Menu

هل الانقسام سيطول الجاليات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية؟

اسحق أبو الوليد

مما لاشك فيه أن الشعب الفلسطيني يعاني من سوء القيادة لأنها لا تهتم ولا تدافع إلا عن مصالحها الطبقية وامتيازاتها التي وفرتها لها اتفاقياتها، وعلاقاتها بحلفاء يريدون التخلص من القضية الفلسطينية والنضال لنصرتها، لأن هذا النضال إذا ما أخذ مجراه الطبيعي نحو التحرير سيعصف بهم وبعروشهم وحكوماتهم، وسيعمق تحالف والتحام حركتنا الوطنية بحركة التحرر الوطني العربية التي هي أيضاً هدفها الاستراتيجي تحرير الشعوب العربية من الاستعمار الامبريالي الصهيوني ومن الأنظمة العربية التابعة لهم، وكذلك انتشال شعوبنا من التخلف والجهل، العدو الأكثر خطورة و"اللاعب الرئيسي" في الحرب الإعلامية وتشويه الوعي من خلال تزوير التاريخ.

القيادة الفلسطينية، ليست فقط بضعة وزراء ورئيس يقبعون في المقاطعة، بل هي مجموع الكوادر والقيادات الوسيطة الموالية والتي لديها الاستعداد الكامل لتنفيذ أوامر وبرامج السلطة، وإلى جانبها السفارات الفلسطينية في مختلف بقاع الأرض التي لا تحصر وظيفتها في " تمثيل المصالح الوطنية والدفاع عنها" بل تتدخل في شئون الجاليات بهدف السيطرة عليها، وتوظيفها سياسياً لإطالة عمر الائتلاف الطبقي الحاكم، الذي أصبحت " السلطة" أي سلطة، بالنسبة له هو هدف بحد ذاته.

الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية وليس فلسطين أوسلو وجغرافيته، منذ بدايات الغزوة الصهيونية التي بدأت باكوراتها في العهد العثماني واتسعت وتصلبت برعاية الاستعمار البريطاني شكّل العديد من الأطر السياسية والاجتماعية والدينية والمسلحة بهدف الدفاع عن الوطن وتحريره من الاحتلال البريطاني، ومنع الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافه بإقامة " وطن قومي لليهود في فلسطين" إلا أن رهان القيادات المتنفذة، صاحبة القرار، على حسن نوايا " الانجليز" وعدم تصنيفهم كعدو لعب دوراً أساسياً في هزيمة الحركة الوطنية ونجاح الصهيونية في تحقيق أهدافها، تلك القيادة التي لم تصغِ للصوت الوطني ولم تعطِ المؤسسات أي أهمية أو أي دور في اتخاذ القرارات المصيرية، الشئ الذي ما زلنا ندفع ثمنه غالياً.

بعد عقود من النضال والتضحيات نصطدم من جديد بذات العقلية، عقلية الفرد المقرر وصاحب الأمر والنهي، وإن نحن في عصر يختلف، وشعبنا يتميز بدرجات أعلى من الوعي والكفاحية والنضالية، والتي أصبحت تشكّل نموذجاً لشعوب أخرى وحركات تحرر عربية وعالمية.

إن السلطة الفردية هي نقيض للديمقراطية، وتعطّل دائماً عمل المؤسسات بل تجعلها كالسوط في يدها تضرب بها أينما وكيفما تشاء، بهدف فرض برامجها على خصومها السياسيين والطبقيين، لتظهرها وكأنها هي التي تمثل الأغلبية وبالتالي الشرعية، وإلا ما معنى أن يصر السيد " حنا صافية" على عقد المؤتمر الرابع لاتحاد المؤسسات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية والكاريبي ( كوبلاك) دون التحضير الكافي بما يضمن وحدة الجاليات ومؤسساتها في القارة؟ وهل التعجل وسلق الأمور بعد غياب استمر أكثر من 20 عاماً – أي منذ " أوسلو"، يعبّر عن استفاقة وطنية وحرص على مصالح الجاليات في القارة اللاتينية والكاريبي؟، أم يريدون أنصار السلطة وسفاراتها وحركة " فتح" أن يتم تكرار التجربة الانقسامية في القارة الأوروبية، ويذهبون إلى عقد مؤتمر من لون واحد لا يخدم في نهاية الأمر سوى مصالح فئوية طبقية سلطوية كي يدعون أن  الجاليات في هذه المنطقة من العالم تدعم وتؤيد السلطة وبرامجها والاتفاقيات التي قامت على أساسها، أي اتفاقيات " أوسلو" وكل ملحقاتها وخاصة وثيقة الاعتراف بشرعية كيان العدو على أرض فلسطين؟.

