Menu

فَنُّ النَقْد السِيَاسِي (1/2)

عبد الرحمان النوضة      

هذا المقال هو الجزء الأول مِن بَيْن جُزْئَيْن (1/2)، من الدِرَاسَة المُعَنْوَنَة بِـ : «فَـنُّ النَّـقْـد السِيَّاسِي».

مُــحْــتَـــوَى الـــمَـــقَــــال:

1- مَا هُوَ النَّـقْـد السِيَّاسِـي ؟...................... 2

2- مِـثَـال لِلنَّـقْـد السِيَاسِي ........................ 3

3- أَسَالِيب النَّـقْد المُسِيئَة ........................ 11

4- حَرَكِيَة النَّـقْد، ثُمَّ نَـقْد النَّـقْـد ................. 17

5- المَنْطِـق المَـفْـقُـود في النَّـقْد السياسي ...... 24

6- الشُـرُوط المَطْلُوبَة في النَّـقْد السِّيَاسِي ..... 27

7- المَنْهَج المَرْجُوّ في النَّـقْد السياسي ......... 32

8- أَهْـدَاف النَّـقْـد السِاسِي ....................... 36

 

هذا مقال نَظَرِي سِيَّاسِي، يَتَنَاوَلُ مَوْضُوع "فَنُّ النَّـقْد السِيَاسِي". والمَقْصُود هنا بِـعِبَارَة "النَّـقْد السِيَاسِي" هُو تَبَادُل الْاِنْتِـقَـادات الفِـكْـرِيَة والسِيَاسِيَة، فيما بين أشخاص أو جماعات، حَوْل قَضَايَا نَظَرِيَة أو سِيَاسِيَة. وَيُحَاوِل هذا المقال الإِجَابَة على الأَسْئِلَة التّألية : لِماذا نَحْن البَشَر، نَتَلَافَـى عَادَةً مُمَارَسَةَ النَّـقْد (سَوَاءً كان هذا النَّـقْد نَظَرِيًّا، أم سِيَّاسِيًّا) ؟ وَلِماذا لَا يَتَحَمَّلُ عَادَةً البَشَر التَـعَرُّضَ لِلنَّـقْد، رغم اِحْتِيَّاجِنَا جَميعًا لهذا النَّـقْد، بِهَدَف إِبْرَاز، وَمُـعَـالَجَة، مَا فينا مِن نَقَائِص، أو لِتَصْحِيح مَا نَحْمِلُه مِن تَصَوُّرَات فِكْرِيَة خاطئة، أو لِتَـقْـوِيـم مَا قَدْ نَنْزَلِـقُ فيه مِن مُمَارَسَات سِيّاسية رَدِيئَة، أو مُنْحَرِفَة؟ ولماذا بعض الأنواع من النَّـقْد السياسي (خُصُوصًا فيما بين المُناضلين، وَفيما بين قِوَى اليَسَار المُتَنَافِسَة) يَخْلُق مِن المَشاكل أكثر مِمَّا يُـعَالج؟ وَمَا هو أُسْلُوب النَّـقْد السياسي الذي يَـقْـبَلُه الشَّخص المُنْتَـقَد، وَيَنْـفَعه؟ وعلى عَـكْس ذلك، ما هو نَوْع النَّـقْد السياسي الذي يَـفْـشِل، دُون تَحْـقِـيـق هَدفه الأصلي، والذي هو إِصلاح الشَّخْص المُنْتَـقَد؟ وما هو مَنْهَج النَّـقْد السَّلِيم الذي يُـفِـيد المُناضلين، أو المُواطنين، أو القِوَى السياسية الثورية؟ وَمَا هو نَوْع النّـقد الذي تَحْتَاج قِوَى اليسار إلى تَبَادُلُه فِيمَا بَيْنَها، بِهَدَف اِكْتِشَاف أخطائها، وَتَـقْـوِيمِهَا؟

1- مَا هُوَ النَّـقْـد السِيَّاسِـي؟

كَيْفَ نُـعَرِّفُ النَّـقْد السياسي؟ في جَوْهَرِه، النَّـقْد السياسي هو بَحْثٌ عن الحقيقة الثورية، بِهَدَف إِبْرَازِهَا، وَنَشْرِهَا، وَتَثْبِيتِهَا، وَمُنَاصَرَتِهَا، وَتَطْبِيـقِـهَا. وكلّ نَـقْد سيّاسي لَا يَـكْشِفَ الحقيقة الثورية، أو لَا يُوَضِّحُها، أو لَا يُدَافِع عنها، فَهُوَ لَيْسَ بِنَـقْد جَيِّد. بَل قَد يَتَحَوَّل هذا "النـقد" النَّاقِص إلى مُغَالَطَات.

وَمِن الطَّبِيعِي أن يَـفْضَحَ النَّاقِد السياسي الْأشخاصَ الاِنْتِهَازِيِّين، أو المُخادعين، أو المُناصِرِين لِلْاِسْتِـغْـلَال، أو لِلاستبداد. كما أنه مِن الطَبيـعـي أن يكون النّاقِد السياسي شَخْصًا مُتَنَازَعًا حَوْلَه، بين مَن يُـقَـدِّرُونَه، وَمَن يَـكْرَهُونَه.

ولماذا يجب على المُناضلين أن يَـهْتَـمُّوا بِالنَّـقْد، وَأن يَتَلَافُـوا المَدْح؟ لأنّ الْمَدْح هُو عَـكْس النَّـقْد. فَإذا كان المَدْح يُـفْرِطُ في وَصْـف الْإِيجَابِيَّات، أو يَخْتَلِـقُـهَا، أو يُضَخِّمُها، أو يُعَظِّمُهَا، فإن النَّـقْد يُبْرِزُ النَـقَـائِص، وَيَكْشِـفُ الأَخْطَاء، وَيَذْكُر السُّبُـلَ لِتَصْحِيحِهَا. وَتُوجَدُ بِالضَرُورة في كلّ شخص بَشَرِي إِيجَابِيَّات وَسَلْبِيَّات. وَكُلّ مَدْح يُرَكِّزُ على إِظْهَار الإِيجَابِيَّات، فإنه يُـشَجِّـعُ الشَّخْصَ المَمْدُوحَ على الغُرُور. بَيْنَما النَّـقْد الجَيِّد يُوقِضُ الْاِنْتِبَاه، وَيَحُثُّ على التَوَاضُع، وعلى وَاجِب التَحَسُّن. وحينما نُرَكِّـزُ في النَّـقْد على السَّلْبِيَّات المَوْجُودَة في أَفْـكَـار، أو في سُلُوكِيَّات، شخص مُحَدَّد، فهذا النَّـقد لَا يَـعْـنِـي، وَلَا يُبَرِّر، نُـكْـران ما يُوجد في هذا الشَّخْص مِن إِيجابِيَّات.

2- مِـثَـال لِلنَّـقْـد السِيَاسِي

لِنَبْدَأ الآن بِتَنَاوَل مِثَال مَلْمُوس في مَجَال النَّـقْد السيّاسي. وَلِنُبْرِز أَهَمَّ اِنْتِـقَاداتِه، وَمَنَاهِجِه. وَمِن بعد، سَنَـعْـرِضُ الرُّدُودَ على هذا النَّـقْد، ثُمّ الأخْطَاء المَنْهَجِيَة الوَارِدَة في هذه الرُدُود.

