخلف .
المقدمات الأيديولوجية لظهور الماركسة : مصادر الفلسفة الماركسية : أولاً : الفلسفة الألمانية : هيجل : (1770 – 1831).
ثانياً : الاقتصاد السياسي الانجليزي.
ثالثا: الاشتراكية الطوباوية: وأهم الرموز : سان سيمون (1760 – 1825 ) وفورييه ( 1772 – 1837 ) وروبرت اوين (1771 –1858 ).
- قوانين الديالكتيك الأساسية : (1 ) قانون الانتقال من التراكمات الكمية إلى التبدلات النوعية
(2) قانون وحدة وصراع الأضداد أو المتناقضات . (3) قانون نفي النفي .
لقد أقامت الماركسية البرهان العلمي على أن الحل المادي لكافة مشكلات الحياة الاجتماعية إنما ينبع من الحل المادي لمسألة علاقة الوجود الاجتماعي ، بالوعي الاجتماعي الذي بدوره يمارس تأثيراً عكسياً على الوجود الاجتماعي .
ولكن لابد لنا – في هذا السياق – من أن نطرح سؤالاً حوارياً .. أليس من واجب المثقف العربي التقدمي الملتزم ، أن يعيد النظر – أقصد بالعقل الجمعي – بهدوء وعمق ، في كثير من جوانب ومعطيات الماركسية التي تلقيناها ودرسناها بشكل ميكانيكي تابع إلى حد بعيد لكل ما صدر عن المركز في موسكو ، دون أي نقاش أو تحليل نقدي ، بحيث أصبح واقعنا الاجتماعي الاقتصادي العربي في واد ، والنظرية – عبر تلك العلاقة – في واد آخر ، ودون إدراك منا لأهمية إعادة دراسة عملية التطور التاريخي لبلدان وطننا العربي ، والعالم الثالث أو بلدان الشرق عموماً ، وهو تطور يختلف جوهرياً عن تلك التشكيلات الاجتماعية في أوروبا ، وتسلسلها الذي تناولته المادية التاريخية ؟؟
من ناحية ثانية ، لماذا بقى المثقف العربي – بشكل عام – متلقياً للمعرفة ، عاجزاً عن إنتاجها ؟، لاشك أن الأسباب كثيرة ، ولكن يبدو أننا جميعاً – كما يقول المفكر العربي الراحل محمود العالم "لا نملك المعرفة الحقيقية بالماركسية " وعلينا أن نعترف بأن " معرفتنا الحقيقية بالماركسية ، معرفة محدودة ، مسطحه ، واليوم ونحن نتساءل عن مصير الماركسية وأزمتها ، فإن تساؤلاتنا وإجاباتنا ستكون بالضرورة محدودة بحدود معرفتنا بالفكر الماركسي " .. لقد غلب الفكر العملي ( البرجماتي ) والفكر النظري الانتقائي والتوفيقي في ثقافتنا الراهنة ، وهذا هو بداية التناقض الرئيسي ( أو الطلاق ) مع الماركسية ، فالماركسية تقف من حيث جوهرها ضد أمرين : ضد التجريد المطلق من ناحية ، وضد التجريب البرجماتي من ناحية أخرى " ، إن " مادية ماركس ، تعني معرفة الاشياء والوقائع كما هي في تحققها الفعلي لافي تصوراتها الوهمية " ولا في جزئياتها المنعزلة عبر النقل الميكانيكي لها.
على أنه – كما يضيف مفكرنا الراحل محمود العالم بحق – " برغم ما حدث خلال السنوات الماضية ، وبرغم البلبلة الفكرية التي تغذيها ترسانة البلاد الرأسمالية ضد الفكر الاشتراكي عامة ، والماركسي خاصة ، فلم تبرز الحاجة إلى الاشتراكية وإلى الفكر الماركسي كما تبرز إليه هذه الأيام ، فالحكم على الاشتراكية لا يكون بما أصاب التجربة السوفيتية من انهيار ، وإنما الحكم الصحيح على الاشتراكية والماركسية يكون بما تعانيه الرأسمالية العالمية اليوم من عجز عن تقديم حلول للمشكلات الاساسية للواقع الانساني ، بل وبشراستها العدوانية والاستغلالية ازاء شعوب العالم الثالث بوجه عام " ، وهكذا تبرز الماركسية كضرورة تتطلع إليها هذه الأوضاع التي تزداد تردياً في حياة شعوب البلدان المتخلفة والنامية عموماً وبلدان وطننا العربي على وجه الخصوص .
في ضوء ما تقدم، تكمن أهمية الفلسفة العقلانية عموماً من أجل التنوير واعمال الفكر في كل الظواهر المحيطة بنا، وهو امر هام ، لكن أهمية الفلسفة الماركسية تكمن في كونها تجمع بين إعمال الفكر والعقل من أجل التغيير والثورة على كل أشكال الاضطهاد والاستغلال والقهر خصوصاً... وهي بالتالي تجيب على كل أسئلتنا إذا ما استخدمنا منهجها المادي الجدلي وطبقناه على واقعنا الفلسطيني بصورة جدلية وواعية... وهو هدف لا بد ان يحمله ويناضل من اجله كل عضو في حزبنا/جبهتنا... إذ اننا أمام تحديات هائلة .. تحديات الصراع مع العدو الصهيوني وتحديات العولمة الإمبريالية.. وتحديات التحرر والاستقلال وحق العودة والدولة المستقلة كاملة السيادة... تحديات التبعية والتخلف الاجتماعي والاصولي .. تحديات الواقع الفلسطيني والعربي المفكك والمهزوم ... تحديات الاقتصاد والتنمية المستقلة والأمن الغذائي والمياه .. تحديات البطالة والفقر ... تحديات المستقبل الذي تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والوحدة العربيـة.
أخيراً .. لقد استهدفنا عبر كل ما قدمناه من نصوص مكونة لهذه المحاضرة، ليس فقط للفهم والتأمل العقلاني الفلسطيني والمعرفي فحسب، بقدر ما هي أيضاً دعوة لمزيد من الحركة النضالية والمجتمعية على جميع المستويات، ومزيد من التوسع التنظيمي لحزبنا في أوساط الجماهير الشعبية التي يتوجب علينا الالتحام في صفوفها بكل ما فينا من مصداقية الثوري وتواضعه، انطلاقاً من حرصنا الشديد على استيعاب هويتنا الفكرية .. النظرية الماركسية في صيرورتها وتطورها الدائمين بعيداً عن كل أشكال ومظاهر الثبات أو الجمود أو العقائدية من ناحية، والوعي العميق بكل مكونات واقعنا الفلسطيني والعربي بما يمكننا من الإسهام بصورة واضحة في تطبيق شعاراتنا وسياساتنا على طريق النضال في إطار الحركة الماركسية العربية من أجل تغيير هذا المشهد السوداوي الذي نعيشه اليوم.