إن الجاليات الفلسطينية هنا في القارة لديها المقدرة، وعندها من الكفاءات السياسية والمهنية والعلمية والفنية، التي لم تتوقف يوماً عن النضال لنشر القضية الفلسطينية والدفاع عن عدالتها، رغم غياب " كوبلاك" وسكرتيره والسفارات أيضاً لأكثر من عشرين عاماً، لترتيب أوضاعها وتنظيم صفوفها بما يتلاءم والمتغيرات الكبيرة والمهمة التي ما زالت تحدث في القارة اللاتينية والكاريبي.

إنه ملفت للنظر أن تحاول السلطة وأزلامها أن تكبح جماح تحرك بعض المؤسسات وخاصة الفيدرالية الفلسطينية في تشيلي وكادر هام من أبناء الجالية بمن فيهم حركة " حماس" والذي توُج بعقد لقاء في تشيلي بتاريخ 6/1/2017، حضر جلسته الافتتاحية بعض سفراء السلطة الفلسطينية، الذين لم يُسمح لهم أن يشاركوا في الجلسات اللاحقة، أما " حنا صافية" سكرتير " كوبلاك" فقد شارك في كافة الجلسات ليس كما اتضح لإغناء الحوار بل بهدف التأثير على توجهات وبرامج هذا الاجتماع الذي تم دون التنسيق معه، ومع السفارات والموالين لها.

تم نقاش أوضاع الجاليات الفلسطينية وأهمية التحضير لعقد مؤتمراتها التي مر على آخرها أكثر من 20 عاماً. " حنا صافية" من طرفه، تحدث لمدة 5 دقائق حاول خلالها أن يقنع المشاركين أن " كوبلاك" موجود وبخير وهو الذي يمثل الجاليات ولا يحق لغيره أن يعمل سياسياً باسمها! في كلمته، قال له الناشط السياسي ورئيس الجمعية الكولومبية الفلسطينية الرفيق " ريكاردو محرز" " هل تريد بخمسة دقائق أن تختصر 25 سنة من السبات العميق والغياب الكامل عن أي نشاط؟!! لا، ليست الأمور على ما يرام، إن الكوبلاك يعيش أزمة عميقة وهو عملياً غير موجود، وعلينا كي نعيد إحيائه وتنشيطه ليأخذ دوره بين جالياتنا في أمريكا اللاتينية التي لم نترك النضال فيها ومعها ولا لحظة، لابد من إجراء لقاء تحضيري يضم كل مؤسسات القارة للتحضير لمؤتمر حقيقي وناجح، وكذلك يجب إعادة صياغة الدستور بما يتلاءم مع بنية الجاليات الفلسطينية الجديدة، وبما يتلاءم مع التطورات الجارية والتي حدثت في القارة خلال تلك الفترة".

في أعقاب هذا الاجتماع الذي برز فيه خطان ورؤيتان لدور الجاليات في القارة، تمت الدعوة من قبل " حنا صافية" لعقد لقاء تحضيري في أواسط شهر مايو من العام الجاري، تم تأجيله لأسباب خاصة بصاحب الدعوة دون أن يعود للمؤسسات التي أيدت الدعوة ودعمتها لتهيئة الأجواء لعقد المؤتمر الرابع لـ"كوبلاك".

" حنا صافية" أعلن عن تاريخ آخر أواسط حزيران، لعقد الاجتماع التحضيري وتم التراجع مرة أخرى وإلغاء الموعد دون إعلان السبب.

هنا دخلت " دائرة المغتربين" على الخط على أساس أنها مرجعية لفلسطيني الشتات وتم تحديد موعد ثالث للاجتماع التحضيري، على أن يُعقد في أواسط تموز في البيرو، وتعهدت الدائرة أن تغطي (50%) من المصاريف، رغم أن سكرتير " كوبلاك" لم يعترض على هذه الدعوة إلا أن الاعتبارات الذاتية لبعض السفراء وقياسات البيدر التي لم تعجبهم دفعت إلى تبديل الموعد للاجتماع التحضيري إلى نهاية شهر آب ووافقت دائرة المغتربين، وكذلك المؤسسات والقوى السياسية على هذا الموعد، وبدا وكأن هذا الموعد هو الأكيد، لكن الأمور لم تكن هكذا حيث تراجع " حنا صافية" وفريقه عن موافقتهم على عقد اجتماع تحضيري ودعا – دون التشاور مع أحد – لعقد المؤتمر مباشرة على أن يكون اليوم الأول للمؤتمر " تحضيري" واليومين التاليين للنقاش وانتخاب السكرتاريا الجديدة! هذا السلوك الانقلابي رُفض من أغلبية المؤسسات، وهكذا طُويت صفحة من المحاولات لعقد الاجتماع التحضيري الذي ما زالت أغلبية المؤسسات والشخصيات المناضلة والفاعلة في القارة تعمل من أجل تحقيقه.

