Menu

تقريرالفلسطيني في الأعياد اليهودية: حصارٌ فوق الحصار

أحمد نعيم بدير

خاص_بوابة الهدف

لا يترك الاحتلال الصهيوني مناسبة أو عيدًا؛ إلّا ويستغلّه أبشع استغلال، وخاصّة خلال فترة ما يُسمى بـ"الأعياد اليهوديّة"، وذلك من خلال تشديد الخناق والحصار المفروض أصلاً على شعبنا الفلسطيني في غزّة والضفة بما فيها القدس وباقي المناطق المحتلّة.

في الأيّام القادمة -بحجّة هذه الأعياد-، ستشهد الأراضي الفلسطينيّة فرض المزيد من الإغلاق الشامل، في توظيفٍ فاضحٍ للمناسبات الدينيّة لتحقيق أغراضٍ استعلائيّة واستعماريّة تطمح من خلالها حكومة المتطرفين في "تل أبيب" إلى سرقة المزيد من الأرض الفلسطينيّة وتنفيذ سياساتها الاحتلاليّة؛ متسترةً بغطاء هذه الأعياد، واستعدادًا لتمرير اقتحامات المستوطنين الواسعة للمسجد الأقصى بحالةٍ من "الهدوء" خلال فترة "الأعياد اليهوديّة".

في هذا التقرير، نطرح إلى أي مدى يوظّف الاحتلال هذه الأعياد ويستغلّها لفرض المزيد من العقوبات بحق شعبنا، وما انعكاس وخطورة ذلك على الشرائح المختلفة لا سيما المواطنين والتجّار وأصحاب المصانع التي يعمل فيها آلاف العمّال، إلى جانب تأثّر حركة المعابر والتسبّب بخسائرٍ تجاريّة للقطاع المنهك اقتصاديًا ومحاصر منذ 16 عامًا على التوالي.

شلل اقتصادي وتعليمي بحجّة الأعياد

وتعقيبًا على ذلك، يقول الكاتب الصحفي المقدسّي راسم عبيدات لـ"بوابة الهدف الإخباريّة"، إنّه "وخلال الفترة القادمة سيكون هناك ثلاثة أعياد يهوديّة منها (رأس السنة العبرية) يوم 16 و17 من شهر سبتمبر الجاري، و(عيد الغفران) الذي يتم فيه تعطيل حركة المواصلات والحركة التجاريّة بشكلٍ كامل، إذ يتم إغلاق كل المعابر ومداخل القرى والبلدات المقدسيّة لمنع الحركة، بما يؤثّر على العملية التجاريّة والاقتصاديّة والتعليميّة، ويحاول الاحتلال أن يوظّف هذه الأعياد ليفرض على المقدسيين الالتزام بطقوس هذه الأعياد من خلال تعطيل حياتهم ومصالحهم".

ويوضّح عبيدات، أنّه "عندما تُمنع الحركة من وإلى البلدات المقدسيّة لا يكون هناك توافد بشري بما يؤثّر على الأسواق والحركة التجاريّة، وينعكس ذلك على الحركة التعليميّة لأنّ مداخل القرى والبلدات تكون مغلقة أمام حركة الطلاب والمعلمين، أي يحوّل الاحتلال مدينة القدس إلى ثكنةٍ عسكريّةٍ مغلقة، وأيضًا يوظّف الأعياد لخلق خسائر للعمّال والحركة التجارية القادمة من الضفة الغربيّة أو العكس".

الأعياد المرتقبة صاعق تفجير:

ويؤكّد عبيدات للهدف، أنّ "الاحتلال يُعزّز خلال هذه الفترة من تواجده الأمني في مدينة القدس والمسجد الأقصى، ويزيد من انتشار كاميرات المراقبة، في ظل أنّ كل التوقّعات تُشير إلى أنّ الأوضاع قد تنفجر من بوابة الأقصى على خلفية ما يخطّط له بعض المستوطنين المتطرفين من فرض وقائع جديدة على الأرض، بينما استبق الاحتلال فترة الأعياد بشن حملة اعتقالاتٍ واسعة ومداهمات وإبعاد مقدسيين إلى الضفة، وفرض الإقامات الجبرية، وكل ذلك بحجّة هذه الأعياد المرتقبة".

