في الأول من أيار هذا العام وكل عام نحتفل بعيد العمال العالمي... سنظل الأوفياء في رفع راية الطبقة العاملة وكافة الفقراء والكادحين والمضطهدين في بلادنا، من أجل انعتاقهم وتحررهم ومواصلة مسيرة النضال التي لن تتوقف مهما تزايدت عتمة الظلام بسبب تفاقم الاستبداد والتبعية والاستغلال والانحطاط، بل ستستمر المسيرة النضالية التحررية والطبقية بقيادة الأحزاب الشيوعية والفصائل الماركسية الثورية حتى تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها...
وحدهم الفقراء – كما قال الأديب التقدمي الراحل محمد الماغوط - يستيقظون مبكرين قبل الجميع، حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد، فالكدح، والبؤس والشقاء والمعاناة والإفقار والاستغلال والإذلال والعرق والدم.. صفات تلتصق بعمالنا وفلاحينا الفقراء العرب.. المشتتين في المصانع والمحاجر والورش والمزارع والعزب والمحلات التجارية وشركات المقاولات، الفاقدين للاستقرار الاقتصادي أو الاجتماعي في حدوده الدنيا... والفاقدين لأحوال الثبات في العمل، هذه هي الصفات التي اتسمت بها أوضاع عمالنا في كل البلاد العربية، إذ طالما عانوا من الفقر والبطالة ومن تدني الأجور وغياب التشريعات المنصفة لحقوقهم وغياب الحماية الاجتماعية، وغياب تكافؤ الفرص وتزايد الثروات في أيدي قلة من الطفيليين والكومبرادور الذين يمارسون أبشع مظاهر الاستغلال ضدهم، ويكدسون الأموال ويساهمون في تأجيج الحروب والكراهية؛ وكل أنواع الصراعات، الدينية، الطائفية، المذهبية، إلى جانب تكريس البطالة والفقر، وتدمير للطفولة وخنق لآمال الشباب من أبناء الفقراء، ورفع قاذورات الفكر والمعتقدات الخرافية البالية المتخلفة وغمر رؤوس العمال والفقراء بها، ونفخ الحياة بكل ما هو متعفن، ومهاجمة الديمقراطية والصراع الطبقي والفكر العلمي، وتدمير ركائز العقلانية والترويج لمفاهيم رجعية ومتخلفة، يبررون بها سلطتهم في ظل ضعف قوى اليسار والقوى الديمقراطية التقدمية، التي عجزت – حتى الآن - عن الاندماج الحقيقي في صفوفهم والتعبير عن قضاياهم وتوعيتهم وتنظيمهم من أجل ممارسة دورهم الطليعي في مسيرة النضال التحرري والديمقراطي، الأمر الذي أفسح المجال لولادة حالة من الإرباك الشديد المتمثل في اختلاط وتداخل عوامل التغيير الديمقراطي المنشود، مع عوامل القلق المشروع من اتساع دور القوى اليمينية الكومبرادورية والبيروقراطية والليبرالية عموماً، وقوى الثورة المضادة خصوصاً، التي تتفاعل صعوداً، بدعم مباشر وغير مباشر من القوى الإمبريالية و"حلف الناتو" وعملاءه من الحكام العرب في العديد من بلدان مغرب ومشرق الوطن العربي...إلخ ، ما يفرض علينا مجدداً طرحً السؤال التقليدي: ما العمل؟ ما هي العملية النقيض لذلك كله؟
إن الإجابة السريعة عن هذا السؤال مرهونة بصحوة حقيقية نشطة، سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، من قبل أحزاب وحركات وفصائل اليسار العربي، ومن ثم الالتزام بعملية النضال والصراع الطبقي الحقيقي، السياسي والمطلبي الديمقراطي والثوري التغييري، عبر قيادة العمال والجماهير الشعبية الفقيرة وتوعيتها للخروج والمطالبة بتحقيق الأهداف التي طالما ضحت من أجلها، فلا يستطيع حزب الطبقة العاملة والكادحين عموماً، أن يحقق أهدافها بنفسه، وإنما من خلال الاندماج في أوساطهم والتعبير عبر الممارسة عن معاناتهم وتطلعاتهم لكي يستطيع توعيتهم وتحرضهم وتنظيمهم في إطار حزبي جماهيري ثوري يقودهم إلى تحقيق أهدافهم العظيمة عبر الثورة الشعبية الديمقراطية بآفقها الاشتراكي.
لذلك لا بد من استمرار معترك النضال السياسي والمطلبي في قلب الصراع الطبقي من أجل استكمال مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية واثقين من انتصارها، خاصة وأن أسباب ودوافع النضالات الشعبية الثورية للجماهير الشعبية الفقيرة ضد كل أشكال القمع والاستغلال الطبقي، لن تتلاشى أو تزول، بل ستتراكم مجدداً لتنتج حالة ثورية نوعية، تقودها الأحزاب والفصائل اليسارية الماركسية في مشرق ومغرب الوطن العربي عبر الالتحام بجماهير العمال والفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين، لتحقيق تطلعاتهم في مواصلة النضال صوب إسقاط أنظمة الاستبداد والاستغلال والتخلف والتبعية وتجسيد أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية، وإعلان ميلاد عصر نهوض عربي ثوري وديمقراطي ووحدوي يجسد بالفعل كل تطلعات الجماهير الشعبية من العمال والفلاحين الفقراء...
