Menu

القطاع تحت وطأة الجوع..

تقريرالمساعدات المفقودة والدقيق الفاسد: أزمة غذائية تهدد حياة الغزيين بعد نفاد المخزونات

أحمد زقوت

المصدر/ وفا..

خاص_ بوابة الهدف الإخبارية

وسط الزحام في سوق الصحابة بغزة، كان وسيم ظاهر يتنقل بخطى متثاقلة، يحمل همَّ إطعام أسرته في زمن أصبحت فيه لقمة الخبز حلمًا بعيدًا، وبعد بحث طويل، رأى كيس دقيق كأنه بارقة أمل، لكن فرحته تبخرت عندما رفض البائع السماح له بفحصه للتأكد من نظافته وخلوه من السوس والرائحة الكريهة، ورغم خوفه من الغش، اضطر لشراء الكيس، في مشهد يعكس قسوة الجوع وصعوبة الحياة في القطاع المحاصر.

خبز عفن وطعام ملوث

يقول ظاهر، لـ "بوابة الهدف": "لم يكن أمامي خيار آخر، كنت خائفًا من أن يكون الدقيق فاسدًا، لكن الجوع أجبرني على المجازفة، ومع اشتداد حدة المجاعة لم أعد أملك ترف الانتظار أو الاختيار"، مضيفاً "رائحة الدقيق كانت غريبة منذ البداية، وعندما خبزنا به، كان الطعم مرا لا يطاق، لكننا مضطرون للأكل على أي حال، فلا يوجد بديل".

ويتابع ظاهر بأسى: "حتى إن وجدت دقيقًا نظيفًا، فإن سعره فوق قدرتنا، والأسعار نار، والمعابر مغلقة، والمساعدات توقف، ولا فواكه، لا لحوم، لا خضار، حتى الخبز بات حلمًا، ولا شيء هنا سوى الغلاء والقهر"، مشيراً إلى أنّ "الجوع كسر كرامتنا، ولم يعد هناك ما نحلم به سوى أن نبقى أحياء".

ويُشار إلى أنّ المخابز المدعومة من برنامج الأغذية العالمي قد أغلقت نهاية مارس بسبب نفاد الطحين والوقود. في حين تم تخزين 116 ألف طن من المساعدات وهي تكفي لإطعام مليون شخص لمدة أربعة أشهر، جاهزة للتسليم حال فتح المعابر، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1400%، مما يهدد الفئات الضعيفة.

المواطنة أمل حمودة، لم تجد سبيلًا للحصول على الدقيق، فاضطرت إلى شراء خبز الصاج من أحد الخبازين القريبين من منزلها، تقول حمودة لـ"الهدف": "ما إن تذوقت الخبز حتى تغير طعم فمي كله، كان عفنًا لا يُطاق، ولم تكن هذه أول مرة أشتري خبزًا من نفس الخباز، لكنها المرة الأولى التي أشعر فيها بطعم العفن بهذه القوة".

وتضيف بحزن: "حتى حين اشتريت سابقًا خبز الفينو من بائع متجول، اكتشفت أن طعمه فاسد واضطررت إلى التخلص منه"، مشيرة إلى أنّ العثور على دقيق نظيف صار شبه مستحيل، والأسعار مرتفعة، والناس يشترون مجبرين على القبول بالرديء".

وتشير حمودة إلى أنّ إحدى جاراتها أرسلت لها كمية من الدقيق المخزن، لكنها صُدمت عندما وجدته مليئًا بالديدان، موضحة أنّ "جارتها تضيف الفانيلا وحبة البركة و قطر ات من الخل لإخفاء الطعم والرائحة، لأنه لا مفر من شرائه رغم فساده وارتفاع ثمنه".

مجاعة مريرة تهدد حياة الأطفال

ويشهد قطاع غزة اليوم واحدة من أشد الكوارث الإنسانية، حيث تحولت الأسعار إلى كابوس يومي، وتوقفت المساعدات، وخسر كثيرون مصادر رزقهم، فيما أصبح السكان مكشوفين تمامًا أمام الجوع والعوز، دون أي بوادر لانفراج قريب مع استمرار الحصار الخانق والإغلاق المشدد.

بدوره، يحذر مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، من تفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع بسبب استمرار الحصار "الإسرائيلي" الخانق الذي يواصل إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية منذ 58 يومًا، مؤكداً أنّ أكثر من 2.4 مليون فلسطيني مهددون بالموت جوعًا، حيث أصبحت المجاعة واقعًا مريرًا.