بعد فشل هذه الجهود، تم اتخاذ قرار من رئيس السلطة الفلسطينية في المقاطعة بضم " دائرة المغتربين" إلى وزارة الخارجية، وجه على اثره السيد وزير الخارجية " رياض المالكي" رسالة للكوبلاك والمؤسسات يعبّر فيها عن " قلقه على الحال الذي وصلت إليه جالياتنا في القارة الأمريكية، والتراخي في التعامل مع الشأن الوطني والارتباط المطلوب مع الوطن وممثليه" ومن ثم يتمادى في شرح " مخاطر تغلغل حماس بشكل فاضح في عمل جالياتنا في القارة الأمريكية للاصطفاف معاً في مواجهة الشرعية الفلسطينية ولضم تلك الجاليات لعملها ومواقفها السياسية".

ودعا إلى " لملمة الصفوف بدل شرذمتها، والالتزام بالشرعية الفلسطينية والدفاع عنها" وأنهى رسالته بالدعوة إلى صياغة " آلية جديدة أو متجددة متوافق عليها من قبل الجميع، وأن يتم التوافق على عقد مؤتمرات لكل جالية من أجل اختيار ممثليه بشكل ديمقراطي انتخابي يتم التوافق بعد ذلك على عقد مؤتمر توحيدي لاختيار قيادة ديمقراطية".

على اثر هذه الرسالة العديد من المؤسسات الكبرى والفاعلة في القاهرة بعثت برسالة رد شديدة اللهجة للوزير المالكي، أكدت فيها أنها لم تتوقف للحظة في النضال من أجل الوطن وتعميق الانتماء له والارتباط به، وأنه لنضالاتها يعود الفضل في كسب التأييد الشعبي والرسمي لقضيتنا في القارة، وكفى تجني ومحاولة الاستئثار ومصادرة نضالات الآخرين، وكذلك عبّرت عن استهجانها لهجومه الحاد على حركة حماس بهذه الطريقة السيئة، لأنها جزء من شعبنا ويحق لها كما لغيرها.

إنني أريد أن أؤكد للوزير وغيره أن التراخي في " الارتباط بالممثلين" هو حق طبيعي ولا يمكن بأي شكل من الأشكال ربطه زوراً " بالتراخي في التعامل مع الشأن الوطني والارتباط بالوطن" إن الفلسطيني، أينما تواجد، من حقوقه السياسية ومن واجباته الوطنية والأخلاقية أن يحدد موقف من نهج قيادته وممن يمثلوه في مرحلة ما، ومن سياساتها وما تعقده من اتفاقيات ومعاهدات، ومن فساد إداراتها، وأيضاً وهذا الأهم، من مجمل وجودها والمصالح الطبقية والفئوية التي تمثلها، وإلا ما هي " الديمقراطية" التي تتحدثون عنها وبأي قياس تقيسونها؟ أما إتهام الجاليات بأنها " متراخية في التعامل مع الشأن الوطني وبارتباطها بالوطن" فهذا أقل ما يقال فيه، أنه يعبرّ عن جهل أو تجاهل، ومحاولة تجهيل بمواقف أبناء جالياتنا المشرفة الوطنية والقومية وخاصة من اتفاقيات " أوسلو" المشؤومة والنضال ضدها، وتوعية المجتمعات التي نحن جزء منها على مخاطرها ومخاطر كافة الاتفاقيات التي وقعتها أنظمة عربية مع العدو، وتذكيرهم دائماً أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني.

