Menu

هزيمة غزة غاية لا تدرك

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حلمي موسى*

ما إن جرى الإعلان عن مقتل ٢١ جندياً في تفجير مبنيين في محيط مخيم المغازي حتى انطلقت أجواء غريبة في إسرائيل. الكل يتحدث عن كارثة كبيرة والإشاعات وصلت إلى حدود خيالية. بل إن البعض في إسرائيل تحدث حتى عن إبادة لواء إسرائيلي كامل.

ما إن تبدت الصورة وجرى إخراج القتلى من تحت الأنقاض حتى خرج رقم ٢١ يضاف إلى ثلاثة أخرين جرى الإعلان عن مقتلهم في صباح اليوم نفسه. وكان رقم ٢٤ قتيلاً كافياً لإثارة ضجيج هائل في الكيان أساسه كيف يلقى هؤلاء مصرعهم بعد حوالي ١.٧ أيام أي مع اقتراب الشهر الرابع للحرب من نهايته.

في ذهن الإسرائيليين حروب الأيام الستة والساعات التسعون والدقائق الخمسة. لم يتعودوا بعد على حرب الشهور الأربعة المفتوحة على الأقل، وفق التصريحات الإسرائيلية، على عام حرب طوال ٢٠٢٤.

بعد مقتلة الجنود في المغازي وإلى جانبهم عشرات آخرين من المصابين ومن يحملون إعاقات مدى الحياة لم يجد نتنياهو مخرجاً سوى إصدار بيان مشترك مع كل من أعضاء مجلس الحرب غانتس وغالانت، وأعلن الثلاثة بشكل موحد أن الحدث مؤلم جداً لكن الحرب ستتواصل.

لم يكن لهذا الإعلان من مغزى سوى القول للإسرائيليين والعالم أنه ليس أمام إسرائيل سوى إكمال الطريق نحو الأهداف المعلنة.

ولكن كل العالم يرى أن تحقيق الأهداف المعلنة شبه مستحيل. وأن هزيمة الفلسطينيين في غزة غاية لا تدرك، وأن استمرار الحرب مستحيل.

انطلقت الأصوات المعارضة  لاستمرار الحرب. صحيح أن المحكمة العليا أمرت الشرطة بالسماح بالتظاهرات ضد الحرب. لكن ما هو أهم من ذلك هو انطلاق أصوات الساسة ضد الحرب.

كان التشكيك في مسار الحرب حكراً على عدد قليل من المعلقين السياسيين في وسائل الاعلام. صار بشكل بطيء ينضم إليهم ساسة بعد أن صار قادة عسكريون يقولون أنه من دون أُفق سياسي لا معنى للإنجازات الميدانية.

أمريكا صارت تتحدث صراحة عن عجز إسرائيل عن حسم الحرب وعن لا جدوى استمرارها بهذه الطريقة.

الجديد انضمت إلى المعارضة زعيمة حزب العمل السابقة شيلي يحيموفيتش والتي كتبت اليوم مقالة بعنوان: أوقفوا النزيف في غزة.

 

وكتبت "سيتم أيضاً المناقشة والتحقيق في كيفية قيام الإرهابيين، بالقرب من الحدود، في المنطقة التي كان من المفترض أن تكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، بإطلاق صاروخين دقيقين من نوع آر بي جي، من مسافة قصيرة، مع ضبط مباشر، دون إزعاج أو تحذير . ويتساءل المرء أيضاً كيف يتم تنفيذ مثل هذا النشاط المفتوح مع وجود قوات هزيلة فقط تقوم بتأمينه، وكيف تجمع هذا العدد الكبير من المقاتلين في نقطة واحدة، في ظل الافتراض الخاطئ بأنه لا يوجد عدو يتربص بهم في المنطقة.

 

ولكن الحقيقة يجب أن تقال، حتى لو تم التحقيق في الحادثة بشكل شامل وتم استخلاص جميع الاستنتاجات العملياتية واستيعابها وتنفيذها، فسوف يحدث ذلك مرة أخرى. هذه هي طبيعة الحرب التي تصبح روتيناً يومياً، هكذا يبدو السير نحو هدف وهمي متغطرس ومكشوف، هكذا تبدو الحرب التي ترفض الحكومة أن تحدد لها ولو ذرة من هدف سياسي أو نقطة نهاية، أو حتى هدف يمكن تحقيقه. هكذا تبدو الحرب على المقاتلين بالكامل، بينما يتنصل قادتهم من أي مسؤولية أو تصرف."

 

وأضافت "إذا كانت هناك حاجة لمزيد من الأدلة على ذلك، فإن كلمات بنيامين نتنياهو الفارغة جاءت بالأمس: "لن نتوقف عن القتال حتى النصر الكامل". النصر المطلق. حقاً. وأضاف: "باسم أبطالنا ومن أجل حياتنا"، وانضم إلى رسالة "بالاسم" و"من أجل" يوآف غالانت ("سقوط المقاتلين أمر لتحقيق الهدف"). أهداف الحرب") وبتسلئيل سموتريتش ("التزامنا هو أن سقوط الأولاد لن يذهب سدى"). وفي اليوم التالي تمسّك بهم، وجرفه التيار أيضاً، بيني غانتس، الذي وقع "احني رأسك ولكن واصل الفوز".

وأشارت إلى أنه "ليس هناك منطق في هذه التصريحات. إنها حلقة مفرغة. ماذا يقولون وأنه مع تزايد الخسائر سيزداد أيضاً "الالتزام" و"الأمر" بمواصلة القتل؟ فهل الخسارة -المخطوفون والقتلى- تبرر لنا خسارة المزيد؟ ومتى، وإذا كانت ستنتهي هذه الحلقة المفرغة على الإطلاق، عندما تكونون أنفسكم غير قادرين على الاقتراب ولو قليلاً من نقطة النهاية، بصرف النظر عن ذلك "النصر" غير المتبلور؟

على الرغم من فظاعة هذه المجموعة، إلا أنها تذكرنا بالمقامرين في الكازينو الذين يضعون المزيد والمزيد من الرقائق لأنهم قد وضعوا الكثير بالفعل، وهذا إتجاه إنساني معروف وموثق في الاقتصاد وعلم النفس. إذا كنت قد استثمرت بكثافة، تشعر أنك يجب أن تستمر. ليس هناك سبب أو منطق في هذا. بالتأكيد ليس هناك أخلاق. الحياة التي تم الاعتناء بها وانتهت لا تقدر بثمن. هؤلاء أناس، معظمهم من الشباب الذين ماتوا بدماء أيامهم، حتى قبل أن يتاح لهم الوقت لتحقيق ولو بعض أحلامهم، ويتركون وراءهم الموت والفجيعة والحزن والمعاناة التي لن تنتهي أبداً.

ولا يمكن أن يقع عبء كارثة 7 أكتوبر وتبعاتها على عاتق الجنود النظاميين والاحتياط فقط، وتجلس حكومتهم بلا أي تحرك سياسي، وهذا هو الدور الوحيد للحكومة في الوقت الراهن.

عموماً هذا تفكير بدا يعبر عن نفسه في وسائل الإعلام والحلبة السياسية الإسرائيلية لم يكن موجوداً من قبل.

*كاتب صحفي من غزة