وتجدر الإشارة إلى أنّه وخلال هذه الأعياد، يجمّد الاحتلال كافة التصاريح التي يحملها العمال الفلسطينيون للعمل في الداخل المحتل عام 1948، بالإضافة لتجميد عمل بعض الحواجز العسكريّة، وإغلاق عدد من الشوارع التي تمر في المستوطنات.

حياة الفلسطيني غير مهمّة:

في هذا الإطار، يرى المحلل السياسي نهاد أبو غوش خلال مقابلةٍ مع "بوابة الهدف"، أنّ "الاحتلال يستخدم كل الأعياد سواء كانت دينيّة أو قوميّة صهيونيّة أو حتى مناسبات عابرة مثل جنازة حاخام كبير، أو حتى مناسبات فنيّة، ويغتنمها فرصة للتضييق على حياة الفلسطينيين وفي المقابل تسهيل حياة المستوطنين، وهذا الأمر يتعلّق بجانبٍ أمنيٍ بالنسبة للاحتلال، ولكن في جوهر الجانب الأمني نجد أنّ هناك جانبًا عنصريًا إستعلائيًا، لأنّ اليهودي بالنسبة للاحتلال من حقه أن يأخذ إجازة ويتمتّع بها ويُسافر ويتنقّل هنا وهناك دون أن تشوّش حياته حركة الفلسطينيين في الضفة والقدس، لذلك لا يريدون رؤية الفلسطيني لا في الفنادق ولا في المواصلات ولا حتى في الشوارع والأزقّة، بل يُضيّق على الفلسطيني لأنّ كل حياته غير مهمة، وعلاجه غير مهم بالنسبة لهم ولحكومتهم".

ويُشير أبو غوش إلى أنّ "كل هذه التضييقات لا تنعكس فقط على الجانب الاقتصادي والمادي، بل هي فكرة نابعة من استعلاءٍ عنصري متجذّر، لا سيما وأنّهم يقولون أنّ حياة الفلسطيني غير مهمة، والحياة يجب أن تكون لهم فقط، وهذا بالطبع فكر صهيوني متأصّل في فكر كل الحكومات "الإسرائيليّة" السابقة والحاليّة واللاحقة، ويزداد اللجوء إلى هذه الأوامر والحلول الأمنيّة كلّما سيطر القوميّون على سدة الحكم في دولة الاحتلال".

رخصة مفتوحة للقتل:

ويجب التنويه إلى أنّه وخلال فترة هذه الأعياد، تزداد وتيرة جرائم الاحتلال من قتلٍ واعتقالٍ وتشريدٍ واقتلاعٍ وتهجير، وتصبح يد جنود الاحتلال "رخوة على الزناد"، فيستسهل الجنود إطلاق النار، وتزداد الجرائم بحجّة تأمين المستوطنين المشاركين في هذه الأعياد بالضفة والقدس.

يُعقّب أبو غوش على ذلك قائلاً": "مسألة زيادة وتيرة الجرائم بحق أبناء شعبنا تستفحل يومًا بعد يوم، فمثلاً في الماضي كان الأمر أصعب مما هو عليه اليوم من ناحية أوامر إطلاق النار، لكن اليوم هناك رخصة مفتوحة لكل مستوطن وجندي بأن يتم إطلاق النار وقتل الفلسطيني بدمٍ بارد لأي سببٍ كان، حتى لمجرد الاشتباه، أو القيام بحركةٍ عفويةٍ لا إراديّة فيتم إطلاق النار على الفلسطيني، دون أي رقيبٍ أو حسيب، وهذا في ظل أنّ هناك عشرات الجرائم لم يتم التحقيق فيها، ومنذ العام 2015 وحتى يومنا هذا لم يُحاكم أي مستوطن على جريمة قتل ضد المدنيين الفلسطينيين إلّا جندي واحد فقط"، مُؤكدًا أنّ "هذه العربدة الصهيونيّة تأتي بتواطؤٍ أمريكيٍ واضح؛ حتى ولو أنّ هذه الجرائم طالت من هم حملة الجنسيّة الأمريكيّة مثل الصحفية شيرين أبو عاقلة رغم أنّ الجريمة موثّقة ومصوّرة، أو حتى الناشطة راشيل كوري".