2.1- في يوم الاثنين 6 يونيو 2016، نَـشَرَ المناضل عبد الله الحريف (وهو من "حِزب النَّهْج")، مَـقَالًا تحت عنوان «نَـقْد بعض الأفكار الخاطئة». وحاولَ عبد الله الحريف في هذا المقال الإِجَابَة على السُّؤال : «لماذا لا نتـقدّم بما فيه الكفاية كماركسيين في إنجاز المهام الاستراتيجية». (وَلِمَنْ يَرغب في الاِطِّلَاع على مقال عبد الله الحريف، يُمكن أن يَجِدَه في مُدَوَّنَة "نُـقَّاد"، على صفحة "نُـقَّاد مُتَنَوِّعُون"، فَصْل "نَـقْد قِوَى اليسار"، وَرَابِطُه هو : https://nokkade.wordpress.com/2021/01/12/نقاد-متنوعون/). وتناول عبد الله الحريف عِدّة قضايا في هذا المقال. منها مثلًا : وحدة اليسار، وبناء الجبهة، والمشاركة في الانتخابات، وقضية الصحراء الغربية، إلى آخره.

وَعَرَض عبد الله الحريف في هذا المقال بعض الانتـقادات التي وَجَّهَها إلى بعض قِوَى اليسار (مثل حزب الاشتراكي الموحّد، و حزب الطليعة الدِّيمُوقْرَاطِي الاشتراكي، و حزب المؤتمر الاتحادي، و"فِيدِيرَالِيَة اليَسار الدِّيموقراطي"). وطرح عبد الله الحريف، ضِمْنَ اِنْتِـقَاداته، أن قِوَى "فيديرالية اليسار" تَلْتَزِمُ بِـالمُشاركة في «الانتخابات ... [التي] تُـكَرِّسُ شَرْعِيَة المَخْزَن» (والمَقْصُود بِـ "المَخْزَن" في المَغْرب هو النظام السياسي المَلَكِي القائم فيه). وَتُطَالِب أَحْزَاب "فيديرالية اليسار" بِـ «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة»، وَتُريد «تَحْقِيقَهَا مِن خلال تَوَافُـقَات فَوْقِيَة مع المَخْزَن»، بَدَلًا مِن العَمَل على إِسْـقَاطِ هذا النظام السياسي بِثَوْرَة مُجتمعية. لأن التَجْرِبَة أَكَّدَت أن هذا النظام السياسي «غَير قابل للإصلاح». وطرح الحريف أن مُشاركة "حزب الاتحاد الاشتراكي" في «التَنَاوُب» على الحُكُومَة (بين سنتي 1998 و 2002) «أَدَّى إلى إِضْعَاف اليسار». وَاتَّهَمَ الحريف قِوَى "فيديرالية اليسار" بِـ «الذَّيْلِيَة التامّة لمواقف ومُبادرات المَخْزَن» في مَجَال قَضِيّة الصحراء الغَرْبِيَة. وكتب الحريف «أن "حِزب المُؤتمر الوطني الاتحادي" [هو] مُجَرَّد واجهة لِنَـقَابَة "الكُنْفِيدِيرَالِيَة الدِّيمُوقراطية لِلشُّـغْل"، التي تلتـزم قيادتها بالسِّلْم الاجتماعي، على حِسَاب الطبقة العاملة... وَتَتَوَاطَؤُ مع المَخْزَن». وقال الحريف أن «قيادة "الحزب الاشتراكي الموحد" تُـؤَكِّد أنها ليست ضِدَّ المَخْزَن». أَيْ أنّ "الحزب الاشتراكي الموحد" يَعْمَل بهدف إصلاح النظام السياسي مِن دَاخل مُؤَسَّـسَاتِه، وَيَرْفُض المُشاركة في أَيِّ نضال يهدف إلى إِسْقَاط النظام السياسي. وقال الحريف أن «خَطًّا سِيَّاسِيًا يَمِينِيًّا... يُهَيْمِنُ داخل "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"... [وداخل] "فيديرالية اليسار الديموقراطي"». وَنَدَّدَ الحريف بِـ «أَوْهَام التَوَافُـق مع المَخْزَن». وَفَسَّر الحريف تلك المَوَاقِـف بِوُجُود، أو بِـفِـعْـل، فِـئَـات طَبَـقِـيَـة، هي مثلًا «أَرِسْـتُوقْرَاطِيَة عُمَّالِيَة تَسْتَـفِـيد مِن الرِّيع النَـقَابِـي... وَمُحَامُون يَستـفيدون مِن فُتَات النظام... وَمُـقَاوِلُو المُجتمع المدني الدين اِغْتَنَوا بِـفَضْل دَعم الدولة... والفِئَات العُلْيَا مِن البُورجوازية الصُغْرَى... ومُحامون، وأطبّاء، ورجال التعليم العالي...».

2.2- وعلى خِلَاف رُدُود بعض المناضلين، ليست هذه الآراء السَّابِـقَة (التي طَرحها عبد الله الحَريف) شَتْمًا، وَلَا إِهَانَةً. وَلَا تُوجَد هذه الآرَاء عِنْد عبد الله الحريف وحده. وَلَيْسَت اِكْتِشَافَات جَدِيدة. وَإِنَّمَا هي آرَاء، أو قَنَاعَات شَائِـعَة نِسْبِيًّا، وَمُنْتَشِرَة مُنذ عُـقُود، لَدَى بَعْض يَسَار "حزب الاتحاد الوطني لِلقُوَّات الشعبية"، وَلَدَى نِسْبَة هَامَّة مِن المُناضلين الماركسيّين الْلِّينِينِيِّين، والماركسيِّين الثوريين في المغرب. وَلِتَوْضِيح ذلك، يُمكن أن نَـكْـتَـفِـيَ بِـعَرْض مِثَال قَضِيَة سيّاسية وَاحِدَة، مُخْتَلَـف حَوْلَها، هي قَضِيَة «الْاِعْتِـقَـاد بِإِمْكَانِيَة إِصْلَاح النظام السياسي القائم في المغرب مِن دَاخِل قَوَانِينِه وَمُؤَسَّـسَاته». حيثُ أن أَسَاس المُطالبة بِـ «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة» في المغرب، هو بِالضَّبْط «الْاِعْتِـقَـاد بِإِمْكَانِيَة إِصْلَاح النظام السياسي القائم في المغرب، مِن دَاخِل مُؤَسَّـسَاته»، وذلك عبر الانتخابات العامّة، والبرلمان، والجماعات المحلّية، الخ.

