الخطاب الذي ألقاه الرئيس عباس أمام دورة المجلس المركزي الأوسع جدلاً وخلافاً.. والتي تركزت على الخروقات والتجاوزات السياسية والتنظيمية والقانونية التي شابت عقد هذه الدورة.. وهذا عكس نفسه على الحضور السياسي لهذا المجلس، حيث قاطعته الشعبية والقيادة العامة والصاعقة والمبادرة.. ولحق بهم حزب الشعب بعد حضوره للجلسة الافتتاحية واحتجاجه على جدول الأعمال، وكذلك ما سماه الأمين العام للحزب الصالحي ب" العوار القانوني".
الرئيس في خطابه أعاد تكرار نفس الإنشاء السابق في خطابات سابقة أمام المجلسين المركزي والوطني والجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتركيز على المظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني وما ارتكبه الاحتلال من مجازر بحق الشعب الفلسطيني.. وكان يفترض أن يكون خطابه لكي يوحد الساحة الفلسطينية ويشكل مدخل للم الشمل الفلسطيني ودوران عجلة المصالحة وإنهاء الانقسام، أن يعلن عن تنفيذه لقرارات المجلسين المركزي والوطني ومخرجات الاجتماع القيادي ولقاء الأمناء العامين، بالعمل على التحلل من التزامات أوسلو الأمنية والسياسية والاقتصادية، وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال وإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية، ولكن بدلا من ذلك وجدنا أنه يتمسك باتفاق أوسلو، ويقول بأنه اتفاق مؤقت، لم نتنازل فيه عن ثوابتنا الوطنية، وسمح لنا بعودة أبناء شعبنا وبناء سلطتنا ومؤسسات دولتنا...!! وكذلك أكد على أن اللقاءات الأمنية والاقتصادية مع قادة دولة الاحتلال، ليست بديلاً عن قرارات الشرعية الدولية... وهنا الرسالة واضحة التمسك بأوسلو والتزاماته الأمنية والسياسية والاقتصادية... والتأكيد على الاستمرار في نهج وخيار المفاوضات ولا بديل عن ذلك... وكذلك فيما يخص الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرى التوافق عليها في اذار /2020 وأقدم الرئيس على إلغائها من طرف واحد، تحت ذريعة عدم التمكن من إجرائها في مدينة القدس ، وهو يعلم جيداً وكل الفريق المحيط به، بأن ما أقصى ما يسمح به الاحتلال من مشاركة المقدسيين في الانتخابات التشريعية والرئاسية، لن يكون مغايراً لما جرى الاتفاق عليه في برتوكول رقم (2) اتفاقية أوسلو الانتقالية (1995)، حيث شارك المقدسيون في الانتخابات التشريعية عام 1996، عدد محدود جداً لا يزيد عن (5327) مقدسي بالاقتراع في ستة مراكز بريد إسرائيلية)، بدون وجود لجنة الانتخابات المركزية وحضورها وبدون إجراء دعاية انتخابية، وباقي المقدسيين من حملة الهوية الزرقاء انتخبوا في صناديق انتخابية في ضواحي مدينة القدس، خارج حدود بلدية الاحتلال، وفي الانتخابات الرئاسية والتشريعية تشرين ثاني/2005 وكانون ثاني /2006، شارك المقدسيون في تلك الانتخابات في سبع مراكز بريد إسرائيلية بعدد لا يزيد عن (6000 ) مواطن، والبقية صوتوا في مراكز اقتراع في ضواحي مدينة القدس... ولحل مشكلة منع الانتخابات في المدينة، طرحت حلول من طراز خوض اشتباك سياسي وجماهيري مع الاحتلال حول العملية الانتخابية، بإجرائها في الأندية والمؤسسات التعليمية والدينية، أو أن تجري في مقرات الدول والهيئات الدولية التي لها قنصليات ووجود من دول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في القدس... ولكن لغاية في نفس يعقوب، وفي كلمة حق يراد بها باطل ،جرى جعل القدس "الشماعة" التي استخدمت من أجل إلغاء الانتخابات، ونحن ندرك بأن عملية الإلغاء لها علاقة بأوضاع فتح الداخلية والرفض من قبل أمريكا ودولة الاحتلال والمحيط العربي، وعدم قدرة من "يغتصبون" تمثيل الشعب الفلسطيني وقيادته من الفصائل الصغيرة على تشكيل قوائم انتخابية أو القدرة على تجاوز نسبة الحسم.