غزّة.. تشديدٌ لحصارٍ مفروض

أمّا في قطاع غزّة، تغلق سلطات الاحتلال معبر "كرم أبو سالم" التجاري جنوبي القطاع، وحاجز بيت حانون "إيرز" الخاص بحركة الأفراد، شمالي القطاع.

وحول تأثيرات تشديد الحصار، يوضّح المحلل الاقتصادي سمير أبو مدللة لـ"الهدف"، آثار هذه الإغلاقات على القطاع، يقول: "الاحتلال يستغل أي فرصة لإغلاق المعابر؛ لأنّ الأولوية الأمنيّة لديه دائمًا فوق الأولويّة السياسيّة والاقتصاديّة، وفي حال وجود أي إنذار أو عيد تُغلق المعابر كما جرى في معبر كرم أبو سالم قبل قرابة الأسبوع، وبكل تأكيد هذه الإغلاقات التي تأتي بحجّة الأعياد اليهوديّة تتسبّب بخسائر كبيرة جدًا لدى التجّار ممن لديهم منتجات تصدّر من قطاع غزّة إلى الضفة من خلال هذا المعبر على رأسها الملابس وبعض الخضروات والفواكه".

ويُبيّن أبو مدللة، أنّ "شهر سبتمبر الجاري شهد أكثر من 8 أيّام إغلاق لمعبر كرم أبو سالم، وهذا إلى جانب الإجازات الرسميّة مثل يوم السبت مثلاً الذي يغلق فيه المعبر في كل أسبوع، لذلك كل أيّام الإغلاق تؤثّر ليس على التجّار فقط بل على المواطنين في قطاع غزّة، وأحيانًا إذا لم يكن لدينا المخزون الكافي من بعض السلع خلال فترة الأعياد يؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعارها على المواطن في غزّة".

سِتار لتقويض الاقتصاد الفلسطيني

وخلال حديثه، رأى أبو مدللة، أنّ "فترة الأعياد تستغلها "إسرائيل" لتقويض الاقتصاد الفلسطيني والحد من النمو الاقتصادي، ففي حالة الاغلاقات تضطّر الكثير من المصانع إلى تخفيض العمالة لديها، وتعمل هذه المصانع ثلاثة أيّام في الأسبوع بسبب قلّة التصدير، مما يزيد من نسبة البطالة في الشارع الفلسطيني، بل تبيّن الإحصاءات الرسميّة أنّ كل يوم إغلاق للمعابر يكلّف القطاع الزراعي لوحده خسائر بقيمة مليون شيكل يوميًا، لا سيما وأنّنا في فترة انتقال الفصول ما بين فصل الشتاء والصيف، لذلك نلاحظ ارتفاع في أسعار الخضروات والفواكه على المواطن في القطاع".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، تطرّق أبو مدللة إلى تأثير الإغلاقات على سوق الملابس، يقول: "خلال الأعوام الأخيرة عادت مرّة أخرى إلى السطح تجارة الملابس وبعض المصانع انتعشت وأصبحت تسد حاجة السوق في قطاع غزّة وجزء من حاجة سوق الضفة الغربيّة، لكنّ هذه المصانع ستتأثّر كثيرًا بإغلاقات المعابر لأنّ لديها مواعيد محدّدة لتسليم البضائع المطلوبة منها، أي أنّنا نتحدّث عن خسائر واضحة في هذا القطاع كما بقيّة القطاعات الأخرى".

وبدءًا من ظهر يوم الجمعة 15 سبتمبر، سيفرض جيش الاحتلال طوقًا شاملاً على الضفة ومعابر قطاع غزة وحتى ليلة السبت-الأحد المقبل، وذلك تزامنًا مع ما يُسمى "عيد رأس السنة العبرية".

كما يفرض الاحتلال إغلاقًا شاملاً على الضفة وغزة فيما يُسمى "يوم الغفران"، وذلك ابتداءً من منتصف ليلة السبت- الأحد 24 من سبتمبر الحالي، حتى ليلة 25 من ذات الشهر، فيما يغلق الاحتلال جميع المعابر المؤدية إلى الضفة والقطاع بمناسبة ما يُسمى "عيد العرش" لمدة ثمانيّة أيّام كاملة تبدأ ليلة الخميس-الجمعة 29 أيلول حتى ليل السبت- الأحد 7 أكتوبر المقبل.