كل عام وعمال وفقراء وكادحي الوطن العربي بخير وقوة يسيرون بخطى واثقة على طريق نضالهم الديمقراطي والثوري ضد كل قوى الاستغلال والاستبداد والفساد حتى تحقيق انتصارهم الحتمي...
المجد لشهداء الحركات والأحزاب الشيوعية والفصائل الماركسية الثورية في بلادنا من العمال والفقراء عرب وأكراد وأمازيغ وأرمن ونوبيين وغيرهم...
كل عام وعمال وفقراء وكادحي بلداننا في مغرب ومشرق الوطن عرباً وأمازيغ وأكراد وأرمن ونوبيين وغيرهم بخير وقوة يسيرون بخطى واثقة على طريق نضالهم ضد كل قوى الاستغلال والاستبداد والفساد على طريق انتصارهم الحتمي.
كل عام وعمال وفقراء وكادحي فلسطين بخير وقوة في نضالهم الوطني والطبقي التحرري من الكيان الصهيوني وكل قوى النهب والاستغلال والتخلف... وللوقوف على واقع الطبقة العاملة الفلسطينية ومخاطر توطين اللاجئين في مرحلة الانحطاط العربي الراهنة، أضع بين أيديكم الإحصاءات التالية:
بلغ إجمالي تعداد الشعب الفلسطيني نهاية عام 2022 حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (14.3) مليون نسمة، يتوزعون في الدول العربية بواقع 6.430.820 نسمة والدول الأجنبية 760.685 نسمة وفي الأراضي المحتلة (1948) 1.709.811 نسمة، وفي الضفة الغربية 3.205.000 وفي قطاع غزة 2.210.000 نسمة.
أما بالنسبة لإجمالي القوى العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد بلغ نهاية (2022) 1.500.000 عامل يتوزعون كما يلي:
أولاً- الضفة الغربية المحتلة: إجمالي القوى العاملة (976) ألف عامل، العاملين بالفعل منهم يتوزعون بواقع 655 ألف عامل في داخل الاقتصاد الفلسطيني (القطاعين العام والخاص)، وفي داخل السوق الإسرائيلي والمستوطنات (193) ألف، أما العاطلين عن العمل فيبلغ عددهم 128 ألف عاطل عن العمل بنسبة 13% من مجموع القوى العاملة في الضفة حسب الجهاز المركزي للإحصاء.
ثانياً/ قطاع غزة: إجمالي القوى العاملة (524) ألف عامل، العاملين بالفعل منهم يتوزعون بواقع 285 ألف عامل في داخل الاقتصاد الفلسطيني (القطاعين العام والخاص)، إضافة إلى العاملين في السوق الإسرائيلي بموجب تصاريح، فيبلغ عددهم حوالي 15 ألف عامل، مقابل مجموع العاطلين عن العمل في قطاع غزة الذين يبلغ عددهم 239 ألف بنسبة 45%.
في هذا الجانب أشير إلى أن عدد العاطلين عن العمل لعام 2022 في الضفة الغربية البالغ (128 ألف) بنسبة 13.1% من مجموع القوى العاملة، وفي قطاع غزة بلغ عدد العاطلين حوالي (239ألف) بنسبة 45.6%، أي أن مجموع الفقراء تحت خط الفقر المدقع في الضفة وقطاع غزة (أقل من 1974 شيكل للأسرة المكونة من 5 أفراد شهرياً) يبلغ (367 ألف) عاطل عن العمل (بمعدل اعالة ثلاثة أفراد لكل منهم) يعيلون حوالي 1.1 مليون نسمة بنسبة 20% من إجمالي السكان في الضفة وقطاع غزة البالغ عددهم 5.4 مليون نسمة (3.2 مليون في الضفة + 2.2 مليون في قطاع غزة)، وبالتالي فإن نسبة السكان عند خط الفقر المدقع في قطاع غزة فتبلغ 32% من مجموع سكان القطاع ما يعادل 717000 ألف نسمة، وفي الضفة الغربية تبلغ نسبة الفقر المدقع 12% ما يعادل (384) ألف نسمة.
إن عدد السكان عند خط الفقر المدقع في الضفة والقطاع يتعرضون لأوضاع طبقية محكومة بكل مظاهر الاستغلال الطبقي والمعاناة والبؤس المعيشي، ويعيشون حالة من الإحباط والقلق ليس على مسيرتهم النضالية وتضحياتهم من أجل حق تقرير والحرية والعودة فحسب، بل أيضاً تراكمت في عقولهم ووجدانهم عوامل القلق على مصيرهم الوجودي الذي بات مهدداً في هذه المرحلة بإلغاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، تمهيداً لتنفيذ مخططات التهجير والتوطين في بلدان أوروبا وأمريكا الجنوبية وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي البلدان العربية، كما هو الحال في الأردن، في ظل تواطؤ عربي رسمي يسعى إلى الخلاص منهم وفق المخططات الأمريكية الصهيونية.
والمفارقة أو الإشكالية الكبرى أن فصائل اليسار لديها ظرفاً موضوعيا ناضجاً من خلال الانقسام الممتد منذ 17 عاما من ناحية، ومن خلال أوضاع البطالة والفقر الشديد الذي يعيشه مئات الآلاف من ابناء شعبنا، الذين يتطلعون بشوق وحسرة الى من يقف بجانبهم مدافعا عن قضاياهم، ومناضلا ًمن أجل خلاصهم وانعتاقهم وتحقيق أهدافهم في مجابهة وإلغاء مظاهر وأسباب الانقسام والفقر والاستغلال في آن معاً.
