Menu

أزمة وقود أم أزمة عقول؟!

محمود الراس

أزمة التيار الكهربائي هي معضلة من المعضلات الرئيسية التي سببتها أزمة النظام السياسي واستمرار الانقسام، فهذه الأزمة التي ما انفكت تشكّل كابوساً يومياً للمواطن الفلسطيني، وارتدت مآسي على عائلات الفقراء ب غزة ما بين حرائق أتت على  البيوت وسكانها بسبب شمعة، أو أطفال بعمر الزهور ماتوا برداً.

هذه الأزمة التي توالدت  بشكلها الفج مع ميلاد الصراع على السلطة واشتدت حلقاتها كلما أراد طرفي الانقسام تحسين  مواقعهم وشروط التفاوض على تقاسم المؤسسات الخدماتية، ليحولوا من الجماهير  متاريس يختبئون خلفها متبادلين تقاذف المسئوليات والاتهامات وتحميل الطرف الآخر المسئولية كجزء من حرب المصالح والمحاصصة، ليصبح المواطن وحدة ضحية هذه الحرب، إما صريعاً في طريقه للبحث عن البدائل أو مواطناً فاقد  للحقوق المدنية والحياتية.

إن الأزمة اليوم لم تعد أزمة وقود ولا أزمة خطوط، بل أننا أمام أزمة  عقول وضمائر وإلا كيف للمواطن الفلسطيني أن يفسر تعطيل تشغيل الخط (161) ومطاردة  البنوك، وإلزامها برفض قبول الضمانات المطلوبة للبدء في التمديد والتشغيل؟!، وكيف للمواطن الغزي أن  يتعامل مع كل التبريرات المطروحة  والتي لم تقدم إجابة حقيقية كاشفة للمواطنين، أو تعطِ حلولاً لهذه المشكلة بل للأسف ساهمت  في تسعير الأزمة وتفاقم معاناة الناس؟، كيف لهؤلاء المسئولين أن يتهربوا من مسئولياتهم من خلال الضغط على المواطن، لا التخفيف عنه؟

المطلوب اليوم  أن يقاتل المواطن نيابة عن أصحاب المصالح في طرفي الانقسام لتحسين شروط  تفاوض كل طرف مع الآخر، وصولاً لاتفاقات المحاصصة للمؤسسات الخدماتية والوطنية.

الحكام هنا يتحملون جزءاً ليس بسيطاً تبدأ من التخلي عن الحكومة والاستمرار بالامساك بالحكم بغزة، وتعظيم الأزمة بالسياسات التشغيلية لمحطة التوليد، واستخدام المسئولين لنفوذهم للتحكم بجداول قطع ووصل التيار، وإعفاء قطاعات محددة من الجداول تعظيماً لواردات الشركة إضافة للتهرب من دفع مستحقات دور العبادة والمؤسسات الحكومية.

صحيح أن جذر الأزمة يكمن في أزمة النظام السياسي، ولكن هذا لا يعفي الحكومة برام الله من جزء رئيسي من المسئولية عن الأزمة،  إلا أن شعبنا الذي دفع فلذات أكباده دفاعاً عن خيار المقاومة، ومستعد لدفع ضريبة المقاومة وتطوير لأدواتها، لا يمكن أن يقبل بمضاعفة الفاتورة لتعظيم الجباية هنا، أو لإرضاء استثمارات مسئول هناك، كما أن المسئولين في رام الله يتحمّلون الجزء الرئيسي من المسئولية عن الأزمة  سواء برفض وتعطيل كل الحلول المقدمة وطنياً أو تعطيل مشروع الخط (161) أو  برفض توجيه البنوك بضغط من سلطة النقد لإعطاء ضمانة بنكية مطلوبة لمد خط (161) ، أو تعطيل وتأجيل توسعة وتطوير المحطة تارة، وإدخال خدمة حيوية لمجال المناكفات الصراع المقيت على الشرعية وتحسين شروط التفاوض  مع حكام غزة.

إن الحلول المطروحة والتي سبق وأن قدمتها الجبهة وغيرها من قوى شعبنا أجل حل أزمة الكهرباء ما زالت تنتظر إرادة سياسية من طرفي الانقسام وتغليب المصالح الوطنية على مصالحهم الخاصة، وهي لا يجب أن تظل حبيسة الأدراج، فشعبنا لن ينتظر طويلاً، وهو صاحب اليد العليا التي ستجبر كل الأطراف التي تساهم في تفاقم معاناته على الخضوع لإرادته ومطالبه المشروعة.