تتناول هذه الدراسة من شقين ننشر شقها الأول في هذا العدد والق الثاني في العدد القادم تحليلاً نقديا لمجريات الانتخابات الأمريكية الرئاسية في نوفمبر\تشرين الثاني الماضي والتي فاز فيها دونالد ترامب على مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس
لم تسجل فلسطين نفسها رسمياً. لم تصرف ملايين الدولارات لشراء الدعايات. لم تجول من بلد إلى آخر تستجدي أصوات الناخبين. لم تتعهد بوعود لن تنفذها. لم تعقد صفقات خلف الكواليس. ولكن فلسطين المسلحه بقضيتها العادلة وصمود شعبها وتضامن العالم معها ,دمها يسيل على كفها حققت في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر الماضي حضوراً لم يشهده تاريخ الولايات المتحدة. فبغض النظر عن فوز دونالد ترامب وخسارة كامالا هاريس فقد أثرت قضية فلسطين بشكل مباشر على أجندة حملات الرئاسة ومجلسي الشيوخ والنواب وتصدرت مواقف الفلسطينيين والعرب والمسلمين عناوين الصحف ووكالات الأنباء الرئيسيه على قدم وساق مع المواقف المؤيدة للاحتلال الصهيوني. ففي الماضي كان التركيز على مواقف الصهاينة بذريعة تغطية مواقف الجاليه اليهوديه والذي ادى قصداً وليس عفوياً الى الخلط ما بين اليهوديه والصهيونيه. لم تستنفر كما فعلت مؤسسات اللوبي الصهيوني (هذه المرة علنياً) للضغط السياسي والابتزاز المالي والعنف الجسدي ضد كل من تحدى موقف الحكومة الأمريكية الموالي لإسرائيل واستعمارها الإحلالي الابادي ولم يستثنى من ذلك مرشحي الكونغرس والحملات الانتخابية ونشاطات الشوارع والجامعات والكنائس والمساجد والمؤسسات اليهودية المعادية للصهيونية. ورغم ذلك برزت قضية فلسطين واحدة من أهم قضايا العدل الأساسية على بال الناخبين الأمريكيين الذين لا يريدون أن تكون أياديهم ملطخة بدماء الشعب الفلسطيني.,, فكيف نفهم هذا التناقض؟
ماذا تعني الانتخابات الأمريكية وهل يملك الشعب السلطة حقاً؟
دعونا في البداية أن نضع الحقائق المجردة أمام أعيننا و نخضعها للتحليل النقدي. فقد أظهرت نتائج الانتخابات أن الفارق بين ترمب وهاريس كان أقل من 2% (مجرد 1.58%) فبينما فاز ترمب ب76,917,038 صوتا أي 50% حصلت هاريس على 74,441,439 أي 48.4%. بمعنى أنه لا فرق يذكر بين الفائز والخاسر. فكيف أعلن ترامب فائزاً؟ أليس من حقنا التساؤل لماذا لم تؤدي هذه الأرقام لعقد جولة ثانية من الانتخابات لاختيار الفائز كون الفرق بين المرشحين لا يذكر حيث أن نسبة تقل عن 2% 1 لا تكفي لإعلان شرعية للحكم. فألا تشير أبسط قواعد الانتخابات التي تعلمناها ونحن طلاب يانعين في الاتحاد العام لطلبة فلسطين أنه في حال تقارب الأصوات النهائية لابد من إجراء تصويت ثاني؟ ولكن الانتخابات الأميركية صيغت بطريقة تعيد إنتاج الوضع القائم و عوامل تحكم انتخاب الرئيس منها أولها تباين أعداد الناس في الولايات التي تصوت. واعتماد المجمع الانتخابي بدلاً من الصوت الشعبي وغيرها مما يضعف هامش الديمقراطية الضعيف اصلا.
أما بالنسبه لمرشحي الكتل التقدمية المستقلة أو ما أطلق عليهم "البديل الثالث" (عن الحزبين الحاكمين والمحتكرين السلطة) فقد حازوا على 2.9 مليون صوت فقط أي بما يعادل 1.90% من مجمل أصوات الناخبين وهو ارتفاع طفيف جداً من النسبة الضئيله التي حققوها في الانتخابات الماضية عام 2020 والتي لم تتعدى 1.86%. فقد حازت حمله الطبيبه جيل ستاين بحصة الأسد حيث كسبت 782,323 صوت بما يعادل 51.% وهي طبيبة يهودية معروفة بعدائها للصهيونية ودعمها الواضح لحقوق الشعب الفلسطيني.وهنا من المهم التأكيد بأن التأييد الساحق والحماس لحملات الرئاسيه للدكتورة جيل ستاين كما كان الأمر بالنسبة السيناتور برني ساندرز و كلاهما يهوديان يدحض الادعاءات الصهيونية المغرضة والتي تحاول نعت موجة الحراك الشعبي الأمريكي ضد حرب الإبادة الصهيونية بالعداء لليهود (أو اللاسامية). فقد أظهر استطلاع في ولاية ميشيغان أن 40% من الناخبين المسلمين اختاروا ستاين، بينما حصل ترامب على 18% وهاريس على 12% فقط.
وتجدر الإشارة بأن هناك 245 مليون أمريكي مؤهلين للتصويت في انتخابات 2024 العامة ولكن 90 مليون ناخب منهم لم يصوتوا أي بما يعادل 36.7%. كذلك من المهم الملاحظة بأن نسبة إقبال الناخبين الشباب (18-29 عامًا) كانت 42% هذا العام وهي أقل من نسبة إقبالهم في 2020 (أكثر من 50%) بمعنى تراجع مشاركتهم عن العام الذي فاز به بايدن ضد ترامب ولكنه أقرب من نسبه عام 2016 عندما فاز ترمب بالبيت الأبيض. كما كانت نسبة الإقبال في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وجورجيا وميشيغان أعلى من الولايات الأخرى، حيث بلغت حوالي 50%. وفقًا لاستطلاع مؤسسة Edison Research، شكل الناخبون الشباب 14% من إجمالي الأصوات في 2024، وهو انخفاض عن 17% في 2020 و19% في 2016 . يمكن ان نستنتج ان مشاركة الشباب صناع المستقبل كانت مشاركتهم بالتصويت هذا العام أقل ولكن لا يمكن أن نأخذ فئه الشباب بمعزل عن النوع والعرق والجنسيه والعمل والتعليم وغيرها. وهناك بعض التحليلات اليمينية التي تدعي بأن طلاب الجامعات تقدميين أكثر ممن لا يحملون الشهادة الجامعية ولكن هذا يتناقض مع الحراك الطلابي الفلسطيني والذي ضحى خلاله الطلاب وتعليمهم و مستقبلهم. كذلك فإن التحليل اليميني يستند إلى اعتبار الحزب الديمقراطي تياراً تقدمياً وهذا تنظير ليس دقيقاً حسب هذه تحليل هذه المقالة.
لماذا فاز ترامب وخسرت هاريس هل هما وجهان لنفس العملة؟
أما بالنسبة لمحتوى البرامج الانتخابية لكلا من ترامب وبايدن وهاريس, فان مواقفهم المتورطة بالمشاركة والتأييد بالإبادة الجماعية الصهيونية في غزة تترابط مع مواقفهم الأخرى. فدعونا نحلل التي هذه المواقف والسياسات الي احتلت ايضاً سلم أولويات الناخبين. لماذا فاز ترامب بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ اضافة الى الرئاسة الأمريكية بينما خسر الحزب الديمقراطي. وهنا نلفت النظر أن العوامل التي أدت الى فوز ترامب ليست بالضرورة نفس العوامل التي أدت الى خسارة هاريس رغم تشابك الأمرين:
أولاً وبلا شك فأن الولايات المتحدة تشهد فرز واضح بين قطبي اليمين واليسار وشبه اختفاء الوسط لم تشهده منذ نهاية حرب فيتنام وولاية ريغان .ففي ولاية كارتر الراحل بدأنا نشهد التحولات الليبرالية والتدخل الأمريكي الإمبريالي الأمريكي يتصاعد في عهد كارتر وكأن الوقت يجري لإنجاز مهمة "النسيان الجماعي" لجروح حرب فيتنام على المجتمع الأمريكي حتى لو يقلق هذا المجتمع بجروح النابالم وعامل اورانج والأسلحة الكيميائية الأخرى التي ما زالت تظهر على أجساد الشعب الفيتنامي. ورغم أن كارتر اتجه الى دعم عدالة القضية الفلسطينية إن كان ذلك عبر كتابه الشهير, "فلسطين: السلم أم الفصل العنصري" أو في مراقبة دورتين الانتخابات اليتمة للمجلس التشريعي عام 1996 وعام 2006 والتصديق على نزاهتها لا تمحو دوره في رعاية اتفاقية كامب ديفيد التطبيعية والتي أخرجت اكبر دوله عربيه عن خندق المواجه الاحتلال الصهيوني إلى التواطؤ معه. كذلك لا ننسى أن كارتر أتخذ القرار للتدخل مع السعودية والباكستان للإطاحة بنظام نجيب الله الاشتراكي في كابول وبداية التدخل الأمريكي بتمويل وبناء وتسليح الطالبان لكسب الحرب الباردة. وفي عهد كارتر بدأت الليبرالية الجديدة تسود في دوائر السلطة الحاكمة عندما بدأ الديمقراطيون بالتخلي عن برامج الرعاية الاجتماعية وشرعنة خصخصة الدولة وتوسيع الميزانية العسكرية والصناعات الحربية وجاء ريغان يعمق هذا الاتجاه الأكثر وتجلت هذه السياسات خلال رئاسة كلينتون. وتتضح هنا بؤس وفشل الرؤية التي تطرح خلافاً حاداً بين الحزبين الحاكمين. صحيح ان الحزب الديمقراطي بيدو انعم والطف وأكثر "حضارياً" لكن آلة الدمار والقتل واحدة بغض النظر عمن ينفذها طرحها.