ويوضح الثوابتة، في حديثه مع "الهدف"، أنّه "تم تسجيل 52 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، من بينهم 50 طفلًا"، مشيرًا إلى أن هذه الحالات تمثل "القتل الجماعي البطيء"، كما يعاني أكثر من 60,000 طفل من سوء تغذية حاد، فيما يعاني أكثر من مليون طفل من الجوع اليومي، مما يعرضهم لخطر الموت.

ويشدد الثوابتة على أنّ آلاف الأسر الفلسطينية أصبحت عاجزة عن تأمين الطعام لأبنائها، متهمًا الاحتلال بارتكاب جريمة إبادة جماعية عبر سياسة التجويع الممنهج، فيما طالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لفتح ممرات إنسانية آمنة وإنقاذ حياة الفلسطينيين.

مرحلة المجاعة الخامسة

من جهته، يؤكد مدير مبنى الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي د. أحمد الفرا، أنّ قطاع غزة يعاني من مجاعة شديدة نتيجة العدوان المستمر، حيث توقفت المساعدات الغذائية والدوائية منذ حوالي شهرين.

يقول الفرا، أنّ "القطاع دخل المرحلة الخامسة من المجاعة، وهي الأشد خطورة، مما يهدد حياة 600 ألف طفل وأكثر من 2.3 مليون نسمة". مضيفاً أنّ "الاحتياجات الأساسية مثل الحليب للأطفال مفقودة، مما يهدد حياتهم بتقلبات صحية خطيرة، بما في ذلك التشنجات والتخلف العقلي".

ويبين الفرا أنّ "أزمة الغذاء ستترك آثارًا نفسية وصحية طويلة الأمد على سكان القطاع، وقد تزيد من وفيات غير مباشرة نتيجة سوء التغذية وغياب الرعاية الصحية".

نفاد المخزونات الغذائية

وأمس الأحد، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، عن نفاد إمدادات الطحين لديها في قطاع غزة، بعد يوم من إعلان برنامج الأغذية العالمي نفاد مخزونه الغذائي بالكامل، بسبب استمرار إغلاق المعابر، وتحذيره من توقف أنشطته الأساسية إذا لم تُدخل المساعدات، كما أوضح أن آخر المواد الغذائية المتبقية سُلّمت لمطابخ تقدم وجبات ساخنة، ومن المتوقع نفادها قريبًا.

وأوضحت الأونروا في بيانها، أنّ حوالي 3000 شاحنة محملة بمساعدات منقذة للحياة جاهزة للدخول إلى غزة، لكن "إسرائيل" تمنع دخولها، ومنذ 2 مارس، توقفت المساعدات الإنسانية بشكل كامل بسبب إغلاق المعابر، مما يزيد من تفاقم الجوع في القطاع، الذي يهدد حياة السكان، بمن فيهم الأطفال، الذين يعتمدون على الوجبات الخيرية للبقاء على قيد الحياة.

التجويع كأداة حرب

من جانبه، حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من بدء تفشي المجاعة في قطاع غزة، نتيجة الحصار "الإسرائيلي" الذي دام 58 يومًا ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

وذكر المرصد في بيانه، أنّ الطواقم الميدانية رصدت مؤشرات خطيرة لانعدام الأمن الغذائي الحاد في القطاع، مع نقص حاد في الغذاء الأساسي، مثل الحبوب والبروتينات، وتعطيل البنية التحتية الزراعية، مشيراً إلى أنّ السكان اضطروا لبيع ممتلكاتهم لتوفير الغذاء، وأن معظمهم يعتمد على الوجبات الخيرية، التي استهدفتها قوات الاحتلال مؤخراً.

ووثّق المرصد فقدان الخبز من الأسواق، مع توقف المخابز عن العمل، وارتفاع أسعار الخضراوات التي أصبحت غير متوفرة بالكميات الكافية، مؤكداً أنّ ما يحدث يعد جزءًا من جريمة التجويع التي تهدف إلى القضاء على قدرة السكان على البقاء.

وأشار المرصد إلى أن أكثر من مليون طفل يعانون من سوء التغذية، محذراً من تداعيات هذه الأزمة التي ستؤثر على الجيل الحالي والمستقبل، ما يعزز من مخاطر الإعاقة الجسدية والنفسية على المدى الطويل.

كما أكد أن 2.3 مليون شخص مشردين في غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لإنهاء الحصار وضمان تدفق المساعدات.