Menu

مفهوم الشرعية.. وحفظ البعد الوطني للقضية الفلسطينية

د. وسام الفقعاوي

يتخذ مفهوم الشرعية بعداً سياسياً وقانونياً، فقد عرّفته الموسوعة الدولية الاجتماعية بأنه "الأسس التي تعتمد عليها الهيئة الحاكمة في ممارستها للسلطة."  هذه الأسس التي توفر الرضا أو القبول العام وبالتالي تُبقي حصرية توظيف واستخدام القوة في السلطة أي كانت، أمراً مقبولاً بل ومحبذاً.

في حين يُعرّف مفهوم الشرعية، كاتجاه اجتماعي – سياسي بأنه "تقبُّل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي وخضوعهم له طواعية؛ لاعتقادهم بأنه يسعى لتحقيق أهداف الجماعة، ويعبر عن قيمها وتوقعاتها، ويتفق مع تصورها عن السلطة وممارساتها". وأجد من الضرورة أن يجري التفريق بين مفهوم الشرعية الذي يدور حول فكرة الطاعة السياسية، أي حول الأسس التي على أساسها يتقبل أفراد المجتمع النظام السياسي ويخضعون له طواعية، ومفهوم المشروعية بمعنى خضوع نشاط السلطات الإدارية ونشاط المواطنين للقانون الوضعي. أي أن الشرعية مفهوم سياسي بينما المشروعية مفهوم قانوني.     

إن المدخل السابق ضرورة لمعالجة مفهوم الشرعية في واقعنا الفلسطيني، خاصة أن هذا المفهوم يفقد بعده المؤسساتي في ضوء ما لحق بالمؤسسات الفلسطينية بالإجمال من ضرر كبير، بالأخص منظمة التحرير الفلسطينية التي ومنذ أن قبلت قيادتها، أن تكون جزءاً من تيار التسوية في المنطقة، الذي وصل إلى توقيع اتفاق أوسلو والاعتراف بحق "إسرائيل" في الوجود، وبقيت للأسف هذه القيادة "وفيةً" لهذا التيار ونهجه، رغم مرور ربع قرن على تطبيقاته الفعلية التي ثبت بالقطع أن الهدف الرئيسي لهذا النهج ولهذه التطبيقات هو تصفية القضية الوطنية الفلسطينية. فحتى ما اعتبره البعض "إنجازات" مهمة لاتفاق أوسلو ومنها على الأخص إقامة السلطة الفلسطينية، كحامل ومرتكز وقاعدة لمشروع الدولة الفلسطينية التي حلمت بها هذه القيادة، ورأت أن رموز هذه الدولة ومرتكزاتها سيوجدها هذا الاتفاق، التي ستصل لمنتهاها في "مفاوضات الحل الدائم"، التي جرت وجرى معها "هذا الحلم" في بحر الدم الفلسطيني الذي أريق على مذبحها، بعد فشل هذه المفاوضات في منتصف عام 2000. فحتى هذه السلطة، انقسمت على ذاتها في أتون صراع مقيت ومريع وكارثي فيها وعليها، وبتنا أقرب إلى وجود كيانين منفصلين على موقعين جغرافيين يفترض أن يمثلا إقليم الدولة الفلسطينية المفترضة أو المتوقعة أو المأمولة.

بين صراع فتح وحماس على السلطة وعليها، وقبلها استطاعة القيادة المتنفذة في المنظمة من تنفيذ أجندتها الخاصة في الوصول لاتفاق سياسي أو صفقة بالمعنى الأدق للكلمة حتى السياسي منها، مع "إسرائيل" على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية، يُطرح سؤال كبير أيضاُ عن دور القوى والتنظيمات التي أعلنت أنها تقف ضد هذا التيار وهذا النهج وكل عوامل الانقسام ومحفزاته، وهل استطاعت حقاً أن تفي بتعهداتها حتى فيما يتعلق بالبديهيات والمسلمات التي لا يجب أن تمس؟!

الكثير من البديهيات والمسلمات باتت مكان شك وريبة ومحط تساؤل لا يخلو من الخوف والقلق: "التحرير – حق العودة – الاستقلال – وحدة الشعب (الوحدة الوطنية) - وحدة الأرض -  الهوية- الحقوق -  العدو – المقاومة – التنمية – الحريات – الثقافة - التاريخ... الخ". فمن باب هذه البديهيات والمسلمات، يُطرح مفهوم الشرعية في الحالة الفلسطينية، تلك الشرعية التي لا تُمنح لأحد وفق الوسائل الديمقراطية فقط –التي باتت مطلب وقبر في آن- بل في مقدمة هذا المنح، حفظ البعد الوطني للقضية الفلسطينية، والحقوق التاريخية. أي المسلمات والبديهيات التي لا يجب أن تمس.

 فقضية الشعب الفلسطيني ووحدته وحفظ بعده الوطني وضميره الجمعي، هي رهن وحدة حركته السياسية، ووحدة الحركة السياسية رهن وحدة هدفها الوطني الذي انطلقت من أجله، ووحدة الهدف موقوف على تبني استراتيجية وطنية حقيقية، والاستراتيجية بحاجة لأداة كفاحية كفؤة وقادرة على تنفيذها.       

الشرعية في حالتنا الفلسطينية، ليست معطى ثابت أو حصري، بل استطيع القول، أنه لم يعد شرعية لأحد في ظل غياب وحدة الهدف والحركة السياسية والاستراتيجية الموحدة والأداة المنفذة، واستمرار الارتهان والرضوخ للرؤية الأمريكية – الصهيونية، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، سوى بعض "الشرعية التاريخية" التي تأكل في الحاضر من رصيد الماضي على حساب المستقبل.

مسألة حفظ البعد الوطني، يجب أن تكون مركز أي موقف أو خطاب أو طرح أو مصلحة حزبية،  وعليه، فليتوقف الجميع، وأعنى القوى الفلسطينية المسماة وطنية وتلك المسماة إسلامية، عن ادعاء أنها تملك وحدها طريق الخلاص، وهو في الحقيقة "طريق الهلاك".. لأن هذا الادعاء مستمر، وفي ذات الوقت مستمر معه أزمة الهوية وتمزق الماهية الواحدة والمشروع والقضية والوجود ومصير الذات الواحدة والجماعية.. فطريق الخلاص ومعها الشرعية يأتي من بوابة حفظ وحدة الشعب والأرض والهوية والقضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، أي المسلمات والبديهيات التي تمنح الشرعية.