واليوم تتجه الرؤية السائدة (حسب وسائل الاعلام المتماشية مع قياده الدوله) نحو الايديولوجية اليمينية العنصرية وسيادة البيض الأوروبيين والفكر المسيحي اليميني العقائدي الذي يتضمن المسيحيه الصهيونيه والذي يؤمن بحق الأوروبيين البيض في الاستيطان الاستعماري في الشطر الغربي من الكرة الأرضية وحروب الإبادة الجماعية ضد أهل البلاد الأصليين والقضاء على أمم قائمة وإحلال المستوطنين الأوروبيين المستعمرين مكانهم. ونلفت نظر القراء أن انتخاب أوباما المفكر المثقف الأسود مرتين كان من العوامل التحريضية الدافعة لصعود وتنظيم حركات سيادة البيض العنصرية التي صدمت باختيار الحزب الديمقراطي أوباما كمرشح لرئاسة الولايات المتحدة ومن ثم انتخابه للبيت الأبيض. أما بالنسبة للديمقراطيين فإن اختيار أوباما لم يختلف كثراً عن اختيار كمالا هاريس كبديل عن بايدن. فقد اختار الحزب الديمقراطي اوباما بعد ان فشلت مرشحها المفضل هيلاري كلينتون بالحصول على الدعم الشعبى الكافي ضد أوباما من ناحية وإثبات أوباما التزامه وولائه لليبرالية الجديدة والقضاء على حلفائه السابقين من السود واليسار الراديكاليين المعادين للصهيونية والتغيير الثوري الذين طالب اللوبي الصهيوني والليبراليون الوسط بإعلان التبرؤ منهم وفعلا فقد أطاعهم ونفذ ما طلب منه.
ثانياً: عنف الشرطة وال FBI والفلتان من المحاسبة والعقاب على قتل أهل البلاد الأصليين والشباب السود والملونين والعرب والمسلمين وخاصة الذكور منهم . فان سجل كامالا هاريس معروف عندما كانت مدعيه عامة في مدينة سان فرانسيسكو ومن ثمة ولاية كاليفورنيا فقد دافعت عن رؤوس الأموال والأثرياء ورفضت التدخل في مجموعة من المناسبات لصالح مؤسسات الحقوق المدنية الذين طالبوا بمحاسبة الشرطة وفتح ملفاتها المغلقة وبالمقابل طالبت برفع سلم العقوبات ضد الفقراء والأقليات والحكم عليهم بأحكام طويلة في السجن. فالجميع يعرفها كممثلة عن الحكومة والقانون يتغير موقفها حسب الرياح وليس ثابتاً مهما حاولت في حملتها الرئاسية الادعاء بمواقفها المبدئية كإمرأة سوداء الوقوف بجانب المضطهدين. وقد قدمت هاريس ولاء الطاعة للنظام بما فيهم اللوبي الصهيوني الذي رشحها ودعمها تماما كما فعل أوباما الذي أضحى اليوم مليونيراً يصول ويجول في دوائر الأثرياء.
أمّا ترامب، فقد لمسنا عنصريتة خلال حملته الانتخابية الأولى, والتي تضمنت العديد من التصريحات المثيرة للجدل حول العرق الأبيض. وقد تصاعدت هذه المواقف بعد فوزه بالرئاسة عام 2016 حيث تبنى أفكارا تدعم تفوق العرق الأبيض حيث دافع ترامب عن العنف العنصري خلال ولايته الرئاسية الاولى 2016-2020 بالتصريح بأنه لا يرى اختلافاً ما بين العنصريين الذين طلبوا بسيادة البيض الأوروبيين وآمنوا بنظرية الإحلال "Replacement Theory" العنصرية من ناحية ومن ناحية أخرى المتظاهرين ضد العنصرية في مدينة شارلوتسفيل والتي سقط ضحيتها صبيه دهسها أحد العنصريين وعرف المعادين للفاشية بعد ذلك بأنهم "Anti-fascist" أو Antifa" حيث نعتهم مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI بالإرهابيين بينما قال يائير نتنياهو ابن رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن اليسار الأمريكي وأنتيفا يمثلون خطراً أكبر على إسرائيل من اليمين العنصري الأبيض المعادي لليهود كونه كان وما زال من مناصري نظرية "الاستبدال". وقد صرح ريتشارد سبنسر أحد زعماء العنصريين الأمريكيين لقناة 12 العبرية "أنا صهيوني ابيض" مثلكم. إضافة لذلك فان ترامب حرض العنصريين اليميني التمرد اليميني العنصري في العاصمة-واشنطن في 6 يناير 2021. وتجدر الاشارة ان المتمردين في واشنطن حملوا اعلام اسرائيل وشاه ايران والنظام العنصري في الهند. وسواء كانت حملة هاريس ام ترامب فهنا تبرز أهمية دراسات المقارنة من منظور المستعَمرلتحليل أشكال وتركيبات الاستعماري الاحلالي الاستيطاني الأوروبي العنصري في فلسطين وجنوب إفريقيا و جزيرة السلحفاة .ثالثاً من الأسباب المباشرة لفشل الحزب الديمقراطي بهذه الانتخابات وفوز ترامب (وهنا وجه التقاطع بينهم) نقض فريق بايدن-هاريس مجموعة من الوعود التي تعهّدا بها خلال حملتهما الانتخابية عام 2020 ومنها إلغاء سياسات ترمب العنصرية والشوفينية والتعسفية داخل وخارج الولايات المتحدة بدعم المهاجرين وإغلاق مراكز اعتقال الاسر والاطفال وتحسين الأوضاع الاقتصادية بإلغاء قروض الطلاب الجامعيين وتطوير شبكة التأمين الصحي وتخفيف مآسي المعتقلين والسجون والمساهمة في تحسين السياسات المناخية والبيئية ,والتعاون الدولي, وحماية حقوق المرأة ومحاسبة الشرطة والشفافية وغيرها. اضافه أن القوى الليبرالية الوسطية كانت تتوقع أن تلغي إدارة بايدن قرارات ترمب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ودعم وكالة الغوث الدولية (الأونروا) وفتح مكتب فلسطين في العاصمة الأمريكية-واشنطن وإعادة الاتفاقية النووية مع إيران (ليس لحبها لفلسطين ولكن لتجنب خطوات تصعد من الصراع في منطقتنا وبالتالي تهدد المصالح الأمريكية) ورفع الحصار الشديد عن كوبا. ولكن تقاعس بايدن وهاريس في كافة هذه المجالات عزز من فقد ثقة الناخبين بايدن وهاريس ان كان بالتصويت أو بالتبرع لحملاتهم الانتخابية. ناهيك عن فشل بايدن الذريع في كسب المناظرة ضد ترمب مما دفع قيادة الحزب الديمقراطي باتخاذ قرار تنحيته كمرشح رئاسي واستبداله بكاميلا هاريس وهذا ليس حبا بهاريس صانعي القرار بالحزب الديمقراطي ليسوا غرباء عن التركيبة الأمريكية العنصرية والنوعية ولكنهم اضطروا لإنقاذ ما يمكن انقاذه في آخر لحظة لإيجاد بديل عن ترامب الذي خوفوا الناخبين به.
رابعاً رغم استبدال بايدن بهاريس فان محاولة إنقاذ مرشح الحزب الديمقراطي بتوظيف أبرز شركات الدعاية والإعلام وصرف مليارات الدولارات لتسويق هاريس وترويجها كسلعه براقة لبيعها لكافة فئات المجتمع الأمريكي أينما كانوا باّت بالفشل.وبرأيي ربما كان هذا من أكبر الأخطاء التي اقترفها الحزب الديمقراطي والذي يدلل على ابتعاده عن القاعده الشعبيه وهمومها رغم أن هذا العامل لم يدرج في أي من التحليلات من قريب أو بعيد. ولكن إذا ابتعدنا عن القراءة السطحية تعمقنا في تقشير البصلة طبقة بعد الاخرى كما قال محلل علم الانسان كليفورد جيرتز فنرى انه تحت الطبقة السطحية ربما هناك شعور في الوعي الداخلي يتقلقل عندما نقرأ بأن اليمين يطالب بإلغاء مناهج المدارس والجامعات الأكاديمية التي تدرس تاريخ الاستيطان والاستعباد الدمويين للولايات المتحدة حتى لا يتضايق الأطفال وطلاب الجامعات البيض والصهاينة من تاريخ اجدادهم ونتعرض في نفس الوقت لحملة الحزب الديمقراطي لتسويق كامالا هاريس وهي امرأة سوداء بدون التطرق لأي ملاحظات نقدية لمعنى تسويق "بيع وشراء" امرأة سوداء – احد حجارة الأساس لنظام العبودية واستلاب انسانيتهم والسيطرة على كل جزء من كيانهم وخطفهم واستعبادهم. لقد سمعنا بالفعل انتقادات نسويه تقليديه هنا وهنا للتعليقات على ملابس هاريس واحذيتها ولكن لم نسمع انتقادات لأسس بناء الدولة الأمريكية الاستيطانية العنصرية الإحلالية. هل خطر ذلك على بال هاريس؟
هل نجح الحزب الديقراطي بتسويق هاريس كسلعه بّراقه لما اعتبره قاعدته الشعبيه؟
وهناك عوامل أخرى ساهمت في فشل تسويق صورة هاريس في استقطاب الأصوات التي كان الحزب الديمقراطي يعتمد عليها تاريخياً. في البداية لابد من التشكيك في رواية الحزب الديمقراطي الخيالية بأنه فعلا يمون على قاعدة شعبية. فكون نسبه عاليه (تتقلص) من الطبقة العاملة والفقراء والمسحوقين يصوتون وصوتوا في هذه الانتخابات لصالح الحزب الديمقراطي لا يعني أن الحزب يمون عليهم. فقد مرت ايام عز الحزب إن كانت في صعود الحركة التقدمية والاشتراكية والشيوعية وكون الحزب جزءاً منها او خلال الستينات عندما برز الحزب مرة أخرى يؤيد الحقوق المدنية رغم أنها ُفرضت عليه ورغم بروز تيارات اخرى مثل اليسار الجديد وحركات الفهود السود وغيرهم . ولكن تبني الحزب الليبرالية الجديدة وتخليه عن الكثير من البرامج الاجتماعية وسع مساحة الاغتراب بين ما يسمى بقاعدته الشعبية التاريخية وقيادته. وبث أوباما الروح في امكانيه الحزب العودة إلى العهد الذهبي ولكن فشل القيادة في تحمل مسؤوليتها داخل الحكم وخارجه والوقوف بوجه ترامب خلال الانتفاضة السوداء افقد قواعدها الثقة بها. وإنما يدل هذا التصويت على شيء فإنما يدل على ان تصويت ما تسميه قيادة الحزب الديمقراطي بالقاعدة التاريخية الشعبية لصالحها كان واضحا انه خوفا من تسليم مقاليد الحكم لترامب وليس بالضرورة ثقة باريس او الحزب الديمقراطي. وهنا تنطبق نظرية "الأقل شرا من بين الشرين."