أما في إطار المصالحة وإنهاء الانقسام، فواضح بأن الشرط التعجيزي بربطها بالموافقة على قرارات الشرعية الدولية، تعني بأن الرئيس والدائرة المحيطة به، لا يريدون أن يكون هناك إنهاء انقسام، فهم يدركون تماماً بأن ذلك ترفضه أغلب القوى الفلسطينية، وليس فقط حماس و الجهاد والجبهة الشعبية، وبدلاً من العبارات العائمة والمبهمة والتي تفتح باب الاجتهاد والتحليل السياسي من طراز "لن يبقى صامتا" أمام أفعال دولة الاحتلال، وكل الخيارات مفتوحة، فتلك عبارات لا تترك أثرا، بل لا تزيل "غبرة" من جسد العدو القومي، الذي بات يدرك تماماً أنها قنابل صوتية وأسطوانة مشروخة مكررة وألعاب نارية احتفالية، لتجديد شرعيته التي أصابها العطب والتآكل.
من بعد هذا الخطاب وبدون انتظار للبيان الختامي الذي سيصدر عن المجلس، فمن الواضح أن هذا الخطاب، ليس كما قال الأخ عباس زكي عضو اللجنة المركزية لفتح، بأن ما سيصدر عن المجلس أو يطرح فيه سيعبر عن وجهة نظر وموقف الحاضرين للجلسة والمقاطعين لها، بل هذا الخطاب أتى لكي يقول بشكل واضح، أن الساحة الفلسطينية مقبلة على المزيد من الشرذمة والانقسام والمخاطر الجدية على المنظمة ومؤسساتها وبالذات مجلسها الوطني، الذي جرى "السطو" على صلاحيته من قبل المجلس المركزي، بطريقة فيها مخالفات وتجاوزات سياسية وقانونية وتنظيمية.
من بعد اللقاءات التي حدثت ما بين قادة دولة الاحتلال وقادة السلطة، بما فيهم الرئيس عباس، والتي لم تتجاوز الأبعاد الأمنية والاقتصادية والخدماتية، بعد موافقة قيادة السلطة على فصل المسار السياسي عن المسار الاقتصادي، والقبول بوجهة نظر الاحتلال والإدارة الأمريكية، بأن الظروف غير ناضجة للعودة إلى المفاوضات وإطلاق عملية سياسية، وتأكيد قادة دولة الاحتلال بأن تلك اللقاءات، ليس لها أبعاداً سياسية، وهي فقط تبحث في دور السلطة الوظيفي والأمني وكيفية مساعدتها وتقويتها في وجه قوى المقاومة، ومنع تصاعد أعمال المقاومة في الضفة الغربية، فهذا يؤشر إلى أن السلطة تريد أن تضمن إجراء ترتيبات في القيادة الفلسطينية، تجعلها ممسكة ومتحكمة بقيادة المنظمة والسلطة، وضمان السيطرة على قيادة السلطة والمنظمة وحركة فتح من بعد رحيل الرئيس عباس، وهي دفعت بوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، كعضو لجنة تنفيذية سيناط به لاحقاً مسؤولية دائرة شؤون المفاوضات التي كان يتولاها الراحل صائب عريقات، بالإضافة إلى اختيار روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني، والذي نخشى أن يجري الغاؤه ليحل محله المجلس المركزي بدلاً عن سليم الزعنون الذي تخلى عن منصبه، وتدعيم سلطة ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية.
القضية الفلسطينية باتت برمتها على مفترق طرق، وسنشهد المزيد من الصراعات والخلافات بين الأطراف المتصارعة، وبين أقطاب حركة فتح... والأمور واضح أنها تتجه نحو الفوضى وتطبيق مشروع الإمارات السبعة الذي طرحه رجل الأمن الإسرائيلي، والباحث والأكاديمي مردخاي كيدار في جامعة "بار ايلان" العبرية، وما تشهده مدينة الخليل من أعمال فوضى وبلطجة وزعرنه وتعديات على السلم الأهلي والمجتمعي، وتهديد أمن الوطن والمواطن، مؤشر على ما ستكون عليه الأمور مستقبلاً.