Menu

في مواجهة الفوضى والفراغ الأمني وتدمير المؤسسات: انطلاق حراك وطني لتشكيل لجان أهلية في أحياء غزة

الهدف الإخبارية ـ قطاع غزة

في ظل ما يشهده قطاع غزة من انهيار شبه تام، في جميع جوانب الخدمات الحيوية،  بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتواصل، وفي ظل تراجع قدرة طواقم الاسعاف والانقاذ والمنظومة الشرطية،و تنامي مظاهر الفوضى وحالات النهب والبلطجة المدفوعة والمنظمة، انطلقت مبادرة وطنية واسعة النطاق لتشكيل لجان أهلية تطوعية في أحياء ومخيمات ومدن القطاع، بهدف الإسهام في عمليات الانقاذ والاسعاف وخدمة و حماية السكان والممتلكات، والحفاظ على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي في وجه محاولات الاحتلال لتفكيك الجبهة الداخلية.

مبادرة شعبية في وجه الفراغ والفوضى

المبادرة التي انطلقت بتفاعل واسع من شخصيات وطنية ومجموعات شبابية مبادرة، جاءت كردّ عملي على غياب دور المؤسسات الأمنية واستنزاف وتقويض دور خدمات الإنقاذ والإسعاف والدفاع المدني، التي تعرضت لهجمات مكثفة منذ اندلاع حرب الإبادة، واستنادًا إلى تجارب الشعوب في أزمنة الأزمات والثورات، حيث كانت اللجان الشعبية أحد البدائل الفعالة للتضامن الفاعل بين المواطنين وحفظ الأمن المحلي، وحماية التماسك الاجتماعي ومنع المساس بالكرامة الإنسانية.

وتقوم المبادرة على تشكيل لجان تطوعية محلية يتولى أعضاؤها من أبناء الحي أو المخيم أو مركز الإيواء مسؤولية المناوبة في الحي، مع التركيز على أن يتمتع المتطوعون بقبول اجتماعي واسع وسلامة أخلاقية وأمنية تضمن ثقة الناس بهم. 

ويُشدد القائمون على المبادرة أن مهام اللجنة يجب أن تُمارس ضمن الحيز الجغرافي للحي أو البلوك، ولا يجوز تنقل أعضائها إلى مناطق أخرى، حفاظًا على الطابع المحلي لكل لجنة، وضمانًا لفاعليتها وارتباطها المباشر بالمجتمع الذي تخدمه.

كما تم التأكيد على ضرورة التزام أعضاء اللجان بضوابط أخلاقية صارمة تمنع التعرض للناس أو فرض قيود على حركتهم، بما يضمن أن يشعر المواطنون بوجود هذه اللجان كحالة من الطمأنينة والحماية لا كعبء أو تهديد إضافي، وذلك من خلال احترام الخصوصيات، وعدم الخلط بين المشتبه بهم وبين السكان الشرفاء الذين قد يضطرون للتحرك ليلًا لأسباب ضرورية.

أهداف وطنية تتجاوز المهام المباشرة

لا تقتصر أهداف اللجان على الجانب الخدماتي او الاسعافي او الأمني المباشر فحسب، بل تتجاوز ذلك لتُشكّل ركيزة من ركائز مواجهة المشروع الصهيوني الرامي إلى تدمير المجتمع من الداخل. فهذه اللجان تُسهم في تثبيت السلم الأهلي كجزء من أدوات الصمود في وجه الحرب، وتوفّر حماية جماعية للمنازل والممتلكات في ظل استفحال ظواهر النهب والسطو المنظم، وتدعم دور طواقم الاسعاف والانقاذ وتسهم في تسريع الوصول للمصابين وضحايا العدوان المستمر.