- خلال دراسة حملتها الانتخابية يتضح هو أن تجاهل هاريس و حملتها لتاريخ العنف العنصري الاستعماري الأمريكي الذي استهدف الرجل والمرأه المستَعمرين والشعوب السمراء و شعوب العالم الثالث. فقد تحدثت هاريس طويلاًعن العنف ضد المرأة و كررت الادعاء الصهيوني بأن المقاومة الفلسطينية اغتصبت نساء اسرائيليات يوم طوفان الأقصى ولكنها هاريس التي ادعت التزامها بالنسوية لم تتطرق مرة واحدة إلى التعذيب الذي تواجهه المرأة والرجل الفلسطيني في زنازين الاعتقال الصهيوني بما فيه الاغتصاب و التعنيف الجنسي. ورغم تكرارها للدعاية الصهيونية انتظرنا من هذه النسوية التي كانت تأمل في قيادة الولايات المتحدة أن تتطرق إلى تاريخ وحاضر العنف الاستعماري والمجتمعي الذي يعتبر أن كل ذكر ملون واصلي ومستَعمر يولد وكان جزء من كيانه الطبيعي اغتصاب المرأة البيضاء و الاوروبيه والامريكيه ويستاهل الشنق الاعدام والقتل. وكما نعلم فان هذه ركيزة من ركائز الخطاب الاستعماري الاستشراقي الإسلاموفوبيا العنصري. فلماذا لم تقم رائدة الإنسانية بإدانة هذا الخطاب الاستعماري العنصري بل الذي ُيتهم فيه الرجل الاسود والاصلي والملون والعربي والفلسطيني والمسلم دوماً بالعنف وكأن ذلك جزء عضوياً من تركيبته الإنسانية بينما يتم الحديث مطلقاً عن الخطاب الاستشراقي والعنصري. أي أنها لم تقدم تحلالاً متكاملاً للعنف الذي يؤثر على حياة غالبية أفراد المجتمعات المستعمرة و المهمشة والفقيرة وإنما اكتفت بتحليل كلاسيكي عرضته الحركة المرأه الليبرالية الاوروبيه والامريكيه و تبنته بعض مؤسسات الطبقة المتوسطة من النساء الليبراليات كمقياساً لتقدم المجتمعات.
وأخيرا وليس اخراً فيبدو أن تسويق هاريس كامرأة أمريكية من الطبقة المتوسطة من أصول سوداء وهنديه ليس صدفة بما فيه التركيز على كونها أمريكية وليس من العالم الثلاثاء لتأكيد ذوبان في الهوية الأمريكية "بشوية" بهارات كافية لترويجها بين الملونين ولكنها قليلة "الشطة" حتى لا تشكل خطرا على بياض امريكا واذا كان هناك شك فلديكم زوجها الثري الصهيوني لتبييض صورتها .وتكتمل الرساله عندما يتقزم تاريخ والدتها فيمسح نشاطها كطالبه في جامعة بيركلي تعارض سياسياً الإمبريالية والحرب الأمريكية في فيتنام .كذلك الأمر بالنسبة لوالدها الذي تم أيضاً مسح تاريخه رغم وربما بسبب كونه بروفيسور جامايكي يساري ماركسي لانه ممنوع في هذا البلد العنصري أن يكون الرجل الأسود ممتد القامة رافضاً للرأسمالية وتبعات الاستعمار وخنوع المجتمع الابيض الفوقي. وربما هذا المحو يحقق هدفاً اخراً وهو تحويل الأنظار عن كون هاريس ليست من عائله فقيره او من الطبقة العاملة وانما كلاهما (كاوباما) حاملا شهادة الدكتوراه ويعملان في جامعتين بمعاشات وظروف عمل متقدمة.
وحتى لا يتم الخلط ابداً فكان تسويق هاريس لنفسها بصورة المرأة السوداء المثالية (سكر خفيف) من الطبقة المتوسطة التي استطاعت امها تحدي المستحيل لتحقيق ما يسمى "بالحلم الأمريكي" ودعمت أسرتها بدون إسناد رجل وهو جانب آخر من الرواية المطلوبة من المرأة السوداء التي نهضت من آلام العبودية لتنقذ نفسها بشكل فردي–المعجزة التي لا تتم الا في امريكا بلد الاحلام والمعجزات والفرص الثانيه. فهذه معضلة أساسية وهي التركيز على الحلول الفردية بدلاً عن الحلول الجماعية التي تتطلب بناء حركات التغيير الجذري.
وهناك مسألة تبسيطية اخرى جادلت ضدها النظرية النسوية السوداء الماديه وليس الهوياتية وهي أن النوع لا يعوض عن العرق ولا عن الاقتصاد ولا يمحوه ولا العرق يعوض عن النوع والوضع الاقتصادي الاجتماعي كلهم مرتبطين ببعض مؤثرين على بعض، وكأن النساء كلهم أو العمال يؤمنون بنفس الموقف كأسنان المشط, او أن كلاهما منفصلان عن بعضهما تمامًا. فهذا يتناقض مع شمولية العدالة، حيث يتم النظر إلى القضايا بشكل مجزأ بدلًا من العمل على إيجاد حلول شاملة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إهمال التأكيد على أن كل قاعدة انتخابية تختلف عن الأخرى، وأن هاريس وبايدن لا يخاطبان قاعدة واحدة. كانت احدى مشاكل الديمقراطيين ؛ فقد ابتعدوا كثيرًا عن ما كانوا يدعون بانها قاعدتهم الشعبية. فلديهم نوع من الاستعلاء لأنهم يمثلون ويتعاملون مع الطبقة المتوسطة بل الثرية، وليس مع الطبقات العاملة. ورغم أن معظم النقابات العمالية الرئيسيه أيدت حملة هاريس الانتخابية لتأكيد الابتعاد عن ترامب فليس هذا دليلاً ان كافة العمال يؤيدون مواقفها فبعض النقابات الرئيسية رفضت تأييدها لأن برنامجها لم يعبرعن مصالح الطبقة العاملة وهذا لم يحصل من قبل مما يجعلهم غير قادرين على الوصول إلى القاعدة. فهم في الواقع لا يعرفون هموم هذه القاعدة ولا يفقهون احتياجاتها. وفي طريقي للمشاركة بمؤتمر اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز في مدينة ديربورن عاصمة العرب الامريكية التقيت بزعيمه سوداء في نقابة العامة لعمال المدن التي عبرت عن سعادتها باستبدال بايدن الزعيم التقليدي الأبيض بهاريس المرأة السوداء ولكن قبل أن أكمل سؤالي "وماذا عن فلسطين. ماذا عن الاباده الجماعيه؟ "قاطعتني قبل ان اقول "في غزة" لتقول "ولا يهمك. انا متأكده انها ستصلح الأمور" وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هاريس كانت في جهة وقاعدتها من النساء السود اللواتي تأملن بها خيرا في جهه اخرى .
والواضح أن الحزب الديمقراطي لم يتعلم من التاريخ ليحاول على الاقل تغطية جذور العنصرية المتغلغلة في أساسه، فلم يستفد من الأخطاء التي ارتكبتها هيلاري كلينتون في عام 2008 عندما استخدمت سياسة التلميح العنصرية في الانتخابات الرئاسية ضد أوباما، فقالت أنها أقرب الى من يرتدون القبة الزرقاء من الطبقة العاملة أي عمال المصانع البيض الذين كانوا يحتكرون العمل بسبب العنصرية التي حجبت الأعمال التي توفر التأمين الصحي والأجور الافضل نسبياً قبل ان تحقق حركات الحقوق المدنية انجازاتها. ومن ناحيه ثانيه فان هيمنة الليبرالية الجديدة والتي ادت الى اغلاق المصانع باستثناء الصناعات الحربية والعسكرية والنفط والتي يرتدي عمالها زي واحد والتي تشكل غالبيتها من العمال السود والسمر.
وبالنسبة لترامب فإنه يستند في تعبئة غوغائيه جماهيرية تحتفل بالجهل وشرعنة عصابات البلطجية ومنحهم رخصة العنف المنظم ضد من كافه من يصفونهم بـ الأعداء وخاصة قوى اليسار والفكر النقدي وحراك الحركات الاجتماعية. ويبدو أن خطة حراكه تستقي كثيراً من ممارسات وموسوليني وفرانكو وهنا ننتظر ماذا تقوم به حركة المعارضة اليسارية بكافة تكويناته.
