Menu

دورةُ المجلسِ المركزيّ.. وفوضى مأسسة التفكّك...!

محمد صوان

بوابة الهدف الإخبارية - نشر في العدد 35 من مجلة الهدف

أعادتْ دورةُ المجلسِ المركزيّ الأخيرةُ التي انعقدت في رام الله 6/2/2022 تسليطَ الضوءِ على هشاشةِ البناءِ السياسيّ الفلسطينيّ، ومن ضمنِهِ مؤسّسات " النظام السياسي " على مستوى كلٍّ من "م. ت. ف" والسلطة؛ الأمرُ الذي جدّد الجدلَ في الأوساط الفلسطينيّة بشأنِ مدى صحّةِ المبرّرات التي رافقت انعقادَ دورةِ المجلسِ المركزيّ الأخيرة، ولا سيّما من حيث قدرتها على تعزيز وإحياء المؤسّسات الوطنيّة وتجديد شرعيّتها.

لقد بدأَ المجلسُ وانتهى إلى زيادةِ المخاطر التي تهدّدُ الشرعيّةَ الفلسطينيّة... ولم يقتصر الأمرُ على مقاطعةِ فصائلَ وازنةٍ وشخصيّاتٍ مستقلّةٍ فاعلةٍ فحسب - إذ سبق أن حدث ذلك – بل على السياق الذي جاء فيه هذه المرة، فقد تميّزت الحالةُ الفلسطينيّةُ عشيّةَ انعقاد المجلس باحتدام الاستقطاب الداخلي، وانتقاله من الصراع على "شرعنة" الهيمنة على النظام... إلى الصراع على مأسسةِ التفكّك لهذا النظام، أي مأسسة وهيمنة كلٍّ من حركتي "فتح وحماس" على الفضاء الذي يسيطران عليه، سواءً في الصفة الغربيّة أو قطاع غزّة، وامتدادات ذلك إلى تجمّعات الشعب الفلسطينيّ في الشتات.

تبدو تجلّيات مأسسة التفكّك الفلسطينيّ واضحةً في وجود كياناتٍ فئويّةٍ تهيمن على النظام السياسي، وتستمد "شرعية" بقائها من شبكةٍ زبائنيّةٍ مواليةٍ ومنتفعةٍ من ارتباطها بهذه الكيانات.. وهذا الأمرُ يشي بالانتقال إلى طورٍ جديدٍ من الانقسام والتشظّي في ضوء استعصاء تحقيق المصالحة الداخليّة.

تتزامنُ هذه الحالة مع تغييرٍ في مصادرِ الشرعيّة لهذه الكيانات، إذ باتت مستمدّةً أساسًا من تشكّلِ شبكةِ صمتٍ زبائنيّةٍ على أساس الموالاة الفئوية، وليس من الفاعليّة والتمثيل الوطني للكل الفلسطيني.. كما كانت حال "م. ت. ف" قبل قيام سلطة أوسلو، وهنا تعطى الأولويّةُ إلى هندسة المؤسّسات والهيئات القياديّة التنفيذيّة والتشريعيّة التابعة لهذه الكيانات السياسيّة على أساس الولاء والخضوع... وهذا ما يمكن رصد تجلّياته في عمليّة إعادة هندسة مؤسّسات المنظّمة والسلطة في مشهدٍ يعيد التذكير بانعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح في تشرين الثاني 2016؛ استنادًا إلى إعادة تشكيل عضويّة المؤتمر من موظفي السلطة أساسًا، أي من أركان الشبكة الزبائنيّة الموالية لرأس السلطة السياسيّة.

مصادرةُ صلاحيّات المجلسِ الوطني:

ينبغي عدم التقليل من تداعيات السطو على صلاحيّات المجلس الوطني، ولا سيّما من حيث استبعاد الحاجة إلى عقده على أساس الانتخابات حيث أمكن، والتوافق حيث تتعذّر الانتخابات، وسبق ذلك حلّ المجلس التشريعي المنتخب، وإعلان قطاع غزّة إقليمًا متمرّدًا، وهذا كلّه يعني إطلاق الرصاصة الأخيرة على المجلس الوطني بصفته أعلى هيئةٍ وطنيّةٍ تشريعيّةٍ للكيان التمثيليّ الفلسطينيّ.

تعكسُ هذهِ التحوّلات في معادلات الهيمنة التي تنظم علاقاتِ القوّة داخلَ السلطة ومجمل النظام التقليدي، فقد شهدت الحياةُ السياسيّةُ الفلسطينيّةُ عقبَ إبرام اتّفاق أوسلو، عمليّةً معقّدةً لترسيخ معادلةِ التفرّد والاستئثار بالقرار الوطني ضمنَ "النظام السياسي" المفصّل على مقاس اتفاق أوسلو والسلطة التي أنتجها.. غير أنّ لحظةَ الانقسام بعد فوز حركة حماس في آخر انتخاباتٍ تشريعيّةٍ كانت تعني إعادة ترتيبٍ جديدةٍ لمعادلة الهيمنة التي احتكرتها حركة فتح ما قبل ذلك.