هذه الافتراءات تأتي أيضاً كمحاولة مفضوحة للتعتيم على نضالاتها لتطوير وتوسيع سياسة المقاطعة للعدو الصهيوني وضد بعض المتصهينين والمطبعّين من الموظفين الرسميين وغيره، إنه تنكر رخيص لنضالات طلائع أبناء جالياتنا، جنباً إلى جنب، مع القوى المعادية للإمبريالية والصهيونية، الذين ساهموا بشكلٍ فعالٍ ومؤثرٍ في رفع وتقوية تأييد شعوب القارة وقواها التقدمية، الحاكمة أو المعارضة، لقضية شعبنا ونضاله العادل الذي " حصدت ثماره السلطة وسفاراتها وكأنهم هم الذين " شقلبو" الرأي العام الرسمي لصالحنا! ماذا فعل " كوبلاك" خلال الـ25 عاماً الفائتة؟ولماذا لم يشارك في الحمة الشعبية ضد الزيارة التي قام بها " نتنياهو" لبعض دول القارة؟ حيث شارك مئات من الجماهير اللاتينية وكوادر ومؤسسات فلسطينية نشيطة وفاعلة في مظاهرات وفعاليات بما فيها مداخلات برلمانية لإسماع صوتها لحكوماتها بأن " نتنياهو" مجرم ومطلوب للعدالة وغير مرحب به أن " كوبلاك" الذي يُعتبر أحد مؤسسات المجلس الوطني الفلسطيني، ألم يُنوم كما كل المؤسسات؟ ولكن هل تواصلت السلطة عبر وزرائها أو سفرائها مع الجاليات لتسمع صوتها؟ ولماذا العلاقة الفعلية محصورة ببعض أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة المتحالفة مع يمين القارة المعادي لمصالح شعوبه وشعبنا أيضاً؟ نعم، إن الحقيقة وإن هي مؤلمة لكم، إنكم لستم لا كوزارة ولا كسلطة، حريصين على الجاليات ووحدتها والحياة الديمقراطية فيها.

طيب إذا الوزير المالكي طلب في رسالته لسكرتير "كوبلاك حنا صافية"، الذي استقال من منصبه قبل شهر تقريباً ومن ثم تراجع عنها بحجة أن المؤسسات الكوبلاكية طالبته بذلك ( مناورة مكشوفة) التوافق على عقد المؤتمرات لكل جالية وانتخاب الممثلين ديمقراطياً لمؤتمر " كوبلاك" القارة للوصول إلى مؤتمر توحيدي، لماذا " حنا صافية" ضرب بعرض الحائط بهذا التوجيه الوزاري ودعا إلى عقد المؤتمر الرابع في " مناغوا" عاصمة " نيكارغوا" في الفترة من 19 إلى 22 من الشهر الجاري؟ ولماذا " صافية" ومن يدعموه لا يريدون اجتماع تحضيري من مندوبين عن كل مؤسسات القارة المشاركة أو التي تريد الانضمام لـ"كوبلاك"؟ إن الوزير المالكي يعي جيداً أن هنالك دعوة منذ أكثر من شهرين لعقد لقاء تحضيري، لعقد مؤتمر توافقي كما هو نفسه دعا إلى ذلك، حيث حدد موعد " للتحضيري" في تشيلي ( 30-31/ أكتوبر و1/11) أي بعد الانتهاء من " فستفال تقاليد" الذي سيقام في العاصمة سانتياغو (من 26 إلى 29 أكتوبر)، ومن المعروف أيضاً أنه كان شبه إجماع على ذلك الموعد.

" حنا صافية" ضرب بعرض الحائط بتوجيهات الوزير المالكي، ودعا إلى عقد المؤتمر دون أي إجراءات أو لقاءات تحضيرية يتم خلالها مراجعة الفترة السابقة، والاتفاق على آلية انتخاب المندوبين وعددهم وكيفية انتخابهم وفتح المجال لانضمام مؤسسات جديدة نشأت خلال هذه الفترة، والاتفاق على تشكيل لجنة لدراسة الدستور من أجل تعديله، ووضع لائحة جديدة له تنسجم مع الأوضاع الجديدة لدول القارة التي تشكّل جالياتنا جزء عضوي منها عليها واجبات تجاهها، كما واجباتها تجاه فلسطين.

إني أعتقد، كما كل الحريصون على وحدة الجاليات، أن هنالك مجال ومتسع من الوقت لإلغاء هذا المؤتمر، وتوافق الجميع على اجتماع تحضيري يمهد فعلياً لعقد المؤتمر الرابع، وأن نختصر الوقت والجهد، لترميم الانقسام إذا ما حدث، وأن لا ندع " الجرة تقع من أيدينا" وأن لا نكرر تجارب جالياتنا في مناطق وقارات أخرى.