2.3- وَمُنْذُ ظُهُور "حَرَكَة 20 فبراير" في سنة 2011، أحَـسَّ "حزب الاشتراكي المُوَحَّد" أن جُزْءًا مُتَزَايِدًا من الحركات النضالية الجماهيرية تَطْمَحُ إلى «إِسْقَاط النِظَام السياسي» القائم في المغرب. فَتَحَوَّل هذا الحزب إلى نَوْع مِن «رِجَال المَطَافِـئ». وَأَخَذ "حزب الاشتراكي المُوحد" يُدَافَـعَ بِشِدَّة على «ضَرُورة إِبْـقَاء كلّ التَحَرُّكَات النِضَالية الجَارِيَة في المَغرب تَحْتَ سَـقْـف المُطَالَبَة بِالْمَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة». وَنَظَرًا لِأَهَمِّيَة الدَّوْر المُفَرْمِل (freinant) الذي كَانَت، وَمَا زَالت، تَـقُومُ به نَظَرِيَة «سَـقْـف المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة» تُجَاهَ النضالات الجماهيرية المُشتركة، نَحْتَاج هُنَا إلى الإشارة، وَلَو جُزْئِيًّا، لِبَـعض الانتـقادات المَنْهَجِيَة المُوَجَّهَة إلى أنصار أُطْرُوحَة المُطَالَبَة بِـ «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة».

وَيَـثِـقُ أَنْصَار المُطَالَبة بِـ «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة» في إِمْكَانِيَّة إِقْنَاع المَلِك بأن يتحوّل مِن «مَلِك يَسُود وَيَحْكُم»، إلى «مَلِك يَمْلُك وَلَا يَحْكُم». وَيَصِفُون كُلَّ مَن لَا يُوَافِق على هذه الأُطْرُوحَة بِكَوْنِه «جَذْرِيًّا»، أو «مُتَشَدِّدًا»، أو «يَسَارِيًّا مُتَطَرِّفًا»، أو «إِرْهَابِيًّا». وَيَـعْـتَـقِـدُ أَنْصَار مَطْلَب «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة» أنهم قَادِرِون على إِقْـنَاع المَلِك بِأَنْ يَتَطَوَّرَ مِن «مَلِك اِسْتِبْدَادِي يَحْتَكِرُ كل السُّلُطَات»، إلى «مَلِك دِيمُوقْرَاطِي لَا يُمَارِسُ أيّة سُلْطَة سياسية في البلاد». وَيَظَنُّ أَنْصَار مَطْلَب «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة» أنه بِإِمْكَانِهم تَحْوِيل هذا «النِظَام المَلَكِي المُطْلَـق» إلى «مَلَكِيَة دِيمُوقْرَاطِيَة»، فَقَط بِوَاسِطَة الخِطَابَات السِّيَاسية، وَبِوَاسِطَة المُطَالَبَة السِّلْمِيَة وَحْدَهَا، وَبِوَاسِطَة الْاِقْنَاع المَنْطِـقِـي وَحْدَهُ. وهذا تَصَوُّر غَرِيب لِلصِّرَاع الطَبَـقِـي. لكن هذا الاعتـقاد هو وَهْمٌ هَائِـل. وَلِمَاذَا؟ لأن النظام السياسي القائم في المغرب، بُـنِـيَ بِالضَّبْط بِطَريـقَـة خَاصَّة وَدَقِيقَة، لِكَيْ يَسْتَحِيلَ على كُلّ الفَاعِلِين السياسيّين تَغْيِير هذا النظام السياسي مِن داخل قَوَانِينِه وَمُؤَسَّـسَاتِه. وَلِأَنَّ هذا النظام السياسي يُدْرِكُ أن الكَثِير مِنْ التطورات التي تَحْدُثُ، سَوَاءً دَاخِل شَعب المغرب، أم في الوضع العالمي، تَضْـغَطُ عليه بِـقُـوَّة في اِتِّجَاه تَـغْـيِير، أو تَجَاوُز، هذا النَّوْع مِن النظام السياسي القَدِيم. وَلِأَنّ هذه التَهْدِيدَات المُتَوَاصِلَة (الدَّاخِلِيَة والخَارِجِيَة)، تَدْفَـعُ دَوْلَةَ هذا النظام السياسي إلى التَرْكِيز على هَدَف أَسَاسِي وَاحِد، هو العَمَل على ضَمَان اِسْتِمْرَارِيَة وُجُودِه، بِكُلّ الوَسَائِل المُمْكِنَة (بما فيها التَرْكِيز على القَمْع، وَإِرْهَاب الدَّوْلَة، وَالتَحَالُف التَبَـعِي مع الإِمْبِرْيَالِيَّات الغَرْبِيَة، ومع أَمْرِيكَا، ومع إِسرائيل، ومع السَّـعُودِيَة، لِاسْتِجْدَاء حِمَايَتِهِم). وَدِفَاع هذا النظام السياسي عن شِـعَار «الجَمْع بَيْن الأَصَالَة والمُعَاصَرَة» هو دَلِيل على أنّ هذا النظام السياسي يَـعِـي أنه يُجَسِّدُ «مُفَارَقَة تَارِيخِيَة» (anachronisme)، وَأَنّه يَـعُود إلى عُصُور عَتِيـقَـة وَمُتَجَاوَزَة. وَلِأَنّ التاريخ الحديث لِلْمَغرب، يُؤَكِّدُ هُو نَـفْسُه، أن الاِعْتِـقَـاد بِإِمْكَانِيَة إِصْلَاح هذا النظام السياسي، مِن داخل مُؤَسَّـسَاتِه، هو خَطَأ سياسي قَاتِل. وَمُجْمَل الأَجْيَال المُتَوَالِيَّة مِن المُـعَارِضِين السياسيِّين، الذين اِرْتَـكَـبُوا هذا الخَطَأ، أَدَّى بهم إلى التَـعَـرُّض لِلتَّـرْوِيض (من طرف هذا النظام السياسي)، ثُمّ إلى التَهْمِيش، ثُمّ إلى الاِنْحِلَالِ، ثُمّ إلى التَلَاشِي. وَمُنذ قُرابة سنوات 1960، رَاجَت تَحْذِيرات بعض القَادَة المناضلين الثوريّين البَارِزِين (مثل الشَهِيد المهدي بن بركة، ثُمّ الشَهِيد عمر بنجلّون، ثُمّ أحمد بنجلون، الخ). وكانت تَحْذِيرَات هؤلاء الزُعَمَاء الثوريّين تُنَبِّـهُ إلى أن هذا الاعتـقاد (بِإِمكانية تَغْيِير هذا النظام السياسي مِن دَاخِل مُؤَسَّـساته) هُو وَهْم مُخَدِّر.

وَرَغْم هذه التَحْذِيرَات، فإن العديد من الشّخْصِيَّات، والمُـثَـقَّـفِـيـن، والـقِـوَى السياسية المُعَارِضَة، المُـعْـتَـدِلَة، أو التَـقَـدُّمِيَة، ظَلُّوا كُلُّهُم، أو مَا زَالُوا، يُؤْمِنون بهذا الوَهْم المُنَـوِّم. كَأَنَّ هذا النظام السياسي اِسْتَطاعَ «التَـلَاعُب» (manipulation) بِـعُـقُول هؤلاء الأَشْخَاص السياسيين، المُؤْمِنِين بِأُطْرُوحَة «إِمْكَانِيَة تَـغْـيِير النظام السياسي مِن دَاخِل مُؤَسَّـسَاتِه». وَلَوْ أنّ التَارِيخ الحَدِيث لِلمغرب يُثْبِتُ، في كلّ مَرّة، أَنّ كُلّ حِزْب سِيَّاسِي آمَنَ بِـ «إِمْكَانِيَّة إصلاح النظام السياسي القائم في المغرب، مِن دَاخِل مُؤَسَّـسَاتِه»، اِنْتَهَى به الأمر إلى التَدْجِين، وَالضُّـعْـف، وَالتَشَرْذُم، ثُمّ الْاِنْدِثَار.

