انعقاد الدورة الحالية للمجلس المركزي له من الأهمية للداعين له، من اجل اتخاذ قرارات "هامة ومصيرية"، كما صرح بذلك محمود عباس الذي نسق لها مع كل الأطراف، المقررة والمنفذة، حيث التقى مرتين مع وزير الحرب الصهيوني، وأجرى مكالمات مع المايسترو الأمريكي وتوجت بجولة في دول المحيط، وذلك من ـجل "كسر الجمود" في عملية التسوية وإعادة المفاوضات مع "إسرائيل" لمسارها العلني والمباشر.
من هنا يأتي رفض القوى السياسية، وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين العضو الأساسي والمؤسس في المنظمة، المشاركة في هذا الاجتماع الذي ينعقد في ظل موازين قوى مختله تمامًا لصالح العدو، واندفاع الأنظمة النفطية الرجعية والحلفاء التقليدين للإمبريالية لمزيد من الانخراط مع العدو الصهيوني في تحالفات سياسية وأمنية عسكرية. هو رفض من أجل الدفاع عن القضية الوطنية والأرض الفلسطينية وعدم "السقوط" في مستنقع ووحل "أوسلو" الذي هو الخيار السياسي الوحيد لليمين الفلسطيني، والذي يريد فرضه على كل من يشارك معه في هذه المسرحية، والتي ستكرس "المركزي" كأداة للسلطة وبيت للأوسلويين. لهذا لم تنجح كافة المحاولات التي بذلتها القوى السياسية والشعبية الفلسطينية قي اقناع محمود عباس وحفنه من المحيطين به، للتراجع عن قرارهم بعقد المجلس المركزي، وإعطاء الأولوية "للحوار الوطني" الذي يهدف إلى الاتفاق على عدد أعضاء المجلس الوطني وانتخابهم ديموقراطيًا، حيث أمكن من أجل" عقد دورة توحيدية للمجلس الوطني"، يشارك فيها كل المكونات السياسية والفكرية للشعب دون استثناء لأحد. دورة تراجع استراتيجية وبرامج وسياسات وممارسات أصحاب النهج الذي هيمن على المؤسسات الفلسطينية وتحكًم بقراراتها منذ أن استولى على منظمة التحرير حتى الآن، مجلس يحاسب المشاركين فيه، أي ممثلين الشعب الحقيقيين والشرعيين، "القيادة" المسؤولة عن الاعتراف بشرعية "دولة" الحركة الصهيونية في فلسطين وتبديد انجازات شعبنا التي حققها بأغلى التضحيات، منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة حتى الآن على مذبح سلطة حكم ذاتي مسخ، أسست للفساد وعممته وضربت المبادئ والأخلاق في الصميم، خدمة لمصالح طبقية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية والقومية.
بهذا الخصوص، إن اصرار القيادة اليمينية الأوسلوية على المضي في تنفيذ قرارها، يجب أن لا يفهم أو يفسر على إنه تعبير عن نزق شخصي لفرد أو مجموعة من الأفراد، وعلينا أن لا "نبرر" قرار القوى الذيليىة، الإصلاحية والانتهازية التي تشارك في التغطية على هيمنة هذا اليمين بحجة "الحفاظ على الشرعية والنضال من داخل المؤسسات لتغيرها"، أو أنه فقط بسبب الاغراءات والامتيازات التي يقدمها لها اليمين، لأن الأسباب الحقيقية لمواقف كافة هذه الأطراف هي أسباب طبقية، حيث سياساتها وبرامجها تستجيب بالأساس لمصالح الطبقة البرجوازية الفلسطينية، وخاصة لمصالح شرائحها الريعية الكومبرادورية، الأكثر شراسة وتعطش "للسلطة" التي بدورها توجد الظرف الموضوعي كي تعيش على أطرافها "طحالب" من الشرائح البرجوازية المتوسطة والصغيرة، داخل فلسطين وخارجها، حيث يبدع ممثلوها التنظير لمواقفهم "الواقعية والثورية". هذه السياسات طبعًا، لم تسمح فقط بالتحلل من اتفاقيات "أوسلو" وملحقاته، بل صلبتها وعمقت ارتباطها بالمركز الإمبريالي وزادت من تبعية أصحابها له، حتى أصبحوا يستمدوا "شرعيتهم" منه، ومن ما يسمي بالشرعية الدولية، وهذا يفضح ادعائهم، بأن دعوتهم لعقد المجلس المركزي هي "للحفاظ على شرعية منظمة التحرير وتجديدها"، لأن "المنظمة" التي كانت تأخذ شرعيتها من الثورة والكفاح المسلح والمجالس الوطنية التوافقية، لم تعد قائمة، وما هو موجود الآن، هيكل رسمي "لمنظمة" عاجزة لا توجد لها استراتيجية أو هدفًا وطنيًا وتشكل غطاءً لسلطة ولفريق سياسي، تأخذ برامجه الشعب من هزيمه إلى أخرى، وتضاعف ممارساته اللاوطنية والقمعية، مآسيه ومعاناته وتمنع نضاله من أجل الدفاع عن الارض والتحرير، عدا عن إنه لم يعد لها وجود ملموس في مخيمات اللجوء والشتات.
إن مقاطعة "المركزي" الآن، وفي هذا الظرف الحساس من قوى سياسية وطنية وإسلامية وازنة، تعبر عن مواقف ومشاعر الأغلبية من شعبنا في وقت أصبحت فيه سياسة الكواليس والخداع هي السياسة الرسمية، لكل أطراف معسكر التسوية، يفرض عليها مزيد من الصراحة والوضوح في تفسير الواقع، والجرأة الثورية النابعة من المصلحة الوطنية في العمل على تغييره، من خلال ابتداع الأدوات التنظيمية المناسبة لهذه المرحلة، لتجميع كافة القوى المناهضة والرافضة لنهج التفريط والانبطاح تحت أقدام العدو، لقيادة النضال بكافة أشكاله وفي كافة المواقع، بما يعزز القوه العسكرية ويطورها في القطاع الصامد، وتطوير الكفاح المسلح، ليس فقط في الضفة المحتلة، بل أينما يسمح الواقع والظروف أيضًا، وقد حان الوقت للخروج من دائرة الرفض الايجابي إلى أفق الرفض العملي.