Menu

التململ الأميركي من السلوك الإسرائيلي

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

 

كتب حلمي موسى* 

 

ذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم" المقربة من حكومة نتنياهو أن الإعلان عن "تسريح" ٥-٧ ألوية عسكرية من غزة ونقلها إلى مهام أخرى جاء استجابة لضغوط أميركية.

وخلافاً لكل حروب إسرائيل السابقة كان الدور الأميركي هذه المرة جلياً ليس في تقديم السلاح والمعدات فقط وإنما في محاولة توجيه الأداء السياسي والعسكري. وعمدت إدارة بايدن للتعامل مع الحرب بوصفها شريكة فاعلة فشارك عدد من كبار المسئولين فيها في جلسات كابينت الحرب وأيضاً في النقاشات الميدانية العسكرية.

ومن الجائز أن أوضح الخلافات بين الطرفين هو ما صار يتمحور حول ما يسمى ب" اليوم التالي"  أي ماذا ستفعل إسرائيل بعد انتهاء الحرب.

وواضح أن إسرائيل لجأت إلى أساليب التسويف والمماطلة مع أميركا بشأن مراحل الحرب وأهدافها وذلك لتأجيل النقاش حول اليوم التالي.

وحاولت الإدارة الأميركية بكل السبل اجتذاب إسرائيل الرسمية لمناقشة واتخاذ قرار بشأن اليوم التالي.  وطالت المداورة الإسرائيلية وبدأت إدارة بايدن في التململ ثم في إبداء التذمر وأخيراً في التصريح عن الاعتراض على السلوك الإسرائيلي. وقيل صدقاً أو كذباً أن إدارة بايدن اضطرت للجوء إلى الضغط على إسرائيل عبر إبطاء شحنات الذخائر والسلاح. كما قيل أن أميركا دفعت بعض الدول التابعة لها لمهاجمة السلوك الإسرائيلي.

ومراراً جرى الإعلان عن مكالمات هاتفية غاضبة بين نتنياهو وبايدن وأن المطالب الأميركية صارت أكثر علنية وصراحة.

وكما سبق وأعلن فإن أميركا أوضحت ما ترفضه أكثر مما أوضحت ما تقبل به. وبين أهم ما ترفضه بشأن اليوم التالي تقليص مساحة القطاع أو تهجير أهله أو إعادة احتلاله وإدارته من جانب إسرائيل.

لكن نتنياهو والقوى اليمينية المتشددة في ائتلافه يرفضون فعلياً إملاءات أميركا المعلنة ولا يتورعون عن إعلان مواقف مناقضة كلياً.

فبن جفير وسموتريتش ومعها رهط من الليكوديين وأعضاء أحزاب يمينية أخرى يطمحون إلى طرد الفلسطينيين من غزة طوعاً أو قسراً. ونتنياهو لا يتأخر في الإعلان عن رفضه حماسستان أو فتحستان في غزة وهو عملياً يرفض أي حكم في غزة على أرضية وطنية فلسطينية ولا يخجل من مناقشة خطط لإدارة عشائرية ليس للقطاع برمته وإنما لمناطق متفرقة منه وليس على أرضية جيوسياسية واحدة.

ومن الجائز أن هذا ما دفع نتنياهو قبل أقل من أسبوع للتراجع عن قراره بمناقشة اليوم التالي في كابينت الحرب بعد تهديدات من سموتريتش بتفكيك الائتلاف الحكومي.

ولكنه حالياً يعود ليقرر عقد اجتماع لمناقشة اليوم التالي ولكن بعد أن بلور خطة بالتعاون مع الشاباك ومع الجيش لعرض خطة العشائر التي ستدير مناطق نفوذها وفق الإملاءات الإسرائيلية. وكل ذلك لاطالة النقاش في كابينت الحرب على خطة اليوم التالي وكسب المزيد من الوقت للحرب.

وكثيرون يعلمون حالياً أن لنتنياهو واليمين مصلحة واضحة في إطالة الحرب على أمل أن تبعد الجميع عن ٧ أكتوبر وأن تحقق مزيداً من الإنجازات العسكرية التي يمكن البناء عليها سياسياً في اليوم التالي.