وَبَدَلًا مِن أن تَـقُوم هذه الأَحْزَاب المُـعْـتَـدِلَة، أو التَـقَـدُّمِيَة، أو «الاِشْتِرَاكِيَة»، بِـتَـغْيِير طَبِيعَة هذا النظام السياسي المَلَكِي المُطْلَق، فإن هذا الأَخِير هو الذي نَجَحَ، في كُلّ مَرَّة، في تَـغْـيِير هذه الأَحْزَاب إلى أحزاب مَلَكِيَة، مُدَجَّنَة، وَخَاضِـعَة، وَمُخَدَّرَة، وَمُنَوَّمَة. وَتَتَـحَـوَّلُ هذه الأحزاب المُعْتَدِلَة هي نَـفْـسُهَا إلى «مُخَدِّر» لِبَاقِي مُوَاطِنِين الشّعب الطَّامِحِين إلى التَـغْـيِير. وقد كان هذا هو مَصِير العديد من الأحزاب التَـقَـدُّمِيَة القَدِيمَة، مثل "حزب الاتحاد الوطني لِلقُوَّات الشعبية"، و"حزب الاتحاد الاشتراكي"، و"حزب التـقدّم والاشتراكية"، و"حزب العَدَالة والتنمية" الإِسْلَامِي، إلى آخره. وَسَيَكُون هذا المَصِير، هُو أَيْضًا، مُنْتَـهَـى كل حِزْب آخر حَلُمَ بِـ «إِمْكَانِيَة إِصْلَاح النظام السياسي مِن داخل مُؤسَّـساته». وَسَيَنْطَبِـقُ نَـفْس المَصِير على "الحزب الاشتراكي المُوَحَّد"، وَعلى "فِيدِيرَالِيَة اليَسَار الدِّيمُوقراطي"، إلى آخره.

وَيَتَنَاسَى كَثِيرون مِن بَيْن هؤلاء المُنَاصِرِين لِمَطْلَب «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة»، أنه حِينَمَا أَرْسَل عبد السَّلَام يَاسِين، زَعِيم حِزب "جَمَاعَة العَدْل والإِحْسَان" الإِسْلَامِيَة، في سنة 1994، كِتَابًا إلى الملك الحَسَن الثّاني، يُحَاوِل فيه إِقْنَاعَه بِضَرُورَة إصْلَاح نِظَامِه السِيَاسي، رَدَّ عليه الملك الحسن الثاني بِسِجْنِه في مُسْتَشْـفَـى لِلْأَمْرَاض العَـقْـلِيَة. كَأن المَلِك الحسن الثاني يَـقُول لِـ عبد السلام يَاسِين: «مَطَالِبُك تُثْبِتُ أنّك أَحْمَـق»! وَلَوْ بَـقِـيَ الملك الحسن الثاني حَيًّا، لَـكَان بِالْإِمْـكَـان أن يَنْتَهِـيَ به الأَمْر إلى أن يَـقُولَ الشَّيْءَ نَـفْسَه إلى الأَنًصَار الجُدُد المُطَالَبِين بِـ «المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة».

وَكُلّ الأحزاب السياسية بالمغرب التي حَاوَلَت تَطْبِيق أُطْرُوحَة «إِمْكَانِيَة تَغْيِير النظام السياسي القائم مِن داخل مُؤسَّـساته»، والتي شَارَكَت مِرَارًا في مُمَارَسَة سُلُطَات الحُكُومَة، مِن خِلَال تَرَأُّسِ عِدَّة وِزَارات حُكُومية، وَعَلَى اِمْتِدَاد عِدَّة عُـقُود، مثل "حزب الاتحاد الاشتراكي"، و"حزب التَـقَدُّم والاشتراكية"، الخ، لم تَسْتَطِـع تَـغْيِير أَيّ شَـيْء ذِي أَهَمِّيَة في طَبِيعَة هذا النظام السياسي القائم في المغرب. وَلَمْ تَـقْدِر على تَـقْـلِيص لَا اِسْتِبْدَادِه، وَلَا قَمْعِه، وَلَا فَسَادِه، وَلَا تَبَـعِـيَّـتِـه لِلْإِمْبِرْيَالِيَة وَلِلصَّهْيُونِيَة. بَلْ على عَكْس ذلك، النظام السياسي القائم في المغرب هو الذي اِسْتَـغَـلَّ مُشاركة هذه الأحزاب (في مُحَاوَلَة تَـغْـيِيره مِن الدّاخل)، وَحَوَّلَ قَادَة وَأَعْضَاء هذه الأحزاب إلى «خُدَّام لِلنِّظَام السِيَاسِي»، وَجَعَلَهُم طَيِّـعِـين، وَمُسَخَّرِين لِخِدْمَتِه.

وَبـعض الأحزاب في المغرب، المُتَمَوْقِـعَـة في وَسَط الطَّيْف السِيَاسِي، أو في يَمِين اليسار، مَا زَالَت تُدَافِـعُ بِحَمَاس أَعْمَى عن أُطْرُوحة «إِمْكَانِيَة تَـغْيِير النظام السياسي مِن داخل مُؤَسَّـساته». وَمِن المَـفْـهُـوم أنه في حالة إذا مَا آمَنَتْ هذه الأحزاب بِأُطْرُوحَة مُعَاكِسَة، فَإِنَّها سَتُصْبِحُ طَبْـعًا مُجْبَرَة على خَوْض النضال الثوري الجَذْرِي، مِن أجل إِسْـقَاط النظام السياسي. بَيْنَمَا هي لَا تَـقْـدِرُ على تَحَمُّل المَخَاطِر الناتجة عن خَوْض صِرَاع وُجُودِي وَحَاسِم مع هذا النظام السياسي، الذي بَـنَـى نَـفْـسَه، وَعَنْ وَعْي، على أَساس بَطْش وَإِرهاب الدولة، ضِدَّ كُلّ المُعَارِضِين والمُخَالِفِين. وَمُجْمَل هذه القِوَى السياسية الإصلاحية تَخَاف مِن القَمع السياسي، وَلَا تَـقْدر على تَحَمُّلِ تَبِـعَاتِه. وَلَا تَـقْبَل التَضْحِيَة بِأَيِّ جُزْء مِن رَفَاهِيَّتِهَا. خاصّةً وأن التَجَارِبَ النضالية السَّابِـقَة، تُبَيِّنُ أنّ عَشَرَات الْآلَاف من المناضلين الثوريّين في المغرب، تعرّضُوا للاعتقال، أو للاختطاف، أو لِلتَّـعْذِيب، أو لِلاِغْتِيَّال، أو تَوَصَّلُوا بِطُرُود مَلْغُومَة، أو أُلْصِـقَت بهم تُهَم جِنَائِيَة لِتَبْـرِير إِعْدَامَهُم، أو لِـإِقْبَارَهُم في السِّجْن خلال سنوات طَوِيلَة جِدًّا. وَتَارِيخ الخُرُوقَات الجَسِيمَة لِحُقُوق الإنسان في المَغْرب يَشْهَد على ذلك.