بالقدر الذي أخفقت "حماس" في إدراك عدم توفر عواملَ إقليميّةٍ ودوليّة، من ضمنها "إسرائيليّة"، تسمح لها بتعزيز قبضتها على مجمل النظام السياسي، فإنّ "فتح" أخفقت كذلك في إدراك مستوى تأثير التحوّلات في أوزان القوى السياسيّة من دون أن ينعكس ذلك على أوزان مشاركتها في المؤسّسات السياسيّة القائمة على مستوى المنظّمة والسلطة والاتّحادات النقابيّة والمهنيّة والأطر الشعبيّة.

صحيحٌ أنّ "فتح" تحوّلت إلى "حزب السلطة" غير أنّ محاولة فرض احتكار السلطة للسيطرة على مؤسّسات النظام لا تزال تصطدم بحائطٍ مسدود، كما أنّ معادلة "تمكين الحكومة" الحالية لا تزال تواجه المصير نفسه؛ لأنّها بشكلٍ أو بآخر تعني تحدّي مشروع سيطرة "حماس " على قطاع غزة.

في هذا السياق جاء عقد الدورة الأخيرة للمجلس المركزي في ظلّ وجود سلطتين، تسعى كلٌّ منهما لفرض معادلة سيطرتها السياسيّة في مجال نفوذها بما يشتملُ عليه من فصائلَ ومؤسّساتٍ ونقاباتٍ وجمعيّاتٍ مدنيّة، ولذلك تفاقمت ظاهرةُ تماهي المنظّمة والسلطة، ليس فقط من حيث طغيان عضويّة مسؤولي وموظفي السلطة، ومن يعتاشون على العطاءات الماليّة من ممثّلي بعض الفصائل، بل من حيث الاتّجاه نحو إعادة تشكيل دوائر المنظّمة ودمجها، خصوصًا إلغاء ما يتماهى منها مع وظائف تقوم بها مؤسّسات السلطة، وهو منحى سيؤدي إلى مزيدٍ من تغوّل دور السلطة على حساب "م. ت. ف" ومكوّناتها.

تحيلُ هذه القضيّةُ النقاشَ إلى المقدّمات التي أفضت إلى النتائج التي لم تظهر بعد مفاعيلها الأبرز، وربّما الأكثر خطورةً فيما يتعلّق باستكمال التماهي بين مؤسّسات المنظّمة والسلطة بطريقةٍ يصعبُ فيها القطعُ بشأن أيّهما مرجعيّة الآخر، وبشكلٍ أكثرَ دقّةً أيّهما يشكّل مصدر شرعية الآخر.

مآزق أحادية الهيمنة:

سياسيًّا، يمكن القول إنّ المجلس المركزي في دورته الأخيرة قد أدار ظهره لصيغة الجبهة الوطنيّة العريضة التي تميّزت بها "م. ت. ف"، وذلك بشطب ما عرف تاريخيًّا بالنصاب السياسي الذي تعكسه مشاركة جميع مكوّنات الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، ولا سيّما الوازنة منها في صناعة القرارات الوطنيّة.

إنّ سياسة مأسسة التفكّك للنظام الفلسطينيّ هي إحدى نتائج فشل مشروعي احتكار السلطة لكلّ من حركتي "فتح وحماس"، الأمرُ الذي أدّى إلى انهيارِ جهود المصالحة بينهما والقائمة على مبدأ تقاسم السلطة وفق منطق المحاصصة الفئوية. ومع غياب مقارباتٍ فلسطينيّةٍ مؤثّرةٍ سيكون من الصعب وقف هذا المنحى في ظلّ إمعانِ منظومةِ التمييز العنصري الصهيونيّة بتفكيك المفكّك.

إنّ المخرج المتاح من هذا الوضع يبدأ بالتركيز على حشد جهود القوى السياسيّة والمجتمعيّة المؤمنة بالوحدة واستعادة مكانة القضيّة ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة على أساس برنامجٍ وطنيٍّ كفاحيٍّ من أجل فرض معادلةٍ بديلةٍ من تلك القائمة على الهيمنة والإقصاء، أي معادلة تحكمها أسسُ الشراكة الوطنيّة في مجمل مؤسّسات المنظّمة والسلطة وهي معادلةٌ تقومُ على وجوبِ تخلّي "حركة فتح" عن نهج الهيمنة على جميع المؤسّسات الوطنيّة، وإنهاء سيطرة "حركة حماس" على قطاع غزّة.. أمّا نقطةُ البداية فتتمثّل بالحذرِ من الانجرار إلى مربعِ التشكيكِ في شرعيةِ تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني ووحدانيّتها... والعمل على الحدّ من تداعيات عقد دورة المجلس المركزي الأخيرة، عبرَ إطلاق حوارٍ وطنيٍّ شاملٍ يقود إلى المباشرة في التحضيرات لعقد مجلسٍ وطنيٍّ توحيديٍّ بمشاركة الكلّ الفلسطيني تحت شعار "وقف التفكّك والهيمنة الأحاديّة" وبناء قيادةٍ واحدةٍ وبرنامجٍ وطنيٍّ واحدٍ ومؤسّسةٍ تمثيليّةٍ واحدة، بما يستنهض جميع المكوّنات والقطاعات الفلسطينيّة في مختلف أماكن وجودها.