في مقالة سابقة كتبتها حول سوريا تحت عنوان رياح التطبيع تهب على سوريا أوضحت فيها حجم المؤامرة التي تعرضت لها والصمود الأسطوري للشعب والجيش والقيادة السورية، في وجه الحرب الكونية والمحاولات التي تجري لإخضاع سوريا وإلحاقها، بركب التطبيع عبر الدبلوماسية التي تفوح منها رائحة الكاز والغاز ومخططات رأس الشر العالمي، لحصار سوريا اقتصاديا، بعد فشل الحل العسكري، وتقديم اغراءات عبر الخادم الإماراتي، لتلتحق سوريا بمهرجان التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، والرد السوري على هذه الاحتفالية الدبلوماسية والعنجهية الاقتصادية، الممثلة بقانون قيصر، وخلصت إلى نتيجة مفادها: أن سوريا لن تصمد طويلاً أمام هذه الهجمة القديمة الجديدة، وأوضحت مسوغات هذا النتيجة، وعلى ضوء ذلك، تلقيت العديد من التعليقات عبر الصفحة وأخرى على الخاص أو بحوارات مباشرة مع الأصدقاء تمحورت حول منفصلين أساسين:
المفصل الأول: طالب بالتريث، واعتبر أن ما أوردته يقع تحت عنوان خوفي وقلقي على سوريا وأن ما يحدث ستواجهه سوريا قيادة وشعبا، ووجهة النظر هذه احترمها وأحترم أصحابها، رغم الاختلاف النظري في تحديد الموقف السياسي من أي حدث.
المفصل الثاني: اعتبر أن موقفي من دعم وتأييد سوريا كان خاطئ من البداية، وهذه النتيجة الطبيعية لمسار النظام السوري، ورافق هذا الرأي كيل من الشتائم وحالات التخوين للقيادة السورية ودورها، وأرسل التهاني لي لأن الغشاوة قد ازيحت من أمام عيني ووو.. وهؤلاء وقعوا رغم تاريخهم النضالي تحت إرهاب فتى الموساد المدلل الفكري وفاحت من كتاباتهم رائحة النفط والكاز وتنعموا بالبترودولار على شواطئ قطر .
أما أصدقاء المفصل الأول، فإنني أود توضيح مسألة غاية في الأهمية، مفادها عدم الوقوع في خطأ التحليل السياسي القائم على - انصر أخاك ظالما أو مظلوما أو الستاتيكا السياسية - لأن السياسة فن المتغير والرؤية السياسية، يجب وبالضرورة أن تعتمد المنهج الجدلي العلمي والتحليل الطبقي. فالبرجوازية لعبت وتلعب دورا وطنيا في تاريخ الصراع وينتهي هذا الدور بانتهاء مصالحها، والقيادة السورية بتركيبتها الطبقية برجوازية لعبت وتلعب دورا وطنيا، لأن مصلحتها تقتضي ذلك. فالمؤامرة عليها تهدف إلى تدمير دورها ونفيها سياسيا، عبر تدمير الوطن اقتصاديا وعسكريا، لفتح المجال لقيادة عميلة تتساوق مع مخططات التطبيع مع الكيان الصهيوني، العدو الرئيس لسوريا، والمعني بتدميرها اقتصاديا بالدرجة الأولى وإلحاق الهزيمة العسكرية والسياسية بقيادتها، مع اكتساء هذا الصراع خصوصية تتعلق بماهية وشكل الصراع القومي مع الكيان الصهيوني الإحلالي، والذي تجاوز الصراع معه من الحدود الإقليمية إلى القومية، بوصفه عدوا محتلا وتوسعيا، يسعي للسيطرة على المنطقة العربية بمجملها؛ فنراه يحارب في سوريا ويضرب في اليمن، ويطبع في مملكات الكاز، ويغزو المغرب العربي اقتصاديا، ويعقد اتفاقيات صلح مع مصر والأردن، وتحالف مع تركيا حليفه الاقتصادي والسياسي، ويبني منصة للغاز لتزويد أوروبا بالغاز القطري، أي أن هذا الكيان له المصلحة الحقيقية في تدمير كل من يقف في وجه مخططاته، وأن الصراع معه صراعا وجوديا، مما يفرض على القيادة السورية التي أدركت وتدرك حجم الخطر الصهيوني، أن تقف بكل قوتها ضد مخططاته العسكرية والسياسية التي تحيكها قوى الشر العالمي وحليفها الاستراتيجي، وأن تكون حذرة دائما من أي محاولة لجرها، لأن المستهدف رأس النظام والوطن برمته. وهنا مصدر قلقي وخوفي، ليس من الانحنائة المحتملة للقيادة السورية كما فهم البعض، بل خوفاً عليها من حجم المؤامرة التي تعرضت وتتعرض لها، ونحن نكتفي بالتغني بصمودها وصلابة قيادتها وعنفوان شعبها وشكل الهجمة الجديدة عليها التي تأخذ بعدا لا يقل خطورة عن الحرب العسكرية، عبر تقديم حزمة من الهبات والمساعدات الاقتصادية والتعهدات السياسية، مقابل التعاطي مع مخطط التطبيع الصهيوني.
أما المفصل الثاني، والذي اترفع عن توضيح موقفي له، بل أرد عليه ردا يليق بخادمهم ومشغليهم، أنه رغم الهجمة الكونية على سوريا، وحشد كل المرتزقة، وإدخالهم للوطن السوري وتدخل الكيان الصهيوني بشكل مباشر وغير مباشر في الحرب، وتدخل اللص العثماني في شرق المتوسط، وحجم ماكينة الإعلام البترودولارية التي سخرتها إمارة الغاز لفبركة الأحداث وعولمة الكذب الإعلامي، رغم كل ذلك استطاعت سوريا أن تحرر حلب وتوقف نزف عفرين وتطهر الجنوب السوري من المرتزقة بكل أطيافهم، وتحافظ على ممر آمن في القصير لدعم المقاومة في لبنان وتحبط كل محاولات قوى الشر للنيل من سوريا التي لن تقدم على تنازلات سياسية لم يستطع مشغليكم تحقيقها في الحرب، وستبقى سوريا: قلعتنا الأخيرة فلنحافظ عليها. َ