تكرار عبارة انتصار (إسرائيل)، اختراق (إسرائيل)، قوة (إسرائيل) واقتصاد (إسرائيل) ممن يعملون في السياسة، خاصة بعد حرب قطاع غزة الكاشفة، هو استخدام خاطئ. إذ تصبح عبارات الإشادة والتضخيم والانبهار بقوة المستعمرة الأنجلوسكسونية محاولة، سواء كانت بوعي أو غير وعي، لتضخيم مستعمرة لا تملك قوتها من ذاتها، بل من الولايات المتحدة الأمريكية بما تملك من إمكانيات تتفوق فيها على الصين وروسيا مجتمعين.
هذا من ناحية. من ناحية أخرى، ليست قوة المقاومة بالصواريخ ولا بالاستخبارات ولا بالتكنولوجيا، فهذه مهما برعت فيها حركات التحرر والمقاومة، إلا أنها تساوي قطر ة في بحر القوة الأمريكية.
قوة الفصائل مهما عظمت هي في القتال على الأرض، فالعمل المؤثر لهذه الجماعات الثائرة هو في حروب الاستنزاف، تلك هي ساحتها المفضلة والتي تتفوق فيها. انتصر الحزب على إسرائيل في حروب الأنصار بالكر والفر، ولكن عندما تضخم بما يشبه الدولة، حيث استنسخ دولة حركة فتح في لبنان فيما قبل الثمانينيات، كانت النتيجة (وأرجو أن لا يحدث ذلك) مماثلة لما حدث عام 1982. لكن كل هذا سيقودنا إلى ما تلا خروج فتح وهزيمتها في لبنان، أي تأسيس الحزب الذي قلب المعادلة وحرر لبنان من الاحتلال.
واليوم، مهما شاهدنا من انكسار وانتصار استخباراتي واغتيالات هنا وهناك، فإن انتصار العدو مسألة تدخل في باب المستحيل. فكي ينتصر عليه، يتطلب احتلال جنوب الليطاني والقضاء على المقاتلين فيه، وهذا أيضًا لن يحدث. ليس فقط بالمقارنة بتجربة قطاع غزة، بل بتجربة لبنان نفسه على مدى عشرين عامًا من قتال الحزب ضد الصهاينة.
طبعًا، كثيرون انتظروا نصرًا سريعًا وهزيمة ظاهرة وتدميرًا للكيان كما وعد وهدد السيد رحمه الله. إلا أن حجم الخيانة غير المعروفة المصدر حتى الآن والانكشاف الكامل للحزب وحلفائه أمام المخابرات الأمريكية والغربية وبعض العربية المساندة جعلت المشهد يتعقد ويشكل مأساة جديدة، بل انكسارًا نفسيًا عمّ الأمة، شبيهًا بحرب العام 1967.
رغم ذلك، لا أخشى على الحزب بل أخشى على لبنان، كل لبنان، وفلسطين، كل فلسطين. نقطة ضعفنا كعرب، وأقصد الشعوب، أن الأنظمة تتعاون وتتكامل مع العدو، خاصة ما يُعرف باسم الخلفي الإبراهيمي، وهو حلف عسكري وأمني بقيادة أمريكية. لذلك، سيكون الضغط السياسي والاقتصادي هو أداة الحرب الأشد فتكًا في البلدين، أكثر مما نرى الآن.
حتى يصبح العمل المقاوم شبيهًا بالربيع العربي والمطالبة بالحرية، فعلًا مجنونًا مدمرًا لا داعي له، إذ إن تكلفته تفوق بمرات نتائجه. وهذا لن يكون شعارًا جديدًا بل شعارًا تلوكه الألسن منذ عقد ونصف.
ويبقى السؤال: لماذا ينتصر أو سينتصر العدو إذا ظل الوضع الحالي؟
لأن العالم بصمته، أو لنقل بعجزه، سمح للعدو وللولايات المتحدة باستخدام حروب الإبادة، أي حروب ليست عادية وضمن القانون الدولي والإنساني بل خارجه. وهذه حروب لا تستطيع حركات المقاومة، بل حتى الدول ضعيفة التسليح والإمكانيات، أن تواجهها. لم تحدث هذه الحروب من قبل بهذا الشكل في أي مكان في العالم إلا في أمريكا الشمالية وأستراليا ومثيلاتها ضد السكان الأصليين، حيث تمّت إبادتهم وإحلال السكان البيض الأنجلوسكسونيين مكانهم.
في المحصلة، لمعرفة نتائج هذه الحرب التي تتكامل في لبنان وفلسطين و اليمن وسوريا، علينا انتظار الاجتياح البري للبنان وربما لسوريا أيضًا. أما قبل ذلك، فإن صورة التفوق التكنولوجي والأمني والعسكري الأمريكي الصهيوني هي الصورة الظاهرة والقاهرة والمهيمنة على كل المشهد.
ولا بد من الإجابة على سؤال الأسئلة اليوم: هل حرب غزة هي سبب الحرب على لبنان؟
البعض يشير إلى أن طوفان الأقصى ورّط الجميع، لكن ذلك قصر نظر ومجرد قول لجاهل وساذج لا يقرأ ولا يتابع. إذ إن ما يحصل اليوم هو جوهر السياسة الصهيوأمريكية.
للتذكير: في يوم العاشر من أكتوبر 2023، اجتمع مجلس الحرب الصهيوني وطالب غالنت، وزير الحرب، بشن المستعمرة الصهيونية ضربة استباقية شاملة على لبنان. رفض ذلك نتنياهو. بعد مجزرة البيجر واللاسلكي، صرّح قادة صهاينة بأن التحضير لهذه الحرب استمر لما يقارب خمسة عشر عامًا، أي أن الخطط جارية منذ فترة طويلة جدًا. أجرت الولايات المتحدة ودولة الصهاينة مناورتين للدخول معًا في حرب على جبهتين، غزة ولبنان، آخرها في شهر مارس 2023. وعليه، كانت هذه الحرب مسألة وقت واختيار ساعة صفر للانطلاق، ولا علاقة للطوفان بها.
الحزب صُنف العدو رقم واحد لدولة الصهاينة، أي أنه بالنسبة لهم أخطر من إيران وحماس والجهاد الإسلامي وكل دول العرب والعجم.