2.4- لِنَـعُـدْ الآن إلى مِثَال نَـقْد عبد الله الحريف. وَلِنَسْتَـعْرِض كَيْفَ كان رَدُّ الأَشْخَاص المُنْتَـقَـدِين على عبد الله الحريف. لَـقَدْ رَدَّ عَلى اِنْتِـقَادَات عبد الله الحريف بعضُ المناضلين من "حزب الطليعة الدِيمُوقْرَاطِي الاِشْتِرَاكِـي" (منهم السَّادَة : مُنْعِم أوحَتّي، ومحمد بُوبْـكَر، وادريس غَازِي)، وَهَجَمُوا عليه كشخص، مُستعملين عبارات قَدْ تَحتوي على قَدْر مُعيّن من الْاِنْتِـقَام، أو العَدَاوَة، أو الاحتـقار، أو الإهانة، أو الاستهجان. حيثُ وَصَف مُنعم أُوحَتِّـي عبد الله الحريف بِـ : «الضَّحَالة»، و«القُصُور في التَـفْـكِير»، و«الصِّبْـيَانِيَة»، و«التَّـيَـاسُر». وَوَصَفُه محمد بوبكر بِـ : «أَلْزْهَايْـمَر السِّيَاسي»، وَ«التَّـعْـوِيض عَن النضال». وَوَصَفَه ادريس غازي بِـ : «عَـرْقَلَـة الوحدة»، و«التَـشْوِيـش على المُؤتمر الاندماجي» لِـ "فِيدِيرَالِيَة اليَسَار الديموقراطي".

2.5- كلّ هؤلاء المناضلين (المذكورين سابقًا) معروفون، وكلهم عزيزون علينا، ونُكِنّ لهم جميعًا التَـقْدِير والاحترام. لكن نَوْعِيَة النّـقد الذي تَبَادَلُوه فيما بينهم، يحمل شُحُنَات من القَسَاوَة، أو العَدَاوَة، أو الإِهَانَة، أو الاِنْتِـقَام، أو الاِحْتِـقَار، أو الـقَدَح، أو الطَّعْن. وَحَمَلَ ذلك النَـقْد المُتَبَادَل تَصْنِيـفَات جَارِحَة، أو مُهِينَة. وهذا الأسلوب في النَـقْد، يَخْلُق حَزازات ذَاتِيَة، أو عَداوات طَوِيلَة، أو دَائِمَة. وَنحن جميعًا في غنًا عن هذه المُشَاحَنَات الذَّاتِيَة. لكن هذه الحَادِثَة، تُوَفِّـر لنا مُناسبة ثَمِينَة، لِكَيْ نُنَاقِـش مُشْكِل نَوْعِيَّة النَـقْد الذي نُمارسه. فَنَتَسَاءَل : مَا هو نَوْعُ النَّـقْد الذي تَحْتَاجُ قوى اليسار بالمغرب إلى تَبَادُلِه فيما بينها؟ وما هي المَـقَـايِـيـس المَرْجُوَّة في أيّ نَـقْد، لكي يَـكون مُتَحَمَّلًا، أو مَقْبُولًا، أو بنّاءً؟ فَأُدْلِي بالأُطْرُوحَات المَنْهَجِيَة التالية:

3- أَسَالِيب النَّـقْد المُسِيئَة

3.1- مِن بين مُعضلاتنا السياسية، فيمُجتمعنا ذِي التَـقَـالِيد الإسلامية (في المغرب، وفي عُموم العالم النَّاطِق بِالعَرَبية، وفي العالم الإسلامي) أن تَـقَالِيد حَضَارَتِنَا الإِسْلَامِيَة، تَجْـعَلُنَا غَيْرَ مُتَـعَـوِّدِين على تَبادل النَّـقْد (الفَلْسَـفِـي أو السِيَّاسِي). فَـقَـد يَـقُـول كَثِيرُون مِن المُواطنين «نَـعَـم، النَّـقْـد عَادِي، وَمَشْرُوع، بَل ضَرُورِي»! لكن حينما يَتَـعَـرَّضُون هُمْ أَنْـفُـسُهُم لِلنَّـقْد العَلَنِي، يَـقْـلَـقُـون فَوْرًا، وَيَرْفُضُون هذا النَّـقْد في شُمُولِيَتِه، وَيَحْتَجُّون عليه. وَيُحِسُّون بِالنَّـقْد العَلَنِي كَإِهَانَة، أو كَتَهَجُّم عَدَائِـي على شَخْصِيَّتِهم.

3.2- حينما يُـقْدِمُ مُواطن عَادِى على مُمارسة النَّـقد، فإنه يَمِيل إلى اِسْتِـعْمَال هذا النَّـقْد بِأَساليب ذَاتِيَة، أو اِنْتِـقَامِيَة، أو فَظَّة، أو خَالِيَة مِن الْلَّبَاقَـة، أو فَارِغَة مِن الكِيَاسَة، أو خَاوِيَة مِن الأَدَب، أو مِن التَأَنِّـي. فَتَحْدُثُ صِدَامَات، أو عَدَاوَات، بين المُنْتَـقِـد والمُنْتَـقَـد.

3.3- تُوجَدُ بعض الظَوَاهِر الغَرِيبَة. وَمِن ضِمْن هذه الظَوَاهِر الغَرِيبَة، أن مُختلف قِوَى اليسار (في المغرب) تَمِيلُ دَائِمًا إلى تَجَاهُل بعضها بعضًا، وَلَوْ أنها تَتَشَابَهُ جُزْئِيًّا في طُموحاتها السياسية، وَلَوْ أنها تَرْغَبُ في تَحْـقِـيـق أهداف نضالية مُتَـقَـارِبَة، ولو أنها تَلْتَـقِـي، مِن فَتْرَة لِأُخْرَى، في ميدان النضالات الجماهيرية المُشتركة. وهذا التَجَاهُل المُتَبَادَل فيما بين فَاعِلِين سِيَّاسِيِّين مُتَشَابَهِين، يَضُرُّ بهؤلاء الفاعلين. حيثُ يَـعْنِـي التَجَاهُل المُتَبَادَل أن كُلّ فَاعِل يَحْيَا حَيَاتَه الخَاصَّة كَأَنَّ الفَاعِل الآخر، المُشَابِه له، أو المُخْتَلِف عنه، أو المُنَافِس له، أو النَّـقِيض له، غَيْر مَوْجُود. وهذا السُّلُوك هو مِن بَيْن الأَسْبَاب التي تَجعل النَّـقْد السِيَّاسِي (المَكْتُوب، وَالعَلَنِي)، المُتَبَادَل فيما بين قِوَى اليسار، نَادِرًا جِدًّا، أو مُنْـعَـدِمًا. حيثُ مِن الطبيعي أن لَا يَنْتَـقِد أَيُّ طَرَفٍ الأَطْرَافَ الأخرى التي يَتَجَاهَلُهَا.