سجل الحملتين التاريخي وفشلهما
الواقع أن لا ترامب ولا فريق بايدن|هاريس كانوا بقدر المسؤولية خلال الأزمات الحادة فقد استهترت هاريس في عز معركتها الانتخابية. ففي أوائل أكتوبر من هذا العام–أي قبل أقل من شهر من الانتخابات–فشلت حكومتها في تقديم المساعدة لضحايا السيول في أفقر مناطق نورث كارولينا والجنوب الأمريكي. فقد أعلنت وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية (FEMA) أنها تحتاج إلى 9 مليارات دولار لمواجهة الأوضاع الطارئة . وفي الوقت نفسه، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن تلقيها مبلغ 8.7 مليار دولار من الدعم العسكري الأمريكي، وفقًا لتقرير "الصوت اليهودي للسلام" JVP. .أما ترمب فلم ينسى احد رفضه الاستجابة لحالة الطوارئ القاسية بعد اعصار ماريا القاتل في بورتوريكو.وكعادته ادعى ترامب بأن لا أحد مثله في دعم بورتوريكو رغم اكتشاف الفضيحة وهي يرمي أمام شاشات التلفزيون ورق التواليت (تنظيف القمامة) على الجماهير في الجزيرة المستعمَرة بدلاً من المساعدات لحكومة امريكيه استعمارية تدعي بأن مصلحه الشعب تهمها.
وبالنسبة لفلسطين فلم تعلق كاميلا هاريس على وسائل القمع المنظم، ولم تعقب على فاشية الاحتلال ونازيته بالرغم من إصدار الخارجية الأمريكية وزيرها الصهيوني تصريحات وتقارير تثبت ذلك. وفي حين هاريس أعربت عن قلقها بشأن الوضع في غزة، ولكنها سارعت في كل مرة إلى التصريح بأن لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها. كذلك تبنت هاريس الخطاب الصهيوني الذي يربط دوماً ما بين كفاح الشعب الفلسطيني وكره اليهود هذا الخطاب المشوه الذي منح صبغة حكومية بين النساء والسود لرواج السردية الصهيونية التي تمكّن أعداء الشعب الفلسطينيين من رسم خط مستقيم ما بين المحرقة النازية ضد اليهود والمقاومه الفلسطينيه.
وكذلك فإن دعم ترامب لليمين المتطرف كان واضحا من خلال تحالفاته, مثل التحالف المسيحي لدعم إسرائيل CUFI) Christians United for Israel) ،بالإضافة إلى دعمه الكبير للصهاينة اليمينيين .وأكبر مثال على ذلك الملياردير الراحل شيلدون أديلسون وزوجته ميريام أصحاب صحيفة "إسرائيل هيوم" المؤيدة لنتنياهو, والتي كانت تعتبر خرقة من الصحافه الصفراء, وأضحت الآن من كبرى الصحف بإسرائيل.
حملة ترامب هذا العام أظهرت بوضوح العنصرية التي كانت سمة مميزة لخطابه حيث تجلى ذلك في تصريحه خلال المناظرة الرئاسية الأخيرة قبل انسحاب بايدن حين وصفه بـ "السيء كالفلسطيني" و"لقد أصبح مثل الفلسطينيين – لكنهم لا يحبونه (أي الشعب) لأنه فلسطيني سيئ للغاية، إنه شخص ضعيف".ويعتبر ترمب أن الولايات المتحدة اليوم "دولة محتلة" من قبل المهاجرين الملونين من العالم الثالث، وهو يعكس رؤية استعمارية استيطانية قامت على إبادة أهل البلاد الأصليين,استعباد الأفارقة، والتمييز ضد الشعوب الملونة. كما يعارض ترمب حقوق العمال والمهاجرين ويعتبرهم تهديدًا للأمن القومي الأمريكي.
وبينما وصف ترمب هايتي والدول الأفريقية ببلدان "البراز" كان آخر دليل العنصرية الفاضحة التي لا تحتاج القراءة من وراء السطور. فلم تكن جملة عنصرية واحدة فقط يستطيع ترمب أن يهرب منها باعتبارها استثنائية كما يفعل الزعماء الصهاينة وإنما ترددت على لسان مجموعة من المتحدثين في مهرجانه الجمهوري في إحدى أكبر قاعات مدينة نيويورك . فقدم الضيوف عروضا فكاهية عنصرية استهزأت بالشعب البورتوريكي والفلسطيني الاقليات الاخرى. فوصف الكوميدي توني هينتشكليف الجزيره بورتوريكو "بجزيرة عائمة من القمامة" "ينشغل الشعب اللاتيني بها بإنجاب الأطفال". وربما لا يفهم الكثير ما قصده بذلك الا أن هذه المقولة ليست غريبة عن الشعب الفلسطيني حيث يعتبر المفكرون الصهاينة في مؤتمراتهم الاستراتيجية مؤتمر هرتسيليا للشؤون الأمنية مثلاً "المشكلة الديمغرافية" من أخطر ما يواجه إسرائيل. أما رودي جولياني الذي كان عمدة بلدية نيويورك ورفض بعد أحداث 11 سبتمبر تبرع الراحل ياسر عرفات بالدم فقد قال أن الفلسطينيين يشكلون "خطرا" وأضاف "يتعلم الفلسطينيين قتلنا وهم في سن الثانية" "لا أحد يريد فلسطينياً في الأردن. لا أحد يريد فلسطينياً في مصر., ولكن هاريس تريد أن تجلبهم لكم".
وبالعودة للتاريخ لعدة عقود من الجدير بالذكر التشابه بين مهرجان ترامب الحالي ومهرجان النازيين في 1939 الذي شجع على التفوق العرق الأبيض وعلى معاداة اليهود. هذا يشير إلى دور هذه المهرجانات في إثارة تأجيج العنصرية وكون الولايات المتحدة تربة خصبة الأيديولوجيات العنصرية التي توجه السيطرة على السلطة.
تجادل الناقدة الأمريكية السوداء الراحلة بل هوكس bell hooks في كتابها "من الهامش إلى المركز" بأنه لا يمكن أخذ النظرية النسوية على محمل الجد إن لم تتضمن تجارب النساء اللواتي يعشن على هامش المجتمع. يمكننا مقاربة هذا التنظير النسوي النقدي الأسود تجاه النظرية النسوية الأمريكية التي هيمن عليها تاريخياً رأس المال وسيادة البياض والإستعلاء الاستعماري من ناحية بالإنتخابات الأمريكية من ناحية أخرى بطرح السؤال نفسه: كيف يمكن الثقة بمرشحيي الحزبين المهيمنين الذين لا يدرجون قضايا وطموحات وهموم الشعب؟ وهنا نذكر بأن استطلاعات الرأي الأمريكية كشفت أن العلاقة عكسية ما بين تصاعد التضامن مع الشعب الفلسطيني وصغر عمر المشاركين ولا بد من التأكيد هنا أن هذه الملاحظة لا تؤيد التمييز العمري أو ما أصبح "موضة" مؤخراً في أوساط الحركات الاجتماعية حيث يقودها حماسها لدور فئة الشباب بالمبالغة في اختزال أدوار الأجيال الماضية وإنما بسبب خصوصية العوامل التاريخية في الولايات المتحدة حيث ولد الجيل الجديد بعد سن قوانين الحقوق المدنية التي لم تعد تجعل من انتخاب رجل أسود رئيسا في البيت الأبيض أمراً غريباً وغير مستحيل فترابط تراكم الوعي حول عنصرية وشراسة الاستعمار عبر العقود و ينطبق هذا الأمر أيضاً على كافة فئات الشعب بما فيهم اليهود الشبان. وأكدت استطلاعات الرأي أيضاً أن التضامن مع الشعب الفلسطيني ارتفع بعد طوفان الأقصى وبداية الإبادة الجماعية الصهيونية، بينما أدان الأكبر سناً المقاومة الفلسطينية وخطف المدنيين بينما أصر الأصغر عمرأً على الوقوف بجانب حق الشعب الفلسطيني بممارسة كافة أشكال المقاومة. وتجدر الإشارة إلى أن الجدل حول من هو مدني ومن هو عسكري لم يتم نقاشه قط بشكل واسع ومستمر في أوساط الرأي العام الأمريكي. ولهذا فإن السردية الصهيونية السائدة والتي تتطابق مع التحليل الإمبريالي والليبرالي ما زالت مهيمنة على الوعي الأمريكي وينطبق ذلك على أي قضية ظلم وعدالة وليس على قضية فلسطين بالذات. فإن البشر يستهلكون ويعيدون إنتاج الأفكار السائدة إن لم يتحداها أحد أو على الأقل يثير تساؤلات حولها يتحدى هيمنتها. ولكن تفكيكها يتطلب إما حدثا نوعياً يخلخل الوضع القائم كما فعل طوفان الأقصى أو تغييراً نوعياً تدريجاً تراكمياً بين مجموعة من المفكرين و المثقفين النقديين .وهذا جزء من المعركة الفكرية التي تهم فلسطين والشعوب الأخرى والتي تندرج على قائمة المهمات الفكرية على طريق التحرير والتي كانت سائدة حتى اتفاقية أوسلو حيث تعمق وتغلغل رفض الكفاح المسلح كفكر وليس فقط كتطبيقاً لأمر الذي أضحى موضة قلبها طوفان الأقصى على رأسها..