وفي جانب آخر، تهدف هذه الخطوة إلى تحجيم الحركة المشبوهة داخل الأحياء، سواء تلك التي تقوم بها مجموعات فوضوية أو لصوص، أو العناصر المتعاونة مع الاحتلال التي قد تتسلل لزرع الفوضى والتخريب، وكسر محاولات الاحتلال لصناعة الرعب وزعزعة التضامن الاجتماعي. 

وبذلك، تحمل هذه المبادرة أيضًا رسالة سياسية ومجتمعية واضحة مفادها أن شعب غزة لا يقبل معادلة "إما الفوضى أو الوصاية"، بل يؤمن بقدرته على تنظيم ذاته، والتضامن ليخدم الناس بعضهم بعضا وليفرض الأمن من الداخل، وصون كرامته في وجه كل محاولات الإذلال أو فرض واقع الهزيمة.

دعم وطني ورسمي

هذا وعبرت فصائل وقوى وطنية ومجتمعية عن دعمها لهذه المبادرة التي يقوم عليها مجموعة واسعة من الشباب الفلسطيني الوطني والواعي، وفي تصريح خاص، عبّر متحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن تأييد الجبهة الكامل لهذه المبادرة، معتبرًا إياها تعبيرًا صادقًا عن وعي الشعب الفلسطيني وإصراره على الصمود والتنظيم الذاتي في وجه الفوضى المدعومة من الاحتلال.

وقال المتحدث: "هذه الخطوة هي امتداد لحالة الوعي الجماعي التي راكمها شعبنا عبر سنوات المواجهة، وهي تُعد من صميم مسؤولياتنا الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة، خاصة في ظل محاولة الاحتلال ترسيخ الفوضى كبيئة طاردة تدفع الناس نحو الرحيل."

دعوة للانخراط الشعبي

وتُراهن هذه المبادرة، التي انطلقت من رحم الحاجة الوطنية، على الاستجابة الجماعية والواعية من مختلف شرائح المجتمع، وفي مقدمتهم الشباب، الذين شكّلوا على الدوام طليعة الدفاع الشعبي في المراحل المفصلية من تاريخ الشعب الفلسطيني. 

وقد وجّه القائمون على المبادرة نداءً مفتوحًا لكل من يشعر بالمسؤولية الوطنية، أن يكون جزءًا من هذا الجهد الشعبي النبيل، القائم على الانتماء الوطني لا الانتماء الحزبي، وعلى الأخلاق لا التسلط، وعلى خدمة الناس لا التحكم بهم.

فاللحظة الراهنة –كما يصفها المبادرون– لحظة اختبار حقيقي لإرادة الصمود، ولقدرة المجتمع الفلسطيني على تنظيم ذاته بعيدًا عن الفوضى والارتهان. 
ويضيف القائمون على المبادرة، أنه من خلال الانخراط الطوعي في لجان الأهلية يُمكن لكل فرد أن يُسهم في حماية بيته وحيّه، وفي بثّ روح الأمان في نفوس الأطفال والنساء وكبار السن، الذين يعيشون وسط حصار وجوع وعدوان مستمر لا يهدأ.

كما تؤكد المبادرة أن المشاركة الشعبية ليست خيارًا تكميليًا، بل ضرورة مصيرية في ظل حالة الانكشاف الأمني وتعطّل المؤسسات الرسمية، وهي تمثل رسالة إلى العدو، وإلى العالم، بأن المجتمع الفلسطيني –ورغم الجراح العميقة– لا يزال يمتلك طاقة المبادرة، ويقف على أرضه حارسًا لوحدته وكرامته.

ويختم المبادرون، بأن هذه اللحظة ليست فقط لحظة نداء طارئ، بل لحظة بلورة نموذج بديل في التنظيم الذاتي الأهلي، يستند إلى روح المقاومة المجتمعية، ويُثبت مجددًا أن الشعب الفلسطيني، وفي أصعب الظروف، لا يفقد بوصلته ولا يقبل بفرض واقع الانهيار، بل يصنع من ألمه مشروعًا وطنيًا للصمود والبناء