3.4- لا تَـعمل قِوَى اليسار بِمَا فيه الكِفَايَة من أجل تَـقْـلِيص، أو إزالة، خِلافاتها الفكرية، أو النَظَرِيَة، أو السياسية. ولا تَرْضَى مُـكوّنات اليسار بأن تَتحاور مع قِوَى اليسار الأخرى، التي تُخَالفها، أو تُـنَـافِسُهَا.

هكذا كان حزب الاستقلال (المُحافظ) يتجاهل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الذي اِنْشَـقَّ عن "حزب الاستـقلال"). ثُمّ انشق "حزب الاتحاد الاشتراكي" عن "حزب الاتحاد الوطني للقُوّات الشَّـعبية". ثُمّ تَسَلْسَلَت الْاِنْشِـقَاقَات السياسية. وَهكذا كان حزب الاتحاد الاشتراكي يَتجاهل هو أيضًا كل الأحزاب، والتَّنْظِيمَات، والتِيَارات، التي سَبَـقَ أن اِنْـشَـقَّـت عنه. وهي كثيرة. وَأصبح هُو نَفْسُه مُتَجَاهَلًا مِن طرف مَن اِنْشَـقَّ عنه، أو مَن اِخْتَلَفَ معه. وَقَد كانت التِيَارَات المُنْشَـقَّة مُتَنَوِّعَة، وَمُتَـعَـدِّدَة، وَمُتَتَابِـعَة. وَمِن ضِمْنِهَا حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، الذي كان هو أيضًا يتجاهل تنظيمات سياسية مثل مُنَظَّمَة 23 مارس ، ومُنَظَّمَة إلى الأمام ، وَمُنَظَّمَة الوفاء للديمقراطية، وكانت الأحزاب الثلاثة المُـكَـوِّنَة لِـ فيديرالية اليسار الديموقراطي تتجاهل، هي أيضًا، حزب النهج، إلى آخره. وَبَدَلًا مِن أن تَتَـفَاعَل قِوَى اليسار فيما بينها، تَتَجَاهَلُ بَـعْضَهَا بَـعْضًا. كَأَنَّ القِوَى اليَسارية الأُخْرَى التي تَخْتَلِفُ عنها، أو تُنَافِسُهَا، هي غَير مَوْجُود. وهذا المَنْهَج يَضُرُّ بِـقِـوَى اليسار، بَدَلًا مِن أن يَنْـفَـعَـهَـا.

3.5- كان تَبَادُل النَّـقْد السِّيَاسي المَكْتُوب، والجِدِّي، والمُـعَـمَّـق، والمَسْؤُول، فيما بين هذه التِيَارَات، والتَنْظِيمَات، والأحزاب، إِمَّا نَادِرًا، أو مُنْـعَـدِمًا. وإذا ما وُجِِدَ هذا النَّـقْد، يَكُون في مُعْظَم الحالات جَافًّا، أو ذَاتِيًّا، أو فَظًّا، أو عَدَائِيًّا. زِدْ على ذلك أن الأحزاب، والتنظيمات، والتِيَارَات، المَـعْـنِيَة بذلك النَّـقْد السِيَاسِي (النَّادِر)، تَتَجَاهَلُه، وَلَا تَرُدُّ عليه، وَلَا تَـعْبَأُ به. ولماذا؟ لأن بعض الفاعلين السِيَاسِيِّين المُنْتَـقَدين، لَا يَـقْدِرُون على التَـعَامُل بِمَوْضُوعِيَة، أو بِمِهَنِيَة، مع النَّـقْد السياسي العَلَنِي المُوَجَّه إليهم. أو لأنهم يَظُنُّون أن الرَّد المَوْضُوعِي، أو الدَّقِيـق، على ذَلك النَّـقْد، «سَيُضِيف إلى الشّخص المُنْتَـقِد أَهَمِّيَة لَا يَستحـقُّها». أو لأنهم يَـعْـتَـقِـدُون أنهم يَـقْدِرُون على التَخَلُّص من الْاِنْتِـقَادَات المُوَجَّهَة إليهم عَبْر تَجَاهُلِهَا. لكن النَّـقْد السيّاسي الجَيِّد يَبْـقَـى يُلَاحِقُهُم بِلَا نِهَايَة.

ويُمكن تَأْوِيل هذا التَجَاهُل المُتَبَادَل فيما بين قِوَى اليسار، بِمُيُول كلّ واحدة مِن بَيْن هذه القِوَى نحو الهَيمنة، أو الْاِسْتِـفْـرَاد بِالتَّأْثِير، أو بِالسُلْطَة. ومن النَّادر جدّا أن تتبادل قِوَى اليسار بالمغرب نَـقْدًا مُعَمَّقًا، وَمَـكْتُوبًا، وَعَلَنِيًّا.

3.6- فِي نَـفْس الوَقت الذي تَتَجَاهَلُ فيه القِوَى السِيَاسية بالمغرب النَّـقْد المُوَجَّه إليها، تُبَالِـغُ هذه القِـوَى في تَـقْدِير خِلافاتها النظرية، أو السياسية. وَتَـعْتَبِرُ هذه الخِلَافَات «كَبِيرة جِدًّا» إلى دَرَجَة أنها تُحَوِّلُهَا إلى مُبَرِّر كَافِيّ لِتَجَاهُل، أَو لِمُـقَاطَـعَة، القِوَى السياسية الأخرى التي تُخَالِفُـهَا في الآرَاء. أو تُحَوِّل هذه الخِلَافَات إلى مُبَرِّر لِـرَفْـض خَوض النضالات الجماهيرية المُشتركة مَعَ مَن يُخَالِفُهَا.

وَتُبَرِّر قِوَى اليسار الحَزازات القَوِيَّة القائمة فيما بينها بِوُجود «خلافات سياسية كَبِيرَة»، أو بِـ «تَـفَاوُتَات عَقائدية جَوْهَرِيَة» فيما بينها. لكن قِوَى اليسار لَا تُوَضِّح لنا، بشكل كِتابي، وَمُعَمَّق، وَدَقِيق، لماذا تختلف في قَناعاتها السِيَّاسية. (وَإِذا مَا كان مُبرِّر الاِمْسَاك عن هذا التَوْضِيح يَنْتُج عن الاحتيّاط مِن تَجَسُّـس الأجهزة القَمعية، فَـيَنْبَـغِـي، في هذه الحالة، على قوى اليسار، أن تَبْتَـكِرَ قَنَوَات مُرْضِيَة في مَجَال التَوَاصُل الآمِن، لِتَبْلِيغ هذه الشُّرُوحَات، أو الخِلَافات، أو الانتـقادات، إلى المناضلين المَـعْنِيِّين بها).