ويمكننا القول الآن بأن هناك نقلة نوعية لم نشهدها في تاريخ الولايات المتحدة أو تاريخ النضال الفلسطيني في تاريخ أمريكا الشمالية (باستثناء حملة القس الأسود المناضل جيسي جاكسون الثانية عام 1988 والتي صوت له 6.9 مليون صوت) فقد كان القس جيسي جاكسون قد رشح نفسه للرئاسة الأمريكية لأول مرة عام 1984. ولم يكن يخوض الانتخابات وحده واتحد حوله تحالف الرينبو (أو القوس) من مختلف الأمم و الإثنيات والقوميات والأنواع والنقابات وحركات المرأة وغيرها. وجاء جاكسون حاملاً معه إرث حركة الحقوق المدنية السوداء حيث كان مقرباً من د. القس مارتن لوثر كينج وشارك معه في التظاهرات والإضرابات والاعتصامات فكان جزءاً لا يتجزأ من الحركات الإجتماعية الشعبية التي تتحلى بالمصداقية والشرعية في دعم الفقراء والبائسين ورشح جاكسون نفسه لقيادة هذا البلد. ولم يتخلى عن فلسطين ويبعدها خارج مركز اهتمام تحالف الرينبو فوجدت الجالية الفلسطينية المستهدفة من العنصريين الصهاينة والبيض تحالف الرينبو ظهراً لها وبعد استهدافه عام 1984 رشّح نفسه مرة ثانية في انتخابات 11 أكتوبر 1987 ونضجت الحملة بعد انطلاقة انتفاضة الحجارة بعد أقل من شهرين وخلالها حصل على تأييد كبير وفعلا نفذ تعهده فطرح الدولة الفلسطينية المستقلة على أجندة الحزب الديمقراطي في مؤتمره الرئيسي في أتلانتا بولاية جورجيا في شهر أيلول\يوليو وقد سافر مجموعة من النشطاء الفلسطينيين من منظمات مختلفة كاتحاد جمعيات المرأة واتحاد الطلبة ولجنة التضامن لرفع صوت فلسطين عالياً والمشاركة في نشاطات تحالف الرينبو الذي اعتبرنا أنفسنا جزاً منه . وشهدنا آنذاك تأييد 93% من مندوبي الحزب إدراج بند الدولة المستقلة على برنامج الحزب الانتخابي الرسمي. إلاّ أن صفقة عقدت وراء الكواليس ما بين حملة مرشح الحزب الديمقراطي والتر مونديل ومجموعة من قيادات حملة جاكسون من بينهم عرب أميركيين وألغت تقديم هذا البند على هذا الأساس.
وبعد عشر سنوات من حملة جاكسون الأولى بلغت التراكمات درجة الغليان خلال حرب الإبادة الصهيونية فلم تعد فلسطين مسألة هامشية تخضع لخيار هذا المرشح أو ذاك. واستهدف الحراك الفلسطيني والتضامني حملتي بايدن وهاريس بالذات لأن التصويت لترامب لم يكن وارداً بالنسبة لمن حملوا برنامج العدالة للجميع وإنما أضحت المهمة إما الضغط على بايدن وهاريس بعده بتغيير مواقفهم الممولة والداعمة للإبادة أو فضحهم أمام الناخبين حتى يضغطوا عليهم أيضاً. وكانت الأولوية للخيار الأول لأن الهدف لم يكن كسب مناظرة وإنما وقف شلال الدم في غزة. فقام المتظاهرون بمقاطعة خطاباتهم واختراق حفلات تبرعاتهم الإنتخابية وهذا ما حصل مراراً وتكراراً مع بايدن حتى عندما ظن أنه تمكن من الهروب من المحتجين والإختفاء وراء القيادات التاريخية لحركة الحقوق المدنية السوداء. وظهر هنا عمق وعي حراك الفلسطينيين والسود وحلفائهم حيث أكدوا على ربط النضال ضد العنصرية ورفضوا استثنائية فلسطين وتجزئة العدالة بل بالعكس فقد احترموا الكنائس السوداء العريقة بالجنوب الأمريكي عندما زارها بايدن في الوقت الذي لم يتوقفوا بتسميته بالمجرم بايدن GenocideJoe# كونه المسؤول عن صياغة وتنفيذ سياساته الإجرامية وإرسال أدوات القتل اللامحدودة إلى إسرائيل.
- زاد الطين بلة كان الأسلوب المتعالي والعنصري الذي تعاملت به حملته الانتخابية مع الجاليات العربية والمسلمة. فبدلاً أن يدعو بايدن إلى اجتماعات رسمية ودورية مع ممثليين وممثلات حقيقيين للجاليات العربية والمسلمة والفلسطينية تماماً كما يتصرفون تجاه قيادات (وقواعد) الجاليات والفئات الاجتماعية والعرقية والدينية الأخرى فقد استخفت الحكومة الأمريكية كعادتها وعينت من يحضر ومن لا يحضر مستخدمة الأسلوب الإستعماري "فرق تسد" حتى في تعاملها مع أعضاء الحزب الديمقراطي العرب والمسلمين. وبدلا من نقاش البرنامج السياسي الإنتخابي للحزب للدلالة على احترام آراء هذه الجاليات فقد أرسلت حملة بايدن الإنتخابية مبعوثين من جامعي أموال التبرعات بدلاً من القيادة السياسية وكأن العرب والمسلمين "بالجيبة" بدون الإكتراث للاحتجاجات الواسع ضد السياسة الأمريكية المشاركة في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
ويبدو أن كل هذه الاحتجاجات التي بدأت وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية تغطيتها لم تؤثر على تغيير الحزب الديمقراطي وغطرسته العنصرية الاستعمارية وهذا ليس جديداً أيضاً وإنما الجديد أن تبادر مجموعة بتشكيل حملة واسعة في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب لرئاسة الولايات المتحدة (قبيل استبدال بايدن بهاريس) باسم Uncommitted" أو "غير ملتزم\مة" بأي من مرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة 22. ومثلت هذه الحملة تحالف واسع من أعضاء الحزب الديمقراطي التقدميين المعارضين للسياسة الأمريكية الداعمة للعدوان الصهيوني ومنهم العرب والمسلمين السود واللاتينيين والآسيويين واليهود المعادين للصهيونية ونشطاء النقابات العمالية التقدمية والبيئة والمثقفين وغيرهم وأسسوا هذه الحملة بقيادة فعالة (وليست رمزية ولا شكلية) من العرب الأمريكيين بقيادة ولاية ميشغان.
وإذا كان الحزب الديمقراطي ما زال متوهماً بأن العرب والمسلمون سيصوتون له في آخر لحظة لإفشال ترمب الفاشي فإن نتائج الانتخابات التمهيدية وحصول "غير ملتزم\مة" على أعداد هائلة من الأصوات وخصوصاً في ولايات ميتشغان ويسكونسن هزت القيادة التقليدية الديمقراطية وطرحت أمامها تحديا لم يكن له سابقة في تاريخ الانتخابات الأمريكية. و كان النواب السود والمسلمين ورشيدة طليب النائبة الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس يواجهون معركة شبيهة وإن كانت الأسباب مغايرة فهم من القلة الذين يصوتون بشكل معاكس للنواب الآخرين الملتزمين بمواقف اللوبي الصهيوني مما جعلهم عرضة للهجمات والدعايات الكاذبة وحتى التهديد بالقتل والاعتداء الجسدي.
وقد كان أحد الدوافع المباشرة لتأسيس حملة "غير ملتزم\مة" "Uncommitted" هو الأسلوب الإستعلائي والعنصري الذي اتبعه بايدن بإرسال ممثلين عن حملته الإنتخابية لجمع التبرعات من العرب والمسلمين فقط وكأن أصواتهم مضمونة "بالجيبة" والذين اعتبروه إهانة عنصرية . ورغم هذه الإهانة فإن القيادات تخطت مشاعرها من أجل غزة ولكن بايدن الذي تبجح بالتزامه بالصهيونية (وقال إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لقمت بتأسيسها) رفض الاستجابة لأي من مطالبهم وخصوصاً التوقف عن تزويد اسرائيل بالأسلحة فكان رد قيادات ونشطاء الجالية برفض اللقاء بممثليه من الإدارة الحاكمة الذين حاولوا تصحيح سطحي لتصرفاته بدون تغيير سياساته ومواقفه تجاه غزة وفلسطين ولكن المسؤولين العرب والمتضامنين معهم من النقابيين وغيرهم قاطعوا الاجتماع ومنهم وكان في مقدمتهم رئيس بلدية ديربورن اللبناني الأصل، ورئيس بلدية هامترامك اليمني الأصل.
وكذلك واجهت حملة كامالا هاريس تحديات من الناخبين العرب الأمريكيين الذين شعروا أيضاً بالتهميش بسبب مواقفها وخاصة الدعم الأمريكي الأعمى لإسرائيل. ورغم أن هذا الموقف يعكس نمطاً تاريخياً من انتخابات الرئاسة لكن العديد من العرب الأمريكيين تأملوا بأن تتصرف هاريس بشكل مختلف عن بايدن بسبب التحالفات الفلسطينية السوداء وتطور مواقف الحركة النقابية العمالية الأمريكية (التي لم تلتزم مواقفها التاريخية بالدعم الأعمى للحزب الديمقراطي تجاه فلسطين ودعم الدولة للاحتياجات الاجتماعية والإقتصادية) ولكن هاريس رفضت استخدام سلطتها لوقف الإبادة الجماعية الفلسطينية وظهر ذلك في مناطق مثل ديربورن بولاية ميشيغان .
وقد تعرت علاقة النفوذ الصهيوني في السياسة الأمريكية في ضوء صعود حركات التضامن مع فلسطين وبروز أصوات معارضة في صفوف الحزب الديمقراطي. ففي مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو، تجسد هذا الصراع بين القوى التقليدية الداعمة لإسرائيل والمسيطرة على قيادة الحزب والناشطين في مجال حقوق الإنسان الذين طالبوا بتغيير سياسة الحزب تجاه غزة كذلك أثارت تطورات حرب الإبادة في غزة تساؤلات حول الأساليب التي تستخدمها القوى السلطوية الكبرى في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو لإخماد الأصوات المعارضة وحماية المصالح الإسرائيلية.
فقد كانت لجنة تنظيم المؤتمر الذي أشرفت عليها قيادة الحزب قد تعاقدت مع شركات "أمنية" واستخبارية لفرض حصار محكم لمنع أي محاولة التشويش على مراسيم المؤتمر–التي ذكرتنا بأساليب الاستخبارات الصهيونية والحكومات القمعية .ولكن هذه الإجراءات الأمنية لم تنجح بمنع فضح تواطؤها الدموي مع مجازر الاحتلال في غزة .فقد نجح محتجون متضامنون مع الشعب الفلسطيني استطاعوا رفع أصواتهم عالياً داخل صالة المؤتمر والأغلب أنهم كانوا مندوبون أو مراقبون رسميون لأن حضور المؤتمر لم يكن مفتوحاً لمن يرغب أمام ملايين من مشاهدي البث التلفزيوني الحي قبل أن تتمكن قيادة الحزب الديمقراطي بإطفاء الأضواء في القاعة وقطع البث التلفزيوني بسرعة فائقة.
