Menu

قراءة في قرار محكمة العدل الدولية

خاص _ بوابة الهدف

 

 

كتب حاتم استانبولي*

 

جاء قرار محكمة العدل الدولية بموافقة ١٥ عشر قاضياً من ١٧ عشر قاضاً.

القرار تضمن مجموعة من الإجراءات الفورية الاحترازية التي يجب على حكومة الاحتلال الإسرائيلي الإحلالي أن تقوم فورياً باتخاذها، لوقف القتل والمجازر التي تراها المحكمة هي مؤشرات لارتكاب جرائم إبادة جماعية، حسب البند الثاني من اتفاقية الإبادة الجماعية التي أقرت عام في ديسمبر ١٩٤٨ .

المدخل القانوني لاتخاذ القرار هو تأكيد المحكمة أن الفلسطينيين في غزة ينطبق عليهم البند الثاني من الاتفاقية، بمعنى أنها جماعة قومية يتطلب حمايتها من الإبادة الجماعية التي ترتكب بحقها وهذا يتطلب حماية .

عند التدقيق في الخمس نقاط التي ترد تحت البند الثاني من الاتفاقية التي تطرقت إلى قتل  أعضاء الجماعة وإلحاق الأذى الخطير الجسدي والروحي، وكذلك إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد منها التدمير المادي الكلي أو الجزئي، كما إذا قامت بِتدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة وآخرها تقل جماعة قسراً إلى جماعة أخرى.

معظم هذه النقاط التي تندرج في البند الثاني تنطبق على ممارسات الحكومة الإسرائيلية ومُشرعيها وقضاتها ومحاكمها العسكرية والمدنية ومحكمة العدل العليا وجيشها الذي ينفذ هذه الإجراءات، من قتل وتدمير وإعدام ميداني وحراسة اعتداءات المستوطنين، وحرمان سكان غزة من الماء والكهرباء والطعام وقصف المستشفيات وعدم تأمين ظروف صحية إنسانية للحوامل، وقتل عائلات بكاملها بغرض الإرهاب، ودفع المواطنين الفلسطينيين لِلخوف والهرب من بيوتهم وجعل غزة منطقة جغرافية لا يمكن العيش بها، ناهيك عن التدمير الممنهج للمؤسسات التعليمية والصحية والبنية التحتية.

كل هذه الأعمال العدوانية الإجرامية والإرهابية التي تمارسها كل مؤسسات دولة الاحتلال الإحلالي الإسرائيلي والتي تبث على الهواء مباشرة دفعت محكمة العدل الدولية لاتخاذ هذا القرار بالرغم من الضغوط الهائلة التي تعرضت لها كمحكمة وقضاة.

السؤال المهم : كيف يجب النظر إلى قرار محكمة العدل ؟

أولاً مجرد قبول المحكمة  دعوى دولة جنوب إفريقيا تحت عنوان وقف الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، ورفض الطلب الإسرائيلي يعتبر انتصاراً قانونياً يضع إسرائيل وممارساتها تحت المجهر القانوني، وهذا يؤسس إلى الملاحقة الجنائية للأفراد الذين مارسوا هذه الإبادة، ويرغم الدول الموقعة على الاتفاقية بالالتزام بقرار المحكمة، والتوقف عن كل الإجراءات التي من الممكن أن تشجع الاحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في ممارسة هذه الجرائم.

ثانياً: ضرورة النظر لقرار المحكمة بشكل شامل وما يحمل من دلالات قانونية وسياسية وأخلاقية والدفع بمطالبة الدول والحكومات على تنفيذها.

وفي هذا السياق فإن الحكومة المصرية وجامعة الدول العربية والحكومات يجب أن تستند لقرار المحكمة في كسر الحصار المفروض على غزة بلا تردد، و دحض الحجج الإسرائيلية التي قدمت للمحكمة على أن مصر هي التي تتحمل مسؤولية الحصار على غزة.

دولة الجزائر العضو الغير المراقب في مجلس الأمن عليها واجب الدعوة لعقد جلسة لمجلس الأمن من أجل وضع القرار موضع التنفيذ وهذا التنفيذ يتطلب قرار عاجل من مجلس الأمن بوقف العدوان على غزة، وفي هذا السياق فإن طلب وقف إطلاق النار بالمعنى القانوني يكون بين دول متحاربة، وهذا لا يتوافق مع ما يجري في غزة التي تشهد عدواناً ممنهج شامل يحقق كل شروط الإبادة الجماعية.

السلطة الفلسطينية يجب أن تفعل مؤسساتها السياسية والقانونية وسفاراتها من أجل مطالبة الدول الموقعة على اتفاقية منع الإبادة للضغط من أجل وقف العدوان، والأهم فإن الجلسات القادمة للمحكمة تَتَطَلب من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بأن تقوم بتقديم الوثائق القانونية التي توضح الممارسات المنهجية السياسية والقانونية والعسكرية والثقافية التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني الإحلالي.

هذا القرار الذي يحمل الصفة القانونية إذا ما أضفنا له قرار المحكمة السابق حول الجدار الفصل العنصري، يجب أن ينظر لهما أن العدالة ل فلسطين كسبت جولة في المعركة القانونية الدولية التي تكتسب أهمية في إطار الصراع الشامل ما بين العدالة الإنسانية وأعدائها.

هذا القرار له أهمية قانونية في ملاحقة الدول والسياسيين الذي يغطون جرائم الاحتلال الإحلالي الصهيوني الإسرائيلي.

هذا القرار يرفع الضغط الأميركي على الدول وحكوماتها ويعطيها مبررات قانونية من أجل تنفيذ بنوده، وهو المعيار القانوني الذي يجب أن تستند عليه الحكومات في مواجهة الضغط السياسي الأميركي البريطاني.

هذا القرار يفرض على المحاميين العرب والفلسطينيين برفع دعوى تجريم لقادة إسرائيل أمام المحاكم  لعدم استقبالهم، كما يفتح الأبواب لإعادة النظر في اتفاقيات التطبيع  من خلال البرلمانات والمؤسسات القانونية والسياسية.

هذا القرار يفرض وقف التعاون مع حكومة الاحتلال، ووقف كل المشاريع التي تستهدف دعم عدوانه اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وخاصة ما يتعلق من مشاريع تنموية أو لوجستية مطروحة.

هذا القرار يتطلب من الصحافيين الفلسطينيين والعرب والمؤسسات الإعلامية بمساعدة القانونيين لتوثيق قانوني لِلجرائم بكافة أشكالها ووسائلها وأدواتها، من أجل تعزيز إجراءات الدعوى في محكمة العدل التي ما زالت تنظر في الدعوى، والقرار الإجرائي الفوري الذي اتخذ يعتبر قراراً أوليا بقبول الدعوى والنظر بها، وفي هذا السياق فإن الضغط الشعبي على الحكومات للانضمام لدعوى جنوب إفريقيا يعزز ويوسع المواجهة القانونية الدولية لجرائم الإبادة والفصل العنصري التي ترتكبها حكومة الاحتلال ومحاكمها وجيشها وبرلمانها ومستوطنيه.

إن المواجهة بين العدالة الانسانية وأعدائها يتوجب فضح وكشف بشاعة وإجرامية الممارسات العدوانية الإسرائيلية ليتضح أهمية تحقيق العدالة الإنسانية للفلسطينيين.

 

*كاتب فلسطيني