3.7- ظلّت قوى اليسار تَـقْتَصِر على النَّـقد الشَّفَوِي، وغير المَنْهَجِـي، وذلك حَصْرِيًّا خلال جَلسات داخلية، أو في إِطَار عَلَاقَات شَخصيّة أو خُصوصية. وَتَتَلَافَى عَادَةً مُمارسةَ النَّـقْد السياسي البَيْـنِـي بِشَـكل مَـفْـتُوح، أو عَلَنِي.

3.8- مِن بَيْن الظَوَاهِر الغَرِيبَة في مُجتمعنا، أن بعض الأشخاص يَرْفُضُون الْاِطِّلَاع على بعض الأَفْـكَار، أو الْاِنْتِـقَـادات، أو المَقَالَات، أو الكُتُب، في مَيَادِين مُـعَـيَّنَة مِن المَـعْرِفَة، وذلك خَوْفًا مِن التَأَثُّر بها. وَيَخْشَوْنَ أنه، في حالة إِذَا مَا اِطَلَعُوا على هذه الأَفْكَار، أو تَأَثَّرَت عُـقُولُـهُم بها، فَمِنَ المُمْكِن أن لَا يَـقْدِرُوا بَعْدَ ذلك على التَخَلُّص من تَأْثِيرِ تِلْك الأَفْكَار؛ وَمِن المُمكن أن يُصْبِحُون مُشَابِهِين لِأَشْخَاص يُـكِـنُّـون لهم، بشكل مُسْبَـق، الكَرَاهِيَةَ، أو الْاِحْتِـقَارَ، أو العَدَاء. وَيُـفَضِّلُ أولئك الأشخاص أن يَبْـقُوا جَاهِلِين (لِتِلْكَ الميادين المُحَدَّدَة مِن المَـعْرِفَة) على أن يَتَأَثَّرُون بِتِلْكَ الأَفْكَار التي يَـعْـتَـبِـرُونها مُسْبَـقًا «سَيِّئَة»، أو «مُنْحَرِفَة»، أو «مُتَخَلِّـفَة». وَكَيْفَ يُمْكِنُهُم أن يَـعْرِفُوا أنّ تِلْك الأَفْـكَار هي فِعْلًا «سَيِّئَة»، أو «مُنْحَرِفَة»، أو «مُتًخَلِّـفَة»، بَيْنَمَا هُم يَرْفُضُون مُسْبَـقًا الاطلاع على مَضْمُونِهَا أو تَـفَاصِيلِهَا؟ وفي نَـفْس الوَقْت، يُريدُون أن يُثْبِتُوا، في «النَّـقْد»، وفي «النِـقَاشَات»، و«الصِرَاعَات السياسية»، أن تِلْكَ الْأَفْـكَار هي «خَاطِئَة»، وَ«سَيِّئَة»، وَلَوْ أنهم يَرْفُضُون مُسْبَـقًا الاطلاع على تَـفَاصِيلِهَا!

3.9- نَمَاذِج كثيرة من «النِـقَاشَات»، أو «الصِرَاعَات السياسية»، مثل تلك التي تَحدث في «بَاب الدَّرْب»، أو في المَـقَـاهِـي، أو خلال الدَرْدَشَات مع الأصدقاء، أو أَثْنَاء الزِيَّارَات العَائِلِيَة، لَا تَـقْـدِرُ على الرُّقَـيِّ إلى مُستوى نِـقَاش جِدِّي. وَكَثِير مِن الأشخاص يُريدن المُشاركة في «نِـقَـاشَات» صَاخِبَة. وَيَتَـكَـلُّـمُـون فيها بِأَصْوَات مُرْتَـفِـعَـة. وَيُرِيدُون فيها اِحْتِكَار الكَلِمَة. وَيَتَـفَـاعُـلُـون فيها بِذَاتِيَة كَبيرة. وفي مُـعْـظَم الحالات، لَا يَـعْـرف هؤلاء الأشخاص مَا هو «النِـقَاش الجَيِّد»، أو «المُـفِـيـد». وَلَا يَـعْـرِفُـون لَا قَوَاعِد النِـقَـاش، وَلَا أَهْدَافَه. بَلْ يَظُنُّ كثير مِن الأشخاص، وَلَوْ بشكل غير وَاعٍ، أن «النِـقَاش»، أو «النَّـقْد»، أو «الصراع السياسي»، هو مُبَارَزَة ذَاتِيَة، وَفَوْضَوِيَة، بَيْن أَشخاص ذَاتِيِّين. وَيَـعْـتَـقِـدُن أن هَدَف النِـقَاش هو إِسْـكَـات، أو دَحْض، أو تَـكْـذِيب، أو هَزْم، أو غَلْب، أو قَهْـر، أو إِخْضَاع، الأَطْرَاف الأُخرى المشاركة في هذا النـقاش. وأن النَصْرَ في النِـقَـاش يَرْجِـعُ لِمَن هُو الْأَقْـوَى بِـعَضَلَاتِه، أو بِثَرَوَاتِه. بينما هَدَف النـقاش، على عَـكْـس ذلك التَهَوُّر، هو بَحْث جَمَاعِي، وَمُتَأَنِّـي، عن الحَـقِـيـقَـة الثَوْرِيَة. وهو اِسْتِمَاع، وَانْـفِـتَـاح، وَاحْتِرَام، وَتَـوَاضُـع، وَتَأَمُّـل، وَتَـعَاوُن، وَتَـكَـامُـل، وَتَبَادُل لِلْإِفَـادَة.

3.10- مِن الشَّائِـع أن نُصَادِفَ أشخاصًا يَرْفُـضُون دِرَاسَة مَوَاد مثل الفَلْسَفَة، أو الاِقْتِصَاد السياسي، أو التَارِيخ، أو عُلُوم المُجتمع، إلى آخره. (وهي بالضّبط المواد التي تَرْفُضُ الدول الرَّأْسَمَالِيَة تَدْرِيسَهَا في المدارس العُمُومِيَة). وَفِي نَفْس الوقت، يُريد هؤلاء الأشخاص أن يُشَارِكُوا في «نِـقَـاشَات» تَشْمَل هذه المَوَاد (مثل الفَلْسَفَة، أو الاِقْتِصَاد السياسي، أو التَارِيخ، أو عُلُوم المُجتمع، الخ). وَيُحَاوِلُون بِـعِـنَـادٍ فَرْضَ آرَائِهِم الشَخْصية في هذه المَيَادِين. وَيَـعْـتَبِرُون أن آرَاءَهُم الشخصية هي الْآرَاء الوَحِيدَة الصَّحِيحَة. وهؤلاء الأشخاص هم مثل ذلك المواطن الذي قال : «أنا لم أذهب إلى المدرسة، وَلَا إلى الجامعة، وَلَا أَقْرأُ لَا جَرَائِدَ، وَلَا كُتُبًا، وَلَكِنَّني أَفْهَمُ كُلَّ شَيْء، وَأَعْرِفُ كُلَّ شَيْء» ! وَمِن المَـفْـهُوم أن الشَّخْص الذي لَا يَـعْـرِفُ شَيْئًا، سَيَظُنُّ أنّه يَـعْرِفُ كُلَّ شَيْء. لأن مَنْ لَا يَـعْرِف شَيْئًا، يَظُنُّ بِسُهُولَة أنه يَـعرف كلّ شَيْء. بَيْنَمَا فَسَاحَة مَـعَـارِف العَالِم تَجْـعَـلُه يُحِسُّ بِشَـسَاعَة وَتَـعْـقِـيـدَات القَضَايَا التي يَجْهَلُهَا. وَلَا يَـعْـرِف طَبْـعًا الجَاهِلُ مَا هي مَصَادِر المَـعْـرِفَـة، وَلَا يَـقْـدِر على الحَـفْـر وَالتَنْـقِـيـب فيها بشكل دَؤُوب. وَمِنْ مِيزَات العَالِم أنه يَـقُـول: «أَنَا لَا أَعْرِف شَيْئًا»، بَيْنَمَا مِن عَلَامَات الجَاهِل أنه يَـقُـول: «أَنَا أَعْرِف كُلَّ شَيْء»!