ومن خارج صالة المؤتمر لم تتمكن هاريس كذلك من حجب أصداء احتجاجات آلاف المتظاهرين في حملة منظمة من المنظمات التضامنية التي تمثل القوى الشعبية اعتلوا ناقلات الركاب لمسافات طويلة حيث سافر بعضهم لمدة تزيد عن 31 ساعة ونظموا المظاهرات اليومية طوال أيام المؤتمر. التي فشلت وسائل الإعلام الكبرى المهيمنة وحتى المؤيدة منها للاحتلال التعتيم عليها . فاضطرت لنقل الأصوات المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار ووقف تصدير كافة أشكال الأسلحة الأمريكية إلى قوات الاحتلال الصهيوني في غزة وصرف أموال دافعي الضرائب على حاجات العدالة الاجتماعية بدلاً من مضاعفة أرباح شركات صناعات الحرب والقتل الأمريكية والصهيونية .
ورافق هذه التحركات الشعبية في الشارع والاحتجاجية داخل صالة المؤتمر حركة رسمية طعنت في ادعاء حملة هاريس في الإجماع الديمقراطي حولها و ادعائها بتمثيل كافة التيارات في الحزب والالتزام بمعاده العنصرية خلافاً لترمب وحملته. وتجلى هذا في إصرار هاريس على إسكات أفواه مندوبي الحزب المعتمدين من حملة "غير ملتزم\مة" uncommitted بعقد ندوة خلال برنامج المؤتمر الرسمي سواهم سواء التيارات والاتجاهات الأخرى داخل الحزب. وينتمي لهذه الحملة الآلاف من قواعد الحزب من ضمنهم العرب والمسلمون والفلسطينيون الأمريكيون. فبينما دعت قيادة الحزب رسمياً والدا الرهينة الإسرائيلية هيرش غولدبيرغ-بولين لإلقاء كلمة رئيسية رفضت فسح المجال للأمر ذاته لحملة غير ملتزم والتي تضمن مقترح ندوتها افاده د. تانيا الحاج حسن الطبيبة الفلسطينية التي تطوعت في مستشفيات غزة كشاهد عيان علماً بأن آباء الرهينة الاسرائيلي حثوا هاريس على ذلك.
وربما اعتقدت هاريس كرفيق دربها الفاشل بايدن أنه لا عواقب أفعالها واستعلاء وعنصريتها واستخفافها بأرواح الشعب الفلسطيني. ولكن إعلان قرار حمله غير ملتزم بسحب تأييدها لهاريس أدى إلى خسارتها آلاف الأصوات التي كان يمكن أن تمكنها من كسب البيت الأبيض علماً بأن الفرق بينها وبين ترمب كان بسيطاً للغاية كما قلنا في الجزء الأول من هذا المقال (أن الفارق بين ترمب وهاريس كان أقل من 2% أو مجرد 1.58% فبينما فاز ترمب ب76,917, 50% حصلت هاريس على 48.4%). ومن ناحية ثانية فإن رفض منح حملة غير ملتزم بمجرد منبر صغير تقدم فيه طبيبة فلسطينية أمريكية شهادتها في غزة له معاني كبرى. فمن ناحية فإنها تدل على مدى تسلط اللوبي الصهيوني في الحزب الديمقراطي وانحياز هاريس إلى هذا اللوبي رغم ادعائها بالحياد ومن ناحية أخرى تدل على مدى خوف الصهاينة من أي شهادة تدلل على مدى عنصرية ووحشية الاحتلال حتى شهادة طبية بل محاولة التعتيم عليها وحجبها عن الأنظار رغم سيطرتهم على الحزب الديمقراطي برمته. من ناحية ثالثه فإنها رسالة واضحة لكل القوى والمؤسسات العربية والمسلمة والفلسطينية الأمريكية أنه رغم كافة محاولاتها لكسب مودة الحزب الديمقراطي لن تنجح في تغيير صهينة هذا الحزب المتجذرة. فقد آن الاوان ليتعلموا درساً رغم خيبة أملهم مرة تلو الأخرى بأن العدالة للشعب الفلسطيني والشعوب المضطهدة الأخرى لن تتحقق عبر العنصريين و الإمبرياليين حتى لو قدموا قليلاً من الفتات لإغرائهم وتخدير مشاعرهم.
وقد عززت هذه الانتخابات الأولوية القصوى لوقف احتكار الحزبين الحاكمين على السلطة الأمر الذي حاولت د. جيل ستاين و د. كورنيل ويست وكلوديا دي لا كروز الذين يعارضًون السياسات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل , . ولكن رغم نبل هذه الفكرة إلا أن هذه الفكرة تستند إلى القبول بـ هيمنة الحزبين الحاكمين كواقع وعدم طرح ضرورة تغييره وثانياً القناعة بأن صندوق الاقتراع هو الأسلوب للتغيير الاجتماعي بدون تغيير الهيكلية البنيوية للنظام الرأسمالي الإمبريالي العنصري القائم. فمثلاً طالبت د. جيل ستاين بميزانية معقولة للدفاع الأمريكي ولم يكن لديها إجابة على السؤال "لماذا يجب أن يكون هناك ميزانية عسكرية بالمقام الأول. أليس من المطلوب نزع السلاح بأكمله من كافة الدول الاستعمارية وتجار الأسلحة كبداية لنزع السلاح في العالم؟" إن افتراض التغيير الاقتراعي على قاعدة استمرارية وجود الدولة الاستعمارية الإستيطانية الإمبريالية العنصرية الأمريكية لن يؤدي إلى تغيير جذري حتى لو لم يكن هناك إمكانية لتحقيقه في المستقبل بل يتطلب أجيالاً قادمة لأنه يفترض هذا الواقع الظالم. ويطرح هذا تساؤلاً إذا كانت التركيبة من أصلها ظالمه فهل تنطبق على حركات التحرر العربي و\أو على حركات التحرر في العالم الثالث مجازياً ؟ وهذا السؤال لا يستند إلى استثنائية العالم الثالث أو حركات التحرر الوطني وإنما بالأساس على الموقع الذي برزت فيه وهو المجتمع الرأسمالي الليبرالي الجديد بهيمنة الصناعات الحربية\العسكرية بما فيها الإلكترونية او الخدماتية.
ومن تبعات تبني بايدن وهاريس الأجندة التي تخدم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والبرنامج الليبرالي الجديد الذي يستفيد منه الأثرياء بما فيهم المستثمرين في الصناعات العسكرية إعلان بعض القوى ذات المصداقية على صعيد الجالية لتأييدها لترامب بدلاً من الحزب الديمقراطي. وقد خجل التقدميين العرب من هذا الإعلان والصاق اسم العرب باسم ترمب. ولا اشكك في ردة الفعل هذه أو الصدمه بدعم ترامب. ولكن إذا حللنا هذا الخبر من خلال عدسة الجماهير العربية والمسلمة والفلسطينية وليس من خلال عدسة الإعلام الأمريكي المهيمن ونوافق أنه ليس هناك فروق جذرية بينهما اذاً ما هي المشكلة في تأييد ترامب أو هاريس فكلاهما كما تقول جاليتنا "باعونا كالعادة واتخذوا مواقفهم حسب علاقتهم باللوبي الصهيوني ومعتقداتهم العنصرية ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين" ؟
وهنا ربما نفهم لماذا أيد أمير غالب عمدة مدينة هامترامك ترمب بعد اجتماعهما في مدينة فلينت (ولاية ميشيغان التي اشتهرت تلوث مياهها في عهد أوباما مع العلم بأن سلطات ولاية ميشيغان هي المسؤولة مع أن الحكومة الفيدرالية تستطيع التدخل) حيث طلب ترامب مباشرة دعم غالب خلال اجتماعهما الخاص الذي استمر 20 دقيقة وخلال الاجتماع ناقشا عدة مواضيع، بما في ذلك إحصاءات الناخبين في ميشيغان، وقضايا الأمريكيين العرب، ووضع اليمن بلد غالب. وبخلاف بايدن وهاريس فان ترمب لم يرسل مبعوثيه لجمع التبرعات ولا مسؤولين في ولايته كما فعل الديمقراطيون وإنما ذهب بنفسه للاجتماع بعمده بلدة صغيرة معبراً عن احترامه رغم اننا نعلم جميعاً بمعتقدات ترمب بتفوق العرق الأبيض واحتقاره لكل الشعوب المستعمرة فقد تحدث ترامب مع غالب كإنسان على نفس المستوى. وعندها وافق غالب على النظر في طلب ترامب وقدم له رسالة تتضمن القضايا المحلية ودعاه لزيارة هامترامك. وعلق غالب قائلا "قد لا أتفق مع الرئيس ترامب في كل شيء، لكنني أعلم أنه رجل ذو مبادئ." بغض النظر إذا كان ترمب مبادى ء أم لا فإنه من الواضح أن غالب خرج بانطباع أن ترامب عامله باحترام ومساواة بخلاف حمله الديمقراطيين.
الاستمرارية والتغيير في السياسات الأمريكية
هناك قواسم مشتركة ما بين ترامب وبايدن\هاريس تستند إلى قاعدة كونهما يمثلان مصالح الطبقة الحاكمة والمتسلطة في الولايات المتحدة ولو اختلفا في تنفيذ وفلسفة إدارة المشروع الرأسمالي الإمبريالي فيما بينهما. فلم يخيب بايدن الظن في فساده واستغلال سلطته لمصالح شخصية حيث اتخذ قراراً بالعفو الرئاسي عن ابنه كما فعل ترامب تجاه حلفائه وأصدقائه في ولايته الاولى وفعلاً قام بذلك في اليوم الثاني لتولي ولايته الثانية فقد عفا عن 1600 متمرد حاولوا يوم 6 يناير\كانون الثاني 2020 الانقلاب على السلطة بالولايات المتحدة بناء على رفضهم لنتائج الانتخابات التي كسبها بايدن. وفق ذلك اعتبرهم ترامب شهداء وبهذا فقد قلب السردية التي أجمع عليها صناع السياسة في السلطات الثلاث القانونية والتشريعية والتنفيذية.
