Menu

المعركة الأكثر دموية في الحرب الأوكرانية

مصطفى السعيد

مع بدء المرحلة الثانية للهجوم الأوكراني المضاد على روسيا، تكون قد بدأت أكثر فصول الحرب دموية، فلم يعد أمام القوات الأوكرانية الكثير من الوقت قبل حلول الخريف، والضغوط السياسية تتزايد عليها لتحقيق انتصار ملموس يمكن أن يفتح باب مفاوضات تحقق شيئا لكلا الطرفين، لكن المرحلة الأولى من الهجوم المضاد لم تحقق شيئا ذا قيمة للجانب الأوكراني باعتراف قادة حلف الناتو والبنتاجون، فلم يتم تحقيق أي خرق في خط الدفاع الروسي الأول، وهناك عدة خطوط دفاعية كان ينبغي أن تنجح القوات الأوكرانية في اختراقها، لإقامة رأس جسر تندفع منه المدرعات الأوكرانية إلى إحدى المقاطعات الأربع التي سيطرت روسيا على معظمها، وهى لوجانيسك ودونيتسك وزباروجيا وخيرسون، فكيف تبدأ القوات الأوكرانية المرحلة الثانية دون أن تنجح في المرحلة الأولى؟

تقول أوكرانيا إنها حققت مكسبين مهمين في المرحلة الأولى، الأول أنها وضعت القوات الروسية في موقف دفاعي، ومنعتها من التقدم.

والمكسب الثاني أنها تقدمت في بعض المحاور، وإن كان بطيئا ومحدودا، وبررت أوكرانيا فشل الهجوم المضاد إلى وجود غابة من الألغام يصعب التقدم فيها إلا ببطء شديد، وعند التوغل البطيء للمدرعات تكون في مرمى المدفعية الروسية المدمرة، لكن هذه الأعذار يصعب تسويقها، فزراعة الألغام وضربات المدفعية من الأمور المعتادة في الحروب، ولهذا لم تكن حدثا مفاجئا لم تكن تتحسب له. وكان على قادة كييف إعادة النظر والتحضير للهجوم لفترة أطول، مع تغيير في الخطط وانتظار استلام أسلحة جديدة يمكن أن تحدث تغييرا في موازين القوى، لكن توقف القوات الأوكرانية بعد المرحلة الأولى التي اقتصرت معاركها على محاولات اختراق فاشلة على مختلف الجبهات كان يعنى التسليم بحدوث هزيمة، وهو ما لا يمكن أن تقبل به كييف وحلفاؤها في حلف الناتو، فصور الدبابات الألمانية المدمرة، والخسائر الكبيرة في الأرواح، والفشل في الاختراق سيعنى أن روسيا سيكون لها الكلمة الفاصلة، وستهتز صورة الولايات المتحدة وحلف الناتو والأسلحة الغربية، لهذا لا مفر من خوض المرحلة الثانية مهما كانت الظروف، ومن المرجح أن تشن القوات الأوكرانية هجوما كبيرا إما على محور خيرسون أو محور زباروجيا، أما محاولات دخول مدينة باخموت والسيطرة عليها من جديد فهي أشبه بالانتحار، فالمدينة المحصنة بعشرات الكيلومترات من الأنفاق العميقة القادرة على تحمل حرب نووية، والتي بناها السوفييت خلال الحرب العالمية الثانية أصبحت الآن بأيدي القوات الروسية، وانسحبت منها القوات الأوكرانية بعد حرب ضروس، وستكون الصعوبة مضاعفة مرات عند محاولة قوات أوكرانيا استعادتها، إلا إذا كان الهدف مجرد مناوشات ومناورة، وأن تحاول محاصرتها دون دخولها، أو أن تكون ضمن الخداع الإستراتيجي لتسهل الهجوم على محور آخر. وهذا المحور الآخر قد يكون زباروجيا التي تتميز بوجود أقل للقوات الروسية حول المحطة النووية التي يمكن أن تكون هدفا كبيرا له أهمية إستراتيجية ودعائية، رغم أن شن حرب على تخوم محطة نووية سيشكل خطرا جسيما، ويمكن أن يؤدى إلى حدوث تسرب إشعاعي خطير، سيحدث اضطرابات عسكرية وسياسية وإعلامية هائلة، وربما هذا ما يغرى بأن تكون زباروجيا المحور الرئيسي للهجوم، لكن خيرسون تتمتع بمزايا أفضل في عدد القوات الأوكرانية المحتشدة وخطوط الإمداد والتموين الأسهل، واختيار محور لشن الهجوم الرئيسي لا يعنى توقف القتال على باقي المحاور، وهذا يعنى أن المعارك الأكثر دموية ستكون على أشدها، وسيدفع كل طرف بكل ثقله فيها، وتوقعت الولايات المتحدة وحلف الناتو أن تلحق بالقوات الأوكرانية خسائر جسيمة، لكن لا يمكن تجنبها، فهكذا هي الحروب دائما، لكن أخطر ما في معارك المرحلة الثانية من الهجوم المضاد أنها ستنتهى إما بمكسب مهم للقوات الأوكرانية، يقودها إلى التفاوض الذى تتعجله أوروبا، حتى تتخلص من كابوس الحرب التي أرهقت اقتصادها، أو أن تدمر روسيا معظم القوات الأوكرانية في حرب لم تستعد لها أوكرانيا بالقدر الكافي، وبدون غطاء جوي، ولا نجاح في المرحلة الأولى، وعندئذ ستشن روسيا هجوما تسيطر فيه على كل الجنوب الأوكراني الممتد من خاركيف إلى أوديسا، وبذلك تكون قد حققت انتصارا كبيرا على قوات كييف وحلف الناتو، وغيرت موازين القوى العالمية، ولهذا نجد هذا التوتر والحذر، والخشية حتى من إعلان بدء المرحلة الثانية، حتى يتم تحقيق خرق ما، وإلا سيكون التوقف عن الهجوم أفضل من استكماله.