وفيما تتحدث أميركا عن السلطة الفلسطينية، معدلة أو كما هي، بوصفها الشريك في اليوم التالي ترفض إسرائيل الرسمية هذا الحل رفضها أيضاً لحل الدولتين.

 وسارع سموتريتش وبن جفير كل من جهته لإعلان رفضهما لكل أشكال الحلول التي تطلق في فضاء غرف المداولات لليوم التالي. يرفضان الحلول الدولية والعربية والأميركية ويصران على الحل الإسرائيلي. وفي تصريحاته العلنية يبدو نتنياهو أقرب إليهما من قربه إلى الوجهة الأميركية

والواقع أن مسألة اليوم التالي صارت تتعلق بموعد انتهاء ما يسمى المرحلة الثانية من الحرب وتوقف القصف الجوي والمدفعي الشامل والانتقال إلى المرحلة الثالثة التي تعني توجيه الفعل العسكري فقط إلى حماس وفصائل المقاومة وتجنب المساس بالمدنيبن.

وكانت سرت أنباء حول خلاف أميركي إسرائيلي على موعد بدء المرحلة الثالثة وقيل أن أميركا تريدها في موعد لا يتعدى منتصف يناير في حين تطالب إسرائيل بأن تبدأ إنهاء المرحلة الثانية والانتقال إلى الثالثة في منتصف يناير.

وكانت إسرائيل أوفدت إلى واشنطن في الأسبوع الفائت وزير الشؤون الاستراتيجية رون دريمر لمناقشة ليوم التالي والانتقال إلى المرحلة الثالثة.

وأبلغ دريمر المسؤولين الأميركيين. حسب نيويورك تايمز،  أن إسرائيل ستنتقل قريباً إلى مرحلة أكثر دقة، وقال إن "أولى بوادر التغيير في العمليات الإسرائيلية ستظهر على الأرض عندما تنهي قوات الجيش عملياتها في شمال قطاع غزة، والبدء في سحب عدد كبير من الجنود من هناك".

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن ديرمر لم يحدد جدولاً زمنياً دقيقاً للأميركيين، وهم بدورهم ضغطوا عليه للانتقال إلى هذه المرحلة في أقرب وقت ممكن.

 

وفي السياق، من المزمع أن يزور وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إسرائيل يوم الخميس المقبل، حيث من المتوقع أن يجري مباحثات مع مسؤولين إسرائيليين بينهم رئيس الحكومة ووزير الحرب و"كابينيت الحرب" وتلقي رداً بشأن الانتقال إلى المرحلة المذكورة.

 

وتطرقت "نيويورك تايمز" إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ بدء الحرب على غزة، ووصفت المحادثات الأخيرة بين بايدن ونتنياهو بأنها كانت "مشحونة جداً"، ومن بين ما قال بايدن لنتنياهو "عليك أن تفعل المزيد وتأخذ الأمور على محمل الجد".

 

ولخصت الصحيفة بأن رسائل الإدارة الأميركية تتمحور حول 4 أمور وهي أن "إسرائيل لديها حق الدفاع عن نفسها، يجب إنهاء تهديد حماس، زيادة المساعدات الإنسانية وتقليص الخسائر بين المدنيين في غزة".

وأشارت إلى أن "هناك تلميحات بأن نتنياهو سيوافق في نهاية المطاف على قبول دور للسلطة الفلسطينية في غزة بعد إجراءات إصلاحات. هو يدرك بأنه يجب أن تكون هناك حكومة فلسطينية إذا أراد أن تقوم دول الخليج العربي بتمويل إعادة إعمار القطاع".

وإذا كان لهذا الكلام من معنى فإن أمريكا ترهن علاقات إسرائيل مع الدول العربية بقبول نتنياهو لدور السلطة الفلسطينية في اليوم التالي لأهداف سياسية وبراغماتية.

وقد أعلن نتنياهو أنه سيسمح بدور للسلطة إذا أصلحت نفسها وأثبتت ذلك بسلوكها في الضفة الغربية.

 

*كاتب صحفي من غزة