وبالنسبة للسياسات الإمبريالية التي تهدد السلم العالمي وتؤجج نار الشوفينية والعداء العالميين فقد اتفق الاثنان بما في ذلك التنافس الإستراتيجي مع روسيا والصين والذي كان سياسة أمريكية من ولاية أوباما وبالأخص العداء للصين وتعزيز الوجود العسكري الأميركي شرق آسيا وفرض الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية.
بينما اختلف ترامب عن بايدن بعدائه المكشوف للدول الأخرى لتطبيق شعاره "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" فأعلن عن فرض الرسوم الجمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا التي ترتبط الولايات المتحدة معهما اتفاقية نافتا NAFTA و 10% على الصين. ولكن هذه الدول تصدت له بالمرصاد. فأعلنت رئيسة المكسيك كلوديا شاينبوم أن حكومتها ستقابل السياسات الأمريكية بالمثل وتفرض الرسوم الجمركية على كل الصادرات المكسيكية إلى الولايات المتحدة والواردات الأمريكية كذلك كما ذكرت ترامب بالمصالح التجارية الأمريكية في بلادها.
وقد هدد ترامب بإبعاد ملايين المهاجرين بأرقام لم يشهدها العالم من قبل. فأرسل إلى كولومبيا طائرتين على متنهما مهاجرون رفضت في البدء استقبالهم ولكنها بالنهاية رضخت تحت شروط واتفاقيات. كما هدد بترحيل المهاجرين إلى قاعدة غوانتانامو العسكرية التي تحتلها الولايات المتحدة على أراضي كوبا. ويجدر بالذكر هنا أن رغم سمعه أوباما بالتعاطف مع المهاجرين والتي ما هي إلا خرافة أمريكية أخرى فقد أبعد أوباما أعداداً من المهاجرين أعلى مما أبعد ترامب خلال ولايته الأولى.
وبينما اختلف ترامب عن بايدن بسحب الولايات المتحدة عن تعهدات اتفاقية باريس للبيئة فقد تقاعس بايدن عن إلغاء سياسات ترامب العدوانية تجاه كوبا فاستمر بتشديد الحصار الاقتصادي ورفض إلغاء تعريف كوبا كدولة مساندة للإرهاب حتى آخر أسبوعين من رئاسته الأمر الذي ألغاه ترامب بمجرد انتقاله إلى البيت الأبيض. واتفق الطرفان بأولوية استمرارية الهيمنة الأمريكية العالمية بينما اختلف ترامب عن بايدن بإصرار الأول على سياسة انعزالية تلتزم بمحدودية للحروب الخارجية يشير إلى أنه بينما قد يقوم ترامب ببعض التحولات الحادة في السياسات، خاصة تجاه روسيا وأوكرانيا، فإن تعقيدات السياسة العالمية من المرجح أن تؤدي إلى استمرار أكثر من التغيير في نهجه.
أما بالنسبة إلى تعامل قيادة بايدن و ترامب مع القضية الفلسطينية, بينما اتخذ ترامب موقفاً أكثر صرامة في دعم إسرائيل، فإن بايدن لم يلغِ سياسات ترامب في حكمه الماضي الاعتراف بالقدس كعاصمة للاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية إليها، وإقامة علاقات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وتصاعد الدعم الأمريكي السياسي والدبلوماسي والعسكري كلما تصاعدت حملة الإبادة الجماعية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني. ولم يختلف بايدن وترامب في عدائهما لإيران وتشديد الحصار والعقوبات الاقتصادية وتشريع الاغتيالات والهجمات العسكرية الصهيونية ضده إلى جانب العديد من المؤشرات بما فيها التوسع الصهيوني واحتلال أراضٍ عربية سورية .
هذا يعكس كيف سارعت إسرائيل بالتهليل لنتائج الانتخابات الأمريكية والتسريع في عملية قضم الأراضي والاستيطان، مما يعزز موقفه القديم- الجديد حول شرعية المستوطنات. تتناغم سياسة ترامب مع سياسات حكومة نتنياهو اليمينية في سياسة الضم، وتهويد القدس، وتعزيز مفاهيم يهودية الدولة.
وهنا نلحظ سرعة ترامب في اختيار فريقه المفضل لتشكيل إدارته الجديدة، حيث أعاد توظيف أبرز الأشخاص اليمنيين والموالين له خلال ولايته السابقة. وعلى رأسهم ستيفن ميلر الصهيوني المعادي للمهاجرين من دول العالم الثالث. سيباستيان غوركا، الصحفي المعروف بدعمه لسياسات ترامب المتعلقة بحظر اللاجئين المسلمين، ليعود نائبًا مساعدًا للرئيس ومديرًا أول لمكافحة الإرهاب بعد مغادرته البيت الأبيض سابقًا. يشتهر بتأييده الشديد لإسرائيل وإنكار وجود فلسطين، بالإضافة إلى تصريحاته الاستفزازية ضد المقاومة الفلسطينية عقب 7 أكتوبر. واختار ترامب مليارديرين لقيادة وزارات اقتصادية رئيسية، مما يدلل على سعة الهوة ما بين ولائه لأصحاب الأموال وتعهده بتحسين وضع الطبقة العاملة. سكوت بيسنت، المرشح لوزارة الخزانة ، وهوارد لو تنيك، المرشح لوزارة التجارة، لديهما علاقات وثيقة مع وول ستريت وساندا خطة ترامب لفرض الرسوم على الواردات. كما سيقود إيلون ماسك رافع التحية النازية وفيك راماسوامي "وزارة كفاءة الحكومة"، وهي مبادرة جديدة تهدف لتقديم مشورة المسؤولين الفيدراليين بعد طرد مجموعة منهم وتقليص الحكومة.
وتم ترشيح مايك هاكابي حاكم ولاية أركنساس السابق لمنصب سفير أميركا في إسرائيل، يعكس النفوذ المتزايد للصهيونية المسيحية في السياسة الأمريكية، خصوصًا داخل الحزب الجمهوري. فهو مهندس التحالف المسيحي لدعم إسرائيل (CUFI) (Christian Coalition for Israel) مما أدى إلى "احترافية" ساعدت في تعزيز نفوذها بواشنطن، وفقًا للمؤرخ دانيال هوميل والتي أثرت على قرارات كبرى، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتعيين ديفيد فريدمان سفيرًا. ترشيح هاكابي يعزز هذا الإرث، حيث أصبحت مواقف الدعم لإسرائيل مطلبًا أساسيًا للمرشحين الجمهوريين الجادين.
وتظهر نوايا ترامب جليّة في ترشيحاته وتعييناته من ستيفن ميلر مستشارًا أولاً وكاتبًا لخطاباته، إذ يعرف ميلر بعدائه للمهاجرين المسلمين وتأييده للفصل بين أطفال المهاجرين وعائلاتهم. أما الصحفي سيباستيان غوركا العائد لقواعده السابقة مساعدًا للرئيس ومديرًا أولاً لمكافحة الإرهاب، فهو ينكر الوجود الفلسطيني والمؤيد - حتى النخاع- للكيان الصهيوني ومعروف بآرائه عن حظر الهجرة من الدول ذات الأغلبية المسلمة. كذلك أضاف ترامب مجموعة كبرى من التعيينات ممن خدموا في المناصب العليا خلال إدارته الأولى. تم اختيار بعضهم بأدوار تتعلق مباشرة بوظائفهم السابقة. على سبيل المثال، كان توماس هومان المدير بالإنابة لخدمة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) خلال ولاية ترامب الأولى، وقد تم تعيينه الآن لمنصب "القيصر الحدودي"، وهو منصب لا يتطلب تأكيدًا من مجلس الشيوخ.
خلال حملته الانتخابية، نفى الرئيس المنتخب دونالد ترامب علاقته بـ"مشروع 2025"، الذي يهدف لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية. لكنه الآن يعين داعمين للمشروع للإشراف على قضايا رئيسية مثل الميزانية والاستخبارات والهجرة, كرسل فوتر، أحد مؤلفي مشروع 2025، لقيادة مكتب الإدارة والموازنة، و ستيفن ميلر وتوماس هومان، وكلاهما متورط في المشروع الذي يوصي بإنشاء معسكرات احتجاز وإلغاء القيود على الاعتقالات في المدارس والكنائس. ورغم علاقة ترامب الوثيقة مع القائمين على "مشروع 2025" فقد كان نشر ترامب في يوليو 2024 أنه لا يعرف من يقف وراء المشروع.
بالإضافة إلى التشكيل الذي باشر به ترامب في حكومته القادمة, والمشروع 2025 المحتمل, فإن عوامل أخرى تثير القلق من الأربع السنين المقبلة. فقد وافق مجلس النواب الأمريكي في 21 نوفمبر 2024، على تشريع يسمح للحكومة بسحب الإعفاء الضريبي للمؤسسات غير الربحية التي تتهمها المؤسسات الصهيونية بدعم المنظمات الفلسطينية التي تقدم "دعماً مادياً للإرهاب." ومما يؤكد على تواطؤ الديمقراطيين والجمهوريين في دعم الأجندة الصهيونية أن نواب الحزبين قدموا مبادرة ثنائية بتأييد الأغلبية في المجلس في أبريل\نيسان 2024، مما أدى إلى التصويت لصالحه في لجنة الوسائل في سبتمبر. ولكن بعد انتخاب ترامب، عارض نواب الحزب الديمقراطي هذا القرار والتصويت ضده ليس حباً بالقضية الفلسطينية وإنما تخوفاً من أن يستغل ترامب هذا القانون لمعاقبة خصومه السياسيين, بما في ذلك المنظمات غير الربحية التي يعتبرها معادية له، مثل المنظمات البيئية وحقوق الإنسان.