3.11- في المُجتمع الرَّأْسَمَالِي، يَكُون الجَاهِلُون الأَغْنِيَّاء هُم الذين يَكْتَسِبُون أَكْبَر الحُظُوظ، وَأَقْوَى الوَسَائِل، لِلْـفَوْز في الْاِنْتِخَابَات العَامَّة (سَوَاءً كانت رِئَاسَية، أم بَرْلَمَانية، أم مُتَـعَـلِّـقَـة بِالجَمَاعَات المَحَلِّيَة، الخ). وَمِن الشَّائِـع في المُجتمعات الرَّأْسَمَالِيَة أن يَجْمَع كِبَار الأَغْنِيَّاء بين الثَّرْوَة الاقتصادية والسُّلْطَة السِيَاسِيَة. ومن السّهل في المُجتمعات الرّأسمالية أن يُصْبِحَ الجَاهِلُون الأَغْنِيَّاء، هُم الذين يَحْكُمُون البِلَاد، بَيْنَمَا العُلَمَاء الفُـقَـرَاء يَبْـقَـوْنَ مَحْكُومِين، أو مَسُودِين، أو مَجْهُولِين، أو مُهَمَّشِين، أو مُضْطَهَدِين.

3.12- مِن بَيْن الظَوَاهِر الغريبة، أن بعض الأشخاص، المُتَمَيِّزِين بِالـغُرُور، أو بِالْـعِنَاد، أو بِالوَقَاحَـة، أو بِالْإِفْرَاط في حُبِّ الذَّات، وَرَغْمَ أنهم غَيْر مُـثَـقَّـفِـين، وَرَغْمَ أنهم شِبْه أُمِـيِّـيـن، وَبِلَا شَوَاهِد مَدْرَسِيَة أو جَامِعِيَة، يَتَـكَـلَّمُون وَيَتَصَرَّفُون كَأَنَّهُم يَـعْـرِفُون كُلّ شيء، أو كَأَنَّهُم يَـفْـهَـمُون كُلّ شيء. وَيُرِيدُون أن يَكُونُوا هُم «المُسَيْطِرِين» في كلّ النِـقَاشَات. وَيَحْتَـقِـرُون العُلَمَاء، ولا يَـعْتَرِفُون بِالـفَـنِيِّين، وَلَا بِالخُبَرَاء. وَفي نفس الوقت، يُريد هؤلاء الأشخاص الجُهَّال تَحَمُّلَ أَعْلَى المسؤوليّات في الجَمَاعَة، أو في الدولة، أو في الحِزْب، أو في الجَمْعِيَة، وَلَوْ أنهم لَا يَكْتَسِبُون أَيَّة خِبْرَة عِلْمِيَة. وَلَا يَهُمُّهُم سِوَى خِدْمَة مَصَالِحِهِم الأَنَانِيَة. وَمَا دَامَ هذا الصِّنْـف مِن الأشخاص لَا يَتَـعَـرَّضُ لِأَيِّ اِمْتِحَان يُرَاقِب مَعَارِفَهُم وَخِبَرَاتِهِم، يَسْتَمِرُّون في تَحَدِّيهِم بِـعِـنَـاد فَاحِش. وَيُرِيدُون خَوْض النِـقَـاش، أو الحِوَار، أو النَّـقْد السياسي، على شَكْلِ مُبَارَزَة، أو مُصَارَعَة، مع أيّ شخص كان، وَلَوْ كَانَ أكثر عِلْمًا منهم، أو أَعْمَـقَ خِبْرَةً منهم. وَلَا يَهُمُّ هذا النَّوْع مِن الأشخاص، لَا الوُصُول إلى الحقيقة المَوْضُوعِيَة، وَلَا إِتْـقَان المَنْطِق، وَلَا اِكْتِسَاب العُلُوم. وإنما هَمهُم الوَحِيد هو إِثْبَاتُ ذَاتِهِم، وَتِبْيَان أنهم أَقْوَى، وَأَحْسَنَ، مِن غَيْرِهِم.

3.13- نُلَاحِظ في الدول الغَرْبِيَة الإِمْبِرْيَالِيَة، أنها هي التي (في وَسَائِلِها الإِعْلَامِيَة) تَتَـكَـلَّم أَكثَر مِن غَيرها عَن «حُـقُوق الْإِنْسَان». وهي التي «تَنْتَـقِـد» أكثر من غيرها بَاقِـي دُوّل العَالَم، وَتُـعِـيـبُ عَليها عَدَم اِحْتِرَامِها لهذه الحُـقوق. وَعلى خِلَاف ذلك، مُنْذُ أن نَبْدَأَ في تَدْقِيق تَـفَـاصِيل الأَحْدَاث العَالَمِيَة، نُلاحظ أن هذه الدُول الغَربيّة هي التي تَخْرُق أَكْثَرَ مِن غَيْرها «حُقوقَ الإنسان»، في تَـعَـامُـلِهَا مع شُـعُوب بُلدان "العَالَم الثَّالِث" المَسُودَة. وَتَـكْـتَـفِـي الدول الغَربية الإمبريالية بِالتَصْرِيح بِأَهْدَافِهَا الخَاصَّة، أو تُـعْـلِـنُ مَصَالِحَهَا الأَنَانِيَة، وَتَـعْـتَـبِـرُهَا «مَـقَـاصِدَ مَشْرُوعَة»، أو «غَايَات قَانُونِيَة»، بَيْنَمَا هذه الأَهْدَاف والمَصَالِح، هي مُجَرَّد غَزْو، أو اِحتِلَال، أو اِسْتِـعْـمَـار، أو تَـقْـتِـيـل، أو سَطْو، أو نَهْب، أو اِسْتِـغْلَال، أو تَخْرِيب، أو سَرِقَـة. وَمِن وُجهة نَظَر المُـفْـتَـرِس، فَإن «الْاِفْـتِـرَاس حَـقٌّ مَشروع»، وَ«مُـقَاوَمَة المُـفْـتَـرَسِ، هي إِرْهَاب بَـغِـيض، أو غَيْر قَانُونِي».

 

(يُــتْـــبَـــع في الجُـزء الـثـانــي المُــقْــبِــل).