من الأشياء الضرورية والأولية في المعركة التي تخوضها الشعوب وفي مقدمتها الطبقة العاملة وكافة الكادحين والمضطهدين المناضلين، من أجل التحرر من نير الاحتلال والإمبريالية ومن الاستغلال والاضطهاد الطبقي هي مهمة النضال الفكري النظري عموما ودراسة الفكر الماركسي ال لينين ي وكل تفاصيل ومكونات النظرية الماركسية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية الجدلية والتاريخية.
في هذا الجانب، يعتبر كتاب الرفيق لينين "المادية والمذهب النقدي التجريبي" من بين أهم كتبه على الإطلاق، إذ أنه قام بكتابته وإصداره بعد أن لاحظ أن عددا كبيرا من رفاقه أعضاء حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي تأثروا بالمد الرجعي في روسيا القيصرية بعد هزيمة ثورة 1905، وكذلك تأثرهم بأفكار المرتد بوجدانوف وأفكار وطروحات ماخ وافيناريوس النقيضة للمادية الجدلية والتاريخية، إلى جانب تأثرهم بعملية هجوم سلطة القيصر ضد الحزب الاشتراكي الروسي بوسائل قمعية بشعة إلى جانب المطاردة والاعتقالات للشيوعيين التي قامت بها أجهزة أمن القيصر بإشراف رئيس وزراءه آنذاك سيء الذكر "ستوليبين".
في هذه الظروف الصعبة المعقدة كتب الرفيق لينين كتابه العظيم، بعنوان المادية والمذهب النقدي التجريبي. لمجابهة الفكر الرجعي وفلسفته الرجعية، حيث بدأ بكتابته من فبراير حتى أكتوبر 1908 في حين كان في المنفى في جنيف ولندن ونشرته في موسكو في مايو 1909 دار نشر زفينو.
هذا الكتاب، يعتبر أهم عمل فلسفي من تأليف الرفيق فلاديمير لينين، ولأهميته العظمى في مجابهة الفكر الرجعي الديني والاجتماعي الموروث، وكذلك في مجابهة المرتدين عن الفلسفة الماركسية، أصبح الكتاب - بقرار من اللجنة المركزية للحزب - موضوعا إلزاميا للدراسة في جميع مؤسسات التعليم العالي في الاتحاد السوفييتي، باعتباره مؤلفا أساسيا في موضوع المادية الجدلية، وهو جزء من المنهج الدراسي المسمى «الفلسفة الماركسية - اللينينية» إلى جانب قرار تكليف المثقفين في الحزب بشرح الكتاب لعموم الرفاق في الحزب، وخاصة العمال البروليتاريين في المصانع. ففي هذا الكتاب أكد لينين بوضوح ساطع على النظرة المادية للعالم التي تنطلق من أسبقية المادة على الفكر، وكذلك تأكيده على الوعي المعمق لقوانين الديالكتيك، وتأكيده أيضا على أن تصورات الإنسان تعكس بشكل صحيح ودقيق العالم الخارجي الموضوعي.
ففي هذا الكتاب المعرفي الثوري الهام جدا، انتبه لينين إلى حجم الهجوم الرجعي والديني السافر الذي تخوضه السلطة القيصرية والكنيسة ضد الماركسية والفلسفة المادية، كما لاحظ الروائي الاشتراكي مكسيم جوركي الذي قام بلقاء لينين وإبلاغه أن عددا من الرفاق في اللجنة المركزية قد تأثروا بشدة الهجمة القمعية، إلى جانب تأثرهم بأفكار المرتدين وهجومهم السافر على الفلسفة المادية مستغلين التطورات الحديثة في العلوم والعلوم الفيزيائية لتمرير رؤاهم الاستسلامية ومواقفهم الانتهازية عبر تناولهم ودفاعهم عن الفلسفة الماخية التي كان الفضل للرفيق إنجلس في الرد الكبير على ما تطرحه في كتابيه ( ضد دوهرينغ، لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية)، ولكن الرفيق لينين لم يكتفِ بفضح هذا المذهب ( المذهب النقدي التجريبي) بل أعطى في كتابه بشكل أكثر وضوحا ودقة تعريفا عن المادة هو تعميم لكل تاريخ نضال المادية ضد المثالية والميتافيزياء ولكل الاكتشافات الجديدة في العلوم الطبيعية.
وفي الوقت نفسه وضح لينين نظرة المادية لمجموعة من المسائل العرفانية الأساسية في الحقيقة المطلقة والنسبية والمكان والزمان وكيف تتكون المعرفة من اللامعرفة وانتقد بشدة نظرية الاحساسات وإنكار الواقع الموضوعي الذي انطلقت منه الفلسفة الماخية.
نشر المادية والمذهب النقدي التجريبي في أكثر من 20 لغة ويعتبر مرجعا في الفلسفة الماركسية اللينينية.
كتاب "المادية والمذهب التجريبي النقدي" يُعد، مع "دفاتر فلسفية"، أحد أهم الكتب الفلسفية التي نقدت الفلسفة المثالية وأُسس تأويل المذهب الوضعي (Positivism) للثورة العلمية؛ كما جابه وتصدى للفلسفات والأفكار الرجعية وأفكار الكنيسة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من ناحية، ويُعد من الكتب التي أنزلت الفلسفة من برجها الأكاديمي العاجي إلى أرض النضال ضد تشويه الوعي الثوري، من ناحية ثانية. كما تطرق كتاب الرفيق لينين إلي نقد ـ "المثالية الفيزيائية"، مؤكداً على علاقة المادة بالوعي بمفهومها العلمي الديالكتيكي.
لذلك أقول لرفاقي في أحزاب اليسار الماركسي: لا مفر من العودة إلى النظرية الماركسية ـ اللينينية ومنهجها المادي الجدلي وإلى منهجيتها العلمية الديالكتية باعتبارها عودة من كل قوى وأحزاب اليسار الماركسي في مغرب ومشرق الوطن العربي لشن هجوم مضاد على أنظمة الكومبرادور والرجعيين وكافة قوى التخلف والتبعية والاستسلام والتصدي لكل محاولات تعطيل الوعي الثوري أو تعطيل مسيرة النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية في بلداننا.