وفي ظل استمرار حرب الإبادة الصهيونية على غزة وإمكانيات سيادة الفاشية لا يمكن أن يستمر الليبراليون والتقدميون بالاستمرار في سلوكهم السابق والاعتماد على إمكانيات التغيير الموسمي عبر صناديق الاقتراع كل أربع سنوات. لا بد من العمل قبل فوات الأوان كون النضال ممارسة يومية طويلة الأمد تحتاج صبراً ومعنويات عالية وحراكاً جماعياً. فبدلاً من فتح بيت العزاء على خسارة البيت الأبيض الذي كان خاسراً أصلاً فربما تتعلم القيادات المخضرمة واليائسة درساً قيماً من المقاومة الفلسطينية والحراك الفلسطيني والتضامني.
استمرارية الانتفاضة الطلابية مع تغيير تعبيراتها:
إن عدوى الانتفاضة الطلابية لم تتوقف عند حدود المدن الكبرى مثل نيويورك بل امتدت كالنار اشتعلت شرارتها في جامعات في مناطق أقل صخباً رغم السيطرة التاريخية للقوى الصهيونية عليها .فعلى سبيل المثال قام ائتلاف سحب الاستثمارات في كلية سارة لورانس بمطالبة هذه الجامعة الخاصة العريقة بسحب كافة استثماراتها من الشركات المتواطئة مع عنف الدولة الإسرائيلية والفصل العنصري في فلسطين. وطالب الائتلاف الذي شكله الطلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP) إدارة الجامعة أن تعكس استثماراتها التزامها بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان العالمية بينما سلط الضوء على الأزمة الإنسانية في غزة وانتقد مجلس الأمناء لتناقض أفعالهم مع هذه القيم. وكانت الخطوة الاولى المطالبة الرئيسية هي الإفصاح الكامل عن الاستثمارات والانسحاب من الشركات المتورطة في دعم الجيش الإسرائيلي أو صناعة الأسلحة. وأكد الطلاب أن هذه المطالب غير قابلة للتفاوض وأيد الطلاب أنهم لن يسمحوا أن تمول رسومهم الدراسية "آلة الإبادة".
في محاولة لزيادة الضغط على إدارة الكلية، قام الطلاب بشهر نوفمبر باحتلال أحد مباني الإدارة وأقاموا مخيماً اعتصامياً بالمبنى. وأعلن الطلاب أن الجامعة اضطرتهم تصعيد احتجاجهم بعد مرور أكثر من عام من المحاولات لإقناع الجامعة بتلبية مطالبهم، مع تجاهل الإدارة لها. على الرغم من أن الكلية تقع في مقاطعة ويستشستر وهي ضاحية ثرية تعد إحدى القواعد الصهيونية المنظمة العنصرية والشرسة والأقل نشاطاً تضامنياً فلسطينياً مقارنة بمدينة نيويورك، فقد أوضح الطلاب أن مطالبهم هي الحد الأدنى الذي لن يتفاوضوا عليه. وتجدر الإشارة أن الكلية لم تستخدم أكثر أساليب قسوة مثل جامعة كولومبيا الخاصة وجامعة نيويورك العامة إلا أنها هددت الطلاب بتعليق منحهم الدراسية وطردهم من الجامعة ولكن صمود الطلاب أرغم الإدارة بعد 24 ساعة لتقديم حماية قانونية والوعد بالاجتماع مع الطلاب لمناقشة الإفصاح عن الاستثمارات إذا غادر الطلاب المبنى. ووافق الطلاب على المغادرة، ولكن رفضوا تقويض المخيم الاعتصام الطلابي حتى تستجيب الادارة وتقدم لهم تقرير إفصاح عن استثماراتهم. وهذا ما وعدتهم به لاحقاً الجامعة.
تحدي الاستعمار الاستيطاني العنصري في فلسطين جزيرة السلحفاة
وعلى صعيد آخر احتج متضامنون مع القضية الفلسطينية مسار موكب ما يسمى "عيد الشكر" الأمريكي وهو عيد اخترعه المستوطنون للادعاء بأن أهل البلاد الأصليين رحبوا بهم على أراضيهم. ففي أكبر مهرجان تموله متاجر ميسي في مدينة نيويورك رفع المتظاهرون لافتة كبيرة عليها "فلسطين حرة" واعترضوا أفضل موقع إستراتيجي بالمهرجان أمام بالون ماكدونالدز حيث اعترض خلفهم متظاهرون آخرون رفعوا لافتات تطالب بإرجاع الأرض لأصحابها . ومن ثمة اعتصم المتظاهرون على أرض الشارع حيث اعتقلتهم الشرطة على الفور بينما كانوا جالسين في وسط الشارع.
حركة الشباب الفلسطيني تواجه أدوات الإبادة ميرسك
وقامت حركة الشباب الفلسطينية (PYM) بحملة أمريكية وعالمية استهدفت شركة ميرسك إحدى أكبر شركات اللوجستيات في العالم والتي تورطت بنقل ما يزيد عن 300 مليون دولار من مكونات الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل. وأطلق الشباب والصبايا الفلسطينيون الحملة بعنوان "كشف القناع عن ميرسك: استهداف عملاق اللوجستيات لدوره في الإبادة الجماعية في غزة". و قد نظمت الحملة مجموعة من الأنشطة المختلفة عبر أربع جبهات رئيسية في الحملة كوسيلة ضغط ضد ميرسك وهي الإعلام والتوعية، التعبئة والمظاهرات، العمل والنقابات، والأنشطة الطلابية والمجتمعية. وطالبت الحملة شركة ميرسك بالتوقف عن نقل الأسلحة ومكونات الأسلحة وقطع جميع العقود المتعلقة بالإبادة الجماعية في غزة, وفرض حظر على الأسلحة المرسلة إلى إسرائيل.
تراجع جمعية الدراسات النسوية الأمريكية عن خرق المقاطعة الأكاديمية والتأكيد على التضامن النسوي مع فلسطين
ومن ناحيتها فقد حققت الحركة التضامنية مع فلسطين انتصاراً آخر في صفوف الحركة النسوية الذي عكس تراكم عقود من النضال خاضتها النساء الفلسطينيات وخصوصاً اتحاد جمعيات المرأة الفلسطينية في أمريكا الشمالية (1986-1995) وتصدر التجمع الفلسطيني النسوي قيادة النضال منذ 7 اكتوبر 2023 حيث كثف نشاطه بالمظاهرات وجمع التبرعات وإصدار البيانات وأهمها بيان العهد ضد الابادة الجماعية الذي طالب التجمع وحصل بالفعل على توقيع الآلاف– الأمر الذي كان ضرورياً في ظل الدعايات الصهيونية التي زعمت أن المقاومة الفلسطينية قامت باغتصاب النساء الاسرائيليات خلال طوفان الأقصى. ومن ناحية أخرى فقد اتخذت القيادة الجديدة لجمعية دراسات المرأة في الولايات المتحدة المتمثلة برئيستها د. هايدي لويس ومديرتها العامة د. كريستيان كونتريراس موقفاً واضحاً وحاسماً بإدانة حرب الإبادة الجماعية الصهيونية على غزة. وقد كان هذا الموقف متوقعاً بالماضي حيث كانت الجمعية قد صوتت عام 2015 بأغلبية الثلثين لصالح قرار المقاطعة BDS وأكدت أن فلسطين قضية نسوية ولكن رئيسة الجمعية السابقة كانت تنتمي إلى جماعات الصهيونية المسيحية كما اتضح لاحقاً وقامت بزيارة الأراضي المحتلة على أساس أنها أراض وبلدات إسرائيلية "جميلة" ولم تتطرق من قريب ولا بعيد إلى الشعب الفلسطيني الذي تتضامن معه الجمعية التي تقودها ولا إلى مقاطعتها لكيان مستعمر فضربت بعرض الحائط مواقف الجمعية الديمقراطية. ولم تكتفِ بإصدار رسالة اعتذار واهية في وسط حرب الإبادة الجماعية على غزة وإنما تواطأت مع عضوات أخريات لإصدار بيانات خاطئة في ذكرى النكبة وأخرى تعتبر أن مناهضة الصهيونية تضر بتحرر المرأة . ولهذا فقد قام تجمع النسويات من أجل العدالة في فلسطين مطالبة الجمعية قيادة وقاعدة برفض مواقف الرئيسة السابقة علنياً والتأكيد على التضامن التام والشامل مع فلسطين ليس بالكلام فقط وإنما بالفعل عبر مجموعة من الخطوات العملية التي تثبت مصداقيتها. والجدير بالذكر أن تجمع النسويات من أجل العدالة في فلسطين تألف عام 2014 ويضم العضوات اللواتي قدن حركة المقاطعة داخل الجمعية حتى التصويت عام 2015. وتجاوبت القيادة الجديدة مع هذه المطالب وبياناتها في صفحتها الإلكترونية الرئيسية بشكل صريح وواضح وربطت الحركة السوداء الراديكالية بالتحرر الفلسطيني وخصصت الجلسة الرئيسية لمؤتمرها الرئيسية لنضال المرأة الفلسطينية وساندت عقد معهد خاص لأساتذة الجامعات والكليات للتدريب حول تدريس فلسطين وإدراجها في المناهج الأكاديمية وحددت ثلاث ندوات رئيسية عن مواضيع خاصة بفلسطين. وبهذا كان مؤتمر جمعية دراسات المرأة المنعقد في مدينة ديترويت بعد بضعة أيام من الانتخابات الأمريكية مهرجاناً تضامنياً نسوياً مع الشعب الفلسطيني وكفاح المرأة الفلسطينية بعد ازدراء كاملا هاريس لهموم الشعب الفلسطيني ورفض إدانة الإبادة الجماعية ووقف شحن أسلحة الموت الأمريكية وترويج الدعايات الصهيونية الكاذبة عن المقاومة الفلسطينية